تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 595 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 595

595 : تفسير الصفحة رقم 595 من القرآن الكريم

 ( سورة والشمس وضحاها )

الآيات ( 91 1 10 )
مقدمة تفسير سورة ( البلد ولله الحمد والمنة تفسير سورة الشمس تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين أن رسول الله قال لمعاذ هلا صليت ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( الشمس وضحاها ) و ( الليل إذا
يغشى بسم الله الرحمن الرحيم ) قال مجاهد ( والشمس وضحاها ) أي وضوئها وقال قتادة ( وضحاها ) النهار كله قال بن جرير والصواب أن يقال أقسم الله بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار ( والقمر إذا تلاها ) قال مجاهد تبعها وقال العوفي عن بن عباس ( والقمر إذا تلاها ) قال يتلو النهار وقال قتادة إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال وقال بن زيد هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر وقال مالك عن زيد بن أسلم إذا تلاها ليلة القدر وقوله تعالى ( والنهار إذا جلاها ) قال مجاهد أضاء وقال قتادة ( والنهار إذا جلاها ) إذا غشيها النهار وقال بن جرير وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها قلت ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى ( والنهار إذا جلاها ) أي البسيطة لكان أولى ولصح تأويله في قوله تعالى ( والليل إذا يغشاها ) فكان أجود وأقوى والله أعلم ولهذا قال مجاهد ( والنهار إذا جلاها ) أنه كقوله تعالى ( والنهار إذا تجلى ) وأما بن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها وقالوا في قوله تعالى ( والليل إذا يغشاها ) يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق وقال بقية بن الوليد عن صفوان حدثني يزيد بن ذي حمامة قال إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله غشي عبادي خلقي العظيم فالليل يهابه والذي خلقه أحق أن يهاب رواه بن أبي حاتم وقوله تعالى ( والسماء وما بناها ) يحتمل أن تكون ( ما ) ها هنا مصدرية بمعنى والسماء وبنائها وهو قول قتادة ويحتمل أن تكون بمعنى من يعني والسماء وبانيها وهو قول مجاهد وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى ( والسماء بنيناها بأيد ) ( وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) وهكذا قوله تعالى ( والأرض وما طحاها ) قال مجاهد طحاها دحاها قال العوفي عن بن عباس ( وما طحاها ) أي خلق فيها وقال علي بن أبي طلحة عن بن عباس طحاها قسمها وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثوري وأبو صالح وبن زيد ( طحاها ) بسطها وهذا أشهر الأقوال وعليه الأكثر من المفسرين وهو المعروف عند أهل اللغة قال الجوهري طحوته مثل دحوته أي بسطته وقوله تعالى ( ونفس وما سواها ) أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه
أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء أخرجاه من رواية أبي هريرة وفي صحيح مسلم 2865 من رواية عياض بن حماد المجاشعي عن رسول الله قال يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وقوله تعالى ( فألهمها فجورها وتقواها ) أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها قال بن عباس ( فألهمها فجورها وتقواها ) بين لها الخير والشر وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك والثوري وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر وقال بن زيد جعل فيها فجورها وتقواها وقال بن جرير حدثنا بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عزرة بن ثابت حدثني يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأكدت عليهم الحجة قلت بل شيء قضي عليهم قال فهل يكون ذلك ظلما قال ففزعت منه فزعا شديدا قال قلت له ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون قال سددك الله إنما سألتك لأخبر عقلك إن رجلا من مزينة أو جهينة أتى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأكدت به عليهم الحجة قال بل شيء قد قضي عليهم قال ففيم نعمل قال من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) رواه أحمد 4438 ومسلم 2650 من حديث عزرة بن ثابت به وقوله تعالى ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وكقوله تعالى ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) ( وقد خاب من دساها ) أي دسسها أي أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه وقد خاب من دسى الله نفسه كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن بن عباس وقال بن أبي حاتم حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان حدثنا أبو مالك يعني عمرو بن هشام عن عمرو بن هاشم عن جويبر عن الضحاك عن بن عباس قال سمعت رسول الله يقول في قول الله عز وجل ( قد أفلح من زكاها ) قال النبي أفلحت نفس زكاها الله عز وجل ورواه بن أبي حاتم من حديث أبي مالك به وجويبر هذا هو بن سعيد متروك الحديث والضحاك لم يلق بن عباس وقال الطبراني 1111191 حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثنا أبي حدثنا بن لهيعة عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال كان رسول الله إذا مر بهذه الآية ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ثم قال اللهم أت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وخير من زكاها حديث آخر قال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا يعقوب بن حميد المدني حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي حدثنا معن بن محمد الغفاري عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقرأ ( فألهمها فجورها وتقواها ) قال اللهم أت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها لم يخرجوه من هذا الوجه وقال الإمام أحمد 6209 حدثنا وكيع عن نافع عن بن عمر عن صالح بن سعيد عن عائشة أنها فقدت النبي من مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول رب أعط نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها تفرد به حديث آخر قال الإمام أحمد 4371 حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم قال كان رسول الله يقول اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر اللهم أت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها قال زيد كان رسول الله صلى الله تعالى
عليه وعلى آله وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن رواه مسلم 2722 من حديث أبي معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي عن زيد بن أرقم به
الآيات ( 91 11 15 )
يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم بسبب ماكانوا عليه من الطغيان والبغي وقال محمد بن كعب ( بطغواها ) أي بأجمعها والأول أولى قاله مجاهد وقتادة وغيرهما فأعقبهم ذلك تكذيبا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم عليه الصلاة والسلام من الهدى واليقين ( إذ انبعث أشقاها ) أي أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف عاقر الناقة وهو أحيمر ثمود وهو الذي قال الله تعالى ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) الآية وكان هذا الرجل عزيزا فيهم شريفا في قومه نسيبا رئيسا مطاعا كما قال الإمام أحمد 417 حدثنا بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال خطب رسول الله فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة ورواه البخاري في التفسير 4942 ومسلم في صفة النار 2855 والترمذي 3343 والنسائي 11675 في التفسير من سننيهما وكذا بن جرير وبن أبي حاتم عن هشام بن عروة به وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خثيم أبي يزيد عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله لعلي ألا أحدثك بأشقى الناس قال بلى قال رجلان أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذا يعني قرنه حتى تبتل منه هذه يعني لحيته وقوله تعالى ( فقال لهم رسول الله ) يعني صالحا عليه السلام ( ناقة الله ) أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء ( وسقياها ) أي لا تعتدوا عليها في سقياها فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم قال الله تعالى ( فكذبوه فعقروها ) أي كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) أي غضب عليهم فدمر عليهم ( فسواها ) أي فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء قال قتادة بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسواها وقوله تعالى ( ولا يخاف ) وقرىء ( فلا يخاف عقباها ) قال بن عباس لا يخاف الله من أحد تبعة وكذا قال مجاهد والحسن وبكر بن عبد الله المزني وغيرهم وقال الضحاك والسدي ولا يخاف عقباها أي لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع والقول الأول أولى لدلالة السياق عليه والله أعلم

( سورة الليل )

الآيات ( 92 1 11 )
مقدمة تفسير سورة والشمس وضحاها ولله الحمد والمنة تفسير سورة الليل تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ فهلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أحمد 6449 حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق فصلى فيه ركعتين وقال اللهم ارزقني جليسا صالحا قال فجلس إلى أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء ممن انت قال من أهل الكوفة قال كيف سمعت بن أم عبد يقرأ ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) قال علقمة ( والذكر
والأنثى ) فقال أبو الدرداء لقد سمعتها من رسول الله فما زال هؤلاء حتى شككوني ثم قال ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره والذي أجير من الشيطان على لسان محمد وقد رواه البخاري 4943 ها هنا ومسلم 824 من طريق الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قالوا كلنا قال أيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة فقال كيف سمعته يقرأ ( والليل إذا يغشى ) قال ( والذكر والأنثى ) قال أشهد أني سمعت رسول الله يقرأ هكذا وهؤلاء يريدون أن أقرأ ( وما خلق الذكر والأنثى ) والله لا أتابعهم هذا لفظ البخاري هكذا قرأ ذلك بن مسعود وأبو الدرداء ورفعه أبو الدرداء وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق ( وما خلق الذكر والأنثى ) فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى أي إذا غشي الخليقة بظلامه ( والنهار إذا تجلى ) أي بضيائه وإشراقه ( وما خلق الذكر والأنثى ) كقوله تعالى ( وخلقناكم أزواجا ) وكقوله ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادا ولهذا قال تعالى ( إن سعيكم لشتى ) أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا قال الله تعالى ( فأما من أعطى واتقى ) أي أعطى ما أمر بأخراجه واتقى الله في أموره ( وصدق بالحسنى ) أي بالمجازاة على ذلك قاله قتادة وقال خصيف بالثواب وقال بن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو صالح وزيد بن أسلم ( وصدق بالحسنى ) أي بالخلف وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك ( وصدق بالحسنى ) أي بلا إله إلا الله وفي رواية عن عكرمة ( وصدق بالحسنى ) أي بما أنعم الله عليه وفي رواية عن زيد بن أسلم ( وصدق بالحسنى ) قال الصلاة والزكاة والصوم وقال مرة وصدقة الفطر وقال بن ابي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال سألت رسول الله عن الحسنى قال الحسنى الجنة وقوله تعالى ( فسنيسره لليسرى ) قال بن عباس يعني للخير وقال زيد بن أسلم يعني للجنة وقال بعض السلف من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ومن جزاء السيئة السيئة بعدها ولهذا قال تعالى ( وأما من بخل ) أي بما عنده ( واستغنى ) قال عكرمة عن بن عباس أي بخل بماله واستغنى عن ربه عز وجل رواه بن ابي حاتم ( وكذب بالحسنى ) أي بالجزاء في الدار الأخرة ( فسنيسره للعسرى ) أي لطريق الشر كما قال تعالى ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ومن قصد الشر بالخذلان وكل ذلك بقدر مقدر والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة رواية أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال الإمام أحمد 15 حدثنا علي بن عياش حدثني العطاف بن خالد حدثني رجل من أهل البصرة عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه قال سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول قلت لرسول الله يا رسول الله أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف قال بل على أمر قد فرغ منه قال ففيم العمل يا رسول الله قال كل ميسر لما خلق له رواية علي رضي الله عنه قال البخاري 4945 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأعمش عن سعيد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله في بقيع الغرقد في جنازة فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) إلى قوله ( للعسرى ) وكذا رواه 4945 من طريق شعبة ووكيع عن الأعمش بنحوه ثم رواه 4948 عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد أو ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من
أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء فقال أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق عن سعيد بن عبيدة به رواية عبد الله بن عمر قال الإمام أحمد 252 حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن بن عمر قال قال عمر يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ أو مبتدأ أو مبتدع قال فيما قد فرغ منه فاعمل يا بن الخطاب فإن كلا ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ورواه الترمذي في القدر 2135 عن بندار عن بن مهدي به وقال حسن صحيح حديث آخر من رواية جابر قال بن جرير حدثني يونس أخبرنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال يا رسول الله أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نستأنفه فقال لأمر قد فرغ منه فقال سراقة ففيم العمل إذا فقال رسول الله كل عامل ميسر لعمله ورواه مسلم 2648 عن أبي الطاهر عن بن وهب به حديث آخر قال بن جرير حدثني يونس حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن بشير بن كعب العدوي قال سأل غلامان شابان النبي فقالا يا رسول الله أنعمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو في شيء يستأنف فقال بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير قالا ففيم العمل إذا قال اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له قالا فالآن نجد ونعمل رواية أبي الدرداء قال الإمام أحمد 6441 حدثنا هشيم بن خارجة حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء قال قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أم شيء نستأنفه قال بل أمر قد فرغ منه فقالوا فكيف بالعمل يا رسول الله قال كل امرئ مهيأ لما خلق له تفرد به أحمد من هذا الوجه حديث آخر قال بن جرير حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عباد بن راشد عن قتادة حدثني خليد العصري عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا وأنزل الله في ذلك القرآن ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) ورواه بن أبي حاتم عن أبيه عن بن أبي كبشة بإسناده مثله حديث آخر قال بن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الطهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثني الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس أن رجلا كان له نخيل ومنها نخلة فرعها في دار رجل صالح فقير ذي عيال فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ التمرة من نخلته فتسقط التمرة فيأخذها صبيان الرجل الفقير فينزل من نخلته فينزع الثمرة من أيديهم وإن أدخل أحدهم التمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه فشكا ذلك الرجل إلى النبي وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة فقال له النبي اذهب ولقي النبي صاحب النخلة فقال له أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال له لقد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها وإن لي لنخلا كثيرا ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها فذهب النبي فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله ومن صاحب النخلة فقال الرجل يا رسول الله إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتك إياها أتعطيني ما أعطيته بها نخلة في الجنة قال نعم ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة ولكلاهما نخل فقال له أخبرك أن محمدا أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة فقلت له قد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها فسكت عنه الرجل فقال له أراك إذا بعتها قال لا إلا أن أعطى بها شيئا ولا أظنني أعطاه قال وما مناك قال أربعون نخلة فقال الرجل لقد جئت بأمر عظيم نخلتك تطلب بها أربعين نخلة ثم سكتا وأنشأ في كلام آخر ثم قال أنا أعطيتك أربعين نخلة فقال أشهد لي إن كنت صادقا فأمر بأناس فدعاهم فقال اشهدوا أني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلان ثم قال ما تقول
فقال صاحب النخلة قد رضيت ثم قال بعد ليس بيني وبينك بيع لم نفترق فقال له قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة فقال صاحب النخلة قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد قال تعطينيها على ساق ثم مكث ساعة ثم قال هي لك على ساق وأوقف له شهودا وعد له أربعين نخلة على ساق فتفرقا فذهب الرجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي فهي لك فذهب رسول الله إلى الرجل صاحب الدار فقال له النخلة لك ولعيالك قال عكرمة قال بن عباس فأنزل الله عز وجل ( والليل إذا يغشى ) إلى قوله ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) ألى آخر السورة هكذا رواه بن أبي حاتم وهو حديث غريب جدا قال بن جرير وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حدثنا هارون بن إدريس الأصم حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت أنما أريد أظنه قال ماعند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) وقوله تعالى ( وما يغني عنه ماله إذا تردى ) قال مجاهد أي إذا مات وقال أبو صالح ومالك عن زيد بن أسلم إذا تردى في النار
الآيات ( 92 12 21 )
قال قتادة ( إن علينا للهدى ) أي نبين الحلال والحرام وقال غيره من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى ( وعلى الله قصد السبيل ) حكاه بن جرير وقوله تعالى ( وإن لنا للآخرة والأولى ) أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما وقوله تعالى ( فأنذرتكم نارا تلظى ) قال مجاهد أي توهج قال الإمام أحمد 4272 حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول سمعت رسول الله يخطب يقول أنذرتكم النار أنذرتكم النار حتى لو إن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه وقال الإمام أحمد 4274 حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحاق سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول سمعت رسول الله يقول إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه رواه البخاري وقال مسلم 213 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا وقوله تعالى ( لا يصلاها إلا الأشقى ) أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال ( الذي كذب ) أي بقلبه ( وتولى ) أي عن العمل بجوارحه وأركانه قال الإمام أحمد 2349 حدثنا حسن بن موسى حدثنا بن لهيعة حدثنا عبد ربه بن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يدخل النار إلا شقي قيل ومن الشقي قال الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية وقال الإمام أحمد 2361 حدثنا يونس وسريج قالا حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا ومن يأبى يا رسول الله
قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري 7280 عن محمد بن سنان عن فليح به وقوله تعالى ( وسيجنبها الأتقى ) أي وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى ثم فسره بقوله ( الذي يؤتي ماله يتزكى ) أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك ( ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات قال الله تعالى ( ولسوف يرضى ) أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى أن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ولاشك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم وهو قوله تعالى ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ولهذا قال تعالى ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) وفي الصحيحين أن رسول الله قال من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة ياعبد الله هذا خير فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد قال نعم وأرجو أن تكون منهم