خطبة عن الحياء و العفة

عنوان الخطبة: ( الحياء )
الخطبة الأولى: ـ غواية إبليس، فتنة النساء.
ـ المحور الأول: ـ إذا سقط الحياء فسقوط ما بعده أهون. ـ حياء نساء السلف.
ـ المحور الثاني: ـ احذري النار!!
الخطبة الثانية: ـ المحور الثالث: ـ دور الآباء في تحمل المسؤولية..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده نستعين به نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ...
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) . أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن الإسلامَ دين كامل متكامل، لا يتجزأ، وإنّ الأخذ ببعض الإسلام وترك البعض مخالف لمقتضى الإسلام الذي هو الاستسلام لله، وفيه تشبه ببني إسرائيل الذين قال الله عنهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 85].
فالمسلم ممتثل أمر ربه تعالى، عامل بما أمره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة: 208].
والشيطان: لا يفتر عن إغواء بني آدم، ولا يدّخر وسيلة ولا جهداً في إضلاله، حتى يلج معه النار، وهو يجهر بذلك ليُدخل النار معه من استطاع من بني آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17].
والشيطان يجهَدُ في إضلال الخلق، وهو في سبيل هذا يدعو إلى الشبهة والشهوة، والنَزْغة والهوى.
وإن من أعظم وسائله، وأخطر طرقه في فتنة المسلمين، هي فتنة النساء، ولهذا جاء التحذير من فتنة النساء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنبيها لأمته عموما، وتحذيرا لنساء المسلمين خصوصا، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : " إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
ويقول الصادق صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
وقد جعل الله سبحانه وتعالى في النساء خصلة تبعث على الميل إليهن، وتدعو إلى الافتتان بهنّ، وذلك بلاء يمتحن الله تعالى به الناس، فيتمايز الناس يوم القيامة بحسب اجتيازهم لهذه الفتنة.
ثم لما جعل الله ذلك في النساء امتحانا للناس، شرع ما يغلق باب الفتنة به، أو يؤطره بإطاره الشرعي، فجاء التوجيه الشرعي للنساء وللرجال، فأُمرتِ النساء بالحجاب، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 59].
وقد جاء الخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم، تأكيدا على تعظيم الأمر، ووجوب امتثال الناس له.
وأُمر الرجال بغض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
كل ذلك رحمة من الله تعالى بعباده، واختبارا لهم، فهو جل جلاله لا يريد بهم الضلالة، بل الهداية ليدخلنا جنته، ومن طلب الجنة سار جادا إليها، وسعى حثيثا لأجلها، وامتثل أمر الله فيما أمره ونهاه.
وإن من أعظم الواجبات على أولي الأمر من الآباء والأزواج، أن يسعوا في نيل هذه المكرمة، وبلوغ غاية رضى المولى هم وأزواجهم وذرياتهم، ومن أوجب واجباتهم أن يقوموا على نسائهم وأولادهم بواجب الولاية والقوامة؛ وينتبهوا لخطر التضييع والتفريط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته)، فقوموا –معشر المسلمين- بواجب الرعاية، فإنكم عنه مسؤولون،
وانقلوا إلى بيوتكم ما تسمعون من بشارة ونذارة.
عباد الله: إن أعظم ما يزين العبد المؤمن هو الحياء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء شعبة من الإيمان)، وقال أيضا: (الحياء لا يأتي إلا بخير)، والحياء خلق ممدوح على كل حال، كيف لا وهو من جملة خصال الإيمان؟!
ومن أولى الناس بالحياء أخذا به وتمسكا: المرأة المسلمة، فالحياء تاج المرأة المسلمة، وحصنها المنيع، وسياجها المتين.
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ *** ويبقى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
ولقد أراد الشيطان وأعوانه من الجن والإنس إيقاع المؤمنين في الفتنة والغواية، قال تعالى: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)، فيريد الشيطان وأتباعه نزع حياء المرأة، وإقحامها في أبواب الفساد، وخلعها لرداء الفضيلة السابغ.
أيتها المسلمة: إن لك فيمن سبق أسوة حسنة، وسلفٌ صالح، فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي فأضع ثوبي، وأقول إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي، حياء من عمر.
فها هي رضي الله عنها تشد عليها ثيابها لما دفن عمر في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، مع أنه كان ميتا..
عباد الله: لقد قص الله تعالى في كتابه القصص عبرة لأولي الألباب، وتذكرة لمن كان له قلب، وقد قص الله تعالى في كتابه مشهدا عظيما من مشاهد الحياء، مشهد حري بالتأمل فيه والتوقف عنده، مشهد تعتبر به المرأة المسملة، وتتعظ به وتأخذه أسوة، فاسمع قوله تعالى إذ يقول عن موسى عليه السلام: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ماخطبكما قالتا لانسقي حتى يُصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبيرٌ. فسقا لهما)، لما ورد موسى الماء وجد امرأتين تذودان أي تبتعدان عن أماكن تجمع الرجال، فسألهما موسى عليه السلام عن أمرهما (ماخطبكما)؟ قالتا له: ( لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)، نعم هذا ردهما على موسى، لم يطل معه الكلام، ثم لم يكن هذا هو نهاية المشهد ولا خاتمة القصة، بل إنه لما سقى لهما وانصرفت المرأتان إلى أبيهما، رجعت إليه إحداهما، تطلبه لأبيها، ولكن كيف الكلام؟ وكيف كان المجيء؟ قال تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء)، مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال. «عَلَى اسْتِحْياءٍ». في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله ، يحكيه القرآن بقوله : «إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا» فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب. الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ، ولا تزيد.
قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها –أي واضعة ثوبها على وجهها-، ليست بسَلْفَعٍ، خرّاجةٍ ولاّجة، والسلفع من النساء: الجريئة السليطة.

أيها المسلمون: إن أولى العظات: عظة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمع لما قاله نبيك صلى الله عليه وسلم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
قال العلماء: كاسياتٌ بالاسمِ، عارياتٌ في الحقيقة؛ لا تستُرهُنَّ تلك الثِّياب، لأن الستر إِذَا لم يقع به الامتثال يكون وجوده كعدمه.
وإن الحصيف العاقل من الرجال، من يبعد أهله عن مواطن الوعيد، ويشفق عليهم من أن يكونوا كهذا الصنف الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرج البخاري في صحيحه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فَزِعا، يقول: «سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات - يريد أزواجه لكي يصلين - رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة».
اللهم احفظ نساءنا واستر عوراتنا،، أقول هذا القول وأستغفر الله
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى،، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،،
عباد الله: إنّ البيت هو اللبنة الأساسيّة في بناء المجتمع ـ يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ـ، والأب عماد البيت وأساسه، فإلى الآباء الكرام، نخصهم بالذكر ونحمّلهم المسؤولية أمام الله جلّ جلاله، أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر في بيوتهم، فهم مسؤولون عن الرعية التي استرعاهم الله إياها: (والرّجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته)
أيها الرعاة، كونوا أمناء على رعيتكم، أنتم الرؤساء في بيوتكم، أنتم الحكّام، أنتم أصحاب القرار، وأنتم موقوفون عند ربكم فمحاسبون، فأحسنوا العمل يحسن الله إليكم العاقبة.
اعلم أخي في الله أنك ستُسأل والله عمّن ولّاك الله رعايتهم، فتدارك الأمر إن كنتَ مقصّراً، قبل فوات الأوان فالخطب جلل، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيّـته، إلا حرّم الله عليه الجنة" رواه مسلم.
وأي غشّ أعظم من أن يرى الرجل ابنته أو امرأته تعرض نفسها للوعيد وهو لا يبالي، بل يظنّ أنّه يحبهن ويدللهن، فلا يأمرها بحجاب ولا حشمة، فتخرجُ الفتاة المسلمة من بيت أبيها كاسية عارية متعطّرة متبرّجة، وهي مأمورة بالستر والعفاف.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...