تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 531 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 531


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ * وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَـٰعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى ٱلزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ * إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ}
قوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ}. قد قدمنا الكلام عليه في سورة الطور في الكلام على قوله تعالى {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}. قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ}. قد قدمنا الكلام عليه في سورة الزخرف في بعض المناقشات التي ذكرناها في الكلام على قوله تعالى {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ}. قوله تعالى: {وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى ٱلزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ}. الصحيح في معنى الآية أن كل شيء فعله الناس مكتوب عليهم في الزبر، التي هي صحف الأعمال، {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ}، أي مكتوب عليهم لا يترك منه شيء.
وهذا المعنى جاء موضحاً في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرً} وقوله تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدً}.
والزبر: جمع زبور، وهو الكتاب. والمستطر معناه المسطور، أي المكتوب، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة. قوله تعالى: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَهَرٍ}. أي في جنات وأنهار كما أوضح تعالى ذلك في قوله {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ}، وقوله تعالى {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى}.
وقد ذكرنا كثيراً من أمثلة إطلاق المفرد، وإرادة الجمع كما هنا في القرآن العظيم، مع تنكير المفرد وتعريفه، وإضافته، وأكثرنا أيضاً من الشواهد العربية على ذلك في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا}، وفي غير ذلك من المواضع. والعلم عند الله تعالى.

تم بحمد الله تفسير سورة القمر

# تفسير سوره الرحمن #

{ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ * خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ * ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ}
قوله تعالى: {ٱلرَّحْمَـٰن ُعَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ}. قال بعض أهل العلم: نزلت هذه الآية لما تجاهل الكفار الرحمن جل وعلا، كما ذكره الله عنهم في قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ} كما تقدم في الفرقان.
وقد قدمنا معنى الرحمن وأدلته من الآيات في أول سورة الفاتحة. قوله تعالى: {عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ}. أي علم نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلقته أمته عنه، وهذه الآية الكريمة تتضمن رد الله على الكفار في قولهم إنه تعلم هذا القرآن من بشر كما تقدم في قوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}، وقوله تعالى {فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} أي يرويه محمد عن غيره.
وقوله تعالى {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلاٌّوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا}.
فقوله تعالى هنا {ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ} أي ليس الأمر كما ذكرتم من أنه تعلم القرآن من بشر، بل الرحمٰن جل وعلا هو الذي علمه إياه، والآيات الدالة على هذا كثيرة جداً، كقوله تعالى {قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاٌّرْضِ}، وقوله تعالى {الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، وقوله تعالى {حـم ۤتَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِير} وقوله تعالى {وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ بِكِتَـٰبٍ فَصَّلْنَـٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقوله تعالى {وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا}. وقوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِير} وقوله تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} وقوله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ}.
وقوله تعالى {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيم} ومن أعظم ذلك هذا القرآن العظيم.
وقوله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ}.
وتعليمه جل وعلا هذا القرآن العظيم، قد بين في مواضع أخر أنه من أعظم نعمه كما قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ـ إلى قوله تعالى ـ {ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ}.
وقد علم الله تعالى الناس أن يحمدوه على هذه النعمة العظمى التي هي إنزال القرآن، وذلك في قوله تعالى {ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}، وبين أن إنزاله رحمة منه لخلقه جل وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى {وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وقوله {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين َرَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وقد بينا الآيات الموضحة لذلك في الكهف والزخرف.
{عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ} حذف في أحد المفعولين، والتحقيق أن المحذوف هو الأول لا الثاني، كما ظنه الفخر الرازي، وقد رده عليه أبو حيان، والصواب هو ما ذكره، من أن المحذوف الأول، وتقديره: علم النبي صلى الله عليه وسلم وقيل جبريل، وقيل الإنسان. قوله تعالى: {خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ}. اعلم أولاً أن خلق الإنسان وتعليمه البيان من أعظم آيات الله الباهرة، كما أشار تعالى لذلك بقوله، في أول النحل: {خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}، وقوله: في آخر يسۤ {أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ}.
فالإنسان بالأمس نطفة واليوم هو في غاية البيان وشدة الخصام يجادل في ربه وينكر قدرته على البعث، فالمنافاة العظيمة التي بين النطفة وبين الإبانة في الخصام، مع أن خلقه من نطفة وجعله خصيماً مبيناً آية من آياته جل وعلا دالة على أن المعبود وحده، وأن البعث من القبور حق.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة {خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ} لم يبين هنا أطوار خلقه للإنسان، ولكنه بينها في آيات أخر كقوله تعالى في الفلاح {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِين ٍثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ}.
والآيات المبينة أطوار خلق الإنسان كثيرة معلومة.
وقد بينا ما يتعلق بالإنسان من الأحكام في جميع أطواره قبل ولادته في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مِّن تُرَابٍ}، وبينا هناك معنى النطفة والعلقة والمضغة في اللغة.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة {عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ} التحقيق فيه أن المراد بالبيان الإفصاح عما في الضمير.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أنه علم الإنسان البيان قد جاء موضحاً في قوله تعالى {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} في سورة النحل ويس، وقوله {مُّبِينٌ} على أنه اسم فاعل أبان المتعدية، والمفعول محذوف للتعميم، أي مبين كل ما يريد بيانه، وإظهاره بلسانه مما في ضميره، وذلك لأنه ربه علمه البيان، وعلى أنه صفة مشبهة من أبان اللازمة، وأن المعنى فإذا هو خصيم مبين أي بين الخصومة ظاهرها، فكذلك أيضاً، لأنه ما كان بين الخصومة إلا لأن الله علمه البيان.
وقد امتن الله جل وعلا على الإنسان بأنه جعل له آلة البيان التي هي اللسان والشفتان، وذلك في قوله تعالى {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ}. قوله تعالى: {ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}. الحسبان: مصدر زيدت فيه الألف والنون، كما زيدت في الطغيان والرجحان والكفران، فمعنى بحسبان أي بحساب وتقدير من العزيز العليم وذلك من آيات الله ونعمه أيضاً على بني آدم، لأنهم يعرفون به الشهور والسنين والأيام، ويعرفون شهر الصوم وأشهر الحج ويوم الجمعة وعدد النساء اللاتي تعتد بالشهور، كاليائسة والصغيرة والمتوفى عنها.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ ٱلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ}. قوله تعالى: {وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}. اختلف العلماء في المراد بالنجم في هذه الآية، فقال بعض العلماء: النجم هو ما لا ساق له من النبات كالبقول، والشجر هو ما له ساق، وقال بعض أهل العلم: المراد بالنجم نجوم السماء. قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي صوابه أن المراد بالنجم هو نجوم السماء، والدليل على ذلك أن الله جل وعلا في سورة الحج صرح بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه. ونعني بآية الحج قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلاٌّرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ}.
فدلت هذه الآية أن الساجد من الشجر في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة مع الشمس والقمر في سورة الحج، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وعلى هذا الذي اخترناه، فالمراد بالنجم النجوم، وقد قدمنا الكلام عليه في أول سورة النجم وأول سورة الحج، وذكرنا أن من الشواهد العربية لإطلاق النجم وإرادة النجم قول الراعي: فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها

وقول عمرو بن أبي ربيعة المخزومي:
أبرزها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب
ثم قالوا تحبها قلت بهرا عدد النجم والحصا والتراب

وقوله في هذه الآية الكريمة: {يَسْجُدَانِ} قد قدمنا الكلام عليه مستوفى في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاٌّرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلاٌّصَالِ}. قوله تعالى: {وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ}. قوله: والسماء رفعها قد بينا الآيات الموضحة له في سورة قۤ في الكلام على قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا}.
وقوله: {وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ}، قد قدمنا الكلام عليه في سورة شورى في الكلام على قوله تعالى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ}.

وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ * وَٱلاٌّرْضَ وَضَعَهَا لِلاٌّنَامِ * فِيهَا فَـٰكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلاٌّكْمَامِ * وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِن صَلْصَـٰلٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *

سيتم شرح هذه الأيات في الصفحة التي بعدها ان شاء الله