مكروهات الصوم عند المذاهب الأربعة

مكروهات الصوم:

      يكره للصائم بوجه عام -مع الخلاف- ما يلي:

      أ- ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولو كان الصوم نفلاً، على المذهب عند الحنفية، لأنه يحرم إبطال النفل بعد الشروع فيه، وظاهر إطلاق الكراهة يفيد أنها تحريمية.

      ومن العذر مضغ الطعام للولد، إذا لم تجد الأم منه بُدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدُّ.

      وليس من العذر، ذوق اللبن والعسل لمعرفة الجيد منه والرديء عند الشراء، فيكره ذلك. وكذا ذوق الطعام، لينظر اعتداله، ولو كان لصانع الطعام.

      لكن نقل عن الإمام أحمد قوله: أحب إليّ أن يجتنب ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس به، بل قال بعض الحنابلة: إن المنصوص عنه: أنه لا بأس به لحاجة ومصلحة، وإلا كره.

      وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.

      ب- ويكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف.

      ووجه الكراهة: اتهامه بالفطر، سواء أكان رجلاً أم امرأة، قال علي رضي الله تعالى عنه: إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.

      أما ما يتحلل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، فإن تفتت فوصل شيء منه إلى جوفه عمداً أفطر، وإن شك في الوصول لم يفطر.

      ج- تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.

      د- ويرى جمهور الفقهاء أن المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء -كاللمس وتكرار النظر- حكمها حكم القبلة فيما تقدم.

      وخص الحنفية المباشرة الفاحشة، بالكراهة التحريمية، وهي -عندهم- أن يتعانقا، وهما متجردان، ويمس فرجه فرجها. ونصوا على أن الصحيح أنها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال والجماع، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي: أن يمص شفتها، فيكره على الإطلاق.

      هـ- الحجامة، وهي أيضاً مما يكره للصائم -في الجملة-، وهي استخراج الدم المحقن من الجسم، مصاً أو شَرْطاً.

      ومذهب الجمهور أنها لا تفطر الحاجم ولا المحجوم، ولكنهم كرهوها بوجه عام.

      وقال الحنفية: لا بأس بها، إن أمن الصائم على نفسه الضعف، أما إذا خاف الضعف، فإنها تكره.

      وقال المالكية: إن المريض والصحيح، إذا علمت سلامتهما بالحجامة أو ظنت، جازت الحجامة لهما، وإن علم أو ظن عدم السلامة لهما حرمت لهما، وفي حالة الشك تكره للمريض، وتجوز للصحيح.

      قالوا: إن محل المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلاكاً أو شديد أذى، وإلا وجب فعلها وإن أدت للفطر، ولا كفارة عليه.

      وقال الشافعية: يستحب الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم، لأنها تضعفه.

      ودليل عدم الإفطار بالحجامة، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري.

      ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف" رواه البخاري.

      ومذهب الحنابلة: أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه الترمذي.

      - أما الفصد، فقد نص الحنفية علىكراهته، كالحجامة، وكراهة كل عمل شاق، وكل ما يظن أنه يضعف عن الصوم، وكذلك صرح المالكية والشافعية بأن الفصادة كالحجامة.

      وقال الحنابلة: لا فطر بفصد وشرط، ولا بإخراج دمه برعاف، لأنه لا نص فيه، والقياس لا يقتضيه.

      و- وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصوم.

      ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق المارن.

      وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، وذلك خشية فساد صومه.

      21- مالا يكره في الصوم:

      -لا يكره للصائم- ما يلي، مع الخلاف في بعضها:

      أ- الاكتحال:

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الاكتحال غير مكروه بل أجازوه، ونصوا على أنه لا يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه.

      واحتجوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم" رواه ابن ماجه.

      ومذهب المالكية: في الاكتحال، فقالوا: إن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر، وإن تحلل منه شيء أفطر.

      وقال مالك إذا دخل حلقه، وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه، فعليه القضاء ولا كفارة عليه. وإن تحقق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه، كاكتحاله ليلاً وهبوطه نهاراً للحلق، لا شيء عليه في شيء من ذلك.

      ومذهب الحنابلة: إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقق الوصول إليه فسد صومه، وهذا الصحيح من المذهب. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم" رواه أبو داود، ولأن العين منفذ، لكنه غير معتاد، وكالواصل من الأنف.

      ب- التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين.

      ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين لا يفسد الصوم، لأنه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه.

      وذهب المالكية والحنابلة إلى أن التقطير في العين مفسد للصوم إذا وصل إلى الحلق، لأن العين منفذ وإن لم يكن معتاداً.

      ج- دهن الشارب ونحوه، كالرأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفية والشافعية، ولو وصل إلى جوفه بشرب المسام، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح، ولأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم.

      ومذهب المالكية: من دهن رأسه نهاراً، ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه نهاراً، فاستطعمها في حلقه، فالمعروف في المذهب وجوب القضاء.

      والقاعدة عندهم: وصول مائع للحلق، ولو كان من غير الفم.

      د- الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أول النهار بأساً.

      وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم كراهة الاستياك بعد الزوال، وذلك: لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خير خصال الصائم السواك" رواه ابن ماجه.

      ولقول عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا أحصي، يتسوك وهو صائم" رواه الترمذي.

      وقد أطلقت هذه الأحاديث السواك، فيسن ولو كان رطباً، أو مبلولاً بالماء.

      وشرط المالكية لجوازه أن لا يتحلل منه شيء، فإن تحلل منه شيء كره، وإن وصل إلى الحلق أفطر.

      وذهب الشافعية إلى سنية ترك السواك بعد الزوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.

      وذهب أحمد بن حنبل إلى ترك السواك بالعشي، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الأذفر"(1) رواه البخاري.

      وعن أحمد روايتان في الاستياك بالعود الرطب: إحداهما: الكراهة، والأخرى: أنه لا يكره.

      هـ- المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.

      وقيده المالكية بما إذا كان لعطش ونحوه، وكرهوه لغير موجب، لأن فيه تغريراً ومخاطرة، وذلك لاحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق، فيفسد الصوم حينئذ.

      وفي الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس! قال: فمه" رواه أبو داود.

      ولأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين.

      ذهب الحنابلة إلى إن المضمضة، إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه، فحكمه حكم المضمضة للطهارة، وإن كان عابثاً، أو مضمض من أجل العطش كره.

      - ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر" رواه أبو داود.

      وكذا التلفف بثوب مبتل للتبرد ودفع الحر عند الحنفية لهذا الحديث، ولأن بهذه عوناً له على العبادة، ودفعاً للضيق.

      و- اغتسال الصائم، فلا يكره، ولا بأس به حتى للتبرد، عند الحنفية وذلك لما روي عن

(1) الجيد إلى الغاية.

عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم" رواه البخاري.

      وأما الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض الفقهاء حال الإسراف والتجاوز أو العبث، خوف فساد الصوم.