شرح الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا

معنى قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" دليل على : أن الصبر و المصابرة و الرباط من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد لله والتي يبقى ثوابها.

شرح الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا

تفسير الجلالين :  يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ( الآية رقم 200 من سورة آل عمران ) 

"يا أيها الذين آمنوا اصبروا" على الطاعات والمصائب وعن المعاصي "وصابروا" الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم "ورابطوا" أقيموا على الجهاد "واتقوا الله" في جميع أحوالكم "لعلكم تفلحون" تفوزون بالجنة وتنجون من النار .

تفسير السعدي : ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح - وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.
والمصابرة أي (1) الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.

 

تفسير الماوردي : قوله تعالى : { يَاَ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُوا } فيه أربعة تأويلات : -

  1. أحدها : اصبرواْ على طاعة الله ، وصابرواْ أعداء الله ، ورابطواْ في سبيل الله ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وابن جريج ، والضحاك .
  2. والثاني : اصبرواْ على دينكم ، وصابرواْ الوعد الذي وعدكم ، ورابطواْ عدوي وعدوكم ، وهو قول محمد بن كعب .
  3. والثالث : اصبرواْ على الجهاد ، وصابرواْ العدو ، ورابطواْ بملازمة الثغر ، وهو مأخوذ من ربط النفس ، ومنه قولهم ربط الله على قلبه بالصبر ، وهو معنى قول زيد بن أسلم .
  4. والرابع : رابطوا على الصلوات بانتظارها واحدة بعد واحدة : روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ أَدُلَّكُم عَلَى مَا يَحِطُّ بِه اللهُ الخَطَايَا ويَرْفُعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُواْ بَلَى يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثْرةُ الخُطَا إلىَ المَسَاجِدِ وَانتِظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ ، فَذّلِكُمُ الرَّباط

 

أيسر التفاسير : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ( الآية رقم 200 من سورة آل عمران ) 

شرح الكلمات : 

  • { اصبرا وصابروا } : الصبر حبس النفس على طاعة الله ورسوله ، والمصابرة : الثبات والصمود أمام العدو .
  • { ورابطوا } : المرابطة : لزوم الثغور منعا للعدو من التسرب الى ديار المسلمين .
  • { تفلحون } : تفوزون بالظفر المرغوب ، والسلامة من المرهوب فى الدنيا والآخرة .

معنى الآيات :

  •  { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } فإنها تضمنت دعوة كريمة ونصيحة غالية ثمينة للامة الرحيمة بأن تصبر على الطاعات وعلى الشدائد والملمات فتصابر اعداءها حتى يستلموا أو يسلموا القياد لها . وترابط بخيولها وآلات حربها في حدودها وثغورها مرهبة عدوها حتى لا يطمع فى غزوها ودخول ديارها . ولتتق الله تقوى تكون سببا فى فوزها وفلاحها بهذه الرحمة الربانية ختمت سورة آل عمران المباركة ذات الحكم والأحكام وتليها سورة النساء .

هداية الآيات:

  •  وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة للحصول على الفلاح الذى هو الفوز المرغوب والسلامة من المرهوب في الدنيا والآخرة .

تفسير البغوي : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ( الآية رقم 200 من سورة آل عمران ) 
قوله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قال الحسن: اصبروا على دينكم ولا تدعوه لشدة ولا رخاء، وقال قتادة: اصبروا على طاعة الله.
وقال الضحاك ومقاتل بن سليمان: على أمر الله.

  • وقال مقاتل بن حيان: على أداء فرائض الله تعالى، وقال زيد بن أسلم: على الجهاد. وقال الكلبي: على البلاء، وصابروا يعني: الكفارَ، ورابطوا يعني: المشركين، قال أبو عبيدة، أي داوموا واثبتوا، والربطُ الشَّدُّ، وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيولهم، وهؤلاء خيولهم، ثم قيل: لكل مقيم في ثغر يدفعُ عمن وراءه، وإن لم يكن له مركب.
  • أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عبد الله بن منير، سمع أبا النضر، أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سَوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" (2) . .
  • أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجُورْبَذي، أنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن شريح، عن عبد الكريم بن الحارث، عن أبي عبيدة بن عقبة، عن شرحبيل بن السِّمط عن سلمان الخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رابط يومًا وليلةً في سبيل الله كان له أجرُ صيام شهر مقيم، ومن مات مرابطًا جرى له مثل ذلك الأجر، وأجري عليه من الرزق، وأُمن من الفتان" (3) .

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أنا زاهر بن أحمد الفقيه، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بما يمحو الله الخطايا ويرفع 77/أ به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط" (4) .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم ْتُفْلِحُونَ } قال بعض أرباب اللسان: اصبروا على النعماء وصابرُوا على البأساء والضراء ورابطوا في دار الأعداء واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء.
__________
(1) انظر : تفسير الطبري : 7 / 498 - 499 ، الدر المنثور: 2 / 388 وابن كثير: 1 / 440.
(2) أخرجه البخاري في الجهاد باب فضل رباط يوم في سبيل الله. . 6 / 85، وقد ساق ابن كثير كثيرًا من الأحاديث في هذا المعنى في تفسيره للآية : 1 / 445 - 448.
(3) أخرجه مسلم في الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل - برقم (1913) : 3 / 1520، بلفظ "رباط يوم وليلة" والمصنف في شرح السنة : 10 / 352 . والفتان: يروي بضم الفاء وفتحها، فالضم جمع فاتن وهو الذي يضل الناس عن الحق ويفتنهم وبالفتح هو الشيطان، لأنه يفتن الناس عن الدين، وفتان: من أبنية المبالغة في الفتنة. انظر: النهاية: 3 / 410.
(4) أخرجه مسلم في الطهارة - باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره برقم (251): 1 / 219، المصنف في شرح السنة: 1 / 320.