تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 566 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 566

566 : تفسير الصفحة رقم 566 من القرآن الكريم

** يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بِهَـَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مّن مّغْرَمٍ مّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم, بيّن متى ذلك كائن وواقع فقال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} يعني يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء, والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري ههنا: حدثنا آدم حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً» وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق, وله ألفاظ وهو حديث طويل مشهور, وقد قال عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس {يوم يكشف عن ساق} قال: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة, رواه ابن جرير ثم قال حدثنا ابن حميد, حدثنا مهران عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود أو ابن عباس ـ الشك من ابن جرير ـ {يوم يكشف عن ساق} قال: عن أمر عظيم, كقول الشاعر:
مالت الحرب عن ساق
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد {يوم يكشف عن ساق} قال: شدة الأمر, وقال ابن عباس: هي أول ساعة تكون في يوم القيامة, وقال ابن جرير عن مجاهد {يوم يكشف عن ساق} قال: شدة الأمر وجده, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {يوم يكشف عن ساق} هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة, وقال العوفي عن ابن عباس: قوله: {يوم يكشف عن ساق} يقول حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال, وكشفه دخول الاَخرة وكشف الأمر عنه, وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس: أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير, ثم قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبّة, حدثنا هارون بن عمر المخزومي, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا أبو سعيد روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {يوم يكشف عن ساق} يعني عن نور عظيم يخرّون له سجداً» ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم به وفيه رجل مبهم والله أعلم.
وقوله تعالى: {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة} أي في الدار الاَخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه, ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الاَخرة, إذا تجلى الرب عز وجل فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد, بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه عكس السجود, كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون.
ثم قال تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} يعني القرآن, وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظره ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر, ولهذا قال تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة, كما قال تعالى: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} ولهذا قال ههنا: {وأملي لهم إن كيدي متين} أي وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري بهم, ولهذا قال تعالى: {إن كيدي متين} أي عظيم لمن خالف أمري وكذب رسلي واجترأ على معصيتي.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وقوله تعالى: {أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون * أم عندهم الغيب فهم يكتبون} تقدم تفسيرها في سورة الطور, والمعنى في ذلك أنك يا محمد تدعوهم إلى الله عز وجل بلا أجر تأخذه منهم, بل ترجو ثواب ذلك عند الله تعالى, وهم يكذبون بما جئتهم به بمجرد الجهل والكفر والعناد.

** فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ * لّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رّبّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ
يقول تعالى: {فاصبر} يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم, فإن الله سيحكم لك عليهم ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والاَخرة {ولا تكن كصاحب الحوت} يعني ذا النون وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضباً على قومه, فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر والتقام الحوت له وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم, وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير الذي لا يرد ما أنفذه من التقدير فحينئذ نادى في الظلمات {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} قال الله تعالى: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} وقال تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وقال ههنا: {إذ نادى وهو مكظوم} قال ابن عباس ومجاهد والسدي: وهو مغموم, وقال عطاء الخراساني وأبو مالك: مكروب وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} خرجت الكلمة تحفّ حول العرش فقالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة, فقال الله تبارك وتعالى: أما تعرفون هذا ؟ قالوا: لا, قال: هذا يونس, قالوا: يا رب عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال: نعم, قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء فأمر الله الحوت فألقاه بالعراء, ولهذا قال تعالى: {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين}.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة, وقوله تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما {ليزلقونك} لينفذونك {بأبصارهم} أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم, وفي هذه الاَية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل, كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة.
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه) قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود العتكي, حدثنا شريك (ح) وحدثنا العباس العنبري, حدثنا يزيد بن هارون, أنبأنا شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي, قال العباس عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ» لم يذكر العباس العين, وهذا لفظ سليمان.
(حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه) قال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر الرازي عن حصين عن الشعبي عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا رقية إلا من عين أو حمة» هكذا رواه ابن ماجه, وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن سعيد بن منصور عن هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عامر الشعبي عن بريدة موقوفاً وفيه قصة, وقد رواه شعبة عن حصين عن الشعبي عن بريدة قاله الترمذي. وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل وأبو داود من حديث مالك بن مغول والترمذي من حديث سفيان بن عيينة, ثلاثتهم عن حصين عن عامر الشعبي عن عمران بن حصين موقوفاً «لا رقية إلا من عين أو حمة».
(حديث أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن اليزيد السامي, حدثنا ديلم بن غزوان, حدثنا وهب بن أبي دنى عن أبي حرب عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العين لتولع الرجل بإذن الله فيتصاعد حالقاً ثم يتردى منه» إسناده غريب ولم يخرجوه.
(حديث حابس التميمي) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حرب حدثنا يحيى بن أبي كثير, حدثني حية بن حابس التميمي أن أباه أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا شيء في الهام والعين حق, وأصدق الطيرة الفأل» وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي عن أبي غسان يحيى بن أبي كثير عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به ثم قال غريب. وقال: وروى سنان عن يحيى بن أبي كثير عن حية بن حابس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قلت: كذلك رواه الإمام أحمد عن حسن بن موسى, وحسين بن محمد عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن حيّة, حدثه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا بأس في الهام, والعين حق وأصدق الطيرة الفأل».
(حديث ابن عباس رضي الله عنه) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن الوليد عن سفيان عن دريد, حدثني إسماعيل بن ثوبان عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق, العين حق تستنزل الحالق» غريب.) (طريق أخرى) قال مسلم في صحيحه حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي, أخبرنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا» انفرد به دون البخاري. وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى عليه وآله وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة, ومن كل عين لامة» ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال به.
(حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رضي الله عنه) قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار, حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة, فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له أدرك سهلاً صريعاً قال: «من تتهمون به» قالوا: عامر بن ربيعة قال: «علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة» ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره, وأمره أن يصب عليه, قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه, وقد رواه النسائي من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس كلاهما عن الزهري به, ومن حديث سفيان بن عيينة به أيضاً عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة ويكفأ الإناء من خلفه ومن حديث ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف عن أبيه به, ومن حديث مالك أيضاً عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه به.
(حديث أبي سعيد الخدري) قال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عباد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذمن أعين الجان وأعين الإنس, فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك, ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس أبي مسعود الجريري به وقال الترمذي: حسن.
(حديث آخر عنه) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثني عبد العزيز بن صهيب, حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد ؟ قال: «نعم» قال: «باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, ومن شر كل نفس وعين تشنيك والله يشفيك, باسم الله أرقيك». ورواه عن عفان عن عبد الوارث مثله, ورواه مسلم وأهل السنن إلا أبا داود من حديث عبد الوارث به.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عفان, حدثنا وهيب حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد أو جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى فأتاه جبريل فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من كل حاسد وعين والله يشفيك. ورواه أيضاً عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن داود بن أبي نضرة عن أبي سعيد به قال أبو زرعة الرازي: روى عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن عبد العزيز عن أبي نضرة وعن عبدالعزيز عن أنس في معناه, وكلاهما صحيح.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العين حق» أخرجاه من حديث عبد الرزاق. وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن الجريري عن مضارب بن حزن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق» تفرد به. ورواه أحمد عن إسماعيل بن علية عن سعيد الجريري به, وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير حدثنا ثور يعني ابن يزيد عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم» وقال أحمد: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس: سئل أبو هريرة هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطيرة في ثلاث: في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال: قلت إذاً أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل, ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أصدق الطيرة الفأل, والعين حق».
(حديث أسماء بنت عميس) قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي قال: قالت أسماء يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ قال: «نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين» وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به, ورواه الترمذي أيضاً والنسائي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عروة بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(حديث عائشة رضي الله عنها) قال ابن ماجه: حدثنا علي بن أبي الخصيب حدثنا وكيع عن سفيان ومسعر, عن معبد بن خالد عن عبد الله بن شداد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين. ورواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان عن معبد بن خالد به, وأخرجه مسلم من حديث سفيان ومسعر كلاهما عن معبد به, ثم قال ابن ماجه حدثنا محمد بن بشار, حدثنا أبو هشام المخزومي حدثنا وهيب عن أبي واقد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعيذوا بالله فإن العين حق» تفرد به. وقال أبو داود: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المعين. قلت كذلك رواه أحمد عن حسن بن موسى وحسين بن محمد عن سنان أن ابن حسنة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا الهام, والعين حق وأصدق الطيرة الفأل».
(حديث سهل بن حنيف) قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد. حدثنا أبو أويس. حدثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف, أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة, اغتسل سهل بن حنيف, وكان رجلاً أبيض حسن الجسم والجلد, فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة, فلبط سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل! والله ما يرفع رأسه ولا يفيق, قال: «هل تتهمون فيه من أحد ؟» قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً فتغيظ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه, هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ؟ ـ ثم قال ـ اغتسل له» فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح, ثم صب ذلك الماء عليه فصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه, ثم يكفأ القدح وراءه,ففعل ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
(حديث عامر بن ربيعة) قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا وكيع, حدثنا أبي, حدثنا عبد الله بن عيسى عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف عن عبيد الله بن عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل, قال فانطلقا يلتمسان الخمر. قال فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل, قال فسمعت له في الماء فرقعة فأتيته فناديته ثلاثاً فلم يجبني, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته, قال فجاء يمشي فخاض الماء فكأني أنظر إلى بياض ساقيه, قال فضرب صدره بيده ثم قال: «اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها» قال فقام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليبرك فإن العين حق».
(حديث جابر) قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا أبو داود, حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري, ويقال له ابن الضجيع ضجيع حمزة رضي الله عنه, حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس» قال البزار يعني العين قال: ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. قلت: بل قد روي من وجه آخر عن جابر. قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب, وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة: حدثنا الرمادي, حدثنا يعقوب بن محمد, حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي, حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين». ثم رواه عن شعيب بن أيوب عن معاوية بن هشام عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد تدخل الرجل العين في القبر وتدخل الجمل القدر». وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ولم يخرجوه.
(حديث عبد الله بن عمرو) قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا رشدين بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبي رقية عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد والعين حق» تفرد به أحمد.
(حديث عن علي) روى الحافظ ابن عساكر من طريق خيثمة بن سليمان الحافظ, حدثنا عبيد بن محمد الكشوري, حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري عن أبي رجاء عن شعبة, عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتماً فقال: يا محمد ما هذا الغم الذي أراه في وجهك: قال: «الحسن والحسين أصابتهما عين» قال: صدق بالعين فإن العين حق أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات ؟ قال «وما هن يا جبريل ؟» قال: قل اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم, ذا الوجه الكريم ولي الكلمات التامات والدعوات المستجابات, عاف الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الإنس, فقالها النبي صلى الله عليه وسلم, فقاما يلعبان بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله» قال الخطيب البغدادي: تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبد الله الحنطي من أهل تستر, ذكره ابن عساكر في ترجمة طراد بن الحسين من تاريخه, وقوله تعالى: {ويقولون إنه لمجنون} أي يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم ويقولون إنه لمجنون أي لمجيئه بالقرآن قال الله تعالى: {وما هو إلا ذكر للعالمين} آخر تفسير سورة ن ولله الحمد والمنة.

سورة الحاقة

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** الْحَاقّةُ * مَا الْحَآقّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَاقّةُ * كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطّاغِيَةِ * وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىَ لَهُم مّن بَاقِيَةٍ * وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رّابِيَةً * إِنّا لَمّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ

الحاقة من أسماء يوم القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ولهذا عظم الله أمرها فقال: {وما أدراك ما الحاقة} ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها

فقال تعالى: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} وهي الصيحة التي أسكتتهم والزلزلة التي أسكنتهم, هكذا قال قتادة الطاغية الصيحة, وهو اختيار ابن جرير, وقال مجاهد: الطاغية الذنوب, وكذا قال الربيع بن أنس وابن زيد إنها الطغيان وقرأ ابن زيد {كذبت ثمود بطغواه} وقال السدي فأهلكوا بالطاغية قال يعني عاقر الناقة

{وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر} أي باردة قال قتادة والسدي والربيع بن أنس والثوري {عاتية} أي شديدة الهبوب, قال قتادة. عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم. وقال الضحاك: {صرصر} باردة {عاتية} عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة, وقال علي وغيره: عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب.

{سخرها عليهم} أي سلطها عليهم

{سبع ليال وثمانية أيام حسوم} أي كوامل متتابعات مشائيم, قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة والثوري وغيرهم: حسوماً متتابعات, وعن عكرمة والربيع بن خثيم مشائيم عليهم كقوله تعالى: {في أيام نحسات} قال الربيع: وكان أولها الجمعة وقال غيره الأربعاء, ويقال إنها التي تسميها الناس الأعجاز, وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى: {فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية} وقيل لأنها تكون في عجز الشتاء, ويقال أيام العجوز لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً فقتلها الريح في اليوم الثامن, حكاه البغوي والله أعلم.
قال ابن عباس: {خاوية} خربة, وقال غيره: بالية أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتاً على أم رأسه, فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان. وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي حدثنا ابن فضيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم, فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم فجعلتهم بين السماء والأرض, فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها قالوا هذا عارض ممطرنا, فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة» وقال الثوري عن ليث عن مجاهد: الريح لها جناحان وذنب {فهل ترى لهم من باقية} أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفاً.
ثم قال تعالى: {وجاء فرعون ومن قبله} قرىء بكسر القاف أي ومن عنده ممن في زمانه من أتباعه من كفار القبط, وقرأ آخرون بفتحها أي ومن قبله من الأمم المشبهين له. وقوله تعالى: {والمؤتفكات} وهم الأمم المكذبون بالرسل {بالخاطئة} وهي التكذيب بما أنزل الله قال الربيع {بالخاطئة} أي بالمعصية, وقال مجاهد: بالخطايا, ولهذا قال تعالى: {فعصوا رسول ربهم} وهذا جنس أي كل كذب رسول الله إليهم كما قال تعالى {كل كذب الرسل فحق وعيد} ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع كما قال تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين} {كذبت عاد المرسلين} {كذبت ثمود المرسلين} وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ولهذا قال ههنا: {فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية} أي عظيمة شديدة أليمة, قال مجاهد: رابية شديدة, وقال السدي: مهلكة.
ثم قال تعالى: {إنا لما طغا الماء} أي زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود, وقال ابن عباس وغيره: طغى الماء كثر, وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام على قومه حين كذبوه وخالفوه, فعبدوا غير الله فاستجاب الله له وعم أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا مهران عن أبي سنان سعيد بن سنان عن غير واحد عن علي بن أبي طالب قال: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك, فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان فطغى الماء على الخزان, فخرج فذلك قوله تعالى: {إنا لما طغى الماء} أي زاد على الحد بإذن الله {حملناكم في الجارية} ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت, فذلك قوله تعالى: {بريح صرصر عاتية} أي عتت على الخزان, ولهذا قال تعالى ممتناً على الناس: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} وهي السفينة الجارية على وجه الماء {لنجعلها لكم تذكرة} عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار كما قال: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه}.
وقال تعالى: {وآية لهم أنّا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} وقال قتادة: أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة, والأول أظهر ولهذا قال تعالى: {وتعيها أذن واعية} أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية, قال ابن عباس: حافظة سامعة. وقال قتادة: {أذن واعية} عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله, وقال الضحاك {وتعيها أذن واعية} سمعتها أذن ووعت أي من له سمع صحيح وعقل رجيح, وهذا عام في كل من فهم ووعى. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة الدمشقي, حدثنا العباس بن الوليد بن صبيح الدمشقي, حدثنا زيد بن يحيى, حدثنا علي بن حوشب: سمعت مكحولاً يقول: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وتعيها أذن واعية} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي أن يجعلها أذن علي» قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فنسيته, وهكذا رواه ابن جرير عن علي بن سهل عن الوليد بن مسلم عن علي بن حوشب عن مكحول به وهو حديث مرسل.
وقد قال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا جعفر بن محمد بن عامر, حدثنا بشر بن آدم, حدثنا عبد الله بن الزبير أبو محمد يعني والد أبي أحمد الزبيري, حدثني صالح بن الهيثم: سمعت بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي «إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي» قال: فنزلت هذه الاَية {وتعيها أذن واعية} ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف عن بشر بن آدم به. ثم رواه ابن جرير من طريق آخر عن أبي داود الأعمى عن بريدة به ولا يصح أيضاً.