تفسير وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا

تفسير معنى قوله تعالى: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (سورة يس:9)

تفسير وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا

وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (يس:9) 

تفسير { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (يس:9) }

التفسير الميسر:

وجعلنا من أمام الكافرين سدا ومن ورائهم سدا، فهم بمنزلة من سد طريقه من بين يديه ومن خلفه، فأعمينا أبصارهم; بسبب كفرهم واستكبارهم، فهم لا يبصرون رشدا، ولا يهتدون. وكل من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد، فهو حقيق بهذا العقاب.

تفسير السعدي: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أي:

حاجزا يحجزهم عن الإيمان، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة.

تفسير ابن كثير: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا 

وقوله: { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا } : قال مجاهد: عن الحق، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } قال مجاهد: عن الحق، فهم يترددون. وقال قتادة: في الضلالات.
وقوله: { فَأَغْشَيْنَاهُمْ } أي: أغشينا أبصارهم عن الحق، { فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } أي: لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه.
قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: "فأعشيناهم" بالعين المهملة، من العشا وهو داء في العين.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [يونس: 96 ، 97] ثم قال: من منعه الله لا يستطيع.
وقال عكرمة: قال أبو جهل: لئن رأيتُ محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنزلت: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا } إلى قوله: { [فَهُمْ ] لا يُبْصِرُونَ } (6) ، قال: وكانوا يقولون: هذا محمد. فيقول: أين هو أين هو؟ لا يبصره. رواه ابن جرير.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه (7) كنتم ملوكا، فإذا متم (8) بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جِنَانٌ خير من جنان الأرْدُن وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تُعَذَّبون بها. وخرج [عليهم] (9) رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ الله على أعينهم دونه، فجعل يَذُرّها على رؤوسهم، ويقرأ: { يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }

حتى انتهى إلى قوله: { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، وباتوا رُصَدَاء على بابه، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال: ما لكم؟ قالوا: ننتظر محمدًا. قال قد خرج عليكم، فما بقي منكم من رجل إلا [قد] (1) وضع على رأسه ترابا، ثم ذهب لحاجته. فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب. قال: وقد بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم قول أبي (2) جهل فقال: "وأنا أقول ذلك: إن لهم مني لذبحا، وإنه أحدهم".
وقوله: { وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } أي: قد ختم الله عليهم بالضلالة، فما يفيد فيهم الإنذار ولا يتأثرون به.
وقد تقدم نظيرها في أول سورة البقرة، (3) وكما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [يونس:96 ، 97] .
{ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } أي: إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعون الذكر، وهو القرآن العظيم، { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ } أي: حيث لا يراه أحد إلا الله، يعلم أن الله مطلع عليه، وعالم بما يفعله، { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } أي: لذنوبه، { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } أي: كبير واسع حسن جميل، كما قال: { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك: 12] .
ثم قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } أي: يوم القيامة، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب مَنْ يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب: { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الحديد: 17] .

تفسير الماوردي

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) 

قوله عز وجل : { إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِِهِمْ أَغْلاَلاً } فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من التصرف ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : ما حكاه السدي أن ناساً من قريش ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا يريدون ذلك فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً .
الثالث : أن المراد به جعل الله سبحانه لهم في النار من الأغلال في أعناقهم ويكون الجعل ها هنا مأخوذاً من الجُعالة التي هي الأجرة كأن جعالتهم في النار الأغلال ، حكاه ابن بحر .
وفي قوله : { فِي أَعْنَاقِهِمْ } قولان :
أحدهما : في أيديهم ، فكنى بالأعناق عن الأيدي لأن الغُل يكون في الأيدي ، قاله الكلبي ، وحكى قطرب أنها في قراءة ابن عباس : { إنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِم أَغْلاَلاً }
الثاني : أنها في الأعناق حقيقة ، لأن الأيدي تجمع في الغل إلى الأعناق ، قاله ابن عباس { فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ } فيه وجهان :
أحدهما : إلى الوجوه فكنى عنها بالأذقان لأنها منها ، قاله قتادة ، أي قد غلت يده عند وجهه .
الثاني : أنها الأذقان المنحدرة عن الشفة في أسفل الوجه لأن أيديهم تماسها إذا علت .
{ فَهُم مُّقْمَحُونَ } فيه أربعة أوجه :
أحدها : رفع رؤوسهم ووضع أيديهم على أفواههم ، قاله مجاهد .
الثاني : هو الطامح ببصره إلى موطىء قدمه ، قاله الحسن . الثالث : هو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو أن يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء كريهاً ، حكاه النقاش . وقال المبرد ، وأنشد قول الشاعر :
ونحن على جوانبها قعود ... نغض الطرف كالإبل القماح
الرابع : هو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه مأخوذ من القمح وهو رفع الشيء إلى الفم ، حكاه عليّ بن عيسى وقاله أبو عبيدة .
قوله عز وجل : { وَجَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني ضلالاً ، قاله قتادة .
الثاني : سداً عن الحق ، قاله مجاهد .
الثالث : ظلمة سدت قريشاً عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ائتمروا لقتله قاله السدي . قال عكرمة : ما صنع الله تعالى فهو السُدُّ بالضم ، وما صنع الإنسان فهو السد بالفتح .
{ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } فيه وجهان :
أحدهما : فأغشيناهم بظلمة الكفر فهم لا يبصرون الهدى ، قاله يحيى بن سلام ، ومعنى قول مجاهد .
الثاني : فأغشيناهم بظلمة الليل فهم لا يبصرون محمداً صلى الله عليه وسلم حين ائتمروا على قتله ، قاله السدي ، ومحمد بن كعب .
قوله عز وجل : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكرَ } يعني القرآن . { وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ } فيه وجهان :
أحدهما : ما يغيب به عن الناس من شر عمله ، قاله السدي .
الثاني : ما غاب من عذاب الله وناره ، قاله قتادة .
{ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } لذنبه .
{ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } لطاعته ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه الكثير . الثاني : الذي تنال معه الكرامة .

 

  • تفسير ابو السعود : إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) 

وقوله تعالى :
{ إِنَّا جَعَلْنَا فِى أعناقهم أغلالا } تقريرٌ لتصميمهم على الكُفرِ وعدم ارعوائِهم عنه بتمثيلِ حالِهم بحال الذين غُلَّتْ أعناقُهم { فَهِىَ إِلَى الاذقان } أي فالأغلالُ منتهيةٌ إلى أذقانِهم فلا تدعُهم يلتفتونَ إلى الحقِّ ولاَ يَعطفونَ أعناقَهم نحوَه ولا يُطأطئونَ رؤوسَهم له { فَهُم مُّقْمَحُونَ } رافعونَ رؤوسَهم غاضُّون أبصارَهم بحيثُ لا يكادُون يَروَن الحقَّ أو ينظرُون إلى جهتِه { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } إمَّا تتَّمةٌ للتَّمثيل وتكميلٌ له أي تكميلٍ أي وجعلنا مع ما ذُكر من أمامهم سَدَّاً عظيماً ومن ورائهم سَدَّاً كذلك فغطَّينا بهما أبصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرونَ على إبصارِ شيءٍ ما أصلاً وإمَّا تمثيلٌ مستقلٌّ فإنَّ ما ذُكر من جعلهم محصورينَ بين سَدَّينِ هائلين قد غطَّيا أبصارَهم بحيث لا يُبصرون شيئاً قطعاً كافٍ في الكشف عن كمال فظاعةِ حالِهم وكونِهم محبوسين في مطمورةِ الغيِّ والجهالاتِ محرومين عن النَّظرِ في الأدلَّةِ والآياتِ وقُرىء سُدَّاً بالضمِّ وهي لغةٌ فيه ، وقيل ما كان من عمل النَّاسِ فهو بالفتحِ وما كان من خلقِ الله فبالضمِّ . وقُرىء فأعشينَاهم من العَشَا . وقيل الآيتانِ في بني مخزومٍ وذلك أنَّ أبا جهلٍ حلف لئِن رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي ليرضخنَّ رأسَه فأتاه وهو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُصلِّي ومعه حجرٌ ليدمغَه فلَّما رفع يدَه انثنتْ يدُه إلى عنقِه ولزق الحجرُ بيده حتَّى فكُّوه عنها بجهدٍ فرجع إلى قومه فأخبرَهم بذلك فقال مخزوميٌّ آخرُ أنا أقتلُه بهذا الحجرِ فذهب فأَعمى الله تعالى بصرَهُ .
{ وَسَوَآء عَلَيْهِمْ أَءنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ } بيانٌ لشأنِهم بطريق التَّصريحِ إثرَ بيانِه بطريق التَّميلِ أي مستوٍ عندهم إنذارُك إيَّاهم وعدمُه حسبما مرَّ تحقيقُه في سورةِ البقرةِ وقوله تعالى : { لاَ يُؤْمِنُونَ } استئنافٌ مؤكِّدٌ لما قبله مبيِّنٌ لما فيه من إجمالِ ما فيه الاستواءُ أو حالٌ مؤكِّدةٌ له أو بدلٌ منه ولما بُيِّن كونَ الإنذارِ عندهم كعدمِه عقب ببيانِ من يتأثَّر منه فقيل { إِنَّمَا تُنذِرُ } أي إنذاراً مستتبعاً للأثر { مَنِ اتبع الذكر } أي القُرآنَ بالتَّامُّلِ فيه أو الوعظِ ولم يصرَّ على اتِّباعِ خُطُوات الشَّيطانِ { وَخشِىَ الرحمن بالغيب } أي خافَ عقابَه وهو غائبٌ عنه على أنَّه حالٌ من الفاعلِ أو المفعولِ أو خافَه في سريرتِه ولم يغترَّ برحمتِه فإنَّه منتقمٌ قهَّار كما أنَّه رحيمٌ غَفَّار كما نطق به قولُه تعالى : { نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ العذاب الاليم } { فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } عظيمةٍ { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } لا يُقادر قدرُه . والفاء لترتيب البشارةِ أو الأمرِ بها على ما قبلها من اتِّباعِ الذِّكرِ والخشيةِ .