تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 597 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 597

597 : تفسير الصفحة رقم 597 من القرآن الكريم

 ( سورة والتين والزيتون )

الآيات ( 95 1 8 )
مقدمة تفسير سورة ألم نشرح ولله الحمد والمنة تفسير سورة التين قال مالك 179 وشعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب كان النبي يقرأ في سفره في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه أخرجه الجماعة في كتبهم بسم الله الرحمن الرحيم
اختلف المفسرون ها هنا على أقوال كثيرة فقيل المراد بالتين مسجد دمشق وقيل هي نفسها وقيل الجبل الذي عندها وقال القرطبي 20111 هو مسجد أصحاب الكهف وروى العوفي عن بن عباس أنه مسجد نوح الذي على الجودي وقال مجاهد هو تينكم هذا ( والزيتون ) قال كعب الأحبار وقتادة وبن زيد وغيرهم هو مسجد بيت المقدس وقال مجاهد وعكرمة هو هذا الزيتون الذي تعصرون ( وطور سينين ) قال كعب الأحبار وغير واحد هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ( وهذا البلد الأمين ) يعني مكة قاله بن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وإبراهيم النخعي وبن زيد وكعب الأحبار ولا خلاف في ذلك وقال بعض الأئمة هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار فالأول محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى بن مريم عليه السلام والثاني طور سينين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران والثالث مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا وهو الذي أرسل فيه محمدا قالوا وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة جاء الله من طور سيناء يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران وأشرق من ساعير يعني جبل
بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى واستعلن من جبال فاران يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمدا فذكرهم مخبرا عنهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان ولهذا أقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ثم بالأشرف منهما وقوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) هذا هو المقسم عليه وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوي الأعضاء حسنها ( ثم رددناه أسفل سافلين ) أي إلى النار قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وبن زيد وغيرهم ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيرهم إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل ولهذا قال ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وقال بعضهم ( ثم رددناه أسفل سافلين ) أي إلى أرذل العمر وروي هذا عن بن عباس وعكرمة حتى قال عكرمة من جمع القرآن لم يرد إلى أرذل العمر واختار ذلك بن جرير ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك لأن الهرم قد يصيب بعضهم وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وقوله ( فلهم أجر غير ممنون ) أي غير مقطوع كما تقدم ثم قال ( فما يكذبك ) أي يابن آدم ( بعد بالدين ) أي بالجزاء في المعاد ولقد علمت البداءة وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا قال بن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور قال قلت لمجاهد ( فما يكذبك بعد بالدين ) عنى به النبي قال معاذ الله عنى به الإنسان وهكذا قال عكرمة وغيره وقوله تعالى ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولايظلم أحدا ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم في الدنيا ممن ظلمه وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعا فإذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين

( سورة اقرأ )

الآيات ( 96 1 5 )
مقدمة تفسير سورة التين والزيتون ولله الحمد والمنة تفسير سورة العلق بسم الله الرحمن الرحيم سورة اقرأ وهي مكية وهي أول شيء نزل من
القرآن قال الإمام أحمد 6232 حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ قال رسول الله فقلت ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ ( مالم يعلم ) قال فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال ياخديجة مالي وأخبرها الخبر وقال قد خشيت على نفسي فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو بن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت خديجة أي بن عم اسمع من بن أخيك فقال ورقة أبن أخي ما ترى فأخبره رسول الله بما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسول الله أو مخرجي هم فقال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا
مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن بذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى فمن أراده فهو هناك محرر ولله الحمد والمنة فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان وتارة يكون في اللسان وتارة يكون في الكتابة بالبنان ذهني ولفظي ورسمي والرسمي يستلزمهما من غير عكس فلهذا قال ( إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) وفي الأثر قيدوا العلم بالكتابة وفيه أيضا من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم
الآيات ( 96 6 19 )
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال ( إن إلى ربك الرجعى ) أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته قال بن أبي حاتم حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو عميس عن عون قال قال عبد الله منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان قال ثم قرأ عبد الله ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال للآخر ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا ثم قال تعالى ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) نزلت في أبي جهل لعنه الله توعد النبي على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال ( أرأيت إن كان على الهدى ) أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ( أو أمر بالتقوى ) بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ولهذا قال ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا ( كلا لئن لم ينته ) أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ( لنسفعا بالناصية ) أي لنسمنها سوادا يوم القيامة ثم قال ( ناصية كاذبة خاطئة ) يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها ( فليدع ناديه ) أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم ( سندع الزبانية ) وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه قال البخاري 4958 حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن بن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ النبي فقال لئن فعل لأخذته الملائكة ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني بن عمرو عن عبد الكريم وكذا رواه الترمذي 3348 والنسائي 11685 في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به وهكذا رواه بن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به وروى
أحمد 1329 والترمذي 3349 والنسائي وبن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال يامحمد ألم أنهك عن هذا وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره فقال يامحمد بأي شيء تهددني أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا فأنزل الله ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) وقال بن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال الترمذي حسن صحيح وقال الإمام أحمد أيضا 1248 حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن بن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه قال فقال لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا وقال بن جرير أيضا حدثنا بن حميد حدثنا يحيى بن واضح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن بن عباس قال قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه فأنزل الله عز وجل ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ هذه الآية ( لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية ) فجاء النبي فصلى فقيل ما يمنعك قال قد اسود مابيني وبينه من الكتائب قال بن عباس والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه وقال بن جرير حدثنا بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال فقيل له مالك فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة قال فقال رسول الله لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا ( كلا إن الإنسان ليطغى ) إلى آخر السورة وقد رواه أحمد بن حنبل 2370 ومسلم 2797 والنسائي 11683 وبن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به وقوله تعالى ( كلا لا تطعه ) يعني يامحمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها وصل حيث شئت ولاتباله فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس ( واسجد واقترب ) كما ثبت في الصحيح عند مسلم 482 من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء وتقدم أيضا أن رسول الله كان يسجد في ( إذا السماء انشقت ) و ( اقرأ باسم ربك الذي خلق آخر تفسير )