تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 518 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 518

518 : تفسير الصفحة رقم 518 من القرآن الكريم

سورة ق
هذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح وقيل من الحجرات. وأما ما يقوله العوام إنه من (عم) فلا أصل له ولم يقله أحد من العلماء رضي الله عنهم المعتبرين فيما نعلم. والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود في سننه باب تحزيب القرآن ثم قال: حدثنا مسدد, حدثنا قران بن تمام, حدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد, سليمان بن حيّان, وهذا لفظه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده, قال عبد الله بن سعيد: حدثنيه أوس بن حذيفة ثم اتفقا قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف, قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه, وأنزل الرسول صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له, قال مسدد: وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف, قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا, قال أبو سعيد, قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام, فأكثر ما يحدثنا به صلى الله عليه وسلم ما لقي من قومه قريش ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «لا سواء وكنا مستضعفين مستذلين ـ قال مسدد بمكة ـ فلما خرجنا إلى المدينة كانت الحرب سجالاً بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا» فلما كانت ليلة أبطأ عنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي كان يأتينا فيه, فقلنا: لقد أبطأت علينا الليلة, قال صلى الله عليه وسلم: «إنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه». قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن ؟ فقالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة.
وحزب المفصل وحده, ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر به, ورواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عبد الرحمن هو ابن يعلى الطائفي به. إذا علم هذا فإذا عددت ثمانياً وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ق. بيانه ثلاث: البقرة وآل عمران والنساء. وخمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة. وسبع: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل. وتسع: سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان. وإحدى عشرة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس. وثلاث عشرة: الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاق والقتال والفتح والحجرات. ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة رضي الله عنهم. فتعين أن أوله سورة ق. وهو الذي قلنا ولله الحمد والمنة. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ؟ قال: بقاف واقتربت, ورواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث مالك به. وفي رواية لمسلم عن فليح عن ضمرة عن عبيد الله عن أبي واقد قال: سألني عمر رضي الله عنه, فذكره.
(حديث آخر) وقال أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة, عن أم هشام بنت حارثة قالت: لقد كان تنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة, وما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا على رسول الله, وكان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس, رواه مسلم من حديث ابن إسحاق به. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن حبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن ابنة الحارث بن النعمان قالت ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة. قالت: وكان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً, وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث شعبة به, والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق, والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب, والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب, والله أعلم.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذّبُواْ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيَ أَمْرٍ مّرِيجٍ
{ق}: حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: {ص ـ ون ـ والم ـ وحم ـ وطس} ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب,وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم,ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل {ق} هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: {ص ـ ن ـ حم ـ طس ـ الم} ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه {ق} قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: {والقرآن المجيد} أي الكريم العظيم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق} وهكذا قال ههنا: {ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب} أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: {أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه {أئذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد} أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ {ذلك رجع بعيد} أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت {وعندنا كتاب حفيظ} أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: {إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك}.

** أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ * وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ * وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ * رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ
يقول تعالى منبهاً للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناه} أي بالمصابيح {وما لها من فروج} قال مجاهد: يعني من شقوق, وقال غيره: فتوق, وقال غيره: صدوع, والمعنى متقارب كقوله تبارك وتعالى: {الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير} أي كليل عن أن يرى عيباً أو نقصاً. وقوله تبارك وتعالى: {والأرض مددناه} أي وسعناها وفرشناها {وألقينا فيها رواسي} وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب, فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها {وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} أي من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} وقوله بهيج أي حسن المنظر {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} أي ومشاهدة خلق السموات والأرض وما جعل الله فيهما من الاَيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب أي خاضع خائف وجل رجاع إلى الله عز وجل.
وقوله تعالى: {ونزلنا من السماء ماء مبارك} أي نافعاً {فأنبتنا به جنات} أي حدائق من بساتين ونحوها {وحب الحصيد} وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره {والنخل باسقات} أي طوالاً شاهقات, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وغيرهم: الباسقات الطوال {لها طلع نضيد} أي منضود {رزقاً للعباد} أي للخلق {وأحيينا به بلدة ميت} وهي الأرض التي كانت هامدة, فلما نزل الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك, مما يحار الطرف في حسنها, وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء, فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك, كذلك يحيي الله الموتى وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث, كقوله عز وجل: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} وقوله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بل إنه على كل شيء قدير} وقال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}.

** كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرّسّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تّبّعٍ كُلّ كَذّبَ الرّسُلَ فَحَقّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
يقول تعالى مهدداً لكفار قريش, بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم, من النقمات والعذاب الأليم في الدنيا كقوم نوح وما عذبهم الله تعالى به من الغرق العام لجميع أهل الأرض وأصحاب الرس, وقد تقدمت قصتهم في سورة الفرقان {وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط} وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور, وكيف خسف الله تعالى بهم الأرض, وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق. {وأصحاب الأيكة} وهم قوم شعيب عليه الصلاة والسلام {وقوم تبع} وهو اليماني, وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته ههنا, ولله الحمد والشكر.
{كل كذب الرسل} أي كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسولهم, ومن كذب رسولاً فكأنما كذب جميع الرسل كقوله جل وعلا: {كذبت قوم نوح المرسلين} وإنما جاءهم رسول واحد فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم {فحق وعيد} أي فحق عليهم ما أوعدهم الله تعالى على التكذيب من العذاب والنكال, فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذبوا أولئك. وقوله تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول} أي أفعجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة {بل هم في لبس من خلق جديد} والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل منه كما قال عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} وقال الله جل جلاله: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم} وقد تقدم في الصحيح «يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يقول لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته».