تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 467 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 467


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 وَتَرَى ٱلْمَلَـٰئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}

تقدم شرح هذه الأيات مع الأيات التي في الصفحة السابقة

{حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ * مَا يُجَـٰدِلُ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ * كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلاٌّحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ * ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ فَتَكْفُرُونَ}
قوله تعالى: {غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ}. جمع جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، لأن مطامع العقلاء محصورة في أمرين، هما جلب النفع ودفع الضر، وهذ المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلاٌّلِيمُ} وقوله تعالى: {قَالَ عَذَابِىۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}. وقوله تعالى في آخر الأنعام: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقوله في الأعراف: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة. قوله تعالى: {مَا يُجَـٰدِلُ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه لا يجادل في آيات الله، أي لا يخاصم فيها محاولاً ردها، وإبطال ما جاء فيها، إلا الكفار.
وقد بين تعالى في غير هذا الموضع الغرض الحامل لهم على الجدال فيها مع بعض صفاتهم، وذلك في قوله {وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءايَاتِى وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُو} وأوضح ذلك الغرض، في هذه السورة الكريمة، في قوله {وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ}.
وقد قدمنا في سورة الحج أن الذين يجادلون في الله منهم، أتباع يتبعون رؤساءهم المضلين، من شياطين الإنس والجن، وهم المذكورون في قوله تعالى {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَـٰنٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ}.
وإن منهم قادة هم رؤساؤهم المتبوعون وهم المذكورون في قوله تعالى: {ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ}.
وبين تعالى في موضع آخر أن من أنواع جدال الكفار، جدالهم للمؤمنين الذين استجابوا لله وآمنوا به وبرسوله، ليردوهم إلى الكفر بعد الإيمان، وبين بطلان حجة هؤلاء، وتوعدهم بغضبه عليهم، وعذابه الشديد وذلك في قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}. قوله تعالى: {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ}.
نهى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، ليشرع لأمته عن أن يغره تقلب الذين كفروا في بلاد الله، بالتجارات والأرباح، والعافية وسعة الرزق، كما كانت قريش تفيض عليها الأموال من أرباح التجارات، وغيرها من رحلة الشتاء والصيف المذكورة في قوله تعالى: {إِيلَـٰفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ} أي إلى اليمن والشام وهم مع ذلك كفرة فجرة، يكذبون نبي الله ويعادونه.
والمعنى: لا تغتر بإنعام الله عليهم تقلبهم في بلاده، في إنعام وعافية فإن الله جل وعلا يستدرجهم بذلك الإنعام، فيمتعهم به قليلاً، ثم يهلكهم فيجعل مصيرهم إلى النار.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات من كتابه كقوله تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِمَتَـٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ}. وقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وقوله تعالى: {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ} وقوله تعالى {قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَـٰعٌ فِى ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.
والفاء في قوله: فلا يغررك، سببية أي لا يمكن تقلبهم في بلاد الله. متنعمين بالأموال والأرزاق، سبباً لاغترارك بهم، فتظن بهم ظناً حسناً لأن ذلك التنعم، تنعم استدراج، وهو زائل عن قريب، وهم صائرون إلى الهلاك والعذاب الدائم. قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ}. قرأ هذا الحرف نافع وابن عامر (كَلِمَات) بصيغة الجمع المؤنث السالم وقرأه الباقون (كلمة ربِّك) بالإفراد.
وقد أوضحنا معنى الكلمة والكلمات فيما يماثل هذه الآية في سورة يسۤ في الكلام على قوله تعالى. {لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ}. قوله تعالى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ}. لم يبين هنا الآية المتضمنة لوعدهم بالجنات، هم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
ولكنه جل وعلا أوضح وعده إياهم بذلك في سورة الرعد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ}.