ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد - تفسير

شرح و تفسير معنى الآية: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد

ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد - تفسير

تفسير السعدي : قوله: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد }

  • أي: وأنتم متصفون بذلك، ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله [تعالى]، وانقطاعا إليه، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد.
  • ويستفاد من تعريف المساجد، أنها المساجد المعروفة عندهم، وهي التي تقام فيها الصلوات الخمس.
  • وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف.
  • { تلك } المذكورات - وهو تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام، وتحريم الفطر على غير المعذور، وتحريم الوطء على المعتكف، ونحو ذلك من المحرمات { حدود الله } التي حدها لعباده، ونهاهم عنها، فقال: { فلا تقربوها } أبلغ من قوله: "فلا تفعلوها "لأن القربان، يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه، والنهي عن وسائله الموصلة [ ص 88 ] إليه.

والعبد مأمور بترك المحرمات، والبعد منها غاية ما يمكنه، وترك كل سبب يدعو إليها، وأما الأوامر فيقول الله فيها: { تلك حدود الله فلا تعتدوها } فينهى عن مجاوزتها.

 

 

تفسير البغوي : قوله تعالى: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }

  • [وقد نويتم الاعتكاف في المساجد وليس المراد عن مباشرتهن في المساجد لأن ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف] والعكوف هو الإقامة على الشيء والاعتكاف في الشرع هو الإقامة في المسجد على عبادة الله، وهو سنة ولا يجوز في غير المسجد ويجوز في جميع المساجد.
  • أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن يوسف أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده"  والآية نزلت في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتكفون في المسجد، فإذا عرضت للرجل منهم الحاجة إلى أهله خرج إليها فجامعها ثم اغتسل، فرجع إلى المسجد فنهوا عن ذلك ليلا ونهارا حتى يفرغوا من اعتكافهم، فالجماع حرام في حال الاعتكاف ويفسد به الاعتكاف، أما ما دون الجماع من المباشرات كالقبلة واللمس بالشهوة، فمكروه ولا يفسد به الاعتكاف عند أكثر أهل العلم وهو أظهر قولي الشافعي، كما لا يبطل به الحج، وقالت طائفة يبطل بها اعتكافه وهو قول مالك، وقيل إن أنزل بطل اعتكافه وإن لم ينزل فلا كالصوم، وأما اللمس الذي لا يقصد به التلذذ فلا يفسد به الاعتكاف لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف أدنى إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان"  .

 

 

 

تفسير أبو السعود : { وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد } أي معتكِفون فيها والمرادُ بالمباشرة الجِماعُ .

وعن قتادةَ : «كان الرجلُ يعتكِفُ فيخرُجُ إلى امرأته فيباشرُها ثم يرجِع فنُهوا عن ذلك» وفيه دليلٌ على أن الاعتكافَ يكون في المسجد غيرَ مختص ببعضٍ دون بعضٍ وأن الوطءَ فيه حرامٌ ومفسدٌ له لأن النهيَ في العبادات يوجبُ الفساد .

 

تفسير الرازي : من الأحكام المذكورة في هذه السورة الاعتكاف
قوله تعالى : { وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد } .

اعلم أنه تعالى لما بين الصوم ، وبين أن من حكمه تحريم المباشرة ، كان يجوز أن يظن في الإعتكاف أن حاله كحال الصوم في أن الجماع يحرم فيه نهاراً لا ليلاً ، فبين تعالى تحريم المباشرة فيه نهاراً وليلاً ، فقال : { وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد } ثم في الآية مسائل :

  • المسألة الأولى : قال الشافعي رضي الله عنه : الإعتكاف اللغوي ملازمة المرء للشيء وحبس نفسه عليه ، براً كان أو إثماً ، قال تعالى : { يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [ الأعراف : 138 ] والإعتكاف الشرعي : المكث في بيت الله تقرباً إليه ، وحاصله راجع إلى تقييد اسم الجنس 

{ أن طَهّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين } [ البقرة : 125 ] وقال تعالى : { وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد } .

  • المسألة الثانية : لو لمس الرجل المرأة بغير شهوة جاز ، لأن عائشة رضي الله عنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف ، أما إذا لمسها بشهوة ، أو قبلها ، أو باشرها فيما دون الفرج ، فهو حرام على المعتكف ، وهل يبطل بها اعتكافه؟ للشافعي رحمه الله فيه قولان : الأصح أنه يبطل ، وقال أبو حنيفة ، لا يفسد الإعتكاف إذا لم ينزل ، احتج من قال بالإفساد أن الأصل في لفظ المباشرة ملاقاة البشرتين ، فقوله : { وَلاَ تباشروهن } منع من هذه الحقيقة ، فيدخل فيه الجماع وسائر هذه الأمور ، لأن مسمى المباشرة حاصل في كلها .

فإن قيل : لم حملتم المباشرة في الآية المتقدمة على الجماع؟
قلنا : لأن ما قبل الآية يدل على أنه هو الجماع ، وهو قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث } وسبب نزول تلك الآية يدل على أنه هو الجماع ، ثم لما أذن في الجماع كان ذلك إذناً فيما دون الجماع بطريق الأولى ، أما ههنا فلم يوجد شيء من هذه القرائن ، فوجب إبقاء لفظ المباشرة على موضعه الأصلي وحجة من قال : إنها لا تبطل الإعتكاف ، أجمعنا على أن هذه المباشرة لا تفسد الصوم والحج ، فوجب أن لا تفسد الإعتكاف لأن الاعتكاف ليس أعلى درجة منهما والجواب : أن النص مقدم على القياس .

  • المسألة الثالثة : اتفقوا على أن شرط الإعتكاف ليس الجلوس في المسجد وذلك لأن المسجد مميز عن سائر البقاع من حيث إنه بني لإقامة الطاعات فيه ، ثم اختلفوا فيه فنقل عن علي رضي الله عنه أنه لا يجوز إلا في المسجد الحرام والحجة فيه قوله تعالى : { أَن طَهّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين } [ البقرة : 125 ] فعين ذلك البيت لجميع العاكفين ، ولو جاز الإعتكاف في غيره لما صح ذلك العموم وقال عطاء : لا يجوز إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة ، لما روى عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي » وقال حذيفة : يجوز في هذين المسجدين وفي مسجد بيت المقدس لقوله عليه الصلاة والسلام : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا » وقال الزهري : لا يصح إلا في الجامع وقال أبو حنيفة : لا يصح إلا في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب ، وقال الشافعي رضي الله عنه : يجوز في جميع المساجد ، إلا أن المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة ، واحتج الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية لأن قوله : { وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد } عام يتناول كل المساجد .

 

  • المسألة الرابعة : يجوز الإعتكاف بغير صوم والأفضل أن يصوم معه ، وقال أبو حنيفة لا يجوز إلا بالصوم ، حجة الشافعي رضي الله عنه هذه الآية ، لأنه بغير الصوم عاكف والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة ولو كان إعتكافه باطلاً لما كان ممنوعاً ترك العمل بظاهر اللفظ إذا ترك النية فيبقى فيما عداه على الأصل واحتج المزني بصحة قول الشافعي رضي الله عنهما بأمور ثلاثة الأول : لو كان الإعتكاف يوجب الصوم لما صح في رمضان ، لأن الصوم الذي هو موجبه إما صوم رمضان وهو باطل لأنه واجب بسبب الشهر لا بسبب الاعتكاف ، أو صوم آخر سوى صوم رمضان ، وذلك ممتنع وحيث أجمعوا على أنه يصح في رمضان ، علمنا أن الصوم لا يوجبه الإعتكاف والثاني : أنه لو كان الإعتكاف لا يجوز إلا مقارناً بالصوم لخرج الصائم بالليل عن الإعتكاف لخروجه فيه عن الصوم ، ولما كان الأمر بخلاف ذلك ، علمنا أن الإعتكاف يجوز مفرداً أبداً بدون الصوم والثالث : ما روى ابن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف الله ليلة فقال عليه الصلاة والسلام : « أوف بنذرك » ومعلوم أنه لا يجوز الصوم في الليل .
  • المسألة الخامسة : قال الشافعي رضي الله عنه : لا تقدير لزمان الإعتكاف فلو نذر اعتكاف ساعة ينعقد ولو نذر أن يعتكف مطلقاً يخرج عن نذره باعتكافه ساعة ، كما لو نذر أن يتصدق مطلقاً تصدق بما شاء من قليل أو كثير ، ثم قال الشافعي رضي الله عنه : وأحب أن يعتكف يوماً وإنما قال ذلك للخروج عن الخلاف ، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يجوز اعتكاف أقل من يوم بشرط أن يدخل قبل طلوع الفجر ، ويخرج بعد غروب الشمس ، وحجة الشافعي رضي الله عنه أنه ليس تقدير الإعتكاف بمقدار معين من الزمان أولى من بعض ، فوجب ترك التقدير والرجوع إلى أقل ما لا بد منه ، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الإعتكاف هو حبس النفس عليه ، وذلك لا يحصل في اللحظة الواحدة ، ولأن على هذا التقدير لا يتميز المعتكف عمن ينتظر الصلاة .