تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 592 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 592

592 : تفسير الصفحة رقم 592 من القرآن الكريم

 ( سورة الغاشية )

الآيات ( 88 1 7 )
مقدمة تفسير سورة سبح ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة تفسير سورة الغاشية قد تقدم عن النعمان بن بشير أن رسول الله كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة وقال الإمام مالك 1111 عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير بم كان رسول الله يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة قال هل أتاك حديث الغاشية ورواه أبو داود 1123 عن القعنبي والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به ورواه مسلم 878 وبن ماجة 1119 من حديث سفيان بن عيينة عن ضمرة بن سعيد
به بسم الله الرحمن الرحيم الغاشية من أسماء يوم القيامة قاله بن عباس وقتادة وبن زيد لأنها تغشى الناس وتعمهم وقد قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال مر النبي على امرأة تقرأ ( هل أتاك حديث الغاشية ) فقام يستمع ويقول نعم قد جاءني وقوله تعالى ( وجوه يومئذ خاشعة ) أي ذليلة قاله قتادة وقال بن عباس تخشع ولا ينفعها عملها وقوله تعالى ( عاملة ناصبة ) أي قد عملت عملا كثيرا ونصبت فيه وصليت يوم القيامة نارا حامية قال الحافظ أبو بكر البرقاني حدثنا إبراهيم بن محمد المزكى حدثنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا سيار حدثنا جعفر قال سمعت أبا عمران الجوني يقول مر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بدير راهب قال فناداه يا راهب فأشرف قال فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا قال ذكرت قول الله عز وجل في كتابه ( عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ) فذاك الذي أبكاني وقال البخاري قال بن عباس ( عاملة ناصبة ) النصارى وعن عكرمة والسدي ( عاملة ) في الدنيا بالمعاصي ( ناصبة ) في النار بالعذاب والإهلاك قال بن عباس والحسن وقتادة ( تصلى نارا حامية ) أي حارة شديدة الحر ( تسقى من عين آنية ) أي قد انتهى حرها وغليانها قاله بن عباس ومجاهد والحسن والسدي وقوله تعالى ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال علي بن أبي طلحة عن بن عباس شجر من النار وقال سعيد بن جبير هو الزقوم وعنه أنها الحجارة وقال بن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة هو الشبرق قال قتادة قريش تسميه في الربيع الشبرق وفي الصيف الضريع قال عكرمة وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض وقال البخاري قال مجاهد الضريع نبت يقال له الشبرق يسميه أهل الحجاز الضريع
إذا يبس وهو سم وقال معمر عن قتادة ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) هو الشبرق إذا يبس سمي الضريع وقال سعيد عن قتادة ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) من شر الطعام وأبشعه وأخبثه وقوله تعالى ( لا يسمن ولا يغني من جوع ) يعني لا يحصل به مقصود ولا يندفع به محذور
الآيات ( 88 8 16 )
لما ذكر حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء فقال ( وجوه يومئذ ) أي يوم القيامة ( ناعمة ) أي يعرف النعيم فيها وإنما حصل لها ذلك بسعيها وقال سفيان ( لسعيها راضية ) قد رضيت عملها وقوله تعالى ( في جنة عالية ) أي رفيعة بهية في الغرفات آمنون ( لا تسمع فيها لاغية ) أي لا تسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو كما قال تعالى ( لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ) وقال تعالى ( لا لغو فيها ولا تأثيم ) وقال تعالى ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ) ( فيها عين جارية ) أي سارحة وهذه نكرة في سياق الإثبات وليس المراد بها عينا واحدة وإنما هذا جنس يعني فيها عيون جاريات قال بن أبي حاتم قرئ على الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا بن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال قال رسول الله أنهار الجنة تفجر من تحت تلال أو من تحت جبال المسك ( فيها سرر مرفوعة ) أي عالية ناعمة كثيرة الفرش مرتفعة السمك عليها الحور العين قالوا فإذا أراد ولي الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له ( وأكواب موضوعة ) يعني أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها من أربابها ( ونمارق مصفوفة ) قال بن عباس النمارق الوسائد وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك والسدي والثوري وغيرهم وقوله تعالى ( وزرابي مبثوثة ) قال بن عباس الزرابي البسط وكذا قال الضحاك وغير واحد ومعنى ( مبثوثة ) أي ها هنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها ونذكر ها هنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي عن محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول قال رسول الله ألا هل من مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال قولوا إن شاء الله قال القوم إن شاء الله ورواه بن ماجة 4332 عن العباس بن عثمان الدمشقي عن الوليد بن مسلم بن محمد بن مهاجر به
الآيات ( 88 17 26 )
يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل وكان شريح القاضي يقول أخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت أي كيف رفعها الله عز وجل عن الأرض هذا الرفع العظيم كما قال تعالى ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) ( وإلى الجبال كيف نصبت ) أي جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن ( وإلى
الأرض كيف سطحت ) أي كيف بسطت ومدت ومهدت فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه والسماء التي فوق راسه والجبل الذي تجاهه والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه وهكذا أقسم ضمام في سؤاله على رسول الله كما رواه الإمام أحمد 3143 حيث قال حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا ولا انقص منهن شيئا فقال النبي إن صدق ليدخلن الجنة وقد رواه مسلم 12 عن عمرو الناقد عن أبي النضر هاشم بن القاسم به وعلقه البخاري ورواه الترمذي 319 والنسائي 4121 من حديث سليمان بن المغيرة به ورواه الإمام أحمد 3168 والبخاري 63 وأبو داود 486 والنسائي 4122 وبن ماجة 1402 من حديث الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس به بطوله وقال في آخره وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن جعفر حدثني عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كان رسول الله كثيرا ما كان يحدث عن امرأة في الجاهلية على رأس جبل معها بن صغير لها ترعى غنما فقال لها ابنها يا أمه من خلقك قالت الله قال فمن خلق أبي قالت الله قال فمن خلقني قالت الله قال فمن خلق السماء قالت الله قال فمن خلق الأرض قالت الله قال فمن خلق الجبل قالت الله قال فمن خلق هذه الغنم قالت الله قال فإني لأسمع لله شأنا وألقى نفسه من الجبل فتقطع قال بن عمر كان رسول الله كثيرا ما يحدثنا هذا قال بن دينار كان بن عمر كثيرا ما يحدثنا بهذا في إسناده ضعف وعبد الله بن جعفر هذا هو المديني ضعفه ولده الإمام علي بن المديني وغيره وقوله تعالى ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) ولهذا قال ( لست عليهم بمصيطر ) قال بن عباس ومجاهد وغيرهما ( لست عليهم بجبار ) أي لست تخلق الإيمان في قلوبهم وقال بن زيد لست بالذي تكرههم على الإيمان قال الإمام أحمد 3300 حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال قال قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ثم قرأ ( فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر ) وهكذا رواه مسلم في كتاب الإيمان 21 والترمذي 3341 والنسائي 11670 في كتاب التفسير من سننيهما من حديث سفيان بن سعيد الثوري به بهذه الزيادة وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية أبي هريرة بدون ذكر هذه الآية وقوله تعالى ( إلا من تولى وكفر ) أي تولى عن العمل بأركانه وكفر بالحق بجنانه ولسانه وهذه كقوله تعالى ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) ولهذا قال ( فيعذبه الله العذاب الأكبر ) قال الإمام أحمد 5258 حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن سعيد بن أبي هلال عن علي بن خالد أن ابا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله فقال سمعت رسول الله يقول ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله تفرد بإخراجه الإمام أحمد 6184 وعلي بن خالد هذا ذكره بن أبي حاتم عن أبيه ولم يزد على ما ها هنا روى عن أبي أمامة وعنه سعيد بن أبي هلال وقوله تعالى ( إن إلينا إيابهم ) أي مرجعهم ومنقلبهم ( ثم إن علينا حسابهم ) أي نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها إن خيرا فخير وإن شرا فشر