لماذا يوجد سجدتين في سورة الحج

لماذا يوجد سجدتين في سورة الحج

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

سورة الحج سورة عظيمة من سور القرآن الكريم خصها الله تعالى بمزايا عديدة

فهي السورة الوحيدة في القرآن كله التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام وهو الحج, وبها سجدتين,

قال عنها المفسرون أنها من أعاجيب السور، نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، مكيا ومدنيا، سلميا وحربيا، محكما ومتشابها . هي السورة الوحيدة التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام تميزت عن سور القرآن بسجدتين . سُمِّيَتْ هَذِه السُّورَة سُورَة الْحَجَّ فِي زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] علوم السورة . وَلَيْسَ لِهَذِهِ السُّورَةِ اسْمٌ غَيْرَ هَذَا.

1- سورة الحج هي السورة الثانية والعشرون في ترتيب المصحف، وعدد آياتها ثمان وسبعون آية

2-«والأصح أن سورة الحج مختلطة» فيها آيات مدنية، وفيها آيات مكية، وإن اختلف في التعيين، وهو قول الجمهور» الآلوسي  . 

في هذه السورة سجدتان في الآيتين (18 و77)،

( ألم تر أن الله يسجد له من في السمأوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) آية.18

في ختام السورة تأتي آية سجدة : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) آية77

على الرغم من أن أول سجدة في القرآن الكريم وردت في الجزء التاسع في سورة من طوال المفصل وهي سورة الأعراف، إلا أن سورة الحج خصَّها الله تبارك وتعالى بسجدتين دون بقية السور، والسجود عند المؤمنين ذروة التعبد والتقرب إلى الله –تعالى-، انتهى .

 

 

شرح حديث: (فضلت سورة الحج بسجدتين)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في كتاب بلوغ المرام : [ وعن خالد بن معدان رضي الله عنه قال: (فضلت سورة الحج بسجدتين) رواه أبو داود في المراسيل ] .
يأتي المؤلف بهذا الحديث أيضاً، وفيه أن سورة الحج فضلت بوجود سجدتين فيها، وهنا مسألة: هل يقال في سور القرآن وآياته: هذه السورة أفضل من تلك؟ اختلف العلماء في هذه المسألة، فبعضهم يقول: لا نفضل؛ لأن كله كلام الله.
وبعضهم يقول: قد تختص هذه السورة بما لا تختص به تلك، وهذا كلام معقول، فمثلاً: آية الكرسي قالوا: هي أفضل آية في كتاب الله، لأنها تختص بصفات الله كما تقدم في الذكر بعد الصلاة، وكذلك { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص:1] تختص بخصائص؛ لأنها محض صفات لله سبحانه، وهكذا الفاتحة تختص بأنها أم الكتاب؛ لأنها جمعت علوم القرآن كله، والقرآن جمع علوم الكتب قبله، فالفاتحة جمعت كل كتاب منزل من السماء.
ويقول بعضهم: لا مانع أن يقال: الكل فاضل، وهناك أفضل، فليس هناك ناقص بل الكل فاضل، فكما تفاضلت الرسل كذلك تتفاضل السور، وكذلك تتفاضل الآيات، ومما فضلت به -أي: خصت به- سورة الحج أن فيها سجدتين، فلا يوجد سورة تجمع سجدتين إلا سورة الحج، وقد أتى بهذا المؤلف؛ لأن هناك خلافاً في السجدة الثانية من سجدتي سورة الحج، فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يعتبرها إلا إذا قرأ بها في الصلاة، أما خارج الصلاة فلا يعتبرها سجدة.
إذاً: المؤلف رحمه الله يسوق لنا مواضع الاختلاف في سجود التلاوة.

شرح حديث: (فمن لم يسجدها فلا يقرأها)
قال المصنف رحمة الله: [ ورواه أحمد و الترمذي موصولاً من حديث عقبة بن عامر ، وزاد: ( فمن لم يسجدهما فلا يقرأها ) ، وسنده ضعيف ].
في هذه الزيادة تنبيه وهو: أن من لم يسجد السجدتين في سورة الحج فلا يقرأها، يعني: لا يقرأ السورة، والرواية الأخرى: ( فلا يقرأهما ) يعني: آيتي السجدة.
وهنا بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا النص،هل يجوز للإمام أن يقرأ في الصلاة ما شاء من آيات السجدة على غير عادة منه مع الناس؟ مالك رحمه الله يقول: لا يجوز للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في الصلاة الجهرية ولا في السرية ليسجد بنفسه؛ لأنه إن قرأ سراً بآية سجدة فسجد، فالناس لا يعلمون لماذا سجد، وإن قرأ في الجهرية سورة فيها سجدة، فقد يسمع البعض ويعلم حكم السجدة في تلك السورة فيسجد، والبعض قد لا يعلم حكم السجدة فيها أو لا يسمع فلا يسجد، فيكون هناك اضطراب، وقد يقرأ الإمام السورة التي فيها السجدة ولا يسجد؛ لأنه غير ملزم، ولكن المأموم يعلم أنها موضع سجدة فيسجد ظناً منه أن الإمام قد سجد، إذاً: فيحصل الاضطراب، ولهذا قالوا: لا ينبغي للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة على غير وفاق من المجموعين، والآن يعلم الناس مشروعيتها.
ولا ينبغي أن يقرأ بها الإمام، والكل يعلم أن فيها سجدة، ويمر دون أن يسجد؛ مخافة أن يسجد المأموم لسماع آية السجدة ويكون الإمام لم يسجد، فإن كان يريد أن يسجد فيها فليقرأ وليسجد، وإن كان لا يريد أن يسجد فيها فلا يقرأها؛ لئلا يوقع ارتباكاً عند الناس.

شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم