تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 601 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 601

601 : تفسير الصفحة رقم 601 من القرآن الكريم

 ( سورة العصر )

الآيات ( 103 1 3 )
مقدمة تفسير سورة العصر بسم الله الرحمن الرحيم سورة العصر وهي مكية ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب وذلك بعد ما بعث رسول الله وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة فقال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وماهي فقال ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال وقد أنزل علي مثلها فقال له عمرو وما هو فقال يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى ياعمرو فقال له عمرو والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف بمساوي الأخلاق في الجزء الثاني منه شيئا من هذا أو قريبا منه والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شيء فيه أذناه وصدره وباقيه دميم فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصن قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله اذا إلتقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر وقال الشافعي رحمه الله لو تدبر الناس هذه السورة
لوسعتهم بسم الله الرحمن الرحيم العصر الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العشي والمشهور الأول فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ( وتواصوا بالحق ) وهو أداء
الطاعات وترك المحرمات ( وتواصوا بالصبر ) أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر

( سورة ويل لكل همزة لمزة )

الآيات ( 104 1 9 )
مقدمة تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة بسم الله الرحمن الرحيم سورة ويل لكل همزة لمزة وهي
مكية الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم وقد تقدم بيان ذلك في قوله تعالى ( هماز مشاء بنميم ) قال بن عباس همزة لمزة طعان معياب وقال الربيع بن أنس الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه وقال قتادة الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم وقال مجاهد الهمزة باليد والعين واللمزة باللسان وهكذا قال بن زيد وقال مالك عن زيد بن أسلم همزة لحوم الناس ثم قال بعضهم المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هي عامة وقوله تعالى ( الذي جمع مالا وعدده ) أي جمعه بعضه على بعض وأحصى عدده كقوله تعالى ( وجمع فأوعى ) قاله السدي وبن جرير وقال محمد بن كعب في قوله ( جمع مالا وعدده ) ألهاه ماله بالنهار هذا إلى هذا فإذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة وقوله تعالى ( يحسب أن ماله أخلده ) أي يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار ( كلا ) أي ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب ثم قال تعالى ( لينبذن في الحطمة ) أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها ولهذا قال ( وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) قال ثابت البناني تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ثم يقول لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي وقال محمد بن كعب تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده وقوله تعالى ( إنها عليهم مؤصدة ) أي مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد وقال بن مردويه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا علي بن سراج حدثنا حماد بن حرزاد حدثنا شجاع بن أشرس حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( إنها عليهم مؤصدة ) قال مطبقة وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن أسد عن إسماعيل بن خالد عن أبي صالح قوله ولم يرفعه وقوله تعالى ( في عمد ممددة ) قال عطية العوفي عمد من حديد وقال السدي من نار وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن بن عباس ( في عمد ممددة ) يعني الأبواب هي الممددة وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة وقال العوفي عن بن عباس أدخلهم في عمد ممددة عليهم بعماد في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب وقال قتادة كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار واختاره بن جرير وقال أبو صالح ( في عمد ممددة ) يعني القيود الثقالآخر تفسير

( سورة الفيل )

الآيات ( 105 1 5 )
مقدمة تفسير سورة الفيل بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفيل وهي
مكية هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيب سعيهم وأضل عملهم وردهم بشر خيبة وكانوا قوما نصارى
وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ولسان حال القدر يقول لم ننصركم يامعشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء

وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا وهو الذي قتل أصحاب الأخدود وكانوا نصارى وكانوا قريبا من عشرين ألفا فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام وكان نصرانيا فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم فبعث معه أميرين أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير وهلك ذو نواس غريقا في البحر واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا فقال أحدهما للآخر إنه لا حاجة بنا إلى اصطلام الجيشين بيننا ولكن ابرز إلي وأبرز إليك فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك فأجابه إلى ذلك فتبارزا وخلف كل واحد منهما قناة فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشق وجهه وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ورجع أبرهة جريحا فداوى جرحه فبرأ واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه من تراب اليمن وجز ناصيته فأرسلها معه ويقول في كتابه ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ورضي عنه وأقره على عمله وأرسل أبرهة يقول للنجاشي إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ونادى بذلك في مملكته فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها ليلا فأحدث فيها وكر راجعا فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة وقالوا له إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت وسقطت إلى الأرض فتأهب أبرهة لذلك وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله يقال له محمود وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال وقيل اثنا عشر فيلا غيره فالله أعلم يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت ورد من أراده بكيد فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله ومايريده من هدمه وخرابه فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه وأسر ذو نفر فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهران وناهس فقاتلوه فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلا فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة وكان يقال له الأسود بن مقصود فهجاه بعض العرب فيما ذكره بن إسحاق 187 وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وأمره أن يأتيه بأشرف
قريش وأن يخبره أن الملك لم يجى لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فاذهب معي إليه فذهب معه فلما رآه أبرهة أجله وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط وقال لترجمانه قل له ما حاجتك فقال للترجمان إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي فقال أبرهة لترجمانه قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه فقال له عبد المطلب إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك ويقال إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم ورد أبرهة على عبد المطلب إبله ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة
لاهم إن المرء يم نع رحله فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك
قال بن إسحاق 191 ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثم خرجوا إلى رؤوس الجبال وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وكان اسمه محمودا وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بإذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا يصيب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة وجعل نفيل يقول
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال بن إسحاق وقال نفيل في ذلك أيضا
ألا حييت عنايا ودينا نعمناكم مع الأصباح عينا

ودينة لو رأيت ولا تريه لدى جنب المحصب ما رأينا

إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسي على ما فات بينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم تسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا
وذكر الواقدي بإسناده أنهم لما تعبئوا لدخول الحرم وهيئوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب فيها فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم وطال الفصل في ذلك هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم ومسعود بن عمرو الثقفي على حراء ينظرون ماالحبشة يصنعون وماذا يلقون من أمر الفيل
وهو العجب العجاب فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم طيرا أبابيل أي قطعا قطعا صفرا دون الحمام وأرجلها حمر ومع كل طائر ثلاثة أحجار وجاءت فحلقت عليهم وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا وقال محمد بن إسحاق جاؤوا بفيلين فأما محمود فربض وأما الآخر فشجع فحصب وقال وهب بن منبه كان معهم فيلة فأما محمود وهو فيل الملك فربض ليقتدي به بقية الفيلة وكان فيها فيل تشجع فحصب فهربت بقية الفيلة وقال عطاء بن يسار وغيره ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة بل منهم من هلك سريعا ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا وهم هاربون وكان أبرهة ممن تساقط عضوا عضوا حتى مات ببلاد خثعم وقال بن إسحاق 193 فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون وذكر مقاتل بن سليمان أن قريشا أصابوا مالا جزيلا من أسلابهم وما كان معهم وأن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة قال بن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وأنه أول ما رؤي به مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام وهكذا روي عن عكرمة من طريق جيد
قال بن إسحاق 194 فلما بعث الله محمدا كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه قال بن هشام الأبابيل الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة قال وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب الشديد الصلب قال وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر والجل الطين يقول الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين قال والعصف ورق الزرع الذي لم يقضب واحدته عصفة انتهى ما ذكره وقد قال حماد بن سلمة عن عامر عن زر عن عبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن ( طيرا أبابيل ) قال الفرق وقال بن عباس والضحاك أبابيل يتبع بعضها بعضا وقال الحسن البصري وقتادة الأبابيل الكثيرة وقال مجاهد أبابيل شتى متتابعة مجتمعة وقال بن زيد الأبابيل المختلفة تأتي من ها هنا ومن ها هنا أتتهم من كل مكان وقال الكسائي سمعت بعض النحويين يقول واحد الأبابيل إبيل وقال بن جرير حدثني عبد الأعلى حدثني داود عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه قال في قوله تعالى ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) هي الأقاطيع كالإبل المؤبلة وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن بن عون عن بن سيرين عن بن عباس ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وحدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله تعالى ( طيرا أبابيل ) قال كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع وحدثنا بن بشار حدثنا بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير ( طيرا أبابيل ) قال هي طيور سود بحرية في مناقيرها وأظافيرها الحجارة وهذه أسانيد صحيحة وقال سعيد بن جبير كانت طيرا خضرا لها مناقير صفر تختلف عليهم وعن بن عباس ومجاهد وعطاء كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب ورواه عنهم بن أبي حاتم وقال بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبيد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير قال لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار مجزعة حجرين في رجليه وحجرا في منقاره قال فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره ولايقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعا وقال السدي عن عكرمة عن بن عباس ( حجارة من سجيل ) قال طين في حجارة
سنك وكل وقد قدمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته ها هنا وقوله تعالى ( فجعلهم كعصف مأكول ) قال سعيد بن جبير يعني التبن الذي تسميه العامة هبور وفي رواية عن سعيد بن جبير ورق الحنطة وعنه أيضا العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب وكذلك قال الحسن البصري وعن بن عباس العصف القشرة التي على الحبة كالغلاف على الحنطة وقال بن زيد العصف ورق الزرع وورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته فصار درينا والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم ودمرهم وردهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيرا وأهلك عامتهم ولم يرجع منهم مخبر إلا وهو جريح كما جرى لملكهم أبرهة فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء وأخبرهم بما جرى لهم ثم مات فملك بعده ابنه يكسوم ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميري إلى كسرى فاستعانه على الحبشة فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه فرد الله إليهم ملكهم وما كان في آبائهم من الملك وجاءته وفود العرب بالتهنئة وقد قال محمد بن إسحاق 1 97 حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان ورواه الواقدي عن عائشة مثله ورواه أيضا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت كانا مقعدين يستطعمان الناس عند أساف ونائلة حيث يذبح المشركون ذبائحهم قلت كان اسم قائد الفيل أنيسا وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة 86 من طريق بن وهب عن بن لهيعة عن عقيل بن خالد عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له شمر بن مقصود وكان الجيش عشرين ألفا وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى وهذا السياق غريب جدا وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار وهكذا روي عن بن لهيعة عن الأسود عن عروة أن أبرهة بعث الأسود بن مقصود على كتيبة معهم الفيل ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه والصحيح قدومه ولعل بن مقصود كان على مقدمة الجيش والله أعلم ثم ذكر بن إسحاق 198 شيئا من أشعار العرب فيما كان من قصة أصحاب الفيل فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعري
تنكلوا عن بطن مكة إنها كانت قديما لا يرام حريمها

لم تخلق الشعرى ليالي حرمت إذ لا عزيز من الأنام يرومها

سائل أمير الجيش عنها ما رأى فلسوف ينبي الجاهلين عليمها

ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها

كانت بها عاد وجرهم قبلهم والله من فوق العباد يقيمها
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المدني
ومن صنعه يوم فيل الحبو ش إذ كل ما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقرابه وقد شرموا أنفه فانخرم

وقد جعلوا سوطه مغولا إذا يمموه قفاه كلم

فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم

فأرسل من فوقهم حاصبا يلفهم مثل لف القزم

يحض على الصبر أحبارهم وقد ثأجوا كثؤاج الغنم
وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ويروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة
إن آيات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور

خلق الليل والنهار فكل مستبين حسابه مقدور

ثم يجلو النهار رب رحيم بمهاة شعاعها منشور

حبس الفيل بالمغمس حتى صار يحبو كأنه معقور

لازما حلقه الجران كما قطر من ظهر كبكب محذور

حوله من ملوك كندة أبطال ملاويث في الحروب صقور

خلفوه ثم ابذعروا جميعا كلهم عظم ساقه مكسور

كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
وقد قدمنا في تفسير سورة الفتح أن رسول الله لما أطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش بركت ناقته فزجروها فألحت فقالوا خلأت القصواء أي حرنت فقال رسول الله ماخلأت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها ثم زجرها فقامت والحديث من أفراد البخاري 2731 وفي الصحيحين أن رسول الله قال يوم فتح مكة إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ الشاهد الغائب