قصة الإمام الكسائي و سورة الفاتحة

قرأ الإمام في الصلاة [ يوم تشّقّق الأرض عنهم سراعاً ، ذلك حشرٌ علينا يسير ] ..
فنسي تكملة الآية، وتوقف لعل أحداً من المصلين يرده ، ولكن أبوْا إلا الصمت .. 
وكنتُ آتٍ إلى الصلاة متأخراً في الصفوف الأخيرة البعيدة ..
فرددته بصوت منخفض [ نحن أعلم بما يقولون ] وما حد داري عن اللي بقوله هههه
فظلّ الإمام يعيد في الآية - كل مرة بلحن - حتى كررها عشراً ،
حتى إذا استايس ، وظنّ أنه لا الأمل بالمصلين وراءه ، كبر راكعاً وأناب .. 

فخطرت على بالي قصّة الإمام الكسائي ( صاحب قراءته العشرية ) ..

صلّى مرّة باليزيدي ( تلميذ أبي عمرو البصري وصاحب القراءة الشاذة ) ،
فتوقف عند قوله [ قل يا أيها الكافرون ] وارتج ، فكبر وركع ..
فلمّا سلم قال اليزيدي : أترتج [ قل يا أيها الكافرون ] على مقرئ الكوفة ؟
فقدِمتْ صلاة أخرى ، فقدّموا اليزيدي وأمّ بالكسائي هذه المرة .. 
فتوقف عند [ الحمدلله رب العالمين ] وارتج في الفاتحة .. !!
فلما سلّم قال الكسائي: " احفظ لسانك لا تقول فتبتلي إن البلاء موكل بالمنطق "

وصلّى الإمام الكسائي بهارون الرشيد ، يقول : 
[ فأخطأت في آية ما أخطأ فيها صبي ، قلت : ( لعلهم يرجعين )،
فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول : أخطأت .. لكن قال : أي لغة هذه .. ؟ 
قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد .. قال : أما هذا ، فنعم .. ] ..

وقرأ مرةً على المنبر [ أنا أكثرَ منك مالاً ] فنصب ( أكثر ) ،
فسألوه عن علّة النصب ، فقال : من يسلم من اللحن .. ؟

ومع وقوعه في اللحن سهواً ، إلا أنه كان ثبتاً في النحو واللغة ،
كفته تزكية الشافعي فقال : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي ،
وكان قد خرج إلى البوادي لطلب لغات العرب ولهجاتهم ،
فكتب شيئاً كثيراً من لغاتهم وإعرابهم حتى أنفذ 15 قنينة من الحبر ..

ودخل عليه الفرّاء يوماً فوجده يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟
فقال : هذا الملك يحيى بن خالد يحضرني فيسلاني عن الشيء ، 
فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عتب ، وإن بادرت لم آمن من الزلل ..
فقال الفرّاء : يا أبا الحسن ، من يعترض عليك ، قل ما شئت فأنت الكسائي ..
فأخذ الكسائي لسانه بيده فقال : قطعه الله إذاً إن قلتُ ما لا أعلم ..

وكان قد قرأ على الإمام حمزة أربع ختمات ،
وكان يلتف بكساء أيام قراءته عليه، فعُرف بهذا اللقب واسمه علي بن حمزة ، 
فاختار أوجهاً من قراءة حمزة ومن قراءة الهمذاني وجعل منها قراءته .. 
فكانت قراءته متوسطة بينهما ليّنة، لم تخرج عن آثار المقرئين قبله ..

وكان الطلبة يكثرون عليه ، فكان يقوم بينهم في مجلس ويتصدر كرسياً ،
يقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره ، يختم في الشهر مرتين .. 
وهم يضبطون الحروف عنه وينقطونها في مصاحفهم كما يقرؤها ..

وقد نال الجاه والرئاسة مع إقراء ابن الرشيد وتأديبه ونال من المال العظيم ..
وكان فيه دعابة ، فقيل له : لم لا تهمز [ الذيب ] ؟ فقال : أخاف أن يأكلني ! 

وذكر أنه كان يُقرئ في مسجد دمشق، فأغفى في المحراب ،
فرآى رسول الله يدخل من باب المسجد ، 
فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله بقراءة من أقرأ ؟ .. فأومأ إلى الكسائي ..

د. ماجد بن حسّان شمسي باشا