1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ البقرة: 158] .

  
   

﴿ ۞ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة البقرة: 158]

القول في تفسير قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج


إن الصفا والمروة- وهما جبلان صغيران قرب الكعبة من جهة الشرق- من معالم دين الله الظاهرة التي تعبَّد الله عباده بالسعي بينهما. فمَن قصد الكعبة حاجًّا أو معتمرًا، فلا إثم عليه ولا حرج في أن يسعى بينهما، بل يجب عليه ذلك، ومن فعل الطاعات طواعية من نفسه مخلصًا بها لله تعالى، فإن الله تعالى شاكر يثيب على القليل بالكثير، عليم بأعمال عباده فلا يضعها، ولا يبخس أحدًا مثقال ذرة.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


إنَّ الجبلين المعروفين بالصفا والمروة قرب الكعبة من معالم الشريعة الظاهرة، فمن قصد البيت لأداء نسك الحج أو نسك العمرة؛ فلا إثم عليه أن يسعى بينهما.
وفي نفي الإثم هنا طمأنةٌ لمن تَحَرَّج من المسلمين من السعي بينهما اعتقادًا أنه من أمر الجاهلية، وقد بيَّن تعالى أن ذلك من مناسك الحج.
ومن فَعَلَ المستحبات من الطاعات متطوعًا بها مخلصًا؛ فإن الله شاكر له، يقبلها منه، ويجازيه عليها، وهو العليم بمن يفعل الخير، ويستحق الثواب.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 158


(إن الصفا والمروة) جبلان بمكة (من شعائر الله) أعلام دينه جمع شعيرة (فمن حج البيت أو اعتمر) أي تلبس بالحج أو العمرة وأصلهما القصد والزيارة (فلا جناح عليه) إثم عليه (أن يطوف) فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء (بهما) بأن يسعى بينهما سبعا، نزلت لما كره المسلمون ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعليهما صنمان يمسحونهما، وعن ابن عباس أن السعي غير فرض لما أفاده رفع الإثم من التخيير وقال الشافعي وغيره ركن، وبين صلى الله عليه وسلم فرضيته بقوله "" إن الله كتب عليكم السعي "" رواه البيهقي وغيره "" وقال ابدءوا بما بدأ الله به "" يعني الصفا رواه مسلم (ومن تطوع) وفي قراءة بالتحتية وتشديد الطاء مجزوما وفيه إدغام التاء فيها (خيرا) أي بخير أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره (فإن الله شاكر) لعمله بالإثابة عليه (عليم) به.

تفسير السعدي : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج


يخبر تعالى أن الصفا والمروة وهما معروفان { مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } أي أعلام دينه الظاهرة, التي تعبد الله بها عباده, وإذا كانا من شعائر الله, فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } فدل مجموع النصين أنهما من شعائر الله, وأن تعظيم شعائره, من تقوى القلوب.
والتقوى واجبة على كل مكلف, وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة, كما عليه الجمهور, ودلت عليه الأحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " خذوا عني مناسككم " { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما, لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم, لا لأنه غير لازم.
ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة, أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت, فإنه يشرع مع العمرة والحج, وهو عبادة مفردة.
فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة, ورمي الجمار فإنها تتبع النسك، فلو فعلت غير تابعة للنسك, كانت بدعة, لأن البدعة نوعان: نوع يتعبد لله بعبادة, لم يشرعها أصلا، ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة, فتفعل على غير تلك الصفة, وهذا منه.
وقوله: { وَمَنْ تَطَوَّعَ }- أي: فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى { خَيْرًا } من حج وعمرة, وطواف, وصلاة, وصوم وغير ذلك { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } فدل هذا, على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله, ازداد خيره وكماله, ودرجته عند الله, لزيادة إيمانه.
ودل تقييد التطوع بالخير, أن من تطوع بالبدع, التي لم يشرعها الله ولا رسوله, أنه لا يحصل له إلا العناء, وليس بخير له, بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل.
{ فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } الشاكر والشكور, من أسماء الله تعالى, الذي يقبل من عباده اليسير من العمل, ويجازيهم عليه, العظيم من الأجر, الذي إذا قام عبده بأوامره, وامتثل طاعته, أعانه على ذلك, وأثنى عليه ومدحه, وجازاه في قلبه نورا وإيمانا, وسعة, وفي بدنه قوة ونشاطا, وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء, وفي أعماله زيادة توفيق.
ثم بعد ذلك, يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا, لم تنقصه هذه الأمور.
ومن شكره لعبده, أن من ترك شيئا لله, أعاضه الله خيرا منه، ومن تقرب منه شبرا, تقرب منه ذراعا, ومن تقرب منه ذراعا, تقرب منه باعا, ومن أتاه يمشي, أتاه هرولة, ومن عامله, ربح عليه أضعافا مضاعفة.
ومع أنه شاكر, فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل, بحسب نيته وإيمانه وتقواه, ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد, فلا يضيعها, بل يجدونها أوفر ما كانت, على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.

تفسير البغوي : مضمون الآية 158 من سورة البقرة


قوله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله الصفا: جمع صفاة وهي الصخور الصلبة الملساء، يقال: صفاة وصفا، مثل: حصاة وحصى ونواة ونوى، والمروة: الحجر الرخو، وجمعها مروات، وجمع الكثير مرو، مثل: تمرة وتمرات وتمر.
وإنما عنى الله بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي المسعى، ولذلك أدخل فيهما الألف واللام، وشعائر الله أعلام دينه، أصلها من الإشعار وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلماً لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة فالمطاف والموقف والنحر كلها شعائر الله ومثلها المشاعر، والمراد بالشعائر ها هنا: المناسك التي جعلها الله أعلاماً لطاعته؛ فالصفا والمروة منها حتى يطاف بهما جميعاً.
فمن حج البيت أو اعتمر فالحج في اللغة: القصد، والعمرة: الزيارة، وفي الحج والعمرة المشروعين قصد وزيارة.
فلا جناح عليه أي لا إثم عليه، وأصله من جنح أي مال عن القصد.
أن يطوف بهما أي يدور بهما، وأصله يتطوف أدغمت التاء في الطاء.
وسبب نزول هذه الآية أنه كان على الصفا والمروة صنمان أساف ونائلة، وكان أساف على الصفا ونائلة على المروة، وكان أهل الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة تعظيماً للصنمين ويتمسحون بهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كان المسلمون يتحرجون عن السعي بين الصفا والمروة لأجل الصنمين فأذن الله فيه وأخبر أنه من شعائر الله.
واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية ووجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة: فذهب جماعة إلى وجوبه وهو قول ابن عامر وجابر وعائشة وبه قال الحسن وإليه ذهب مالك والشافعي، وذهب قوم إلى أنه تطوع وهو قول ابن عباس وبه قال ابن سيرين ومجاهد وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وقال الثوري وأصحاب الرأي على من تركه دم.
واحتج من أوجبه بما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أخبرنا الربيع عن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن مؤمل العائذي عن عمرو بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني بنت أبي تجراة - اسمها حبيبة إحدى نساء بني عبد الدار - قالت: "دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى لأقول إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي"".
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن هشان بن عروة عن أبيه أنه قال: "قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت قول الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فما أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية".
قال عاصم: "قلت لأنس بن مالك أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال: نعم، لأنها كانت من شعائر الجاهلية حتى أنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا يقول: "نبدأ بما بدأ الله تعالى به، فبدأ بالصفا"".
.
وقال كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الملك وله الحمد وهوعلى كل شيء قدير.
يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك.
كان إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي يسعى حتى يخرج منه.
قال مجاهد رحمه الله: "حج موسى عليه السلام على جمل أحمر وعليه عباءتان قطوانيتان، فطاف البيت ثم صعد الصفا ودعا ثم هبط إلى السعي وهو يلبي فيقول لبيك اللهم لبيك، فقال الله تعالى لبيك عبدي وأنا معك فخر موسى عليه السلام ساجداً".
قوله تعالى: ومن تطوع خيراً قرأ حمزة والكسائي بالياء وتشديد الطاء وجزم العين وكذلك الثانية فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا [184-البقرة] بمعنى يتطوع، ووافق يعقوب في الأولى وقرأ الباقون بالتاء وفتح العين على الماضيوقال مجاهد: "معناه فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة"، وقال مقاتل والكلبي: "فمن تطوع: أي زاد في الطواف بعد الواجب".
وقيل: من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الحجة الواجبة عليه، وقال الحسن وغيره: "أراد سائر الأعمال يعني فعل غير المفترض عليه من زكاة وصلاة وطواف وغيرها من أنواع الطاعات".
فإن الله شاكر مجاز لعبده بعمله.
والشكر من الله تعالى أن يعطي لعبده فوق ما يستحق.
يشكر اليسير ويعطي الكثير.
عليم بنيته.

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


قال الآلوسى: بعد أن أشار- سبحانه - فيما تقدم إلى الجهاد عقب ذلك ببيان معالم الحج، فكأنه جمع بين الحج والغزو، وفيهما شق الأنفس وتلف الأموال.
وقيل لما ذكر الصبر عقبه ببحث الحج لما فيه من الأمور المحتاجة إليه».
والصَّفا في اللغة: الحجر الأملس، مأخوذ من صفا يصفوا إذا خلص، واحده صفاة فهو مثل حصى وحصاة ونوى ونواة.
والْمَرْوَةَ في أصل اللغة: الحجر الأبيض اللين، وقيل: الحصاة الصغيرة.
وهما- أى الصفا والمروة- قد جعلا علمين لجبلين معروفين بمكة كانا على بعد ما يقرب من ألف ذراع من المسجد الحرام.
والألف واللام فيهما للتعريف لا للجنس.
ومع توسعة المسجد الحرام صارا متصلين به.
والشعائر جمع شعيرة، من الإشعار بمعنى الإعلام، ومنه قولك شعرت بكذا، أى:علمت به.
وكون الصفا والمروة من شعائر الله، أي: أعلام دينه ومتعبداته.
تعبدنا الله بالسعي بينهما في الحج والعمرة.
وشعائر الحج: معالمه الظاهرة للحواس، التي جعلها الله أعلاما لطاعته، ومواضع نسكه وعباداته، كالمطاف والمسعى والموقف والمرمى والمنحر.
وتطلق الشعائر على العبادات التي تعبدنا الله بها في هذه المواضع، لكونها علامات على الخضوع والطاعة والتسليم لله-تبارك وتعالى-.
وأكدت الجملة الكريمة بإن لأن بعض المسلمين كانوا مترددين في كون السعى بين الصفا والمروة من شعائر الله، وكانوا يظنون أن السعى بينهما من أحوال الجاهلية، كما سنبين بعد قليل.
وقوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما تفريع على كونهما من شعائر الله وأن السعى بينهما في الحج والعمرة من المناسك.
والحج لغة: القصد مطلقا أو إلى معظم.
وشرعا: القصد إلى البيت الحرام في زمان معين بأعمال مخصوصة.
واعْتَمَرَ أى: زار.
والعمرة الزيارة مأخوذة من العمارة كأن الزائر يعمر البيت الحرام بزيارته.
وشرعا الزيارة لبيت الله المعظم بأعمال مخصوصة وهي: الإحرام والطواف والسعى بين الصفا والمروة.
والجناح- بضم الجيم- الإثم والحرج مشتق من جنح إذا مال عن القصد، وسمى الإثم به للميل فيه من الحق إلى الباطل.
ويَطَّوَّفَ أصلها يتطوف، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت في الطاء فصارت «يطوف.
والتطوف بالشيء كالطواف به، ومعناه: الإلمام بالشيء والمشي حوله.
وقد فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم الطواف بالنسبة للكعبة بالدوران حولها سبعة أشواط.
وفسره بالنسبة للصفا والمروة بالسعي بينهما سبعة أشواط كذلك.
و «من» في قوله: فَمَنْ حَجَّ شرطية، «وحج» في محل جزم بالشرط، والْبَيْتَ منصوب على المفعولية، وجملة «فلا جناح عليه أن يطوف بهما» جواب الشرط.
والمعنى: إن الصفا والمروة من شعائر الله، أى: من المواضع التي يقام فيهما أمر من أمور دينه وهو السعى بينهما فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أى: قصده بالأفعال المعينة التي شرعها الله أَوِ اعْتَمَرَ أى: أتى بالعمرة كما بينتها تعاليم الإسلام «فلا جناح عليه أن يطوف بهما» أى: فلا إثم ولا حرج ولا مؤاخذة عليه في الطواف بهما، لأنهما مطلوبان للشارع، ومعدودان من الطاعات.
وهنا قد يقول قائل: إن بعض الذين يقرءون هذه الآية قد يشكل عليهم فهمها وذلك لأن قوله-تبارك وتعالى-: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ يدل على أن الطواف بهما مطلوب شرعا طلبا أقل درجاته الندب، وقوله-تبارك وتعالى-: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما يقتضى رفع الإثم عن المتطوف بهما، والتعبير برفع الإثم عن الشيء يأتى في مقام الدلالة على إباحته، وإذن فما الأمر الداعي إلى أن يقال في هذه الشعيرة: لا إثم على من يفعلها بعد التصريح بأنها من شعائر الله؟ وللإجابة على هذا القول نقول.
إن الوقوف على سبب نزول الآية الكريمة يرفع هذا الاستشكال.
وقد روى العلماء في سبب نزولها عدة روايات منها: ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- قلت لها: أرأيت قوله-تبارك وتعالى-: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ...
فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة؟ قالت بئس ما قلت يا ابن أختى!! إن هذه الآية لو كانت كما أولتها لكانت: لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكن الآية أنزلت في الأنصار.
كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشعر.
فكان من أهل يتحرج أن يتطوف بالصفا والمروة.
فلما أسلموا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك؟ فقالوا:يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله-تبارك وتعالى- هذه الآية.
قال عائشة: وقد سن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
وهناك رواية لمسلّم عن عروة عن عائشة تشبه ما جاء في رواية البخاري، وهناك رواية للنسائى عن زيد بن حارثة قال: كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما «إساف ونائلة» كان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما.
وهناك رواية للطبراني وابن أبى حاتم بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعى بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله هذه الآية .
فيؤخذ من هذه الروايات أن بعض المسلمين كانوا يتحرجون من السعى بين الصفا والمروة لأسباب من أهمها أن هذا السعى كان من شعائرهم في الجاهلية فقد كانوا يهلون- أى يحرمون- لمناة، ثم يسعون بينهما ليتمسحوا بصنمين عليهما، وهم لا يريدون أن يعملوا في الإسلام شيئا مما كان من أمر الجاهلية لأن دين الإسلام الذي خالط أعماق قلوبهم هز أرواحهم هزا قويا وجعلهم ينظرون بجفوة وازدراء واحتراس إلى كل ما كانوا عليه في الجاهلية من أعمال تتنافى مع تعاليم دينهم الجديد، فنزلت هذه الآية الكريمة لتزيل التحرج الذي كان يتردد في صدورهم من السعى بين الصفا والمروة.
وهذا يدل على قوة إيمانهم، وصفاء يقينهم، وتحرزهم من كل قول أو عمل يشم منه رائحة التعارض مع العقيدة التي جعلتهم يخلصون عبادتهم لله الواحد القهار.
وقوله وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ تذييل قصد منه الإتيان بحكم كلى في أفعال الخيرات كلها، وقيل إنه تذييل لما أفادته الآية من الحث على السعى بين الصفا والمروة.
وتَطَوَّعَ من التطوع وهو فعل الطاعة فريضة كانت أو نافلة، وقيل هو التطوع بالنفل خاصة.
وشاكِرٌ من الشكر، والشاكر في اللغة هو المظهر للإنعام عليه، وذلك محال في حق الله-تبارك وتعالى-، إذ هو المنعم على خلقه، فوجب حمل شكر الله لعباده على معنى مجازاتهم على ما يعملون من خيرات، وإثابتهم على ذلك بالثواب الجزيل.
قال الإمام الرازي: وإنما سمى- سبحانه - المجازاة على الطاعة شكرا لوجوه:الأول: أن اللفظ خرج مخرج التلطف مع العباد مبالغة في الإحسان إليهم، كما في قوله-تبارك وتعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وهو- سبحانه - لا يستقرض من عوز، ولكنه تلطف في الاستدعاء كأنه قيل: من ذا الذي يعمل عمل المقرض.
بأن يقدم فيأخذ أضعاف ما قدم.
الثاني: أن الشكر لما كان مقابلا للإنعام أو الجزاء عليه، سمى كل ما كان جزاء شكرا على سبيل التشبيه.
الثالث: كأنه يقول: أنا وإن كنت غنيا عن طاعتك، إلا أنى أجعل لها من الموقع بحيث لو صح على أن أنتفع بها لما ازداد وقعه على ما حصل.
وبالجملة فالمقصود أن طاعة العبد مقبولة عند الله، وواقعة موقع القبول في أقصى الدرجات .
ومِنْ شرطية.
وتَطَوَّعَ فعل الشرط، وخَيْراً منصوب على نزع الخافض، وأصله بخير لأن تطوع يتعدى بالباء ولا يتعدى بنفسه ثم حذفت الباء في نظم الكلام نحو: تمرون الديار فلم تعوجوا.
أو هو منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أى: تطوعا خيرا، وجملة فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ دليل على جواب الشرط، إذ التقدير، ومن تطوع خيرا جوزي فإن الله شاكر عليم.
والمعنى: ومن تطوع بالخيرات وأنواع الطاعات، أو من أتى بالحج أو العمرة طاعة لله، أو من أتى بهما مرة بعد مرة زيادة على المقروض أو الواجب عليه، فاز بالثواب الجزيل، والنعيم المقيم لأن من صفاته- سبحانه - مجازاة من يحسنون العمل، وهو عليم بكل ما يصدر عن عباده، ولن يضيع أجر من أحسن عملا.
هذا، وقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم السعى بين الصفا والمروة.
فمنهم من يرى أنه من أركان الحج كالإحرام والطواف والوقوف بعرفة.
وإلى هذا الرأى ذهب الشافعى وأحمد بن حنبل ومالك في أشهر الروايتين عنه ومن حججهم أنه من أفعال الحج، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اهتم به وبادر إليه، فقد روى الشيخان عن عمرو بن دينار قال:سألنا ابن عمر عن رجل طاف بالبيت العمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال:قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة.
وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» .
ومنهم من يرى أنه واجب يجبر بالدم، وإلى هذا الرأى ذهب الحنفية ومن حججهم أنه لم يثبت بدليل قطعى فلا يكون ركنا.
ومنهم من يرى غير ذلك كما هو موضح في كتب الفقه.
ثم حض- سبحانه - على إظهار الحق وبيانه، وتوعد بالعقاب الشديد من يعمل على إخفائه وكتمانه.
فقال- تعالى:

إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج: تفسير ابن كثير


قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قلت : أرأيت قول الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } قلت : فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية ، التي كانوا يعبدونها عند المشلل . وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية . فأنزل الله عز وجل : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } إلى قوله : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما . أخرجاه في الصحيحين .
وفي رواية عن الزهري أنه قال : فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال : إن هذا العلم ، ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إن الناس إلا من ذكرت عائشة كانوا يقولون : إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء .
ورواه البخاري من حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بنحو ما تقدم . ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة قال : كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كله ، وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية . وقال الشعبي : كان إساف على الصفا ، وكانت نائلة على المروة ، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية . قلت : وذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين ، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلما طال عهدهما عبدا ، ثم حولا إلى الصفا والمروة ، فنصبا هنالك ، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب ، في قصيدته المشهورة :
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل
وفي صحيح مسلم [ من ] حديث جابر الطويل ، وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت ، عاد إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من باب الصفا ، وهو يقول : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ثم قال : " أبدأ بما بدأ الله به " . وفي رواية النسائي : " ابدءوا بما بدأ الله به " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا شريح ، حدثنا عبد الله بن المؤمل ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن صفية بنت شيبة ، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه ، وهو وراءهم ، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : " اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي " .
ثم رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة ، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول : " كتب عليكم السعي ، فاسعوا " .
وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج ، كما هو مذهب الشافعي ، ومن وافقه [ ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك ] . وقيل : إنه واجب ، وليس بركن [ فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم وهو رواية عن أحمد وبه تقول طائفة وقيل : بل مستحب ، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي وابن سيرين ، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس ، وحكي عن مالك في العتبية ، قال القرطبي : واحتجوا بقوله : { فمن تطوع خيرا } ] . وقيل : بل مستحب . والقول الأول أرجح ، لأنه عليه السلام طاف بينهما ، وقال : " لتأخذوا عني مناسككم " . فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج ، إلا ما خرج بدليل ، والله أعلم [ وقد تقدم قوله عليه السلام : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ] .
فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، أي: مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج ، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها ، لما نفد ماؤها وزادها ، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحد من الناس ، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك ، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله ، عز وجل ، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله ، عز وجل ، حتى كشف الله كربتها ، وآنس غربتها ، وفرج شدتها ، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم ، وشفاء سقم ، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه ، وأن يلتجئ إلى الله ، عز وجل ، ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته ، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي ، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة ، كما فعل بهاجر عليها السلام .
وقوله : { فمن تطوع خيرا } قيل : زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك . وقيل : يطوف بينهما في حجة تطوع ، أو عمرة تطوع . وقيل : المراد تطوع خيرا في سائر العبادات . حكى ذلك [ فخر الدين ] الرازي ، وعزى الثالث إلى الحسن البصري ، والله أعلم . وقوله : { فإن الله شاكر عليم } أي: يثيب على القليل بالكثير } عليم } بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و { لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } [ النساء : 40 ] .

تفسير القرطبي : معنى الآية 158 من سورة البقرة


قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فيه تسع مسائل :الأولى : روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وخرج الترمذي عن عروة قال : قلت لعائشة ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا ، وما أبالي ألا أطوف بينهما .
فقالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت كما تقول لكانت : " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال : إن هذا لعلم ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية .
وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف [ بالبيت ] ولم نؤمر به بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء .
قال : " هذا حديث حسن صحيح " .
أخرجه البخاري بمعناه ، وفيه بعد قوله فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله : قالت عائشة وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة - ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا : يا رسول الله ، كنا نطوف بالصفا والمروة ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ؟ فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية .
قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما : في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت " .
وروى الترمذي عن عاصم بن سليمان الأحول قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كانا من شعائر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هما تطوع ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : هذا حديث حسن صحيح .
خرجه البخاري أيضا .
وعن ابن عباس قال كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل كله بين الصفا والمروة وكان بينهما آلهة ، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين الصفا والمروة فإنهما شرك ، فنزلت .
وقال الشعبي : كان على الصفا في الجاهلية صنم يسمى " إسافا " وعلى المروة صنم يسمى " نائلة " فكانوا يمسحونهما إذا طافوا ، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ، فنزلت الآية .
الثانية : أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس ، وهو هنا جبل بمكة معروف ، وكذلك المروة جبل أيضا ، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف .
وذكر الصفا لأن آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم وقف عليه فسمي به ، ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة ، فأنث لذلك ، والله أعلم .
وقال الشعبي : كان على الصفا صنم يسمى [ إسافا ] وعلى المروة صنم يدعى [ نائلة ] فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، وهذا حسن ; لأن الأحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى .
وما كان كراهة من كره الطواف بينهما إلا من أجل هذا ، حتى رفع الله الحرج في ذلك .
وزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين فوضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا من دون الله ، والله تعالى أعلم .
والصفا ( مقصور ) : جمع صفاة ، وهي الحجارة الملس .
وقيل : الصفا اسم مفرد ، وجمعه صفي ( بضم الصاد ) وأصفاء على مثل أرحاء .
قال الراجز [ هو الأخيل ] :كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفيوقيل : من شروط الصفا البياض والصلابة ، واشتقاقه من صفا يصفو ، أي خلص من التراب والطين .
والمروة ( واحدة المرو ) وهي الحجارة الصغار التي فيها لين .
وقد قيل إنها الصلاب .
والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته ، وفي هذا يقال : المرو أكثر ويقال في الصليب .
قال الشاعر :وتولى الأرض خفا ذابلا فإذا ما صادف المرو رضخوقال أبو ذؤيب :حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرعوقد قيل : إنها الحجارة السود .
وقيل : حجارة بيض براقة تكون فيها النار .
الثالثة : من شعائر الله أي من معالمه ومواضع عباداته ، وهي جمع شعيرة .
والشعائر : المتعبدات التي أشعرها الله تعالى ، أي جعلها أعلاما للناس ، من الموقف والسعي والنحر .
والشعار : العلامة ، يقال : أشعر الهدي أعلمه بغرز حديدة في سنامه ، من قولك : أشعرت أي أعلمت ، وقال الكميت :نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقربالرابعة : قوله تعالى : فمن حج البيت أي قصد .
وأصل الحج القصد ، قال الشاعر :فأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفراالسب : لفظ مشترك .
قال أبو عبيدة : السب ( بالكسر ) الكثير السباب .
وسبك أيضا الذي يسابك ، قال الشاعر [ هو عبد الرحمن بن حسان ] :لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريموالسب أيضا الخمار ، وكذلك العمامة ، قال المخبل السعدي :يحجون سب الزبرقان المزعفراوالسب أيضا الحبل في لغة هذيل ، قال أبو ذؤيب :تدلى عليها بين سب وخيطة بجرداء مثل الوكف يكبو غرابهاوالسبوب : الحبال .
والسب : شقة كتان رقيقة ، والسبيبة مثله ، والجمع السبوب والسبائب ، قاله الجوهري .
وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل ، قال الشاعر [ هو عذار بن درة الطائي ] :يحج مأمومة في قعرها لجفاللجف : الخسف .
تلجفت البئر : انخسف أسفلها .
ثم اختص هذا الاسم بالقصد إلى البيت الحرام لأفعال مخصوصة .
الخامسة : قوله تعالى : أو اعتمر أي زار والعمرة : الزيارة ، قال الشاعر [ هو العجاج ] :لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبرالسادسة : قوله تعالى : فلا جناح عليه أي لا إثم .
وأصله من الجنوح وهو الميل ، ومنه الجوانح للأعضاء لاعوجاجها .
وقد تقدم تأويل عائشة لهذه الآية .
قال ابن العربي : " وتحقيق القول فيه أن قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة الفعل .
وقوله : لا جناح عليك ألا تفعل ، إباحة لترك الفعل ، فلما سمع عروة قول الله تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هذا دليل على أن ترك الطواف جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة على أن الطواف لا رخصة في تركه فطلب الجمع بين هذين المتعارضين .
فقالت له عائشة : ليس قوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما دليلا على ترك الطواف ، إنما كان يكون دليلا على تركه لو كان " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ، فأعلمهم الله سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطلا " .
فإن قيل : فقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " وهي قراءة ابن مسعود ، ويروى أنها في مصحف أبي كذلك ، ويروى عن أنس مثل هذا .
والجواب أن ذلك خلاف ما في المصحف ، ولا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدرى أصحت أم لا ، وكان عطاء يكثر الإرسال عن ابن عباس من غير سماع .
والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنها ليست بالمضبوطة ، أو تكون " لا " زائدة للتوكيد ، كما قال :وما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندراالسابعة : روى الترمذي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه ثم قال : ( نبدأ بما بدأ الله به ) فبدأ بالصفا وقال إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة ، فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا .
الثامنة : واختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، فقال الشافعي وابن حنبل : هو ركن ، وهو المشهور من مذهب مالك ، لقوله عليه السلام : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي .
خرجه الدارقطني .
وكتب بمعنى أوجب ، لقوله تعالى : كتب عليكم الصيام وقوله عليه السلام : خمس صلوات كتبهن الله على العباد .
وخرج ابن ماجه عن أم ولد لشيبة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة فيطوف ويسعى ، لأن السعي لا يكون إلا متصلا بالطواف .
وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا ، فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسكه .
وقال الشافعي : عليه هدي ، ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى .
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي : ليس بواجب ، فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ; لأنه سنة من سنن الحج .
وهو قول مالك في العتبية .
وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين أنه تطوع ، لقوله تعالى : ومن تطوع خيرا .
وقرأ حمزة والكسائي " يطوع " مضارع مجزوم ، وكذلك فمن تطوع خيرا فهو خير له الباقون تطوع ماض ، وهو ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه فمن أتى بشيء من النوافل فإن الله يشكره .
وشكر الله للعبد إثابته على الطاعة .
والصحيح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى لما ذكرنا ، وقوله عليه السلام : خذوا عني مناسككم فصار بيانا لمجمل الحج ، فالواجب أن يكون فرضا ، كبيانه لعدد الركعات ، وما كان مثل ذلك إذا لم يتفق على أنه سنة أو تطوع .
وقال طليب : رأى ابن عباس قوما يطوفون بين الصفا والمروة فقال : هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل .
قلت : وهذا ثابت في صحيح البخاري على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم " .
التاسعة : ولا يجوز أن يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر ، فإن طاف معذورا فعليه دم ، وإن طاف غير معذور أعاد إن كان بحضرة البيت ، وإن غاب عنه أهدى .
إنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بنفسه وقال : خذوا عني مناسككم .
وإنما جوزنا ذلك من العذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه وقال لعائشة وقد قالت له : إني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة .
وفرق أصحابنا بين أن يطوف على بعير أو يطوف على ظهر إنسان ، فإن طاف على ظهر إنسان لم يجزه ; لأنه حينئذ لا يكون طائفا ، وإنما الطائف الحامل .
وإذا طاف على بعير يكون هو الطائف .
قال ابن خويز منداد : وهذه تفرقة اختيار ، وأما الإجزاء فيجزئ ، ألا ترى أنه لو أغمي عليه فطيف به محمولا ، أو وقف به بعرفات محمولا كان مجزئا عنه .

﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ﴾ [ البقرة: 158]

سورة : البقرة - الأية : ( 158 )  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 24 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا
  2. تفسير: أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون
  3. تفسير: ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين
  4. تفسير: وسبحوه بكرة وأصيلا
  5. تفسير: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد
  6. تفسير: فرعون وثمود
  7. تفسير: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن
  8. تفسير: إلا من تولى وكفر
  9. تفسير: قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون
  10. تفسير: إن المتقين في جنات ونعيم

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

الصفا , المروة , شعائر , الله , حج , البيت , اعتمر , جناح , يطوف , تطوع , خير , شاكر , عليم , شعائر+الله , حج+البيت , شاكر+عليم ,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب