أركان الصلاة عند المذاهب الأربعة

أركان الصلاة عند المذاهب الأربعة

أركان الصلاة

      أركان الصلاة المتفق عليها:

      يلاحظ أن الفقهاء اتفقوا على ستة فروض أو أركان وهي: التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود، والقعدة الأخيرة مقدار التشهد إلى قوله: "عبده ورسوله".

      الركن الأول- التحريمة أو تكبيرة الإحرام:

      هي أن يقول المصلي قائماً مسمعاً نفسه: "الله أكبر"(1) إلا في حالة العجز عن القيام، وذلك بالعربية، لمن قدر عليها، لا بغيرها من اللغات.

      هذا إذا كان المصلي غير إمام، فأدناه أن يسمع نفسه، فإن كان إماماً يستحب له أن يجهر بالتكبير ليسمع من خلفه، فلا تنعقد الصلاة إلا بقول "الله أكبر"، وإن عجز عن التكبير كأن كان أخرساً أو عاجزاً عن التكبير بكل لسان، سقط عنه. وإن قدر على الإتيان ببعضه، أتى به، إن كان له معنى.

      ودليلهم على اشتراط لفظ "الله أكبر" وأنه ركن: هو قوله تعالى:

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] والحديث السابق عن علي: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير" رواه أبو داود والترمذي، وحديث رفاعة بن رافع: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وقال عليه السلام للمسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" قرن التكبير

_____________________

(1) سميت هذه التكبيرة الإحرام، لأنه يحرم على المصلي ما كان حلالاً له قبلها من موانع الصلاة كالأكل والشرب والكلام ونحو ذلك، ويقصد بها الذكر الخالص لله تعالى الذي يحرم به المصلي على نفسه الاشتغال بما سوى الله.

بالقراءة، فدل على أنه مثله في الركنية.

      وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: التكبير ركن لا شرط، إلا أن الشافعية قالوا: لا تضر زيادة لا تمنع اسم التكبير، مثل "الله الأكبر"، لأنه لفظ يدل على التكبير، وعلى زيادة مبالغة في التعظيم، ومثل "الله الجليل أكبر"، وكذا كل صفة من صفاته تعالى، إذا لم يطل بها الفصل، لبقاء النظم. ويشترط إسماع نفسه التكبير كالقراءة وسائر الأركان القولية، ويُبين التكبير كما أوضح الشافعية والحنابلة، ولا يمد في غير موضع المد، فإن فعل بحيث تغير المعنى، مثل أن يمد الهمزة الأولى، فيقول "الله" أو يمد "آكبر" أو يزيد ألفاً بعد باء "أكبر"، لم يصح، لأن المعنى يتغير به. وعند الشافعية: أن من عجز عن التكبير بالعربية أتى بمدلول التكبير بأي لغة شاء. ووجب التعلم إن قدر عليه. ومن عجز عن النطق بالتكبير كأخرس، لزمه تحريك لسانه، وشفتيه ولهاته ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه.

      وقال أبو حنفية: التحريمة شرط، لا ركن، وقولهما هو المعتمد لدى الحنفية، لقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15].

      وأجاز أبو حنيفة افتتاح الصلاة بكل تعبير خالص لله تعالى، فيه تكبير وتعظيم، كقول المصلي: الله أجل، الله أعظم، وكبير أو جليل، والرحمن أعظم، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والحمد لله، ونحوه، لأن ذلك كله يؤدي معنى التكبير، ويشتمل على معنى التعظيم، فأشبه قوله : "الله أكبر" ولو افتتح الصلاة بـ "اللهم اغفر لي" لا يجوز، لأنه مشوب بحاجته، فلم يكن تعظيماً، ولو افتتح بقوله: "اللهم" فالأصح أنه يجزئه، لأن معناه: يا الله.

      ومن عجز عن التكبير كالأخرس، سقط عنه ذلك، لتعذر الواجب في حقه، وتكفيه النية عن التحريمة.

      وقال أبو حنيفة: إنه يجزئ التكبير بغير العربية، لقول الله تعالى:

{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وهذا قد ذكر اسم ربه.

      واشترط جمهور الفقهاء ألا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير، للحديث المتفق عليه: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا" وأجاز الحنفية مقارنة المأموم في التكبير وغيره، فيكبر معه كما يركع معه.

      الركن الثاني- القيام في الفرض لقادر عليه، وكذا في الواجب كنذر وسنة فجر في الأصح عند الحنفية:

      لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي مطيعين، وقيل: خاشعين، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين: "صلِّ قائماً" متفق عليه.

      ولا يجب القيام في النافلة، فتصح مع القدرة على القيام، لأن مبنى النوافل على التيسير والأخذ بالرفق، ولأن النوافل كثيرة، فلو وجب فيها القيام شَقَّ وانقطعت النوافل.

      ولا يجب أيضاً على المريض العاجز عن القيام، سواء في الفريضة أم النافلة، لأن التكليف بقدر الوسع، ومن عجز عن القيام قعد كيف شاء.

      وحدُّ القيام عند الحنفية: أن يكون بحيث لو مدَّ يديه لا ينال ركبتيه. وعند المالكية والحنابلة: ألا يكون في حالة جلوس ولا في حالة انحناء بحيث يصير راكعاً. ولا يضر خفض الرأس على هيئة الإطراق لأنه لا يخرجه عن كونه يسمى قائماً.

      وعند الشافعية: يشترط نصب فَقَار المصلي(1)، لأن اسم القيام دائر معه، ولا يشترط نصب رقبته، لأنه يستحب إطراق الرأس. فإن وقف منحنياً أو مائلاً يمنة أو يسرة، بحيث لا يسمى قائماً، لم يصح قيامه لتركه الواجب بلا عذر. والانحناء المنافي للقيام: أن يصير إلى الركوع أقرب، فلو كان أقرب إلى القيام أو استوى الأمران صح. فهم إذاً كالمالكية والحنابلة.

__________________

(1) أي فقرات الظهر ومفاصله.

      ومن لم يطق انتصاباً بسبب مرض أو تقوس ظهر بسبب الكبر، فالصحيح أنه يقف كذلك، ويزيد انحناءه للركوع إن قدر.

      والمقدار المفروض من القيام: هو عند الحنفية بقدر القراءة المطلوبة فيه، وهو بقدر قراءة الفاتحة وسورة وتكبيرة الإحرام.

      وعند الجمهور: بقدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة فقط، لأن الفرض عندهم قراءة الفاتحة، وأما السورة بعدها فهي سنة.

      هل يشترط الاستقلال في القيام؟

      قال الحنفية: يشترط للقادر الاستقلال في الفرض، فمن اتكأ على عصاه، أو على حائط ونحوه، بحيث يسقط لو زال، لم تصح صلاته، فإن كان لعذر صحت.

      أما في التطوع أو النافلة: فلا يشترط بالقيام سواء أكان لعذر أم لا، إلا أن صلاته تكره لأنه إساءة أدب، وثوابه ينقص إن كان لغير عذر.

      وقال المالكية: يجب القيام مستقلاً في الفرائض للإمام والمنفرد حال تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والهوي للركوع، وأما حال قراءة السورة فهو سنة، فلو استند إلى شيء بحيث لو أزيل لسقط، فإن كان في غير قراءة السورة، بطلت صلاته، لأنه لم يأت بالفرض الركني، وإن كان في حال قراءة السورة لم تبطل وكره استناده، ولو جلس في حال قراءة السورة بطلت صلاته لإخلاله بهيئة الصلاة. أما المأموم فلا يجب عليه القيام لقراءة الفاتحة، فلو استند حال قراءتها لعمود بحيث لو أزيل لسقط، صحت صلاته.

 

         وقال الشافعية: لا يشترط الاستقلال في القيام، فلو استند إلى شيء، أجزأه مع الكراهة، لوجود اسم القيام. لكن لو استند إلى شيء بحيث لو رفع قدميه إن شاء، ظل مستنداً ولم يسقط، لم تصح صلاته، لأنه لا يسمى قائماً، بل معلقاً نفسه.

      وقال الحنابلة: يشترط الاستقلال في القيام للقادر عليه في فرض، فلو استند استناداً قوياً على شيء بلا عذر، بطلت صلاته.

      صلاة المريض أو متى يسقط القيام؟

      اتفق الفقهاء على أنه يسقط القيام في الفرض والنافلة للعاجز عنه لحديث عمران بن حصين السابق: "صلِّ قائماً، فإن لم تستطع، فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" فإن قدر على بعض القراءة ولو آية قائماً، لزمه بقدرها.

      ويسقط القيام أيضاً عند جمهور الفقهاء غير الشافعية للعريان، فإنه يصلي قاعداً بالإيماء إذا لم يجد ساتراً يستر به عورته، كما قدمنا.

      ومن حالات العجز المسقطة للقيام: حالة المداواة: كمن يسيل جرحه إذا قام، أو أثناء مداواة العين استلقاء. ومنها: حالة سلس البول: فإذا كان يسيل بوله لو قام، وإن قعد لم يسل، صلى قاعداً، ولا إعادة عليه حتى عند الشافعية.

      ومنها: حالة الخوف من عدو بحيث إذا قام، رآه العدو، صلى قاعداً ولا إعادة عليه حتى عند الشافعية أيضاً.

      ومنها: عند الحنابلة قصر سقف لعاجز عن خروج، وصلاة خلف إمام حي عاجز.

      كيفية صلاة العاجز المريض:

      للفقهاء آراء متقاربة في كيفية صلاة المريض، وبعضها أيسر من بعض.

      قال الحنفية:

      أ- إذا عجز المريض عن القيام، سقط عنه، وصلى قاعداً كيف تيسر له، يركع ويسجد إن استطاع، فإن لم يستطع الركوع والسجود، أو السجود فقط، أومأ إيماء برأسه، وجعل إيماءه للسجود أخفض من ركوعه، تفرقة بينهما، لحديث عمران بن حصين المتقدم.

      ولا يرفع إلى وجهه شيئاً مثل الكرسي والوسادة، يسجد عليه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً، فرآه يصلي على وسادة، فأخذها، فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه، فأخذه، فرمى به، وقال صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك. رواه البيهقي.

      ب- فإن لم يستطع القعود، استلقى على ظهره، وجعل رجليه إلى القبلة، وأومأ بالركوع والسجود.

      وإن استلقى على جنبه، ووجهه إلى القبلة، وأومأ، جاز والكيفية أو الهيئة الأولى هنا أولى، لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة، وإشارة المضطجع على جنبه تقع إلى جانب قدميه، أي أن الاستلقاء عندهم أولى من الاضطجاع، وعلى الشق الأيمن أولى من الأيسر.

      جـ- فإن لم يستطع الإيماء برأسه: أخر الصلاة، ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه، ولا بحاجبيه، لأنه لا عبرة به، عملاً بالحديثين السابقين عن عمران وجابر، ولأن إقامة البدل عن هيئة الصلاة الواجبة شرعاً بالرأي ممتنع، ولا قياس على الرأس، لأنه يتأدى به ركن الصلاة، دون العين والحاجبين والقلب.

      ولا تسقط عنه الصلاة، ويجب عليه القضاء، ولو كثرت الصلوات إذا كان يفهم مضمون الخطاب.

      وإن قدر المريض على القيام، ولم يقدر على الركوع والسجود، لم يلزمه القيام، وجاز أن يصلي قاعداً يومئ برأسه إيماء. والأفضل الإيماء قاعداً، لأنه أشبه بالسجود، لكون رأسه أخفض وأقرب إلى الأرض.

      وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائماً، ثم حدث به مرض، أتمها قاعداً، يركع ويسجد، أو يومئ إن لم يستطع الركوع والسجود، أو مستلقياً إن لم يستطع القعود، لأن بناء الأدنى على الأعلى، وبناء الضعيف على القوي أولى من الإتيان بالكل ضعيفاً.

      ومن صلى قاعداً يركع ويسجد لمرض به، ثم صح في خلالها، بنى على صلاته قائماً، لأن البناء كالاقتداء، والقائم يقتدي بالقاعد.

      وإن كان المريض صلى بعض صلاته بإيماء، ثم قدر في خلالها على الركوع والسجود، استأنف (جدد) الصلاة، لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء لا يجوز.

      وقال المالكية:

      أ- إذا لم يقدر المصلي على القيام استقلالاً لعجز أو لمشقة فادحة كدوخة في صلاة الفرض، جاز فيه الجلوس، ولا يجوز الاضطجاع إلا لعذر.

      ب- ومن قدر على القيام في الفرض، ولكن خاف به ضرراً كالضرر المبيح للتيمم (وهو خوف حدوث مرض من نزلة أو إغماء أو زيادته لمتصف به، أو تأخر برء)، أو خاف بالقيام خروج حدث كريح، استند ندباً لحائط أو على قضيب أو لحبل معلق بسقف البيت يمسكه عند قيامه، أو على شخص غير جنب أو حائض. فإن استند على جنب أو حائض أعاد بوقت ضروري.

      وإن صلى جالساً مستقلاً عن غيره، مع القدرة على القيام مستنداً، صحت صلاته.

      جـ- وإن تعذر القيام بحالتيه (مستقلاً أو مستنداً)، جلس وجوباً إن قدر، وإن لم يقدر جلس مستنداً.

      وتربع ندباً للجلوس البديل عن القيام: وهو حالة تكبيرة الإحرام، والقراءة والركوع، ثم يغير جلسته في الجلوس بين السجدتين والتشهد.

      د- وإن لم يقدر على الجلوس بحالتيه (مستقلاً أو مستنداً)، صلى على شق أيمن ندباً، فأيسر إن عجز عن الأيمن، ثم مستلقياً على ظهر ورجلاه للقبلة، فإن لم يقدر فعلى بطنه ورأسه للقبلة.

      والشخص القادر على القيام فقط، دون الركوع والسجود والجلوس، أومأ للركوع والسجود قائماً.

      والقادر على القيام مع الجلوس، أومأ للركوع من القيام، وأومأ للسجود من الجلوس، فإن خالف فيهما، بطلت صلاته.

      وإذا أومأ للسجود من قيام أو جلوس، حَسَر (رفع) عمامته عن جبهته وجوباً، بحيث لو سجد لأمكن وضع جبهته بالأرض، أو بما اتصل بها من فرض ونحوه.

      وإن كان بجبهته قروح، فسجد على أنفه، صحت صلاته، لأنه أتى بما في طاقته من الإيماء، علماً بأن حقيقة السجود: وضع الجبهة على الأرض.

      وإن قدر المصلي على جميع الأركان، في الركعة الأولى، إلا أنه إذا سجد بعد أن أتم الركوع وقراءة الفاتحة، لا يقدر على القيام، صلى الركعة الأولى بسجدتيها، وتمم صلاته جالساً.

      هـ- إن لم يقدر المصلي على شيء من الأركان إلا على نية، بأن ينوي الدخول في الصلاة ويستحضرها، أو قدر على النية مع إيماء بطرف، وجبت الصلاة بما قدر عليه، وسقط عنه غير المقدور عليه. وإن قدر مع ذلك على "السلام" سلم.

      ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بما قدر عليه، ما دام المكلف في عقله.

      وقال الشافعية:

      أ- إن لم يقدر على القيام في الفرض مع نصب عموده الفقري، وقف منحنياً، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

      ب- وإن عجز عن القيام أصلاً (بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة)، قعد كيف شاء، لخبر عمران بن حصين، وركع محاذياً جبهته قُدَّام ركبتيه، والأفضل أو الأكمل: أن يحاذي موضع سجوده. وكل من ركوعه وسجوده على وزان ركوع القائم في المحاذاة بحسب النظر، لأنه يسن للمصلي النظر إلى موضع سجوده.

      وقعوده مفترشاً كهيئة الجالس للتشهد الأول أفضل من تربعه في الأظهر، لأنها هيئة مشروعة في الصلاة، فكانت أولى من غيرها، ويكره الإقعاء بأن يجلس على وركيه ناصباً ركبتيه، لما فيه من التشبه بالكلب والقرد.

      جـ- فإن لم يقدر على القعود: بأن نالته المشقة السابقة، اضطجع وجوباً على جنبه، مستقبلاً القبلة بوجهه ومقدم بدنه. والجنب الأيمن أفضل للاضطجاع عليه من الأيسر، والأيسر بلا عذر مكروه.

      د- فإن لم يقدر على الاضطجاع، استلقى، ويرفع وجوباً رأسه بشيء كوسادة ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه، إلا أن يكون في الكعبة وهي مسقوفة، فيجوز له الاستلقاء على ظهره، وعلى وجهه وإن لم تكن مسقفة، لأنه كيفما توجه، فهو متوجه لجزء منها. ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فيومئ برأسه للركوع والسجود، وإيماؤه للسجود أكثر، قدر إمكانه.

      هـ- فإن لم يقدر، أومأ بطرفه (أي بصره) إلى أفعال الصلاة.

      و- فإن لم يقدر، أجرى الأركان على قلبه، مع السنن، بأن يمثل نفسه قائماً وراكعاً، وهكذا، لأنه الممكن.

      فإن اعتقل لسانه، أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك.

      ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتاً، لوجود مناط التكليف.

      ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة، لزمه الإتيان بها.

      ز- وللقادر على القيام: أن يتنفل قاعداً، أو مضطجعاً، لا مستلقياً، ويقعد للركوع والسجود ولا يومئ بهما إن اضطجع، لعدم وروده في السنة.

      وأجر القاعد القادر نصف أجر القائم، والمضطجع نصف أجر القاعد.

      والخلاصة: أن المريض يصلي كيف أمكنه ولو مومئاً ولا يعيد، والغريق والمحبوس يصليان موميين ويعيدان.

      ومذهب الحنابلة كالشافعية، فإنهم قالوا:

      أ- يجب أن يصلي المريض قائماً إجماعاً في فرض، ولو لم يقدر إلا بصفة ركوع، لحديث عمران بن حصين مرفوعاً: "صل قائماً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه الجماعة، وزاد النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقياً" وحديث "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم".

      ويصلي قائماً ولو بالاستناد إلى شيء آخر بأجرة مثله أو زائدة يسيراً إن قدر عليها، فإن لم يقدر على الأجرة، صلى على حسب ما يستطيع، وهذا يوافق رأي المالكية.

      ب- فإن لم يستطع المريض القيام أو شق عليه مشقة شديدة لضرر من زيادة مرض، أو تأخر برء ونحوه، فإنه يصلي قاعداً لما تقدم من الخبر، متربعاً ندباً كمتنفل أي كما قال المالكية، وكيف قعد جاز كالمتنفل، ويثني رجليه في ركوع وسجود، كمتنفل.

      جـ- فإن لم يستطع القعود أو شق عليه، فيصلي على جنب، لما تقدم في حديث عمران.

      والصلاة على الجنب الأيمن أفضل من الصلاة على الجنب الأيسر، لحديث علي مرفوعاً : "يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع، صلى قاعداً، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً، صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقياً، رجلاه مما يلي القبلة" رواه الدارقطني، فإن صلى على الجنب الأيسر، جاز، لظاهر خبر عمران، ولتحقق استقبال القبلة.

      د- ويصح أن يصلي على ظهره، ورجلاه إلى القبلة، مع القدرة على الصلاة على جنبه، لأنه نوع الاستقبال، مع الكراهة. فإن تعذر عليه أن يصلي على جنبه تعين الظهر، لما تقدم في حديث علي.

      ويلزمه الإيماء بركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه، لحديث "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"، ويكون سجوده أخفض من ركوعه وجوباً، لحديث علي، وليتميز أحدهما عن الآخر.

      هـ- فإن عجز عن الإيماء برأسه لركوعه وسجوده كأسير عاجز، أومأ بطرفه (أي عينه) ونوى بقلبه، لما روى زكريا الساجي عن علي بن أبي طالب أنه صلى الله عليه وسلم قال : "فإن لم يستطع أومأ بطرفه".

      و- فإن عجز عن الإيماء بطرفه، فيصلي بقلبه، مستحضراً القول إن عجز عنه بلفظه، ومستحضراً الفعل بقلبه، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم".

      ولا تسقط الصلاة حينئذ عن المكلف، ما دام عقله ثابتاً، لقدرته على أن ينوي بقلبه، مع الإيماء بطرفه أو بدونه، ولعموم أدلة وجوب الصلاة.

      والخلاصة : أن أقصى حالات التيسير للمريض هو الإيماء بالرأس عند الحنفية، والإيماء بالطرف (البصر أو العين) أو مجرد النية عند المالكية، وإجراء الأركان على القلب عند الشافعية والحنابلة. 

      واتفق الكل على أنه لا تسقط الصلاة عن المرء ما دام في عقله، ويجب قضاؤها عند الحنفية إن لم يستطع الإيماء برأسه.

      الركن الثالث- القراءة لقادر عليها:

      الركن عند الحنفية الذي هو فرض عملي في جميع ركعات النفل والوتر، وفي ركعتين من الفرض، للإمام والمنفرد: هو قراءة آية من القرآن، لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] ومطلق الأمر للوجوب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بقراءة" رواه مسلم، وأقل الواجب عند أبي حنيفة: هو آية بمقدار ستة أحرف مثل "ثم نظر" [المدثر: 21] ولو تقديراً مثل "لم يلد" إذ أصله "لم يولد".

      وأما تعيين القراءة في الركعتين الأوليين من الفرض فهو واجب، لقول علي رضي الله عنه: "القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين" وعن ابن مسعود وعائشة: "التخيير في الأخريين، إن شاء قرأ، وإن شاء سبح" وكذلك قراءة الفاتحة والسورة، أو ثلاث آيات، هو واجب أيضاً.

      وليست الفاتحة عندهم فرضاً في الصلاة مطلقاً، لا في السرية ولا في الجهرية، لا على الإمام، ولا على المأموم، بل تكره قراءتها للمأموم.

      البسملة عند الحنفية:

      وليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور إلا من سورة النمل في أثنائها لحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" رواه مسلم.

      لكن يقرأ المنفرد بسم الله الرحمن الرحيم مع الفاتحة في كل ركعة سراً، كما أنه يسر بالتأمين، فالتسمية والتأمين يسر بهما القارئ. أما الإمام فلا يقرأ البسملة ولا يسر بها لئلا يقع السر بين جهرين، قال ابن مسعود: "أربع يخفيهن الإمام : التعوذ، والتسمية، والتأمين، والتحميد".

      وأدلتهم ما يأتي:

      1ً- قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] هو أمر بمطلق قراءة، فتتحقق بأدنى ما يطلق عليه اسم القرآن.

      2ً- جاء في حديث المسيء صلاته المتقدم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" فالواجب هو مطلق القراءة، كما دل القرآن، ولو كانت قراءة الفاتحة فرضاً أو ركناً لعلمه إياها، لجهله بالأحكام وحاجته إليها.

      3ً- أما حديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"الذي رواه الستة عن عبادة بن الصامت، فمحمول على نفي الفضيلة، لا نفي الصحة كحديث "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" رواه الدارقطني.

     

      الركن الرابع- الركوع:

      الركوع لغة: مطلق الانحناء، وشرعاً: الانحناء بالظهر والرأس معاً حتى تبلغ يداه (أو راحتاه) ركبتيه، وأقله:أن ينحني حتى تنال راحتاه ركبتيه، وأكمله: تسوية ظهره وعنقه (أي يمدّها بانحناء خالص بحيث يصيران كالصفيحة الواحدة) اتباعاً كما رواه مسلم، ونصب ساقيه وفخذيه، ومساواة رأسه بعجزه، ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه لجهة القبلة، ولا يرفع رأسه ولا يخفضه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه بالنسبة للرجل، أما المرأة فتضم بعضها إلى بعض، ومن تقوس ظهره يزيد في الانحناء قليلاً إن قدر عليه.

      ودليل فرضية الركوع: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا} [الحج: 77] وحديث المسيء صلاته "... ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" وللإجماع على فرضيته.

      ودليل وضع اليدين على الركبتين: ما ذكره أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيته إذا ركع، أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره" يعني عصره حتى يعتدل.

      ودليل مشروعية التفريق بين الأصابع: ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو: أنه ركع، فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرَّج بين أصابعه من وراء ركبتيه، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي" رواه أبو داود والنسائي.

      ودليل عدم رفع الرأس وعدم خفضه: قول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" متفق عليه، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا ركع، لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك" وذلك لاستواء ظهره.

      ويشترط عند الشافعية والحنابلة ألا يقصد بركوعه غيره، فلو هوى للتلاوة، فجعله ركوعاً، لم يكفه.

      الاطمئنان في الركوع:

أقل الاطمئنان في الركوع: هو أن يمكث في هيئة الركوع حتى تستقر أعضاؤه راكعاً قدر تسبيحة في الركوع والسجود وفي الرفع منهما. وهو واجب عند الحنفية كما بينا لقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ولم يذكر الطمأنينة، وفرض عند الجمهور كما أشرنا، لحديث المسيء صلاته : "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل: وكيف يسرق من صلاته ؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها" رواه أحمد، وقال أيضاً: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود" رواه البخاري.

 

      الركن الخامس- الرفع من الركوع والاعتدال:

      قال أبو حنيفة: القيام من الركوع والاعتدال (الاستواء) والجلوس بين السجدتين واجب لا ركن، لأنه من مقتضيات الطمأنينة (تعديل الأركان)، ولقوله تعالى:

{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ويصح الركوع بمجرد الانحناء.

      وقال غير الحنفية: الرفع من الركوع والاعتدال قائماً مطمئناً ركن أو فرض في الصلاة، وهو أن يعود إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع، سواء أكان قائماً أم قاعداً، أو يفعل مقدوره إن عجز. ولا يقصد غيره، فلو رفع فَزَعاً (خوفاً) من شيء كحية، لم يكف رفعه لذلك عن رفع الصلاة، كما صرح الشافعية.

      وإذا سجد ولم يعتدل، لم تصح وبطلت صلاته، لتركه ركناً من أركان الصلاة. لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته : "ثم ارفع حتى تعتدل قائماً" وداوم النبي على فعله، وقال : "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ونفى النبي صلى الله عليه وسلم كون ما فعل المسيء صلاة، فدل كل ذلك على أن الاعتدال والطمأنينة ركن، ويدخل فيه الرفع من الركوع لاستلزامه له.

      الركن السادس- السجود مرتين لكل ركعة:

      السجود لغة: الخضوع والتذلل، أو التطامن والميل، وشرعاً: أقله وضع بعض الجبهة مكشوفة على الأرض أو غيرها من المُصلَّى، لخبر: "إذا سجدت، فمكن جبهتك ولا تنقر نقراً" رواه ابن حبان، وخبر خباب بن الأرت: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا، أي لم يزل شكوانا" رواه البيهقي. وأكمل السجود : وضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة مع الأنف.

      وهو فرض بالإجماع، لقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره به المسيء صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" ولإجماع الأمة.

      والواجب عند المالكية: سجود على أيسر جزء من الجبهة: وهي ما فوق الحاجبين وبين الجبينين. ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها، ويندب السجود على أنفه أيضاً، ويعيد الصلاة لتركه في الوقت الضروري (وهو في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر وفي الصبح لطلوع الشمس) مراعاة لمن يقول بوجوبه، فلو سجد على جبهته دون أنفه، لم يكفه، ويجزئ السجود على الجبهة بخلاف الأنف، وإن عجز عن السجود على الجبهة أومأ للسجود، كمن كان بجبهته قروح تؤلمه إن سجد.

      وذكر الشافعية والحنفية والحنابلة: أن من منعه الزحام عن السجود على أرض أو نحوها مع الإمام، فله السجود على شيء من إنسان أو متاع أو بهيمة أو نحو ذلك، لقول عمر فيما رواه البيهقي بإسناد صحيح: "إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه".

      وأما السجود على اليدين والركبتين وأطراف القدمين فهو سنة.

ودليلهم حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب - أعضاء - وجههُ وكفّاه وركبتاه وقدماه" رواه مسلم وأبو داود الترمذي.

      واتفق العلماء على أن السجود الكامل يكون على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين وأطراف القدمين، لحديث ابن عباس: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والرُّكبتين، والقدمين" متفق عليه، وفي رواية "أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعراً ولا ثوباً: الجبهة واليدين والركبتين، والرِّجلين" والمراد من عدم كف الشعر والثوب: عدم رفع الثوب والشعر عن مباشرة الأرض، فيشبه المتكبرين.

      ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب. وأجمعت الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده.

      واتفق علماء الحنفية وغيرهم على أنه إن اقتصر في السجود على الجبهة دون الأنف، جاز.

      ووضع اليدين والركبتين سنة عند الحنفية لتحقق السجود بدونهما. وأما وضع القدمين فهو فريضة في السجود.

      والخلاصة: أن فرض السجود عند الحنفية والمالكية يتحقق بوضع جزء من الجبهة ولو كان قليلاً، والواجب عند الحنفية وضع أكثرها، ويتحقق الفرض أيضاً بوضع أصبع واحدة من القدمين، فلو لم يضع شيئاً من القدمين لم يصح السجود. وأما تكرار السجود فهو أمر تعبدي أي لم يعقل معناه على قول أكثر مشايخ الحنفية، تحقيقاً للابتلاء (الاختيار) ولو سجد على كَوْر عمامته إذا كان على جبهته أو فاضل (طرف) ثوبه، جاز عند الحنفية والمالكية والحنابلة، ويكره إلا من عذر لحديث أنس "كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه" متفق عليه.

      ولا خلاف في عدم وجوب كشف الركبتين، لئلا يفضي إلى كشف العورة، كما لا يجب كشف القدمين واليدين، لكن يسن كشفهما، خروجاً من الخلاف.

      ودليل جواز ترك كشف اليدين حديث عبد الله بن عبد الرحمن قال: "جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بنا في مسجد بني الأشهل، فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد" رواه ابن ماجه وأحمد.

      وقال الشافعية: إن سجد على متصل به كطرف كّمه الطويل أو عمامته، جاز إن لم يتحرك بحركته، لأنه في حكم المنفصل عنه. فإن تحرك بحركته في قيام أو قعود أو غيرهما كمنديل على عاتقه، لم يجز. وإن كان متعمداً عالماً، بطلت صلاته، وإن كان ناسياً أو جاهلاً، لم تبطل، وأعاد السجود. وتصح صلاته فيما إذا سجد على طرف ملبوسه ولم يتحرك بحركته.

      والشافعية والحنابلة متفقون على وجوب السجود على جميع الأعضاء السبعة المذكورة في الحديث السابق، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة عند الشافعية، لكن يجب عند الحنابلة وضع جزء من الأنف. واشترط الشافعية أن يكون السجود على بطون الكفين وبطون أصابع القدمين، أي أنه يكفي وضع جزء من كل واحد من هذه الأعضاء السبعة كالجبهة، والعبرة في اليدين ببطن الكف، سواء الأصابع والراحة، وفي الرجلين ببطن الأصابع، فلا يجزئ الظهر منها ولا الحرف.

      الاطمئنان في السجود: يجب أن يطمئن المصلي في سجوده، والطمأنينة فرض عند الجمهور واجب عند الحنفية، لحديث المسيء صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" كما يجب عند الشافعية: أن ينال ثقل رأسه محل سجوده، للخبر السابق: "إذا سجدت فمكِّن جبهتك" ومعنى ذلك: أن يتحامل بحيث لو فرض تحته قطن أو حشيش لانكبس، وظهر أثره في يده.

      يتضح مما سبق أنه يشترط لصحة السجود: الطمأنينة، وكشف الجبهة عند الشافعية، ولا يشترط ذلك عند الجمهور، وكون السجود على الجبهة بالاتفاق، ويضم لها القدمان عند الحنفية، واليدان والركبتان والقدمان عند الشافعية والحنابلة، والأنف أيضاً عند الحنابلة، وأن يكون السجود على ما تستقر عليه جبهة المصلي، والتنكس: وهو استعلاء أسافل المصلي وتسفل أعاليه إلا لزحمة سجد فيها على ظهر مصل آخر، كما أوضح الشافعية والحنفية. وأن يقصده عند الشافعية، فلو سقط لوجهه، وجب العود إلى الاعتدال.

      والسنة في هيئة السجود عند الجمهور: أن يضع المصلي على الأرض ركبتيه أولاً، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه. ويرفع أولاً وجهه ثم يديه ثم ركبتيه، لحديث وائل بن حُجْر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع رُكبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه، رواه أبو داود والترمذي. فإن عكس الترتيب المذكور أجزأ، مع مخالفة السنة إلا من عذر.

      وقال المالكية: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند السجود، وتأخير اليدين عن الركبتين عند القيام للقراءة، لحديث أبي هريرة: "إذا سجد أحدكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه ثم ركبتيه" رواه أبو داود والترمذي.

      مكان الصلاة:

      قال المالكية: تكره الصلاة على غير الأرض وما تنبته. وقال الحنابلة: تصح الصلاة على الثلج بحائل أو لا، إذا وجد حجمه لاستقرار أعضاء السجود، كما تصح على حشيش وقطن منتفش إذا وجد حجمه، وإن لم يجد حجمه، لم تصح صلاته، لعدم استقرار الجبهة عليه.

 

 الركن السابع- الجلوس بين السجدتين:

      الجلوس بين السجدتين مطمئناً ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية، لحديث المسيء صلاته: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" وفي الصحيحين "كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه، لم يسجد حتى يستوي جالساً".

      وأضاف الشافعية: ويجب ألا يقصد برفعه غيره، فلو رفع فزعاً من شيء لم يكف، وألا يُطوِّله، ولا الاعتدال، لأنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما، بل للفصل بين السجدتين.

      والسنة في هيئة السجود: أن يجلس بين السجدتين مفترشاً: وهو أن يثني رجله اليسرى، ويبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمداً عليها، لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة. وذلك للاتباع، كما سيأتي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ثم هوى ساجداً" وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى" متفق عليه.

      ويضع يديه على فخذيه قريباً من ركبتيه، منشورتي الأصابع، اليمنى واليسرى سواء.

      الركن الثامن- القعود الأخير مقدار التشهد:

      هذا فرض عند الحنفية إلى قوله: "عبده ورسوله"، فلو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام، فتكلم أو أكل، فصلاته تامة، وهو مع التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاعداً بمقدار: "اللهم صلِّ على محمد" ركن عند الشافعية والحنابلة. والركن عند المالكية هو بمقدار الجلوس للسلام. ويلاحظ أن التشهد الأول كالأخير واجب عند الحنفية، سنة عند الجمهور، كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سنة عند الحنفية والمالكية.

      استدل الحنفية: بحديث ابن مسعود رضي الله عنه حين علمه النبي التشهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت هذا، أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك" رواه الدارقطني، أي إذا قلت التشهد أو فعلت القعود، فقد تمت صلاتك. فإنه صلى الله عليه وسلم علق تمام الصلاة بالفعل، وهو القعود، والقراءة لم تشرع بدون القعود، حيث لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيه، فكان القعود هو المعلق به تمام الصلاة في الحقيقة، لاستلزامه القراءة، وكل ما علق بشيء لا يوجد بدونه، وبما أن تمام الصلاة واجب أو فرض وتمام الصلاة في الحقيقة، لاستلزامه القراءة، وكل ما علق بشيء لا يوجد بدونه، وبما أن تمام الصلاة واجب أو فرض وتمام الصلاة لا يوجد بدون القعود، فالعقود واجب أي فرض، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

      واستدل المالكية على أن التشهد والقعود ليسا بواجب : بأنهما يسقطان بالسهو، فأشبها السنن.

      وأما الشافعية والحنابلة فاستدلوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الجلوس، وداوم على فعله، وأمر به في حديث ابن عباس، وقال: "قولوا: التحيات لله" رواه مسلم وأبو داود: وسجد للسهو حين نسيه، وقد قال عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقال ابن مسعود: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله .." رواه الدارقطني والبيهقي. ... والدلالة منه بوجهين:

      أحدهما - التعبير بالفرض، والثاني: الأمر به وفرضه في جلوس آخر الصلاة.

وأما الجلوس له، فلأنه محله، فيتبعه.

      وأما فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فلإجماع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، فتعين وجوبها فيها، ولحديث "قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... الخ" متفق عليه، وفي رواية "كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال : قولوا ...الخ" رواه الدارقطني وابن حبان، والمناسب لها من الصلاة، التشهد آخرها، فتجب فيه، أي بعده. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه في الوتر، كما رواه أبو عوانة في مسنده، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولم يخرجها شيء عن الوجوب. ومما يدل على الوجوب حديث علي عند الترمذي وقال: حسن صحيح: "البخيل من ذكرت عنده، فلم يصلِّ علي" وقد ذكر النبي في التشهد، ومن أقوى الأدلة على الوجوب ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صلِّ على محمد .. " الحديث.

      والصلاة على النبي سنة عند الشافعية في التشهد الأول، لبنائه على التخفيف، ولا تسن على الآل في التشهد الأول، وتسن الصلاة على الآل (وهم بنو هاشم وبنو المطلب) في التشهد الأخير، وقيل: تجب فيه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" والأمر يقتضي الوجوب.

صفة الجلوس:

      صفة الجلوس للتشهد الأخير عند الحنفية، كصفة الجلوس بين السجدتين، يكون مفترشاً كما وصفنا، سواء أكان آخر صلاته أم لم يكن، بدليل حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس - يعني للتشهد - فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته" رواه البخاري، وقال وائل بن حجر: "قدمت المدينة، لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلس - يعنى للتشهد - افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصب رجله اليمنى" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

      وقال المالكية: يجلس متوركاً في التشهد الأول والأخير، لما روى ابن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم" كان يجلس في وسط الصلاة وآخرها متوركاً".

      وقال الحنابلة والشافعية: يسن التورك في التشهد الأخير، وهو كالافتراش، ولكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، بدليل ما جاء في حديث أبي حميد الساعدي: "حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته، أخَّر رجله اليسرى، وقعد على شقة متوركاً، ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي، والتورك في الصلاة: القعود على الورك اليسرى، والوركان: فوق الفخذين كالكعبين فوق العضدين. لكن قال الحنابلة: لا يتورك في تشهد الصبح، لأنه ليس بتشهدٍ ثانٍ، والذي تورك فيه النبي بحديث أبي حميد هو التشهد الثاني للفرق بين التشهدين، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه، فلا حاجة إلى الفرق.

      والخلاصة: أن التورك في التشهد الثاني سنة عند الجمهور، وليس بسنة عند الحنفية.

      صيغة التشهد:

      للتشهد صيغتان مأثورتان:

      فقال الحنفية والحنابلة: التشهد هو: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وهو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. رواه أبو داود والترمذي.

      وقال الإمام مالك: أفضل التشهد: تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه "التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات لله" وسائره كتشهد ابن مسعود السابق.

      وقال الشافعية: أقل التشهد: التحيات لله، سلام عليك أيها النب