مسح الرأس في الوضوء عند المذاهب الأربعة

مسح الرأس في الوضوء عند المذاهب الأربعة

مسح الرأس في الوضوء:

    و مسح الرأس أحد فرائض الوضوء, لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} وروى مسلم " أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة".

      والمسح: هو إمرار اليد المبتلة على العضو.

      والرأس: منبت الشعر المعتاد من المقدم فوق الجبهة إلى نقرة القفا. ويدخل فيه الصُدْغان مما فوق العظم الناتئ في الوجه.

      واختلف الفقهاء في القدر المجزئ منه:

      فقال الحنفية: الواجب مسح ربع الرأس مرة، بمقدار الناصية، فوق الأذنين لا على طرف ذؤابة (ضفيرة)، ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل لم يؤخذ من عضو آخر.

      لحديث البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، والخفين" ولحديث داود عن أنس قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمِامة قِطْرية (من صنع قَطَر)، فأدخل يده تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة".

      وقال المالكية، والحنابلة: يجب مسح جميع الرأس، وليس على الماسح نقض ضفائر شعره، ولا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، ولا يجزئ مسحه عن الرأس، ويجزئ المسح على الشعر الذي لم ينزل عن محل الفرض. فإن فقد شعره مسح بشرته، لأنها ظاهر رأسه بالنسبة إليه.

      وقال الحنابلة: بوجوب الاستيعاب للرجل، أما المرأة فيجزئها مسح مقدم رأسها، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها. ويجب أيضاً عند الحنابلة مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، لأنهما من الرأس، لما رواه ابن ماجه: "الأذنان من الرأس".

      ويكفي المسح عندهم مرة واحدة، ولا يستحب تكرار مسح رأس وأذن، قال الترمذي وأبو داود: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه واحدة، لأنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وقالوا فيها: "ومسح برأسه" ولم يذكروا عدداً، كما ذكروا في غيره.

      ودليلهم حديث عبد الله بن زيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما، وأدبر، بدأ بمقدِّم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قَفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" رواه مسلم.

      وقال الشافعية: الواجب مسح بعض الرأس، ولو شعرة واحدة في حدِّ الرأس، بأن لا يخرج بالمدِّ عنه من جهة نزوله.

      وفي مذهب الشافعية: جواز غسله لأنه مسح وزيادة، وجواز وضع اليد على الرأس بلا مَدّ، لحصول المقصود من وصول البلل إليه.

      وعند الحنابلة: أنه لا يكفي غسل الرأس من غير إمرار اليد على الرأس، فيجزئه الغسل مع الكراهة إن أمرّ يده.

 

جاء في شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله : مسح الرأس


قال: (ثم مسح برأسه) لفظة (مسح) تتعدى بنفسها، فتقول مسحت الزجاج، فتتعدى كلمة (مسح) بدون زيادة حرف، فهنا الباء جاءت ودخلت على الكلمة، فيقولون: ما دام أن مادة (مسح) تتعدى بذاتها فلا حاجة إلى مجيء الحرف، فنقول: وامسحوا رءوسكم فيحصل المسح، لكن مجيء الباء يدل على وجود مادة وقع المسح بها، كأنه قال: وامسحوا بالماء رءوسكم.
بقي عندنا كيفية المسح والمقدار المجزئ في ذلك، فنجد من يقول: الباء للإلصاق، أي: لشمول وتعميم الرأس كل، وبعضهم يقول: الباء للتبعيض، نحو: اكتفيت بتمرة من كامل التمر الموجود فهل الباء هنا في الآية الكريمة: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } [المائدة:6] للتبعيض، أم للإلصاق، أم هي لضرورة وجود ممسوح به يعلم بالرأس؟ تقول: مسحت الدهن بالرأس فنجد من يقول: الباء للتبعيض ويقول: أي جزء من الرأس مسحت أجزأك.
ونفس القضية في حلق الرأس، ونجد الآخرين يقولون: تحلق مقدار الربع، ونجد بعضهم الآخر يقول: تحلق الأغلب، فـ مالك و أحمد رحمهما الله يقولان بالأغلبية، و أبو حنفية يقول بكامل الرأس، و أبو حنفية رحمه يقول بالأكثرية، و الشافعي رحمه الله يقول ببعضه.
ومن غريب نوادر الفقه ما ذكره النووي رحمه الله في المجموع، حيث يقول: وقد أغرب بعض أصحابنا فقال: لو مسح ثلاث شعرات أجزأه؛ لأنه أقل العدد وأغرب منه من قال: ولو مسح بعض شعرة أجزأه ثم يقول: وكيف يكون بعض شعرة؟ قال: إذا طلى الرأس بالحناء، وبرزت شعرة من تحت الحناء، ومسح الجزء الذي برز منها أجزأه، ثم يقول: هذا من أغرب الأقوال.
وسيأتي في باب الوضوء كيفيات مسح الرأس عنده صلى الله عليه وسلم، ففي رواية: (فأقبل بهما وأدبر) أي: بدأ بمقدم رأسه وذهب بكفيه إلى قفاه، ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه.
وسنجد أنه مسح بناصيته وكان عليه العمامة، فأتم على العمامة، والناصية هي مقدم الرأس، وكانت عليه صلى الله عليه وسلم العمامة، فأدخل يده تحت العمامة ومسح بالناصية، ثم أكمل المسح على العمامة.
وهناك صورة ثالثة أنه مسح على العمامة بدون الناصية، فلهذا قال الشافعية: مسح بعض الرأس يجزئ وكذلك الأحناف قالوا: مسح الأكثر يجزئ ولكن الجمهور يجيبون عن ذلك بأنه لم يقتصر على الناصية، ولكنه أكمل على العمامة.
وهنا عثمان رضي الله عنه قال حمران عنه: (ثم مسح برأسه).
وذلك بعدما مضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، وفي مسح الرأس لم يذكر (ثلاثاً)، وهنا يأتي السؤال: هل المسح على الرأس يكون ثلاثاً كبقية أعضاء الوضوء، أم مرة واحدة؟ وهنا أطلق، لكن إذا وجد عندنا ما يقتضي أن المسح ثلاثاً انتقلنا إليه، وهنا لم يذكر عدداً، ولم ينس ولم يخطئ، فما دام أنه ذكر العدد في كل أعضاء الوضوء فإنا نأتي بالعدد في موضع ما جاء به، وحيث ترك العدد في موضع منه تركناه، إلا إذا جاءنا نص في حديث آخر يقول: (ثلاثاً) فننظر هذه الزيادة، وننظر فيمن زادها، فإن كان ثقة فزيادة الثقة مقبولة.
وبعض الشافعية يرى أن تثليث المسح كتثليث الأعضاء في الغسل، والجمهور على أن المسح لم يرد فيه نص صحيح صريح بأن يكون ثلاثاً، وقالوا: لا ينبغي أن يكون المسح إلا مرة واحدة.
فنحن نعلم بأن الشعر لا يغسل بالماء، فإذا كانت اليد مبلولة ومسحت الرأس ترى أثر الماء على الشعر، ولو مسحت على الثوب لا تراه، ولو جئت بالمسح مرة ثانية أو مرة ثالثة انقلب المسح إلى ما يشبه الغسل، ولهذا قالوا: المسح لا يكرر؛ لأنك لو كررت المسح أصبح في صورة الغسل، والله سبحانه وتعالى أمر في حق الرأس بالمسح وليس بالغسل.