تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 528 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 528

527

45- "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى".
46- " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى " المراد بالزوجين الذكر والأنثى من كل حيوان، ولا يدخل في ذلك آدم وحواء فإنهما لم يخلفا من النطفة: والنطفة الماء القليل، ومعنى "إذا تمنى" إذ تصب في الرحم وتدفق فيه، كذا قال الكلبي والضحاك وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، يقال منى الرجل وأمنى: أي صب المني. وقال أبو عبيدة "إذا تمنى" إذا تقدر: يقال منيت الشيء: إذا قدرته ومنى له أي قدر له، ومنه قول الشاعر: حتى تلاقي ما يمني لك الماني والمعنى: أنه يقدر منها الولد.
47- "وأن عليه النشأة الأخرى" أي إعادة الأرواح إلى الأجسام عند البعث وفاءً بوعده. قرأ الجمهور "النشأة" بالقصر بوزن الضربة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمد بوزن الكفالة، وهما على القراءتين مصدران.
48- "وأنه هو أغنى وأقنى" أي أغنى من شاء وأفقر من شاء، ومثله قوله: "يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" وقوله: "يقبض ويبسط" قال ابن زيد، واختاره ابن جرير، وقال مجاهد وقتادة والحسن: أغنى: مول، وأقنى: أخدم، وقيل معنى أقنى: أعطى القنية، وهي ما يتأثل من الأموال. وقيل معنى أقنى أرضى بما أعطى: أي أغناه، ثم رضاه بما أعطاه. قال الجوهري: قنى الرجل قنى، مثل غنى غنىً: أي أعطاه ما يقتني، وأقناه أرضاه، والقنى الرضى: قال أبو زيد: تقول العرب من أعطى مائة من البقر فقد أعطى القنى، ومن أعطى مائة من الضأن فقد أعطى الغنى، ومن أعطى مائة من الإبل فقد أعطى المنى. قال الأخفش وابن كيسان: أقنى أفقر، وهو يؤيد القول الأول.
49- "وأنه هو رب الشعرى" هي كوكب خلف الجوزاء كانت خزاعة تعبدها، والمراد بها الشعرى التي يقال لها العبور، وهي أشد ضياءً من الشعرى التي يقال لها الغميصاء. وإنما ذكر سبحانه أنه رب الشعرى مع كونه رباً لكل الأشياء للرد على من كان يعبدها، وأول من عبدها أبو كبشة، وكان من أشراف العرب، وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة تشبيهاً له به لمخالفته دينهم كما خالفهم أبو كبشة، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم الفتح: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة.
50- "وأنه أهلك عاداً الأولى" وصف عاداً بالأولى لكونهم كانوا من قبل ثمود. قال ابن زيد: قيل لها عاداً الأولى، لأنهم أول أمة أهلكت بعد نوح. وقال ابن إسحاق هما عادان، فالأولى أهلكت بالصرصر، والأخرى أهلكت بالصيحة. وقيل عاد الأولى قوم هود وعاد الأخرى إرم. قرأ الجمهور "عاداً الأولى" بالتنوين والهمز، وقرأ نافع وابن كثير وابن محيصن بنقل حركة الهمزة على اللام وإدغام التنوين فيها.
51- " وثمود فما أبقى " أي وأهلك ثموداً كما أهلك عاداً فما أبقى أحداً من الفريقين، وثمود هم قوم نوح من قبل إهلاك عاد وثمود.
52- "إنهم كانوا هم أظلم وأطغى" أي أظلم من عاد وثمود وأطغى منهم، أو أظلم وأطغى من جميع الفرق الكفرية، أو أظلم وأطغى من مشركي العرب، وإنما كانوا كذلك لأنهم عتوا على الله بالمعاصي مع طول مدة دعوة نوح لهم، كما في قوله: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً".
53- "والمؤتفكة أهوى" الائتفاك الانقلاب: والمؤتفكة مدائن قوم لوط، وسميت المؤتكفة لأنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها، تقول أفكته إذا قلبته، ومعنى أهوى أسقط: أي أهواها جبريل بعد أن رفعها. قال المبرد: جعلها تهوي.
54- "فغشاها ما غشى" أي ألبسها ما ألبسهم من الحجارة التي وقعت عليها، كما في قوله: "فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل" وفي هذه العبارة تهويل للأمر الذي غشاها به وتعظيم له، وقيل إن الضمير راجع إلى جميع الأمم المذكورة: أي فغشاها من العذاب ما غشى على اختلاف أنواعه.
55- "فبأي آلاء ربك تتمارى" هذا خطاب للإنسان المكذب: أي فبأي نعم ربك أيها الإنسان المكذب تشكك وتتمري، وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لغيره، وقيل لكل من يصلح له، وإسناد فعل التماري إلى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه وسمى هذه الأمور المذكورة آلاء: أي نعماً مع كون بعضها نقماً لا نعماً، لأنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة، وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين. قرأ الجمهور تتمارى من غير إدغام، وقرأ يعقوب وابن محيصن بإدغام إحدى التاءين في الأخرى.
56- "هذا نذير من النذر الأولى" أي هذا محمد رسول إليكم من الرسل المتقدمين قبله فإنه أنذركم كما أنذروا قومهم، كذا قال ابن جريح ومحمد بن كعب وغيرهما. وقال قتادة: يريد القرآن، وأنه أنذر بما أنذرت به الكتب الأولى، وقيل هذا الذي أخبرنا به عن أخبار الأمم تخويف لهذه الأمة من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك. كذا قال أبو مالك. وقال أبو صالح: إن الإشارة بقوله: هذا إلى ما في صحف موسى وإبراهيم. والأول أولى.
57- "أزفت الآزفة" أي قربت الساعة ودنت، سماها آزفة لقرب قيامها، وقيل لدنوها من الناس. كما في قوله: "اقتربت الساعة" أخبرهم بذلك ليستعدوا لها. قال في الصحاح: أزفت الآزفة: يعني القيامة وأزف الرجل عجل، ومنه قول الشاعر: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد
58- "ليس لها من دون الله كاشفة" أي ليس لها نفس قادرة على كشفها عند وقوعها إلا الله سبحانه، وقيل كاشفة بمعنى انكشاف، والهاء فيها كالهاء في العاقبة والداهية، وقيل كاشفة بمعنى كاشف، والهاء للمبالغة كرواية، والأول أولى. وكاشفة صفة لموصوف محذوف كما ذكرنا، والمعنى: أنه لا يقدر على كشفها إذا غشت الخلق بشدائدها وأهوالها أحد غير الله، كذا قال عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم.
ثم وبخهم الله سبحانه فقال: 59- "أفمن هذا الحديث تعجبون" المراد بالحديث القرآن: أي كيف تعجبون منه تكذيباً.
60- "وتضحكون" منه استهزاءً مع كونه غير محل للتكذيب ولا موضع للاستهزاء "ولا تبكون" خوفاً وانزجاراً لما فيه من الوعيد الشديد.
وجملة 61- "وأنتم سامدون" في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون مستأنفة لتقرير ما فيها، والسمود: الغفلة والسهو عن الشيء. وقال في الصحاح: سمد سموداً رفع رأسه تكبراً، فهو سامد قال الشاعر: سوامد الليل خفاف الأزواد وقال ابن الأعرابي: السمود اللهو، والسامد اللاهي، يقال للقينة أسمدينا: أي ألهينابالغناء، وقال المبرد: سامدون خامدون. قال الشاعر: رمى الحدثان نسوة آل عمرو بمـقـدار سمـدن لــه سـمودا فـرد شعـورهـن السود بيضـاً ورد وجوههن البيض سوداً
62- "فاسجدوا لله واعبدوا" لما وبخ سبحانه المشركين على الاستهزاء بالقرآن والضحك منه والسخرية به وعدم الانتفاع بمواعظه وزواجره أمر عباده المؤمنين بالسجود لله والعبادة له، والفاء جواب شرط محذوف: أي إذا كان الأمر من الكفار كذلك، فاسجدوا لله واعبدوا، فإنه المستحق لذلك منكم، وقد تقدم في فاتحة السورة أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد عند تلاوة هذه الآية، وسجد معه الكفار، فيكون المراد بها سجود التلاوة، وقيل سجود الفرض. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وأنه هو أغنى وأقنى" قال: أعطى وأرضى. وأخرج ابن جرير عنه "وأنه هو رب الشعرى" قال: هو الكوكب الذي يدعى الشعرى. وأخرج الفاكهي عنه أيضاً قال: نزلت هذه الآية في خزاعة، وكانوا يعبدون الشعرى، وهو الكوكب الذي يتبع الجوزاء. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "هذا نذير من النذر الأولى" قال: محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: الآزفة من أسماء القيامة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل قال: لما نزلت هذه الآية " أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون " فما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم. ولفظ عبد بن حميد: فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ولا متبسماً حتى ذهب من الدنيا. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "سامدون" قال: لاهون معرضون عنه. وأخرج الفريابي وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه "وأنتم سامدون" قال: الغناء باليمانية، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا. وأخرج الفريابي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ايضاً في قوله: "سامدون" قال: كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم شامخين، ألم تر إلى البعير كيف يخطر شامخاً. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي خالد الوالبي قال: خرج علي بن أبي طالب علينا وقد أقيمت الصلاة ونحن قيام ننتظره ليتقدم فقال: ما لكم سامدون، لا أنتم في صلاة ولا أنتم في جلوس تنتظرون؟. سورة القمر ويقال سورة اقتربت، وهي خمس وخمسون آية وهي مكية كلها في قول الجمهور. وقال مقاتل: هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله "أم يقولون نحن جميع منتصر" إلى قوله: "والساعة أدهى وأمر" قال القرطبي: ولا يصح. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنها نزلت بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: اقتربت تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تبيض الوجوه. قال البيهقي: منكر. وأخرج ابن الضريس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه "من قرأ اقتربت الساعة في كل ليلتين بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر". وأخرج ابن الضريس نحوه عن ليث بن معن عن شيخ من همدان رفعه، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الأضحى والفطر. قوله: 1- "اقتربت الساعة وانشق القمر" أي قربت ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة. ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة، فكل آت قريب "وانشق القمر" أي وقد انشق القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة قد، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. قال الواحدي: وجماعة المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى سينشق القمر، والعلماء كلهم على خلافه. قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة. قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير: أي انشق القمر واقترب الساعة. وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة، وقيل معنى وانشق القمر: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح. وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فاقاً لانفلاق الظلمة عنه. قال ابن كثير: قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة.
والأمر بين في اللغظ وأجماع أهل العلم، لأن قوله: 2- "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة انتهى، ولم يأت من خالف الجمهور وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد، فقال: لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه لأنه آية، والناس في الآيات سواء. ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلاً ولا شرعاً ولا عادة، ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد، ويضرب به في وجه قائله. والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله، فقد أخبرنا بأنه انشق، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ واستبعاد من استبعد، وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" قال الواحدي: قال المفسرون: لما انشق القمر قال المشركون سحرنا محمد، فقال الله: "وإن يروا آية" يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها، ويقولوا سحر قوي شديد يعلوا كل سحر، من قولهم استمر الشيء إذا قوي واستحكم، وقد قال بأن معنى مستمر: قوي شديد جماعة من أهل العلم. قال الأخفش: هو مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدة فتله، وبه قال أبو العالية والضحاك واختاره النحاس، ومنه قول لقيط: حتى استمر على شر لا يزنه صدق العزيمة لا رثا ولا ضرعا وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: "سحر مستمر" أي ذاهب، من قولهم مر الشيء واستمر إذا ذهب، وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما، واختاره النحاس. وقيل معنى مستمر: دائم مطرد، ومنه قول الشاعر: ألا إنما الدنيا ليال وأعصر وليس على شيء قديم بمستمر أي بدائم باق، وقيل مستمر باطل، روي هذا عن أبي عبيدة أيضاً. وقيل يشبه بعضه بعضاً، وقيل قد مر من الأرض إلى السماء، وقيل هو من المرارة: يقال مر الشيء صار مراً: أي مستبشع عندهم. وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان كما قررنا سابقاً.
ثم ذكر سبحانه تكذيبهم فقال: 3- "وكذبوا واتبعوا أهواءهم" أي وكذبوا رسول الله، وما عاينوا من قدرة الله، واتبعوا أهواءهم وما زينه لهم الشيطان الرجيم، وجملة "وكل أمر مستقر" مستأنفة لتقرير بطلان ما قالواه من التكذيب واتباع الأهواء: أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية، فالخير يستقر بأهل الخير، والشر يستقر بأهل الشر. قال الفراء: يقول يستقر قرار تكذيبهم وقرار قول المصدقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب. قال الكلبي: المعنى لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر، وما كان منه في الآخرة فسيعرف. قرأ الجمهور " مستقر " بكسر القاف، وهو مرتفع على أنه خبر المبتدأ وهو كل. وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي بجر مستقر على أنه صفة لأمر، وقرأ شيبة بفتح القاف، ورويت هذه القراءة عن نافع. قال أبو حاتم: ولا وجه لها، وقيل لها وجه بتدير مضاف محذوف: أي وكل أمر ذو استقرار، أو زمان استقرار، أو مكان استقرار، على أنه مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان.
4- "ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر" أي ولقد جاء كفار مكة، أو الكفار على العموم من الأنباء، وهي أخبار الأمم المكذبة المقصوصة علينا في القرآن "ما فيه مزدجر" أي ازدجار على أنه مصدر ميمي، يقال زجرته: إذا نهيته عن السوء ووعظته، ويجوز أن يكون اسم مكان، والمعنى: جاءهم ما فيه موضع ازدجار: أي أنه في نفسه موضع لذلك، وأصله مزتجر، وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الزاء والدال والذال كما تقرر في موضعه، وقرأ زيد بن علي مزجر بقلب تاء الافتعال زاياً وإدعام الزاي في الزاي، ومن في قوله: "من الأنباء" للتبعيض وهي ما دخلت عليه في محل نصب على الحال.
وارتفاع 5- "حكمة بالغة" على أنها خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما بدل كل من كل، أو بدل اشتمال، والمعنى: أن القرآن حكمة قد بلغت الغاية ليس فيها نقص ولا خلل، وقرئ بالنصب على أنها حال من ما: أي حال كون ما فيه مزدجر حكمة بالغة "فما تغن النذر" ما يجوز أن تكون استفهامية وأن تكون نافية: أي أي شيء تغني النذر أو لم تغن النذر شيئاً، والفاء لترتيب عدم الإناء على مجيء الحكمة البالغة، والنذر جمع نذير بمعنى المنذر، أو بمعنى الإنذار على أنه مصدر.
ثم أمره سبحانه بالإعراض عنهم فقال: 6- "فتول عنهم" أي أعرض عنهم حيث لم يؤثر فيهم الإنذار، وهي منسوخة لآية السيف "يوم يدع الداع إلى شيء نكر" انتصب الظرف إما بفعل مقدر: أي اذكر، وإما يبخرجون المذكور بعده، وإما بقوله: "فما تغن"، ويكون قوله: "فتول عنهم" اعتراض، أو بقوله: "يقول الكافرون".