سورة البقرة مدنية | رقم السورة: 2 - عدد آياتها : 286 عدد كلماتها : 6,144 - اسمها بالأنجليزي : The Cow

سورة البقرة | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح

استماع mp3 الجلالين&الميسر تفسير الشوكاني
إعراب الصفحة تفسير ابن كثير تفسير القرطبي
التفسير المختصر تفسير الطبري تفسير السعدي

سورة البقرة مكتوبة

تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 2 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 2

001

قال القرطبي في تفسير سورة البقرة: مدنية نزلت في مدد شتى. وقيل هي أول سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى: "واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله" فإنها آخر آية نزلت من السماء، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، وآيات الربا أيضاً من أواخر ما نزل من القرآن انتهى. وأخرج أبو الضريس في فضائله وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله. وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن عكرمة قال: أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة. وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه مسلم والترمذي وأحمد والبخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عن النواس بن سمعان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران" قال: وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: "كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما ظلتان سوداوان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة، ثم سكت ساعة ثم قال: تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف". قال ابن كثير وإسناده حسن على شرط مسلم. وأخرج نحوه أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه ومسلم والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث أبي أمامة مرفوعاً. وأخرج نحوه أيضاً الطبراني وأبو ذر الهروي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرج نحوه أيضاً البزار في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً. وأخرج مسلم والترمذي وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". وأخرج أبو عبيد عن أنس نحوه مرفوعاً. وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه عن أبي الدرداء مرفوعاً نحوه. وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن مغفل مرفوعاً نحوه. وأخرج النسائي والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود مرفوعاً نحوه. وسنده ضعيف. وأخرجه الدارمي والبيهقي والحاكم وصححه من حديثه بنحوه. وأخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لكل شيء سناماً، وسنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام، ومن قرأها في بيته ليلاً لم يدخله الشيطان ثلاث ليال". وأخرج أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً واستخرجت "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" من تحت العرش فوصلت بها". وأخرج البغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في تاريخه عن ربيعة الجرسي قال "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي القرآن أفضل؟ قال: السورة التي يذكر فيها البقرة، قيل فأي البقرة أفضل؟ قال: آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة نزلت من تحت العرش". وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في صحيحه تعليقاً ومسلم والنسائي عن أسيد بن حضير قال "بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريباً منها فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدري ما ذاك؟ قال لا يا رسول الله، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت تنظر إليها الناس لا تتوارى منهم" ولهذا الحديث ألفاظ. وأخرج الترمذي وحسنه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً فاستقرأ كل رجل منهم" يعني ما معه من القرآن "فأتى على رجل من أحدثهم سناً فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم". وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان بن أبي العاص، قال: استملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر القوم الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة. وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن الصلصال بن الديهمس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً" قال: "ومن قرأ سورة البقرة في ليلة توج بتاج في الجنة". وأخرج أبو عبيد عن عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر إلى ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح، قال: فلعله قرا سورة البقرة، قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة. قال ابن كثير وهذا إسناد جيد، إلا أن فيه إبهاماً ثم هو مرسل. وقد روى أئمة الحديث في فضائلها أحاديث كثيرة وآثاراً عن الصحابة واسعة، ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي، وما هو خاص بخواتم هذه السورة، وقد سبق بعض ذلك، وما هو في فضلها وفضل آل عمران، وقد سبق أيضاً بعض من ذلك وما هو في فضل السبع الطوال، كما أخرج أبو عبيد عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت السبع مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل" وفي إسناده سعيد بن بشير وفيه لين، وقد رواه بسند آخر عن سعيد بن أبي هلال. وأخرج أيضاً عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ السبع فهو خير" وقد رواه عنها أحمد في المسند باللفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ السبع الأول من القرآن فهو خير". وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني" قال: هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، وبذلك قال مجاهد ومكحول وعطية بن قيس وأبو محمد القاري شداد بن عبد الله ويحيى بن الحارث الذماري. وقد ورد ما يدل على كراهة أن يقول القائل سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله. فأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله" قال ابن كثير: هذا حديث غريب لا يصح رفعه، وفي إسناده يحيى بن ميمون الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به. وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال: "لا تقولوا سورة البقرة، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة". وقد روي عن جماعة من الصحابة خلاف هذا. فثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأهل السنن والحاكم وصححه عن حذيفة قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان فافتتح البقرة، فقلت: يصلي بها في ركعة، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلاً" الحديث: وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قالت: "كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء". وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف" الحديث. 1- "الم" قال القرطبي في تفسيره: اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر، فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا نحب أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها، وتمد كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب. قال: وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر. وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله عز وجل. قال: وقال جمع من العلماء كثير: بل نحب أن نتكلم فيها ونلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها. واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة، فروي عن ابن عباس وعلي أيضاً أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها. وقال قطرب والفراء وغيرهما: هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي بناء كلامهم عليها ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب: كان ينفرون عند استماع القرآن، فلما نزل آلم آلمص استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم. وقال قوم: روي أن المشركين لما أعرضوا عن القرآن بمكة " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " فأنزلها استغربوها فيفتحون أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة. وقال جماعة: هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها، كقول ابن عباس وغيره الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد. وذهب إلى هذا الزجاج فقال: أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى. وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة كقوله: فقلت لها قفي، فقالت قاف: أي وقفت. وفي الحديث "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة" قال شقيق: هو أن يقولأ في اقتل اق كما قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالسيف شا" أي شافياً، وفي نسخة شاهداً. وقال زيد بن أسلم: هي أسماء للسور. وقال الكلبي: هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه. ومن أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني هذه الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف فإنه قال: واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء: وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف. بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء، ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون، ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والنون، ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون، ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء، ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون، ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء، ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والتاء والعين والسين والحاء والنون، ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء. ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكنوزة بالمذكورة منها، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزم الحجة إياهم، وما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم، أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين، وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر انتهى. وأقول: هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها، وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال: فهذا متيسر بأن يقال لهم: هذا القرآن هو من الحروف التي تتكلمون بها ليس هو من حروف مغايرة لها، فيكون هذا تبكيتاً وإلزاماً يفهمه كل مامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة، فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح، هو أيضاً مما لا يفهمه أحد من السامعين ولا يتعقل شيئاً منه فضلاً عن أن يكون تبكيتاً له وإلزاماً للحجة أياً كان، فإن ذلك هو أمر وراء الفهم. مترتب عليه ولم يفهم السامع هذا، ولا ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحديث لهم بالقرآن أنه بلغ فهمه إلى بعض هذا فضلاً عن كله. ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها، وذلك النصف مشتمل على أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا يتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي ولا مقر ولا منكر ولا مسلم ولا معارض، ولا يصح أن يكون مقصداً من مقاصد الرب سبحانه، الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به. وهب أن هذه صناعة عجيبة ونكتة غريبة، فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة حتى يكون مفيداً أنه كلام بليغ أو فصيح، وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى يتصف بهذين الوصفين، وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم ولا مدخل لذلك فيما ذكر. وأيضاً لو فرض أنها كلمات متركبة بتقدير شيء قبلها أو بعدها لم يصح وصفها بذلك، لأنها تعمية غير مفهومة للسامع إلا بأن يأتي من يريد بيانها بمثل ما يأتي به من أراد بيان الألغاز والتعمية، وليس ذلك من الفصاحة والبلاغة في ورد ولا صدر بل من عكسهما وضد رسمهما -وإذا عرفت هذا فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل، فقد غلط أقبح الغلط وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط، فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك، وإذا سمعه السامع منهم كان معدوداً عنده من الرطانة، ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على أحرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه، بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره. ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم، وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا؟ وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين: الأول التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم وخزعبلات أفكارهم عليه. الثاني التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم، بل الجادة التي ما سواها مردوم والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملزم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري، أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه مع كونه ألفاظاً عربية وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده؟ فإنه ينبغي أن يقال فيه إنه متشابه المتشابه على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير. وانظر كيف فهم اليهود عند سماع آلم فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها، كما أخرج ابن إسحاق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة " الم * ذلك الكتاب لا ريب " فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه آلم ذلك الكتاب، فقال: أنت سمعته؟ فقال: نعم، فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك " الم * ذلك الكتاب " قال: بلى، قالوا: أجاءك بهذا جبريل من عند الله؟ قال: نعم. قالوا: لقد بعث الله قبلك الأنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، فقال حيي بن أخطب: وأقبل على من كان معه الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: آلمص، قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: -الر- قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان، هذه إحدى وثلاثون سنة ومائتان، فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم، -المر- قال: فهذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري قليلاً أعطيت أم كثيراً ثم قاموا، فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم -"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"- فانظر ما بلغت إليه أفهامهم من هذا الأمر المختص بهم من عدد الحروف مع كونه ليس من لغة العرب في شيء، وتأمل أي موضع أحق بالبيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الموضع، فإن هؤلاء الملاعين قد جعلوا ما فهموه عند سماع " الم * ذلك الكتاب " من ذلك العدد موجباً للتثبيط عن الإجابة له والدخول في شريعته، فلو كان لذلك معنى يعقل ومدلول يفهم، لدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ظنوه بادئ بدء حتى لا يتأثر عنه ما جاءوا به من التشكيك على من معهم. فإن قلت: هل ثبت عن رسول الله في هذه الفواتح شيء يصلح للتمسك به؟ قلت: لا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في شيء من معانيها، بل غاية ما ثبت عنه هو مجرد عدد حروفها، فأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" وله طرق عن ابن مسعود. وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف عن عوف بن مالك والأشجعي نحوه مرفوعاً. فإن قلت: هل روي عن الصحابة شيء من ذلك بإسناد متصل بقائله أم ليس إلا ما تقدم من حكاية القرطبي عن ابن عباس وعلي؟ قلت: قد روى ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود أنه قال: "الم" حرف اشتقت من حروف اسم الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "الم" و "حم" و "ن" قال: اسم مقطع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء عن ابن عباس أيضاً في قوله، "الم"، و"المص"، و"المر"، و"كهيعص"، و"طه"، و"طسم"، و"طس" و"يس"، و"ص"، "وحم"، و"ق"، و"ن"، قال: هو قسم أقسمه الله وهو من أسماء الله. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله آلم قال: هي اسم الله الأعظم. وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: "الم" قال: ألف مفتاح اسمه الله ولام مفتاح اسمه لطيف وميم مفتاح اسمه مجيد. وقد روي نحو هذا التفاسير عن جماعة من التابعين فيهم عكرمة والشعبي والسدي وقتادة ومجاهد والحسن. فإن قلت: هل يجوز الاقتداء بأحد من الصحابة؟ قال في تفسير شيء من هذه الفواتح قولاً صح إسناده إليه. قلت: لا لما قدمنا، إلا أن يعلم أنه قال ذلك عن علم أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا مدخل للغة العرب فلم لا يكون له حكم الرفع؟ قلت: تنزيل هذا منزلة المرفوع، وإن قال به طائفة من أهل الأصول وغيرهم، فليس مما ينشرح له صدور المنصفين، ولا سيما إذا كان في مثل هذا المقام وهو التفسير لكلام الله سبحانه، فإنه دخول في أعظم الخطر بما لا برهان عليه صحيح إلا مجرد قولهم إنه يبعد من الصحابي كل البعد أن يقول بمحض رأيه فيما لا مجال فيه للاجتهاد، وليس مجرد هذا الاستبعاد مسوغاً للوقوع في خطر الوعيد الشديد. على أنه يمكن أن يذهب بعض الصحابة إلى تفسير بعض المتشابه كما تجده كثيراً في تفاسيرهم المنقولة عنهم ويجعل هذه الفواتح من جملة المتشابه، ثم ها هنا مانع آخر، وهو أن المروى عن الصحابة في هذا مختلف متناقض، فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكماً لا وجه له، وإن عملنا بالجميع كان عملاً بما هو مختلف متناقض ولا يجوز. ثم ها هنا مانع غير هذا المانع، وهو أنه لو كان شيء لما قالوه مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم لاتفقوا عليه ولم يختلفوا كسائر ما هو مأخوذ عنه، فلما اختلفوا في هذا علمنا أنه لم يكن مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو كان عندهم شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لما تركوا حكايته عنه ورفعه إليه، لا سيما عند اختلافهم واضطراب أقوالهم في مثل هذا الكلام الذي لا مجال للغة العرب فيه ولا مدخل لها. والذي اراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل ولا تبلغها عقولنا ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه، وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" كلام طويل الذيول، وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول.
الإشارة بقوله ذلك إلى الكتاب المذكور بعده. قال ابن جرير: قال ابن عباس: 2- "ذلك الكتاب" هذا الكتاب وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة. والعرب قد تستعمل الإشارة إلى البعيد الغائب مكان الإشارة إلى القريب الحاضر كما قال خفاف: أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافاً أنني أنا ذلكا أي أنا هذا، ومنه قوله تعالى: "ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" و "تلك حجتنا آتيناها إبراهيم" "تلك آيات الله نتلوها عليك" "ذلكم حكم الله يحكم بينكم" وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق "لا ريب فيه" أي لا مبدل له، وقيل: ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي". وفي رواية "سبقت". وقيل: الإشارة إلى ما قد نزل بمكة، وقيل: إلى ما في التوراة والإنجيل، وقيل: إشارة إلى قوله قبله " الم "، ورجحه الزمخشري، وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدرناه، واسم الإشارة مبتدأ، و"الكتاب" صفته، والخبر "لا ريب فيه" ومن جوز الابتداء بـ " الم " جعل ذلك مبتدأ ثانياً، وخبره "الكتاب" أو هو صفته، والخبر "لا ريب فيه" والجملة خبر المبتدأ. ويجوز أنت يكون المبتدأ مقدراً وخبره آلم وما بعده. والريب مصدر، وهو قلق النفس واضطرابها، وقيل إن الريب: الشك. قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة، حكى ذلك القرطبي. ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحاً يقوم مقام البرهان المقتضى لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه، والوقف على فيه هو المشهور. وقد روي عن نافع وعاصم الوقف على "لا ريب". قال في الكشاف: ولا بد للواقف من أن ينوي خبراً ونظيره قوله تعالى: "قالوا لا ضير" وقول العرب: لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز، والتقدير: لا ريب فيه هدى. والهدى مصدر. قال الزمخشري: وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى. ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق. قال القرطبي: الهدى هديان: هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: "ولكل قوم هاد" وقال: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تهدي من أحببت" فالهدي على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى: "أولئك على هدى من ربهم" وقوله: "ولكن الله يهدي من يشاء" انتهى. والمتقين من ثبتت لهم التقوى. قال ابن فارس: وأصلها في اللغة قلة الكلام. وقال في الكشاف: المتقي في اللغة: إسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى، والوقاية: الصيانة، ومنه: فرس واق، وهذه الدابة تقي من وجارها: إذا أصابها صلع من غلظ الأرض ورقة الحافر، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه. وهو في الشريعة: الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن الكتاب: القرآن، لا ريب فيه: لا شك فيه. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا ريب فيه" قال: لا شك فيه. وأخرج أحمد في الزهد واب أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: الريب الشك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله، وكذا ابن جرير عن مجاهد. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "هدى للمتقين" قال: نور للمتقين وهم المؤمنون. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "هدى للمتقين" أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق مما جاء منه. وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قيل له: من المتقون؟ فقال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رجلاً قال له: ما التقوى؟ قال: هل وجدت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حين يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حجاباً بينه وبين الحرام. وقد روي نحوما قاله أبو الدرداء عن جماعة من التابعين. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به البأس" فالمصير إلى ما أفاده هذا الحديث واجب، ويكون هذا معنى شرعياً للمتقي أخص من المعنى الذي قدمناه عن صاحب الكشاف زاعماً أنه المعنى الشرعي.
3- "الذين يؤمنون بالغيب" هو وصف للمتقين كاشف. والإيمان في اللغة: التصديق، وفي الشرع ما سيأتي. والغيب في كلام العرب: كل ما غاب عنك. قال القرطبي: واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية هو الله سبحانه، وضعفه ابن العربي. وقال آخرون: القضاء والقدر. وقال آخرون: القرآن وما فيه من الغيوب. وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار. قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها، قال: وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت" انتهى. وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره". وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت: "صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين، ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت، فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أولئك قوم آمنوا بالغيب". وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيماناً؟ فقالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها، قالوا: يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها، قالوا: يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء، قال: هم كذلك، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة، قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً" وفي إسناده محمد بن أبي حميد وفيه ضعف. وأخرج الحسن بن عرفة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو الحديث الأول، وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث. وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً، والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعاً أيضاً، والبزار عن أنس مرفوعاً، وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ليتني قد لقيت إخواني. قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: بلى، ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم، فيا ليتني قد لقيت إخواني" وأخرج نحوه ابن عساكر في الأربعين السباعية من حديث أنس، وفي إسناده أبو هدبة وهو كذاب، وزاد فيه "ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة" الآية". وأخرج أحمد والدارمي والبارودي وابن قانع معاً في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال: "قلت: يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً آمنا بك واتبعناك؟ قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم يأتون من بعدكم ياتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بي ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجراً". وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع راكبان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنديان أو مذحجيان حتى أتيا، فإذا رجلان من مذحج، فدنا أحدهما ليبايعه، فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله أرأيت من جاءك فآمن بك واتبعك وصدقك فماذا له؟ قال: طوبى له فمسح على زنده وانصرف، ثم جاء الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال: يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: طوبى له ثم طوبى له، ثم مسح على زنده وانصرف". وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات". وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد "أن رجلاً قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك؟ قال: طوبى لمن رأني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني" وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه. وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث أبي أمامة الباهلي المتقدم. وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده، وابن أبي حاتم وابن الضباري والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قال: والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ " الم* ذلك الكتاب لا ريب فيه " إلى قوله: "المفلحون". وللتابعين أقوال، والراجح ما تقدم من أو الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا. قال بن جرير: والأولى أن تكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً واعتقاداً وعملاً. قال: وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل. والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل. وقال ابن كثير: إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة. بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعاً أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص. وقد ورد فيه آيات كثيرة. انتهى. " ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " هو معطوف على "يؤمنون" والإقامة في الأصل: الدوام والثبات. يقال: قام الشيء: أي دام وثبت. وليس من القيام على الرجل، وإنما هو من قولك قام الحق: أي ظهر وثبت، قال الشاعر: وقامت الحرب بنا على ساق وقال آخر: إذا يقال أقيموا لم تبرحوا حتى تقيم الخيل سوق طعان وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها. والصلاة أصلها في اللغة: الدعاء من صلى يصلي إذا دعا. وقد ذكر هذا الجوهري وغيره. وقال قوم: هي مأخوذة من الصلا، وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب. ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل، لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوى السابق، فاشتقت منه الصلاة لأنها ثانية للإيمان فشبهت بالمصلي من الخيل. وإما لأن الراكع يثني صلويه، والصلا مغرز الذنب من الفرس والاثنان صلوان، والمصلي تالي السابق لأن رأسه عند صلوه. ذكر هذا القرطبي في تفسيره. وقد ذكر المعنى الثاني في الكشاف هذا المعنى اللغوي. وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار. وقد اختلف أهل العلم هل هي مبقاة على أصلها اللغوي أو موضوعة وضعاً شرعياً ابتدائياً. فقيل: بالأول، وإنما جاء الشرع بزيادات هي الشروط والفروض الثابتة فيها. وقال قوم: بالثاني. والرزق عند الجمهور ما صلح للانتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة. فقالوا: إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا. والإنفاق: إخراج المال من اليد، وفي المجيء بمن التبعضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: "يقيمون الصلاة" قال: الصلوات الخمس "ومما رزقناهم ينفقون" قال: زكاة أموالهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها "ومما رزقناهم ينفقون" قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ونحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "ومما رزقناهم ينفقون" قال: هي نفقة الرجل على أهله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات. واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات، وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل، وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم.
4- "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون" قيل هم مؤمنو أهل الكتاب، فإنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزله على من قبله وفيهم نزلت. وقد رجح هذا ابن جرير، ونقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة، واستشهد به ابن جرير بقوله تعالى: "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم" وبقوله تعالى: " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين " الآية. والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب. وقيل: الآيتان جميعاً في المؤمنين على العموم. وعلى هذا فهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة، ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف، ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين بعد صفة، ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف، ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير: هدى للمتقين وللذين يؤمنون بما أنزل إليك. والمراد بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هو القرآن، وما أنزل من قبله: هو الكتب السالفة. والإيقان: إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه، قاله في الكشاف، والمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك. والآخرة تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول، وهي صفة الدار كما في قوله تعالى: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً" وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير المذكور إشعار بالحصر، وأن ما عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل للإيقان به والقطع بوقوعه. وإنما عبر بالماضي مع أنه لم ينزل إذ ذاك إلا البعض لا الكل تغليباً للموجود على ما لم يوجد، أو تنبيهاً على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل قبل نزوله. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" أي يصدقونك بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم، ولا يجحدون ما جاءوهم من ربهم "وبالآخرة هم يوقنون" إيماناً بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان: أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاء من ربك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. والحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها، وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما أنزل إلى من قبله بمقتض لجعل ذلك وصفاً لمؤمني أهل الكتاب، ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا ولا في النظم القرآني ما يقتضي ذلك. وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية. فمن ذلك قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل" وكقوله: "وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم" وقوله: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" وقال: "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم".
هذا كلام مستأنف استئنافاً بيانياً، كأنه قيل: كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل: 5- "أولئك على هدى" ويمكن أن يكون هذا خبراً عن الذين يؤمنون بالغيب إلخ فيكون متصلاً بما قبله. قال في الكشاف: ومعنى الاستعلاء في قوله: "على هدى" مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم حال من اعتلى الشيء وركبه، ونحوه: هو على الحق وعلى الباطل. وقد صرحوا بذلك في قوله: جعل الغواية مركباً وامتطى الجهل واقتعد عارب الهوى انتهى. وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام، واشتهر الخلاف في ذلك بين المحقق والسعد والمحقق الشريف. واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين، وقد جمعت في ذلك رسالة سميتها [الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف] فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام ويجمع بين أطراف الكلام على التمام. وقال ابن جرير: إن معنى "أولئك على هدى من ربهم" على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم، " المفلحون " أي المنجحون المذكرون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله. هذا معنى كلامه. والفلاح أصله في اللغة: الشق والقطع، قاله أبو عبيد: ويقال الذي شقت شفته أفلح، ومنه سمي الأكار فلاحاً لأنه شق الأرض بالحرث، فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه. قال القرطبي وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضاً في اللغة، فمعنى "أولئك هم المفلحون" الفائزون بالجنة والباقون. وقال في الكشاف: المفلح الفائز بالبغية، كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه انتهى. وقد استعمل الفلاح في السحور، ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود "حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور. فكأن معنى الحديث: أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحاً. وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلاً من الهدى والفلاح مستقل بتميزهم به عن غيرهم، بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزاً على حياله. وفائدة ضمير الفصل الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره. وقد روى السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة أن الذين يؤمنون بالغيب: هم المؤمنون من العرب، الذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله: هم، والمؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال: "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وإلى هو أرجح منه كما هو منقول عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل: يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس أو كما قال: فقال: ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " إلى قوله: "المفلحون" هؤلاء أهل الجنة، قالوا: إنا نرجو أن نكون هؤلاء، ثم قال: "إن الذين كفروا سواء عليهم" إلى قوله: "عظيم" هؤلاء أهل النار، قالوا: ألسنا هم يا رسول الله؟ قال: أجل". وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث: منها ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخاً وبه وجع فقال: وما وجعه؟ قال: به لمم، قال: فائتني به فوضعه بين يديه، فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة، وهاتين الآيتين "وإلهكم إله واحد" وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران "شهد الله أنه لا إله إلا هو"، وآية من الأعراف "إن ربكم الله"، وآخر سورة المؤمنين "فتعالى الله الملك الحق"، وآية من سورة الجن "وأنه تعالى جد ربنا"، وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشتك قط". وأخرج نحوه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي يعلى عن رجل عن أبي مثله. وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال: من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثاً من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله، ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق. وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عنه قال: "من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح: أربع من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث خواتمها أولها "لله ما في السموات"". وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي عن المغيرة بن سبيع، وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود بنحوه. وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة" وقد ورد في ذلك غير هذا.