تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 305 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 305

304

هي مكية وآياتها ثمان وتسعون آية أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت بمكة سورة "كهيعص". وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: نزلت سورة مريم بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبي طالب: هل معك مما جاء به: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله شيء؟ قال: نعم، فقرأ عليه صدراً من "كهيعص" فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها. قوله 1- "كهيعص" قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطعة، ووصلها الباقون، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الباء، وعكس ذلك ابن عامر وحمزة، وأمالها جميعاً الكسائي وأبو بكر وخلف، وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة وفتحهما الباقون. وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف، وحكى عن غيره أنه كان يضم ها. وقال أبو حاتم: لا يجوز ضم الكاف ولا الهاء ولا الياء. قال النحاس: قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا، والإمالة جائزة في ها وفي يا وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة. وقيل في تأويلها أنه كان يشم الرفع فقط. وأظهر الدال من هجاء صاد نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب، وهو اختيار أبو عبيدة وأدغمهما الباقون. وقد قيل في توجيه هذه القراءات أن التفخيم هو الأصل، والإمالة فرع عنه، فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل، ومن أمالهما فقد عمل بالفرع، ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين، وقد تقدم الكلام في هذه الحروف الواقعة في فواتح السورة مستوفى في أوائل سورة البقرة، ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسماً للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها، قاله الفراء. واعترضه الزجاج فقال: هذا محال لأن كهيعص ليس هو مما أنبأنا الله عز وجل به عن زكرياء، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به، وليس كهيعص من قصته، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد.
فقوله: 2- "ذكر رحمة ربك" خبر لمبتدأ محذوف، وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد، فقوله: "ذكر رحمة ربك" خبر لمبتدإ محذوف: أي هذا ذكر رحمة ربك. " عبده زكريا " يعني إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد، وانتصاب عبده على أنه مفول للرحمة قاله الأخفش. وقيل للذكر. ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها، كما يقال ذكرني معروف فلان: أي بلغني. وقرأ يحيى بن يعمر ذكر بالنصب، وقرأ أبو العالية عبده بالرفع على أن المصدر مضاف إلى المفعول، وفاعل الذكر هو عبده، وزكرياء على القراءتين عطف بيان له أو بدل منه، وقرأ الكلبي ذكر على صيغة الفعل الماضي مشدداً ومخففاً على أن الفاعل عبده، وقرأ ابن معمر على الأمر، وتكون الرحمة على هذا عبارة عن زكرياء، لأن كل نبي رحمة لأمته.
3- "إذ نادى ربه نداءً خفياً" العامل في الظرف رحمة، وقيل ذكر، وقيل هو بدل اشتمال من زكرياء، واختلف في وجه كون ندائه هذا خفياً، فقيل لأنه أبعد عن الرياء، وقيل أخفاه، لئلا يلام على طلبه للولد في غير وقته، ولكونه من أمور الدنيا، وقيل أخفاه مخافة من قومه، وقيل كان ذلك منه لكونه قد صار ضعيفاً هرماً لا يقدر على الجهر.
4- "قال رب إني وهن العظم مني" هذه الجملة مفسرة لقوله: نادي ربه، يقال وهن يهن وهناً إذا ضعف فهو واهن، وقرئ بالحركات الثلاث، أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته، وذكر العظم، لأن عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعي وتساقطت قوته ولأن أشد ما في الإنسان صلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، ووحد العظم قاصداً إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام "واشتعل الرأس شيباً" قرأ أبو عمرو بإدغام السين في الشين، والباقون بعدمه، والاشتعال في الأصل انتشار شعاع النار، فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة، ثم أخرجه مخرج الإستعارة بالكناية، بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه، وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها. قال الزجاج: يقال للشيب إذا كثر جداً قد اشتعل رأس فلان، وأنشد للبيد: فإن ترى رأس أمسى واضحاً سلط الشيب عليه فاشتعل وانتصاب شيباً على التمييز قاله الزجاج. وقال الأخفش: انتصابه على المصدر، لأن معنى اشتعل شاب. قال النحاس: قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل، والمصدرية أظهر فيما كان كذلك، وكان الأصل اشتعل شيب رأسي، فأسند الإشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول "ولم أكن بدعائك رب شقياً" أي لم أكن بدعائي إياك خائباً في وقت من الأوقات، بل كلما دعوتك استجبت لي. قال العلماء: يستحب المرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع، وذكر نعم الله عليه كما فعل زكرياء ها هنا، فإن في قوله: "وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً" غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه، وبلوغ مآربه، وفي قوله: "ولم أكن بدعائك رب شقياً" ذكر ما عوده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته، يقال شقي بكذا. أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه.
5- "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين وأبوه علي ويحيى بن يعمر خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وفاعله "الموالي" أي قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي، أو انقطعوا بالموت، مأخوذاً من خفت القوم إذا ارتحلوا، وهذه القراءة شاذة بعيدة عن الصواب. وقرأ الباقون "خفت" بكسر الخاء وسكون الفاء على أن فاعله ضمير يعود إلى زكرياء، ومفعوله الموالي، ومن ورائي متعلق بمحذوف لا بخفت، وتقديره: خفت فعل الموالي من بعدي. قرأ الجمهور "ورائي" بالهمز والمد وسكون الياء، وقرأ ابن كثير بالهمز والمد وفتح الياء. وروي عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء، مثل عصاي، والموالي هنا هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العم ونحوهم، والعرب تسمي هؤلاء موالي، قال الشاعر: مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا تنشروا بيننا ما كان مدفوناً قيل الموالي الناصرون له. واختلفوا في وجه المخالفة من زكرياء لمواليه من بعده، فقيل خاف أن يرثوا ماله، وأراد أن يرثه ولده، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولداً. وقال آخرون: إنهم كانوا مهملين لأمر الدين. فخاف أن يضيع الدين بموته، فطلب ولياً يقوم به بعد موته. وهذا القول أرجح من الأول لأن الأنبياء لا يورثون وهو أجل من أن يعتنوا بأمور الدنيا، فليس المراد هنا وارثة المال، بل المراد وارثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"، "وكانت امرأتي عاقراً" العاقر: هي التي لا تلد لكبر سنها، والتي لا تلد أيضاً لغير كبر وهي المرادة هنا، ويقال للرجل الذي لا يلد عاقراً أيضاً، ومنه قول عامر بن الطفيل: لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً قال ابن جرير: وكان اسم امرأته أشاع بنت فاقود بن ميل، وهي أخت حنة، وحنة هي أم مريم. وقال القتيبي: هي أشاع بنت عمران، فعلى القول يكون يحيى بن زكرياء ابن خالة أم عيسى، وعلى القول الثاني يكونان ابني خالة كما ورد في الحديث الصحيح "فهب لي من لدنك ولياً" أي أعطني من فضلك ولياً، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما. وقد قيل إنه كان ابن بضع وتسعين سنة، وقيل بل أراد بالولي الذي طلبه هو الولد، ولا مانع من سؤال ما كان مثله لما هو خارق للعادة، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم.
6- "يرثني ويرث من آل يعقوب" قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة وابن محيصن ويحيى بن المبارك اليزيدي بالرفع في الفعلين جميعاً على أنهما صفتان للولي وليسا بجواب للدعاء. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما على أنهما جواب للدعاء. ورجح القراءة الأولى أبو عبيد وقال: هي أصوب في المعنى، لأنه طلب ولياً هذه صفته فقال: هب لي الذي يكون وارثي. ورجح ذلك النحاس وقال: لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة، تقول أطع الله يدخلك الجنة: أي إن تطعه يدخلك الجنة، وكيف يخبر الله سبحانه بهذا، أعني كونه أن يهب له ولياً يرثه، وهو أعلم بذلك، والوراثة هنا هي وراثة العلم والنبوة على ما هو الراجح كما سلف. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن يعقوب المذكور هنا هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وزعم بعض المفسرين أنه يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان، وبه قال الكلبي ومقاتل، وآل يعقوب هم خاصته الذين يؤول أمرهم إليه للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين، وقد كان فيهم أنبياء وملوك، وقريء يرثني وارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثني. وقرئ وأرث آل يعقوب أي أنا. وقرئ أو يرث آل يعقوب بلفظ التصغير على أن هذا المصغر فاعل يرثني، وهذه القراءات في غاية الشذوذ لفظاً ومعنى "واجعله رب رضياً" أي مرضياً في أخلاقه وأفعاله، وقيل راضياً بقضائك وقدرك، وقيل رجلاً صالحاً ترضى عنه، وقيل نبياً كما جعلت آباءه أنبياء.
7- " يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى " قال جمهور المفسرين: إن هذا النداء من الله سبحانه، وقيل إنه من جهة الملائكة، لقوله في آل عمران "فنادته الملائكة"، وفي الكلام حذف: أي فاستجاب له دعاءه، فقال يا زكرياء، وقد تقدم في آل عمران وجه التسمية بيحيى وزكرياء. قال الزجاج: سمي يحيى لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها "لم نجعل له من قبل سمياً" قال أكثر المفسرين: معناه لم نسم أحداً قبله يحيى. وقال مجاهد وجماعة: معنى "لم نجعل له من قبل سمياً" أنه لم يجعل له مثلاً ولا نظيراً، فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السمو، ورد هذا بأنه يقتضي تفضيله على إبراهيم وموسى، وقيل معناه: لم تلد عاقر مثله، والأول أولى. وفي إخباره سبحانه بأنه لم يسم بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين: الأولى أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به، ولم يكلها إلى الأبوين. والجهة الثانية أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه.
8- "قال رب أنى يكون لي غلام" أي كيف أو من أي لي غلام؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار، بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه، حيث يخرج ولداً من امرأة عاقر وشيخ كبير، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في آل عمران "وقد بلغت من الكبر عتياً" يقال عتا الشيخ يعتو عتياً إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف، والأصل عتواً لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخف، ومثل ما في الآية قول الشاعر: إنما يعذر الوليد ولا يعـ ـذر من كان في الزمان عتيا وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص والأعمش "عتياً" بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان، ومحل جملة "وكانت امرأتي عاقرا" النصب على الحال من ضمير المتكلم، ومحل جملة "وقد بلغت من الكبر عتياً" النصب أيضاً على الحال، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله: "أنى يكون لي غلام" أي كيف يحصل بيننا ولد الآن، وقد كانت امرأتي عاقراً لم تلد في شبابها وشبابي وهي الآن عجوز، وأنا شيخ هرم؟
ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله: 9- "قال كذلك قال ربك" الكاف في محل رفع: أي الأمر كذلك، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا، ثم ابتدأ بقوله: "قال ربك" ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية: أي قال قولاً مثل ذلك، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله: "هو علي هين" وأما على الاحتمال الأول فتكون جملة "هو علي هين" مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره: أي قال هو مع بعده عندك علي هين، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد. قال الفراء: أي خلقه علي هين "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً" هذه الجملة مقررة لما قبلها. قال الزجاج: أي فخلق الولد لك كخلقك، والمعنى: أن الله سبحانه خلقه ابتداءً وأوجده من العدم المحض، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول: وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئاً، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم. قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر "وقد خلقتك من قبل" وقرأ سائر الكوفيون " وقد خلقتك من قبل ".
10- "قال رب اجعل لي آية" أي علامة تدلني على وقوع المسؤول وتحققه وحصول الحبل، والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه. قال ابن الأنباري: وجه ذلك أن نفسه تاقت إلى سرعة الأمر. فسأل الله آية يستدل بها على قرب ما من به عليه، وقيل طلب آية تدل على أن البشرى من الله سبحانه لا من الشيطان، لأن إبليس أوهمه بذلك، كذا قال الضحاك والسدي وهو بعيد جداً " قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " قد تقدم تفسير هذا في آل عمران مستوفى، وانتصاب سوياً على الحال، والمعنى: آيتك أن لا تقدر على الكلام والحال أنك سوي الخلق ليس بك آفة قد تمنعك منه، وقد دل بذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران أن المراد ثلاثة أيام ولياليهن.
11- "فخرج على قومه من المحراب" وهو مصلاه، واستقاقه من الحرب، كأن ملازمه يحارب الشيطان، وقيل من الحرب محركاً، كأن ملازمه يلقى حرباً وتعباً ونصباً "فأوحى إليهم أن سبحوا بكرةً وعشياً" قيل معنى أوحى: أومأ بدليل قوله في آل عمران "إلا رمزاً" وقيل كتب لهم في الأرض وبالأول قال الكلبي والقرظي وقتادة وابن منبه، وبالثاني قال مجاهد، وقد يطلق الوحي على الكتابة ومنه قول ذي الرمة: سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها بقية وحي في بطون الصحائف وقال عنترة: كوحي صحائف من عهد كسرى فأهداها لأعجم طمطمي وأن في قوله: "أن سبحوا" مصدرية أو مفسرة، والمعنى: فأوحى إليهم بأن صلوا: أو أي صلوا، وانتصاب بكرة وعشياً على الظرفية. قال الفراء: العشي يؤنث، ويجوز تذكيره إذا أبهم. قال: وقد يقال العشي جمع عشية، قيل والمراد صلاة الفجر والعصر، وقيل المراد بالتسبيح هو قولهم سبحان الله في الوقتين: أي نزهوا ربكم طرفي النهار. وقد أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: "كهيعص" كبير هاد أمين عزيز صادق، وفي لفظ كاف بدل كبير. وأخرج عبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وعثمان بن سعيد الدارمي في التوحيد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس "كهيعص" قال: كاف في كريم، وهاء من هاد، وياء من حكيم، وعين من عليم، وصاد من صادق. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة "كهيعص" هو الهجاء المقطع، الكاف من الملك، والهاء من الله، والياء والعين من العزيز، والصاد من المصور. وأخرج ابن مردويه "عن الكلبي أنه سئل عن "كهيعص" فحدث عن أبي صالح عن أم هانئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:كاف هاد عالم صادق". وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجه وابن جرير عن فاطمة ابنة علي قالت: كان علي يقول يا كهيعص اغفر لي. وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في "كهيعص" قال: الكاف الكافي، والهاء الهادي، والعين العالم، والصاد الصادق. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن السدي قال: كان ابن عباس يقول في كهيعص وحم ويس وأشباه هذا: هو اسم الله الأعظم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله. وكما وقع الخلاف في هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين من بعدهم ولم يصح مرفوعاً في ذلك شيء، ومن روي عنه من الصحابة في ذلك شيء فقد روي عن غيره ما يخالفه، وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح فلا يقوم شيء من ذلك حجة، بل الحق الوقف، ورد العلم في مثلها إلى الله سبحانه، وقد قدمنا تحقيق هذا في فاتحة سورة البقرة. وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان زكريا نجاراً". وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن أزر بن مسلم من ذرية يعقوب دعا ربه سراً "قال رب إني وهن العظم مني" إلى قوله: "خفت الموالي" قال: وهم العصبة "يرثني" يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب، فنادته الملائكة، وهو جبريل: إن الله يبشرك "بغلام اسمه يحيى" فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك، فشك وقال "أنى يكون لي غلام" يقول من أين يكون وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر، قال الله "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً". وأخرج الفريابي عنه قال: كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال: " فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب " قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "لم نجعل له من قبل سمياً" قال: مثلاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال: لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف عتياً أو عسياً. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: "عتياً" قال: لبث زماناً في الكبر. وأخرج أيضاً عن السدي قال: هرماً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: " أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " قال: اعتقل لسانه من غير مرض، وفي لفظ من غير خرس، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "فأوحى إليهم" قال: كتب لهم كتاباً. وأخرج ابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "أن سبحوا" قال: أمرهم بالصلاة "بكرة وعشياً".