تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 568 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 568

568 : تفسير الصفحة رقم 568 من القرآن الكريم

** فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ
يقول تعالى مقسماً لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته, وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم: إن القرآن كلامه ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة فقال تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, أضافه إليه على معنى التبليغ, لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين} وهذا جبريل عليه السلام, ثم قال تعالى: {وما صاحبكم بمجنون} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {ولقد رآه بالأفق المبين} يعني أن محمداً رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها {وما هو على الغيب بضنين} أي بمتهم.
{وما هو بقول شيطان رجيم} وهكذا قال ههنا {وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون} فأضافه الله تارة إلى قول الرسول الملكي وتارة إلى الرسول البشري, لأن كلاً منهما مبلغ عن الله ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه, ولهذا قال تعالى: {تنزيل من رب العالمين} قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة, حدثنا صفوان, حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم, فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة, فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال: فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش, قال: فقرأ {إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون} قال: فقلت كاهن, قال: فقرأ {ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين} إلى آخر السورة قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موضع, فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب رضي الله عنه, كما أوردنا كيفية إسلامه في سيرته المفردة, ولله الحمد والمنة.

** وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتّقِينَ * وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنّ مِنكُمْ مّكَذّبِينَ * وَإِنّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنّهُ لَحَقّ الْيَقِينِ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ
يقول تعالى: {ولو تقول علين} أي محمد صلى الله عليه وسلم لو كان كما يزعمون مفترياً علينا فزاد في الرسالة أو نقص منها, أو قال شيئاً من عنده فنسبه إلينا وليس كذلك لعاجلناه بالعقوبة, ولهذا قال تعالى: {لأخذنا منه باليمين} قيل: معناه لانتقمنا منه باليمين لأنها أشد في البطش, وقيل لأخذنا منه بيمينه {ثم لقطعنا منه الوتين} قال ابن عباس: وهو نياط القلب وهو العرق الذي القلب معلق فيه, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحكم وقتادة والضحاك, ومسلم البطين وأبو صخر حميد بن زياد, وقال محمد بن كعب هو القلب ومراقه وما يليه. وقوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} أي فما يقدر أحد منكم أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئاً من ذلك. والمعنى في هذا بل هو صادق بار راشد لأن الله عز وجل مقرر له ما يبلغه عنه ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات.
ثم قال تعالى: {وإنه لتذكرة للمتقين} يعني القرآن كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى} ثم قال تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} أي مع هذا البيان والوضوح سيوجد منكم من يكذب بالقرآن. ثم قال تعالى: {وإنه لحسرة على الكافرين} قال ابن جرير: وإن التكذيب لحسرة على الكافرين يوم القيامة. وحكاه عن قتادة بمثله, وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك {وإنه لحسرة على الكافرين} يقول لندامة, ويحتمل عود الضمير على القرآن, أي وإن القرآن والإيمان به لحسرة في نفس الأمر على الكافرين كما قال تعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} وقال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} ولهذا قال ههنا {وإنه لحق اليقين} أي الخبر الصادق الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ولا ريب, ثم قال تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} أي الذي أنزل هذا القرآن العظيم. آخر تفسير سورة الحاقة ولله الحمد والمنة)

سورة المعارج
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

** سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً
{سأل سائل بعذاب واقع} فيه تضمين دل عليه حرف الباء كأنه مقدر استعجل سائل بعذاب واقع كقوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده} أي وعذابه واقع لا محالة. قال النسائي: حدثنا بشر بن خالد, حدثنا أبو أسامة حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} قال النضر بن الحارث بن كلدة وقال العوفي عن ابن عباس {سأل سائل بعذاب واقع} قال: «ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله» وهو واقع بهم, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {سأل سائل} دعا داع بعذاب واقع يقع في الاَخرة قال وهو قولهم {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} وقال ابن زيد وغيره {سأل سائل بعذاب واقع} أي واد في جهنم يسيل يوم القيامة بالعذاب وهذا القول ضعيف بعيد عن المراد, والصحيح الأول لدلالة السياق عليه.
وقوله تعالى: {واقع للكافرين} أي مرصد معد للكافرين, وقال ابن عباس: واقع جاء {ليس له دافع} أي لا دافع له إذا أراد الله كونه ولهذا قال تعالى: {من الله ذي المعارج} قال الثوري عن الأعمش عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {ذي المعارج} قال: ذو الدرجات, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ذي المعارج يعني العلو والفواضل, وقال مجاهد: ذي المعارج معارج السماء, وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم. وقوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة تعرج تصعد, وأما الروح فقال أبو صالح: هم خلق من خلق الله يشبهون الناس وليسوا ناساً, قلت ويحتمل أن يكون المراد به جبريل ويكون من باب عطف الخاص على العام, ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء كما دل عليه حديث البراء, وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المنهال عن زاذان عن البراء مرفوعاً الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة قال فيه: «فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله» والله أعلم بصحته, فقد تكلم في بعض رواته ولكنه مشهور, وله شاهد في حديث أبي هريرة فيما تقدم من رواية الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من طريق ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عنه, وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة, وقد بسطنا لفظه عند قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
وقوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فيه أربعة أقوال: ]أحدها[ أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين, وهو قرار الأرض السابعة وذلك مسيرة خمسين ألف سنة, هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة, وكذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة, وإنه من ياقوتة حمراء كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش. وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الاَية: حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا حكام عن عمر بن معروف عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسين ألف سنة {وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} يعني بذلك حين ينزل الأمر من السماء إلى الأرض, ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد, فذلك مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مقدار مسيرة خمسمائة عام وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن حكام بن سالم عن عمرو بن معروف عن ليث عن مجاهد قوله, لم يذكر ابن عباس وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا نوح المؤدب عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس قال: غلظ كل أرض خمسمائة عام, وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام, فذلك سبعة آلاف عام, وغلظ كل سماء خمسمائة عام وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام, فذلك أربعة ألف عام, وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام, فذلك قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}.
(القول الثاني) أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم إلى قيام الساعة, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, أخبرنا إبراهيم بن موسى, أخبرنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: الدنيا عمرها خمسون ألف سنة, وذلك عمرها يوم سماها الله عز وجل يوماً {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم} قال: اليوم الدنيا, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن الحكم بن أبان عن عكرمة {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين ألف سنة لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل.
(القول الثالث) أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والاَخرة وهو قول غريب جداً. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا بهلول بن المورق, حدثنا موسى بن عبيدة, أخبرني محمد بن كعب {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: هو يوم الفصل بين الدنيا والاَخرة.
(القول الرابع) أن المراد بذلك يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: يوم القيامة وإسناده صحيح ورواه الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة وكذا قال الضحاك وابن زيد. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال: هو يوم القيامة جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة وقد وردت أحاديث في معنى ذلك. قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} ما أطول هذا اليوم, فقال رسول الله: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به, إلا أن دراجاً وشيخه أبا الهيثم ضعيفان والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي عمر العداني قال: كنت عند أبي هريرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة فقيل له هذا أكثر عامري مالاً, فقال أبو هريرة, ردوه إلي فردوه فقال: نبئت أنك ذو مال كثير. فقال العامري: إي والله إن لي لمائة حمراً ومائة أدماً حتى عد من ألوان الإبل وأفنان الرقيق ورباط الخيل, فقال أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل وأظلاف النعم, يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير فقال: ما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها» قلنا: يا رسول الله ما نجدتها ورسلها ؟ قال: «في عسرها ويسرها فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره, ثم يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله, وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها, فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره, ثم يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها, ليس فيها عقصاء ولا عضباء, إذا جاوزته أخراها أعيدها عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله, وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره حتى يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها, ليس فيها عقصاء ولا عضباء إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله» فقال العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة ؟ قال: أن تعطي الكريمة وتمنح وتفقر الظهر وتسقي الإبل وتطرق الفحل وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة به.
(طريق أخرى لهذا الحديث) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل, حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره, حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون, ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم, وفيه: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر, ولرجل ستر, وعلى رجل وزر» إلى آخره ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفرداً به دون البخاري من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة من كتاب الأحكام, والغرض من إيراده ههنا قوله: «حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» وقد روى ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية وعبد الوهاب عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن قوله {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال فاتهمه, فقال: إنما سألتك لتحدثني, قال, هما يومان ذكرهما الله, والله أعلم بهما وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم.
وقوله تعالى: {فاصبر صبراجميل} أي اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك واستعجالهم العذاب استبعاداً لوقوعه كقوله: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق} ولهذا قال: {إنهم يرونه بعيد} أي وقوع العذاب. وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع بمعنى مستحيل الوقوع {ونراه قريب} أي المؤمنون يعتقدون كونه قريباً, , وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله عز وجل, لكن كل ما هوآت فهو قريب وواقع لا محالة.