تفسير السعدي تفسير الصفحة 599 من المصحف


جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ( 8 ) .
( جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ) أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها، ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات ( ذَلِكَ ) الجزاء الحسن ( لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته .
[ تمت بحمد لله ]

تفسير سورة إذا زلزلت


وهي مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ( 1 ) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( 2 ) وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا ( 3 ) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ( 4 ) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ( 5 ) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ( 6 ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ( 7 ) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( 8 ) .
يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم .
فتندك جبالها، وتسوى تلالها، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت.
( وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا ) أي: ما في بطنها، من الأموات والكنوز.
( وَقَالَ الإنْسَانُ ) إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم مستعظمًا لذلك: ( مَا لَهَا ) ؟ أي: أي شيء عرض لها؟.
( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ ) الأرض ( أَخْبَارَهَا ) أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) [ أي ] وأمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصى لأمره .
( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ ) من موقف القيامة، حين يقضي الله بينهم ( أَشْتَاتًا ) أي: فرقًا متفاوتين. ( لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) أي: ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات، ويريهم جزاءه موفرًا.
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) وهذا شامل عام للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، [ وجوزي عليها ] فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا.

تفسير سورة العاديات


وهي مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ( 1 ) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ( 2 ) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ( 3 ) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ( 4 ) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ( 5 ) إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ( 6 ) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ( 7 ) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( 8 ) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ( 9 ) .
أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل، لما فيها من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، ما هو معلوم للخلق.
وأقسم [ تعالى ] بها في الحال التي لا يشاركها [ فيه ] غيرها من أنواع الحيوانات، فقال: ( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) أي: العاديات عدوًا بليغًا قويًا، يصدر عنه الضبح، وهو صوت نفسها في صدرها، عند اشتداد العدو .
( فَالْمُورِيَاتِ ) بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار ( قَدْحًا ) أي: تقدح النار من صلابة حوافرهن [ وقوتهن ] إذا عدون، ( فَالْمُغِيرَاتِ ) على الأعداء ( صُبْحًا ) وهذا أمر أغلبي، أن الغارة تكون صباحًا، ( فَأَثَرْنَ بِهِ ) أي: بعدوهن وغارتهن ( نَقْعًا ) أي: غبارًا، ( فَوَسَطْنَ بِهِ ) أي: براكبهن ( جَمْعًا ) أي: توسطن به جموع الأعداء، الذين أغار عليهم.
والمقسم عليه، قوله: ( إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) أي: لمنوع للخير الذي عليه لربه .
فطبيعة [ الإنسان ] وجبلته، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق، ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) أي: إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع والكند لشاهد بذلك، لا يجحده ولا ينكره، لأن ذلك أمر بين واضح. ويحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود، والله شهيد على ذلك، ففيه الوعيد، والتهديد الشديد، لمن هو لربه كنود، بأن الله عليه شهيد.
( وَإِنَّهُ ) أي: الإنسان ( لِحُبِّ الْخَيْرِ ) أي: المال ( لَشَدِيدٌ ) أي: كثير الحب للمال.
وحبه لذلك، هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه، قدم شهوة نفسه على حق ربه، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة، ولهذا قال حاثًا له على خوف يوم الوعيد:
( أَفَلا يَعْلَمُ ) أي: هلا يعلم هذا المغتر ( إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) أي: أخرج الله الأموات من قبورهم، لحشرهم ونشورهم.