تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 587 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 587

587 : تفسير الصفحة رقم 587 من القرآن الكريم

 ( سورة الانفطار )

الآيات ( 82 1 12 )
مقدمة تفسير سورة التكوير ولله الحمد والمنة تفسير سورة الانفطار قال النسائي 2172 أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر قال قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطول فقال النبي أفتان أنت يا معاذ أين كنت عن ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( والضحى ) و ( إذا السماء انفطرت ) وأصل الحديث مخرج في الصحيحين ولكن ذكر ( إذا السماء انفطرت ) في أفراد النسائي وقد تقدم من رواية عبد الله بن عمر عن النبي قال من سره أن ينظر إلى القيامة رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء أنشقت بسم الله الرحمن الرحيم

يقول تعالى ( إذا السماء انفطرت ) أي انشقت كما قال تعالى ( السماء منفطر به ) ( وإذا الكواكب انتثرت ) أي تساقطت ( وإذا البحار فجرت ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس فجر الله بعضها في بعض وقال الحسن فجر الله بعضها في بعض فذهب ماؤها وقال قتادة اختلط عذبها بمالحها وقال الكلبي ملئت ( وإذا القبور بعثرت ) قال بن عباس بحثت وقال السدي تبعثر تحرك فيخرج من فيها ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) أي إذا كان هذا حصل هذا وقوله تعالى ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتى يقول قائلهم غره كرمه بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا بن آدم بربك الكريم أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء في الحديث يقول الله تعالى يوم القيامة يا بن آدم ما غرك بي يا بن آدم ماذا أجبت المرسلين قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فقال عمر الجهل وقال أيضا حدثنا عمر بن شيبة حدثنا أبو خلف حدثنا يحيى البكاء سمعت بن عمر يقول وقرأهذه الآية ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) قال بن عمر غره والله جهله قال وروي عن بن عباس والربيع بن خثيم والحسن مثل ذلك وقال قتادة ( ما غرك بربك الكريم ) شيء ما غر بن آدم غير هذا العدو الشيطان وقال الفضيل بن عياض لو قال لي ما غرك بي لقلت ستورك المرخاة وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم وقال بعض أهل الإشارة إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور وقد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق ضرب النبي ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله تعالى ( ماغرك بربك الكريم ) وقوله تعالى ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي ما غرك بربك الكريم ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي جعلك سويا مستقيما معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال قال الإمام أحمد 4210 حدثنا أبو النضر حدثنا جرير حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بشر بن جحاش القرشي أن رسول الله بصق يوما في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال قال الله عز وجل يا بن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة وكذا رواه بن ماجة 2707 عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان به قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي وتابعه يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن ميسرة وقوله تعالى ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال مجاهد في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم وقال بن جرير حدثني محمد بن سنان القزاز حدثنا مطهر بن الهيثم حدثنا موسى بن علي بن رباح حدثني أبي عن جدي أن النبي قال له ما ولد لك قال يا رسول الله ما عسى ان يولد لي إما غلام وإما جارية قال فمن يشبه قال يا رسول الله من عسى أن يشبه إما أباه وإما أمه فقال النبي عندها مه لا تقولن هكذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله تعالى كل نسب بينها وبين آدم أما قرأت هذه الآية في كتاب الله تعالى ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال شكلك وهكذا رواه بن أبي حاتم والطبراني 54624 من حديث مطهر بن الهيثم به وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية ولكن إسناده ليس بالثابت لأن مطهر بن الهيثم قال فيه أبو سعيد بن يونس كان متروك الحديث وقال بن حبان
يروي عن موسى بن علي وغيره ما لا يشبه حديث الأثبات ولكن في الصحيحين عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود قال هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال فهل فيها من أورق قال نعم قال فأنى أتاها ذلك قال عسى أن يكون نزعه عرق قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق وقد قال عكرمة في قوله تعالى ( في أي صورة ما شاء ركبك ) إن شاء في صورة قرد وإن شاء في صورة خنزير وكذا قال أبو صالح ( في أي صورة ما شاء ركبك ) إن شاء في صورة كلب وإن شاء في صورة حمار وإن شاء في صورة خنزير وقال قتادة ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال قادر والله ربنا على ذلك ومعنى هذا القول عند هؤلاء أن الله عز وجل قادر على خلق النطفة على شكل قبيح من الحيوانات المنكرة الخلق ولكن بقدرته ولطفه وحلمه يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام حسن المنظر والهيئة وقوله تعالى ( كلا بل تكذبون بالدين ) أي إنما يحملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي تكذيب في قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب وقوله تعالى ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) يعني وإن عليكم لملائكة حفظة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع حدثنا سفيان ومسعر عن علقمة بن مرثد عن مجاهد قال قال رسول الله أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط أو ببعيره أو ليستره أخوه وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار 317 فوصله بلفظ آخر فقال حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا عبيد الله بن موسى عن حفص بن سليمان عن علقمة بن مرثد عن مجاهد عن بن عباس قال قال رسول الله إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره ثم قال حفص بن سليمان لين الحديث وقد روي عنه واحتمل حديثه وقال الحافظ أبو بكر البزار 3252 حدثنا زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي حدثنا تمام بن نجيح عن الحسن يعني البصري عن أنس قال قال رسول الله ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفارا إلا قال الله تعالى قد غفرت لعبدي مابين طرفي الصحيفة ثم قال تفرد به تمام بن نجيح وهو صالح الحديث قلت وثقه بن معين وضعفه البخاري وابو زرعة وبن أبي حاتم والنسائي وبن عدي ورماه بن حبان بالوضع وقال الإمام أحمد لا أعرف حقيقة أمره وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوسي حدثنا بيان بن حمران حدثنا سلام عن منصور بن زاذان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن لله ملائكة يعرفون بني آدم وأحسبه قال ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا أفلح الليلة فلان نجا الليلة فلان وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا هلك الليلة فلان ثم قال البزار سلام هذا أحسبه سلام المدائني وهو لين الحديث
الآيات ( 82 13 19 )
يخبر تعالى عما يصير الأبرار إليه من النعيم وهم الذين أطاعوا الله عز وجل ولم يقابلوه بالمعاصي وقد روى بن عساكر في ترجمة موسى بن محمد عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عن عبيد الله عن محارب عن بن عمر عن النبي قال إنما سماهم الله الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء ثم ذكر ما يصير إليه الفجار من الجحيم والعذاب المقيم ولهذا قال ( يصلونها يوم الدين ) أي يوم الحساب والجزاء والقيامة ( وما هم عنها بغائبين ) أي
لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة ولا يخفف عنهم من عذابها ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة ولو يوما واحدا وقوله تعالى ( وما أدراك ما يوم الدين ) تعظيم لشأن يوم القيامة ثم أكده بقوله تعالى ( ثم ما أدراك ما يوم الدين ) ثم فسره بقوله ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) أي لا يقدر أحد على نفع أحد ولاخلاصة مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ونذكر ها هنا حديث يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك لكم من الله شيئا وقد تقدم في آخر تفسير سورة الشعراء ولهذا قال ( والأمر يومئذ لله ) كقوله ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) وكقوله ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) وكقوله ( مالك يوم الدين ) قال قتادة ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) والأمر والله اليوم لله ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد آخر تفسير سورة الانفطار ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة 83