تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الصفحة 596 من المصحف



تفسير القرطبي - صفحة القرآن رقم 596

596- تفسير الصفحة رقم596 من المصحف
"لا يصلاها" أي لا يجد صلاها وهو حرها. "إلا الأشقى" أي الشقي. "الذي كذب" نبي اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم."وتولى" أي أعرض عن الإيمان. وروى مكحول عن أبي هريرة قال: كل يدخل الجنة إلا من أباها. قال: يا أبا هريرة، ومن يأبىّ أن يدخل الجنة؟ قال: الذي كذب وتولى. وقال مالك: صلى بنا عمر بن عبدالعزيز المغرب، فقرأ "والليل إذا يغشى" فلما بلغ "فأنذرتكم نارا تلظى" وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعداها من البكاء، فتركها وقرأ سورة أخرى. وقال: الفراء: "إلا الأشقى" إلا من كان شقيا في علم اللّه جل ثناؤه. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: "لا يصلاها إلا الأشقى" أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم. وقال قتادة: كذب بكتاب اللّه، وتولى عن طاعة اللّه. وقال الفراء: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة؛ فجعل تكذيبا، كما تقول: لقي فلان العدو فكذب: إذا نكل ورجع عن اتباعه. قال: وسمعت أبا ثروان يقول: إن بني نمير ليس لجدهم مكذوبة. يقول: إذا لقوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا. وكذلك قوله جل ثناؤه: "ليس لوقعتها كاذبة" [الواقعة: 2] يقول: هي حق. وسمعت سلم بن الحسن يقول: سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول: هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر؛ لقوله جل ثناؤه: "لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى" وليس الأمر كما ظنوا. هذه نار موصوفة بعينها، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى. ولأهل النار منازل؛ فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار؛ واللّه سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجائز أن يعذب به. وقال جل ثناؤه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48]، فلو كان كل من لم يشرك لم يعذب، لم يكن في قوله: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فائدة، وكان "ويغفر ما دون ذلك" كلاما لا معنى له.
الزمخشري: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل: الأشقى، وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له وقيل: الأتقى، وجعل مختصا بالجنة، كأن الجنة لم تخلق إلا له وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف. وأبو بكر رضي اللّه عنه.
الآية: 17 - 18 {وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى}
قوله تعالى: "وسيجنبها" أي يكون بعيدا منها. "الأتقى" أي المتقي الخائف. قال ابن عباس: هو أبو بكر رضي اللّه عنه، يزحزح عن دخول النار. ثم وصف الأتقى فقال:"الذي يؤتي ماله يتزكى" أي يطلب أن يكون عند اللّه زاكيا، ولا يطلب بذلك رياء ولا سمعة، بل يتصدق به مبتغيا به وجه اللّه تعالى. وقال بعض أهل المعاني: أراد بقوله "الأتقى" و"الأشقى" أي التقي والشقي؛ كقول طرفة:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي واحد ووحيد؛ وتوضع (أفعل) موضع فعيل، نحو قولهم: اللّه أكبر بمعنى كبير، "وهو أهون عليه" [الروم: 27] بمعنى هين.
الآية: 19 - 21 {وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى}
قوله تعالى: "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" أي ليس يتصدق ليجازي على نعمة، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى، أي المتعالي "ولسوف يرضى" أي بالجزاء. فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: عذب المشركون بلالا، وبلال يقول أحد أحد؛ فمر به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: [أحد - يعني اللّه تعالى - ينجيك] ثم قال لأبي بكر: [يا أبا بكر إن بلالا يعذب في اللّه] فعرف أبو بكر الذي يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فانصرف إلى منزله، فأخذ رطلا من ذهب، ومضى به إلى أمية بن خلف، فقال له: أتبيعني بلالا؟ قال: نعم؛ فاشتراه فأعتقه. فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده؛ فنزلت "وما لأحد عنده" أي عند أبي بكر "من نعمة"، أي من يد ومنة، "تجزى" بل "ابتغاء" بما فعل "وجه ربه الأعلى". وقيل: اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالا، ببردة وعشر أواق، فأعتقه لله، فنزلت: "إن سعيكم لشتى" [الليل: 4]. وقال سعيد بن المسيب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر: أتبيعنيه؟ فقال: نعم، أبيعه بنسطاس، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركا، فحمله أبو بكر على الإسلام، على أن يكون ماله، فأبىّ، فباعه أبو بكر به. فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده؛ فنزلت "وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء" أي لكن ابتغاء؛ فهو استثناء منقطع؛ فلذلك نصبت. كقولك: ما في الدار أحد إلا حمارا. ويجوز الرفع. وقرأ يحيى بن وثاب "إلا ابتغاء وجه ربه" بالرفع، على لغة من يقول: يجوز الرفع في المستثنى. وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم:
أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها إلا الجاذر والظلمان تختلف
وقول القائل:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وفي التنزيل: "ما فعلوه إلا قليل منهم" [النساء: 66] وقد تقدم. "وجه ربه الأعلى" أي مرضاته وما يقرب منه. و"الأعلى" من نعت الرب الذي استحق صفات العلو. ويجوز أن يكون "ابتغاء وجه ربه" مفعولا له على المعنى؛ لأن معنى الكلام: لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، لا لمكافأة نعمته. "ولسوف يرضى" أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضي؛ وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق. وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: [رحم اللّه أبا بكر زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالا من ماله]. ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال: هل اشتريتني لعملك أو لعمل اللّه؟ قال: بل لعمل اللّه قال: فذرني وعمل اللّه، فأعتقه. وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي اللّه عنه. وقال عطاء - وروى عن ابن عباس - : إن السورة نزلت في أبي الدحداح؛ في النخلة التي اشتراها بحائط له، فيما ذكر الثعلبي عن عطاء. وقال القشيري عن ابن عباس: بأربعين نخلة؛ ولم يسم الرجل. قال عطاء: كان لرجل من الأنصار نخلة، يسقط من بلحها في دار جار له، فيتناول صبيانه، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم. [تبيعها بنخلة في الجنة]؟ فأبى؛ فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال: هل لك أن تبيعنيها بـ"حسنى": حائط له. فقال: هي لك. فأتى أبو الدحداح إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال: يا رسول اللّه، اشترها مني بنخلة في الجنة. قال: [نعم، والذي نفسي بيده] فقال: هي لك يا رسول اللّه؛ فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم جار الأنصاري، فقال: [خذها] فنزلت "والليل إذا يغشى" [الليل: 1] إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة. "فأما من أعطى واتقى" يعني أبا الدحداح. "وصدق بالحسنى" أي بالثواب. "فسنيسره لليسرى": يعني الجنة. "وأما من بخل واستغنى" يعني الأنصاري. "وكذب بالحسنى" أي بالثواب. "فسنيسره للعسرى"، يعني جهنم. "وما يغني عنه ماله إذا تردى" أي مات. إلى قوله: "لا يصلاها إلا الأشقى" يعني بذلك الخزرجي؛ وكان منافقا، فمات على نفاقه. "وسيجنبها الأتقى" يعني أبا الدحداح. "الذي يؤتي ماله يتزكى" في ثمن تلك النخلة. "ما لأحد عنده من نعمة تجزى" يكافئه عليها؛ يعني أبا الدحداح. "ولسوف يرضى" إذا أدخله اللّه الجنة. والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه. وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبدالله بن الزبير وغيرهم. وقد ذكرنا خبرا آخر لأبي الدحداح في سورة "البقرة"، عند قوله: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا" [البقرة: 245]. واللّه تعالى أعلم.
سورة الضحى
الآية: 1 - 3 {والضحى، والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى}
قوله تعالى: "والضحى. والليل إذا سجى" قد تقدم القول في "الضحى"، والمراد به النهار؛ لقوله: "والليل إذا سجى" فقابله بالليل. وفي سورة (الأعراف) "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون" [الأعراف: 97] أي نهارا. وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق: أقسم بالضحى الذي كلم اللّه فيه موسى، وبليلة المعراج. وقيل: هي الساعة التي خر فيها السحرة سجدا. بيانه قوله تعالى: "وأن يحشر الناس ضحى" [طه: 59]. وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله: فيه إضمار، مجازه ورب الضحى. و"سجا" معناه: سكن؛ قال قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة. يقال: ليلة ساجية أي ساكنة. ويقال للعين إذا سكن طرفها: ساجية. يقال: سجا الليل يسجو سجوا: إذا سكن. والبحر إذا سجا: سكن. قال الأعشى:
فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج ما يواري الدعامصا
وقال الراجز:
يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج
وقال جرير:
ولقد رمينك يوم رحن بأعين ينظرن من خلل الستور سواجي
وقال الضحاك: "سجا" غطى كل شيء. قال الأصمعي: سجو الليل: تغطيته النهار؛ مثلما يسجى الرجل بالثوب. وقال الحسن: غشى بظلامه؛ وقال ابن عباس. وعنه: إذا ذهب. وعنه أيضا: إذا أظلم. وقال سعيد بن جبير: أقبل؛ وروي عن قتادة أيضا. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: "سجا" استوى. والقول الأول أشهر في اللغة: "سجا" سكن؛ أي سكن الناس فيه. كما يقال: نهار صائم، وليل قائم. وقيل: سكونه استقرار ظلامه واستواؤه. ويقال: "والضحى. والليل إذا سجا": يعني عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى، وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم. ويقال: "الضحى": يعني نور الجنة إذا تنور. "والليل إذا سجا": يعني ظلمة الليل إذا أظلم. ويقال: "والضحى": يعني النور الذي في قلوب العارفين كهيئة النهار. "والليل إذا سجا": يعني السواد الذي في قلوب الكافرين كهيئة الليل؛ فأقسم اللّه عز وجل بهذه الأشياء.
قوله تعالى: "ما ودعك ربك" هذا جواب القسم. وكان جبريل عليه السلام أبطأ على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال المشركون: قلاه اللّه وودعه؛ فنزلت الآية. وقال ابن جريج: احتبس عنه الوحي اثني عشر يوما. وقال ابن عباس: خمسة عشر يوما. وقيل: خمسة وعشرين يوما. وقال مقاتل: أربعين يوما. فقال المشركون: إن محمدا ودعه ربه وقلاه، ولو كان أمره من اللّه لتابع عليه، كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء. وفي البخاري عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا؛ فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث؛ فأنزل اللّه عز وجل "والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى".
وفي الترمذي عن جندب البجلي قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في غار فدميت إصبعه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: [هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل اللّه ما لقيت] قال: وأبطأ عليه جبريل فقال المشركون: قد ودع محمد؛ فأنزل اللّه تبارك وتعالى: "ما ودعك ربك وما قلى". هذا حديث حسن صحيح. لم يذكر الترمذي: "فلم يقم ليلتين أو ثلاثا" أسقطه الترمذي. وذكره البخاري، وهو أصح ما قيل في ذلك. واللّه أعلم. وقد ذكره الثعلبي أيضا عن جندب بن سفيان البجلي، قال: رُمي النبي صلى اللّه عليه وسلم في إصبعه بحجر، فدميت، فقال: [هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل اللّه ما لقيت] فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم الليل. فقالت له أم جميل امرأة أبي لهب: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم اره قربك منذ ليلتين أو ثلاث؛ فنزلت "والضحى". وروى عن أبي عمران الجوني، قال: أبطأ جبريل على النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى شق عليه؛ فجاء وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو؛ فنكت بين كتفيه، وأنزل عليه: "ما ودعك ربك وما قلى". وقالت خولة - وكانت تخدم النبي صلى اللّه عليه وسلم - : إن جروا دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحي. فقال: [يا خولة، ما حدث في بيتي؟ ما لجبريل لا يأتيني] قالت خولة فقلت: لو هيأت البيت وكنسته؛ فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار؛ فجاء نبي اللّه ترعد لحياه - وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال: [يا خولة دثريني] فأنزل اللّه هذه السورة. ولما نزل جبريل سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن التأخر فقال: [أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة]. وقيل: لما سألته اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف قال: [سأخبركم غدا]. ولم يقل إن شاء اللّه. فاحتبس عنه الوحي، إلى أن نزل جبريل عليه بقوله: "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله" [الكهف: 23] فأخبره بما سئل عنه. وفي هذه القصة نزلت "ما ودعك ربك وما قلى". وقيل: إن المسلمين قالوا: يا رسول اللّه، مالك لا ينزل عليك الوحي؟ فقال: [وكيف ينزل علي وأنتم لا تنقون رواجبكم - وفي رواية براجمكم - ولا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم]. فنزل جبريل بهذه السورة؛ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: [ما جئت حتى اشتقت إليك] فقال جبريل: [أنا كنت أشد إليك شوقا، ولكني عبد مأمور] ثم أنزل عليه "وما نتنزل إلا بأمر ربك" [مريم: 64]. "ودعك" بالتشديد: قراءة العامة، من التوديع، وذلك كتوديع المفارق. وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرآه "ودعك" بالتخفيف، ومعناه: تركك. قال:
وثم ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر
واستعماله قليل. يقال: هو يدع كذا، أي يتركه. قال المبرد محمد بن يزيد: لا يكادون يقولون ودع ولا وذر، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنها بترك.
قوله تعالى: "وما قلى" أي ما أبغضك ربك منذ أحبك. وترك الكاف، لأنه رأس آية. والقلى: البغض؛ فإن فتحت القاف مددت؛ تقول: قلاه يقليه قلى وقلاء. كما تقول: قريت الضيف أقريه قرى وقراء. ويقلاه: لغة طيء. وأنشد ثعلب:
أيام أم الغمر لا نقلاها
أي لا نبغضها. ونقلي أي نبغض. وقال:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
وقال امرؤ القيس:
ولست بمقلي الخلال ولا قال
وتأويل الآية: ما ودعك ربك وما قلاك. فترك الكاف لأنه رأس آية؛ كما قال عز وجل: "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات" [الأحزاب: 35] أي والذاكرات اللّه.
الآية: 4 - 5 {وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى}
روى سلمة عن ابن إسحاق قال: "وللآخرة خير لك من الأولى" أي ما عندي في مرجعك إلي يا محمد، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا. وقال ابن عباس: أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما يفتح اللّه على أمته بعده؛ فسر بذلك؛ فنزل جبريل بقوله: "وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى". قال ابن إسحاق: الفلج في الدنيا، والثواب في الآخرة. وقيل: الحوض والشفاعة. وعن ابن عباس: ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. رفعه الأوزاعي، قال: حدثني إسماعيل بن عبيدالله، عن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه قال: أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك؛ فأنزل اللّه عز وجل "والضحى - إلى قوله تعالى - ولسوف يعطيك ربك فترضى"، فأعطاه اللّه جل ثناؤه ألف قصر في الجنة، ترابها المسك؛ في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وعنه قال: رضي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال السدي. وقيل: هي الشفاعة في جميع المؤمنين. وعن علي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يشفعني اللّه في أمتي حتى يقول اللّه سبحانه لي: رضيت يا محمد؟ فأقول يا رب رضيت). وفي صحيح مسلم عن، عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى اللّه عليه وسلم تلا قول اللّه تعالى في إبراهيم: "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" [إبراهيم: 36] وقول عيسى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك" [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي) وبكى. فقال اللّه تعالى لجبريل: (اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك) فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم، فسأل فأخبره. فقال اللّه تعالى لجبريل: [اذهب إلى محمد، فقل له: إن اللّه يقول لك: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك]. وقال علي رضي اللّه عنه لأهل العراق: إنكم تقولون إن أرجى آية في كتاب اللّه تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" [الزمر: 53] قالوا: إنا نقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب اللّه قوله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى". وفي الحديث: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: [إذا واللّه لا أرضى وواحد من أمتي في النار].
الآية: 6 {ألم يجدك يتيما فآوى}
عدد سبحانه مننه على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال: "ألم يجدك يتيما" لا أب لك قد مات أبوك. "فآوى" أي جعل لك مأوى تأوي إليه عند عمك أبي طالب، فكفلك. وقيل لجعفر بن محمد الصادق: لم أوتم النبي صلى اللّه عليه وسلم من أبويه؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه حق. وعن مجاهد: هو من قول العرب: درة يتيمة؛ إذا لم يكن لها مثل. فمجاز الآية: ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك، فآواك اللّه بأصحاب يحفظونك ويحوطونك.
الآية: 7 {ووجدك ضالا فهدى}
أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك: أي أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة؛ كقوله جل ثناؤه: "لا يضل ربي ولا ينسى" [طه: 52] أي لا يغفل. وقال في حق نبيه: "وإن كنت من قبله لمن الغافلين" [يوسف: 3]. وقال قوم: "ضالا" لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك اللّه إلى القرآن، وشرائع الإسلام؛ عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. وهو معنى قوله تعالى: "ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان"، على ما بينا في سورة "الشورى". وقال قوم: "ووجدك ضالا" أي في قوم ضلال، فهداهم اللّه بك. هذا قول الكلبي والفراء. وعن السدي نحوه؛ أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم. وقيل: "ووجدك ضالا" عن الهجرة، فهداك إليها. وقيل: "ضالا"أي ناسيا شأن الاستئناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح - فأذكرك؛ كما قال تعالى: "أن تضل إحداهما" [البقرة: 282]. وقيل: ووجدك طالبا للقبلة فهداك إليها؛ بيانه: "قد نرى تقلب وجهك في السماء..." [البقرة: 144] الآية. ويكون الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب. وقيل: ووجدك متحيرا عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه؛ فيكون الضلال بمعنى التحير؛ لأن الضال متحير. وقيل: ووجدك ضائعا في قومك؛ فهداك إليه؛ ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل: ووجدك محبا للهداية، فهداك إليها؛ ويكون الضلال بمعنى المحبة. ومنه قوله تعالى: "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم" [يوسف: 95] أي في محبتك. قال الشاعر:
هذا الضلال أشاب مني المفرقا العارضين ولم أكن متحققا
عجبا لعزة في اختيار قطيعتي بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
وقيل: "ضالا" في شعاب مكة، فهداك وردك إلى جدك عبدالمطلب. قال ابن عباس: ضل النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو صغير في شعاب مكة، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه، فرده إلى جده عبدالمطلب؛ فمن اللّه عليه بذلك، حين رده إلى جده على يدي عدوه. وقال سعيد بن جبير: خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم مع عمه أبي طالب في سفر، فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظلماء، فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل عليه السلام، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند، ورده إلى القافلة؛ فمن اللّه عليه بذلك. وقال كعب: إن حليمة لما قضت حق الرضاع، جاءت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لترده على عبدالمطلب، فسمعت عند باب مكة: هنيئا لك يا بطحاء مكة، اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال. قالت: فوضعته لأصلح ثيابي، فسمعت هدة شديدة، فالتفت فلم أره، فقلت: معشر الناس، أين الصبي؟ فقال: لم نر شيئا؛ فصحت : وامحمداه فإذا شيخ فان يتوكأ على عصاه، فقال: اذهبي إلى الصنم الأعظم، فإن شاء أن يرده عليك فعل. ثم طاف الشيخ بالصنم، وقبل رأسه وقال: يا رب، لم تزل منتك على قريش، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل، فرده إن شئت. فانكب هبل على وجهه، وتساقطت الأصنام، وقالت: إليك عنا أيها الشيخ، فهلاكنا على يدي محمد. فألقى الشيخ عصاه، وارتعد وقال: إن لابنك ربا لا يضيعه، فاطلبيه على مهل. فانحشرت قريش إلى عبدالمطلب، وطلبوه في جميع مكة، فلم يجدوه. فطاف عبدالمطلب بالكعبة سبعا، وتضرع إلى اللّه أن يرده، وقال:
يا رب رد ولدي محمدا اردده ربي واتخذ عندي يدا
يا رب إن محمد لم يوجدا فشمل قومي كلهم تبددا
فسمعوا مناديا ينادي من السماء: معاشر الناس لا تضجوا، فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمدا بوادي تهامة، عند شجرة السمر. فسار عبدالمطلب هو وورقة بن نوفل، فإذا النبي صلى اللّه عليه وسلم قائم تحت شجرة، يلعب بالأغصان وبالورق. وقيل: "ووجدك ضالا" ليلة المعراج، حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق، فهداك إلى ساق العرش. وقال أبو بكر الوراق وغيره: "ووجدك ضالا": تحب أبا طالب، فهداك إلى محبة ربك. وقال بسام بن عبدالله: "ووجدك ضالا" بنفسك لا تدري من أنت، فعرفك بنفسك وحالك. وقال الجنيدي: ووجدك متحيرا في بيان الكتاب، فعلمك البيان؛ بيانه: "لتبين للناس ما نزل إليهم" [النحل: 44] الآية. "لتبين لهم الذي اختلفوا فيه" [النحل: 64]. وقال بعض المتكلمين: إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض، لا شجر معها، سموها ضالة، فيهتدي بها إلى الطريق؛ فقال اللّه تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: "ووجدك ضالا" أي لا أحد على دينك، وأنت وحيد ليس معك أحد؛ فهديت بك الخلق إلي.
قلت: هذه الأقوال كلها حسان، ثم منها ما هو معنوي، ومنها ما هو حسي. والقول الأخير أعجب إلي؛ لأنه يجمع الأقوال المعنوية. وقال قوم: إنه كان على جملة ما كان القوم عليه، لا يظهر لهم خلافا على ظاهر الحال؛ فأما الشرك فلا يظن به؛ بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة. وقال الكلبي والسدي: هذا على ظاهره؛ أي وجدك كافرا والقوم كفار فهداك. وقد مضى هذا القول والرد عليه في سورة "الشورى". وقيل: وجدك مغمورا بأهل الشرك، فميزك عنهم. يقال: ضل الماء في اللبن؛ ومنه "أئذا ضللنا في الأرض" [السجدة: 10] أي لحقنا بالتراب عند الدفن، حتى كأنا لا نتميز من جملته. وفي قراءة الحسن "ووجدك ضالٌ فهدى" أي وجدك الضال فاهتدى بك؛ وهذه قراءة على التفسير. وقيل: "ووجدك ضالا" لا يهتدي إليك قومك، ولا يعرفون قدرك؛ فهدى المسلمين إليك، حتى آمنوا بك.
الآية: 8 {ووجدك عائلا فأغنى}
أي فقيرا لا مال لك. "فأغنى" أي فأغناك بخديجة رضي اللّه عنها؛ يقال: عال الرجل يعيل عيلة: إذا افتقر. وقال أحيحة بن الجلاح:
فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يغيل
أي يفتقر. وقال مقاتل: فرضاك بما أعطاك من الرزق. وقال الكلبي: قنعك بالرزق. وقال ابن عطاء: ووجدك فقير النفس، فأغنى قلبك. وقال الأخفش: وجدك ذا عيال؛ دليله "فأغنى". ومنه قول جرير:
الله أنزل في الكتاب فريضة لابن السبيل وللفقير العائل
وقيل: وجدك فقيرا من الحجج والبراهين، فأغناك بها. وقيل: أغناك بما فتح لك من الفتوح، وأفاءه عليك من أموال الكفار. القشيري وفي هذا نظر؛ لأن السورة مكية، وإنما فرض الجهاد بالمدينة.
وقراءة العامة "عائلا". وقرأ ابن السميقع "عيلا" بالتشديد؛ مثل طبيب وهين.
الآية: 9 - 11 {فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث}
قوله تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر" أي لا تسلط عليه بالظلم، ادفع إليه حقه، واذكر يتمك؛ قال الأخفش. وقيل: هما لغتان: بمعنى. وعن مجاهد "فلا تقهر" فلا تحتقر. وقرأ النخعي والأشهب العقيلي "تكهر" بالكاف، وكذا هو في مصحف ابن مسعود. فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره، بظلمه وأخذ ماله. وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير اللّه تعالى؛ فغلظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه. والعرب تعاقب بين الكاف والقاف. النحاس: وهذا غلط، إنما يقال كهره: إذا اشتد عليه وغلظ. وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي، حين تكلم في الصلاة برد السلام، قال: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه - يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فواللّه ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني... الحديث. وقيل: القهر الغلبة. والكهر: الزجر.
ودلت الآية على اللطف باليتيم، وبره والإحسان إليه؛ حتى قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرحيم. وروي عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قسوة قلبه؛ فقال: (إن أردت أن يلين، فامسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين). وفي الصحيح عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين). وأشار بالسبابة والوسطى. ومن حديث ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه؟ أن أرضيه يوم القيامة). فكان ابن عمر إذا رأى يتيما مسح برأسه، وأعطاه شيئا. وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: [من ضم يتيما فكان في نفقته، وكفاه مؤونته،كان له حجابا من النار يوم القيامة، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة]. وقال أكثم بن صيفي: الأذلاء أربعة: النمام، والكذاب، والمديون، واليتيم.
قوله تعالى: "وأما السائل فلا تنهر" أي لا تزجره؛ فهو نهى عن إغلاط القول. ولكن رده ببذل يسير، أو رد جميل، واذكر فقرك؛ قال قتادة وغيره. وروي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: [لا يمنعن أحدكم السائل، وأن يعطيه إذا سأل، ولو رأى في يده قلبين من ذهب]. وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السُّؤَّال: يحملون زادنا إلى الآخرة. وقال إبراهيم النخعي: السائل بريد الآخرة، يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل تبعثون إلى أهليكم بشيء. وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: [ردوا السائل ببذل يسير، أو رد جميل، فإنه يأتيكم من ليس من الإنس ولا من الجن، ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم اللّه]. وقيل: المراد بالسائل هنا، الذي يسأل عن الدين؛ أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين؛ قاله سفيان. قال ابن العربي: وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم، على الكفاية؛ كإعطاء سائل البر سواء. وقد كان أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث، ويبسط رداءه لهم، ويقول: مرحبا بأحبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وفي حديث أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد يقول: مرحبا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: [إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا]. وفي رواية [يأتيكم رجال من قبل المشرق]... فذكره. و"اليتيم" و"السائل" منصوبان بالفعل الذي بعده؛ وحق المنصوب أن يكون بعد الفاء، والتقدير: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، ولا تنهر السائل. وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (سألت ربي مسئلة وددت أني لم أسألها: قلت يا رب اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، وسخرت مع داود الجبال يسبحن، وأعطيت فلانا كذا؛ فقال عز وجل: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أوتك ما لم أوت أحدا قبلك: خواتيم سورة البقرة، الم أتخذك خليلا، كما اتخذت إبراهيم خليلا؟ قلت بلى يا رب)
قوله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" أي أنشر ما أنعم اللّه عليك بالشكر والثناء. والتحدث بنعم اللّه، والاعتراف بها شكر. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد "وأما بنعمة ربك" قال بالقرآن. وعنه قال: بالنبوة؛ أي بلغ ما أرسلت به. والخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره. وعن الحسن بن علي رضي اللّه عنهما قال: إذا أصبت خيرا، أو عملت خيرا، فحدث به الثقة من إخوانك. وعن عمرو بن ميمون قال: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به، يقول له: رزق اللّه من الصلاة البارحة وكذا وكذا. وكان أبو فراس عبدالله بن غالب إذا أصبح يقول: لقد رزقني اللّه البارحة كذا، قرأت كذا، وصليت كذا، وذكرت اللّه كذا، وفعلت كذا. فقلنا له: يا أبا فراس، إن مثلك لا يقول هذا قال يقول اللّه تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" وتقولون أنتم: لا تحدث بنعمة اللّه ونحوه عن أيوب السختياني وأبي رجاء العطاردي رضي اللّه عنهم. وقال بكر بن عبدالله المزني قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (من أعطي خيرا فلم ير عليه، سمي بغيض اللّه، معاديا لنعم اللّه). وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: [من لم يشكو القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر اللّه، والتحدث بالنعم شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب]. وروى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال: كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالسا، فرآني رث الثياب فقال: [ألك مال؟] قلت: نعم، يا رسول اللّه، من كل المال. قال: [إذا آتاك اللّه مالا فلير أثره عليك]. وروى أبو سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: [إن اللّه جميل يحب الجمال، ويجب أن يرى أثر نعمته على عبده].
فصل: يُكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير - وقد رواه مجاهد عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: إذا بلغ آخر "والضحى" كبر بين كل سورة تكبيرة، إلى أن يختم القرآن، ولا يصل آخر السورة بتكبيره؛ بل يفصل بينهما بسكتة. وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أياما، فقال ناس من المشركين: قد ودعه صاحبه وقلاه؛ فنزلت هذه السورة فقال: [اللّه أكبر]. قال مجاهد: قرأت على ابن عباس، فأمرني به، وأخبرني به عن أبيّ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. ولا يكبر في قراءة الباقين؛ لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن.
قلت: القرآن ثبت نقلا متواترا سوره وآياته وحروفه؛ لا زيادة فيه ولا نقصان؛ فالكبير على هذا ليس بقرآن. فإذا كان بسم اللّه الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب. أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد، فاستحبه ابن كثير، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه. ذكر الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ في كتاب المستدرك له على البخاري ومسلم: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن يزيد، المقرئ الإمام بمكة، في المسجد الحرام، قال: حدثنا أبو عبدالله محمد بن علي بن زيد الصائغ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبدالله بن قسطنطين، فلما بلغت "والضحى" قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبدالله بن كثير فلما بلغت "والضحى" قال: كبر حتى تختم. وأخبره عبدالله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبيّ بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبيّ بن كعب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمره بذلك. هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.
سورة الشرح
الآية: 1 {ألم نشرح لك صدرك}
شرح الصدر: فتحه؛ أي ألم نفتح صدرك للإسلام. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ألم نلين لك قلبك. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: قالوا يا رسول اللّه، أينشرح الصدر؟ قال: [نعم وينفسح]. قالوا: يا رسول اللّه، وهل لذلك علامة؟ قال: [نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت، قبل نزول الموت]. وقد مضى هذا المعنى في "الزمر" عند قوله تعالى: "أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه". وروي عن الحسن قال: "ألم نشرح لك صدرك" قال: مُلئ حكما وعلما. وفي الصحيح عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة فأُتيت بطست من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا) قال قتادة قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: [فاستخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة]. وفي الحديث قصة. وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (جاءني ملكان في صورة طائر، معهما ماء وثلج، فشرح أحدهما صدري، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله). وفي حديث آخر قال: [جاءني ملك فشق عن قلبي، فاستخرج منه عذرة، وقال: قلبك وكيع، وعيناك بصيرتان، وأذناك سميعتان، أنت محمد رسول اللّه، لسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قثم، وأنت قيم]. قال أهل اللغة: قوله [وكيع] أي يحفظ ما يوضع فيه. يقال: سقاء وكيع؛ أي قوي يحفظ ما يوضع فيه. واستوكعت معدته، أي قويت وقوله: [قثم] أي جامع. يقال: رجل قثوم للخير؛ أي جامع له. ومعنى "ألم نشرح" قد شرحنا؛ الدليل؛ على ذلك قوله في النسق عليه: "ووضعنا عنك وزرك"، فهذا عطف على التأويل، لا على التنزيل؛ لأنه لو كان على التنزيل لقال: ونضع عنك وزرك. فدل هذا على أن معنى "ألم نشرح": قد شرحنا. و"لم" جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد، وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق؛ كقوله تعالى: "أليس الله بأحكم الحاكمين" [التين: 8]. ومعناه: اللّه أحكم الحاكمين. وكذا "أليس الله بكاف عبده" [الزمر: 36]. ومثله قول جرير يمدح عبدالملك بن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
المعنى: أنتم كذا.
الآية: 2 - 3 {ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك}
قوله تعالى: "ووضعنا عنك وزرك" أي حططنا عنك ذنبك. وقرأ أنس "وحللنا، وحططنا". وقرأ ابن مسعود: "وحللنا عنك وقرك". هذه الآية مثل قوله تعالى: "ليعفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح: 2]. قيل: الجميع كان قبل النبوة. والوزر: الذنب؛ أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه كان صلى اللّه عليه وسلم في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا. قال قتادة والحسن والضحاك: كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم ذنوب أثقلته؛ فغفرها اللّه له "الذي أنقض ظهرك" أي أثقله حتى سمع نقيضه؛ أي صوته. وأهل اللغة يقولون: أنقض، الحمل ظهر الناقة: إذا سمعت له صريرا من شدة الحمل. وكذلك سمعت نقيض الرحل؛ أي صريره. قال جميل:
وحتى تداعت بالنقيض حباله وهمت بواني زوره أن تحطما
بواني زوره: أي أصول صدره. فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. "الذي أنقض ظهرك" أي أثقله وأوهنه. قال: وإنما وصفت ذنوب، الأنبياء بهذا الثقل، مع كونها مغفورة، لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها. وقال السدي: "ووضعنا عنك وزرك" أي وحططنا عنك ثقلك. وهي في قراءة عبدالله بن مسعود "وحططنا عنك وقرك". وقيل: أي حططنا عنك ثقل آثام الجاهلية. قال الحسين بن المفضل: يعني الخطأ والسهو. وقيل: ذنوب أمتك، أضافها إليه لاشتغال قلبه. بها. وقال عبدالعزيز بن يحيى وأبو عبيدة: خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بها، حتى لا تثقل عليك. وقيل: كان في الابتداء يثقل عليه الوحي، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل، إلى أن جاءه جبريل وأراه نفسه؛ وأزيل عنه ما كان يخاف من تغير العقل. وقيل: عصمناك عن احتمال الوزر، وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس؛ حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر من الأدناس.
الآية: 4 {ورفعنا لك ذكرك}
قال مجاهد: يعني بالتأذين. وفيه يقول حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وروي عن الضحاك عن ابن عباس، قال: يقول له لا ذُكِرتُ إلا ذُكِرتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى: وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلا عبد اللّه جل ثناؤه، وصدق بالجنة والنار وكل شيء، ولم يشهد أن محمدا رسول اللّه، لم ينتفع بشيء وكان كافرا. وقيل: أي أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه. وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء، وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات.
الآية: 5 - 6 {فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسر}
أي إن مع الضيقة والشدة يسرا، أي سعة وغنى. ثم كرر فقال: "إن مع العسر يسرا"، فقال قوم: هذا التكرير تأكيد للكلام؛ كما يقال: ارم ارم، اعجل اعجل؛ قال اللّه تعالى: "كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون" [التكاثر: 3]. ونظيره في تكرار الجواب: بلى بلى، لا لا. وذلك للإطناب والمبالغة؛ قاله الفراء. ومنه قول الشاعر:
هممت بنفسي بعض الهموم فأولى لنفسي أولى لها
وقال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه، فهو هو. وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره. وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر؛ قاله ثعلب. وقال ابن عباس: يقول اللّه تعالى خلقت عسرا واحدا، وخلقت يسرين، ولن يغلب عسر يسرين. وجاء في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه السورة: أنه قال: [لن يغلب عسر يسرين]. وقال ابن مسعود: والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حجر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه؛ ولن يغلب عسر يسرين. وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم؛ فكتب إليه عمر رضي اللّه عنهما: أما بعد، فإنهم مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل اللّه بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" [آل عمران: 200]. وقال قوم منهم الجرجاني: هذا قول مدخول؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا، إن مع الفارس سيفا، أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان. والصحيح أن يقال: إن اللّه بعث نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم مقلا مخفا، فعيره المشركون بفقره، حتى قالوا له: نجمع لك مالا؛ فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره؛ فعزاه اللّه، وعدد نعمه عليه، ووعده الغنى بقوله: "فإن مع العسر يسرا" أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر؛ فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا؛ أي في الدنيا. فأنجز له ما وعده؛ فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن، ووسع ذات يده، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة. فهذا الفضل كله من أمر الدنيا؛ وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى. ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم، فقال مبتدئا: "إن مع العسر يسرا" فهو شيء آخر. والدليل على ابتدائه، تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على العطف. فهذا وعد عام لجميع المؤمنين، لا يخرج أحد منه؛ أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة. وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة. والذي في الخبر: [لن يغلب عسر يسرين] يعني العسر الواحد لن يغلبهما، وإنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا؛ فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة، ولن يغلبه شيء. أو يقال: "إن مع العسر" وهو إخراج أهل مكة النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة "يسرا"، وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل، مع عز وشرف.
الآية: 7 - 8 {فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب}
قوله تعالى: "فإذا فرغت" قال ابن عباس وقتادة: فإذا فرغت من صلاتك "فانصب" أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك. وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وقال الكلبي: إذا فرغت من تبليغ الرسالة "فانصب" أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. وقال الحسن وقتادة أيضا: إذا فرغت من جهاد عدوك، فانصب لعبادة ربك. وعن مجاهد: "فإذا فرغت" من دنياك، "فانصب" في صلاتك. ونحوه عن الحسن. وقال الجنيد: إذا فرغت من أمر الخلق، فاجتهد في عبادة الحق. قال ابن العربي: "ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية "فانصب" بكسر الصاد، والهمز من أوله، وقالوا: معناه: انصب الإمام الذي تستخلفه. وهذا باطل في القراءة، باطل في المعنى؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا. وقرأها بعض: الجهال "فانصب" بتشديد الباء، معناه: إذا فرغت من الجهاد، فجد في الرجوع إلى بلدك.. وهذا باطل أيضا قراءة، لمخالفة الإجماع، لكن معناه صحيح؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم: [السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته، فليعجل، الرجوع إلى أهله]. وأشد الناس عذابا وأسوأهم مباء ومآبا، من أخذ معنى صحيحا، فركب عليه من قبل نفسه قراءة أو حديثا، فيكون كاذبا على اللّه، كاذبا على رسول؛ "ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا". قال المهدوي: وروي عن أبي جعفر المنصور: أنه قرأ "ألم نشرح لك صدرك" بفتح الحاء؛ وهو بعيد، وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة، ثم أبدلت النون ألفا في الوقف، ثم حمل الوصل على الوقف، ثم حذف الألف. وأنشد عليه:
اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسوط قونس الفرس
أراد: اضربن. وروي عن أبي السمال "فإذا فرغت" بكسر الراء، وهي لغة فيه. وقرئ "فرغب" أي فرغب الناس إلى ما عنده.
قال ابن العربي: روي عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد، فقال ما بهذا أمر الشارع. وفيه نظر، فإن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر. ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان؛ فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد). وليس يلزم الدؤوب على العمل، بل هو مكراه للخلق.