تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 577 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 577

576

48- "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" أي شفاعة الملائكة والنبيين كما تنفع الصالحين.
49- "فما لهم عن التذكرة معرضين" التذكرة التذكير بمواعظ القرآن، والفاء لترتيب إنكار إعراضهم عن التذكرة على ما قبله من موجبات الإقبال عليها، وانتصاب معرضين على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور: أي أي شيء حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى.
ثم شببهم في نفورهم عن القرآن بالحمر فقال: 50 "كأنهم حمر مستنفرة" والجملة حال من الضمير في معرضين على التداخل، ومعنى مستنفرة نافرة، يقال نفر واستنفر، مثل عجب واستعجب، والمراد الحمر والوحشية. قرأ الجمهور "مستنفرة" بكسر الفاء: أن نافرة، وقرأ نافع وابن عامر بفتحها: أي منفرة مذعورة، واختار القراءة الثاينة أبو حاتم وأبو عبيد. قال في الكشاف: المستنفرة الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له، وحملها عليه.
51- "فرت من قسورة" أي من رماة يرمونها، والقسورة الرامي، وجمعه قسورة قاله سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن كيسان، وقيل هو الأسد قاله عطاء والكلبي. قال ابن عرفة: من القسر بمعنى القهر، لأنه يقهر السباع، وقيل القسورة أصوات الناس، وقيل القسورة بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة الرماة. وقال ابن الأعرابي: القسورة أول الليل: أي فرت من ظلمة الليل، وبه قال عكرمة، والأول أولى، وكل شديد عند العرب فهو قسورة، ومنه قول الشاعر: يا بنت كوني خيرة لخيره أخوالهــا الحي وأهـل القسـورة ومنه قول لبيد: إذا ما هتفنا هتفة في ندينا أتانا الرجال العابدون القساور ومن إطلاقه على الأسد قول الشاعر: مضمر تحذره الأبطال كــأنــه القـســور الرهـال
52- "بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة" عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكتفون بتلك التذكرة بل يريد. قال المفسرون: إن كفار قريش قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك رسول الله. والصحف الكتب واحدتها صحيفة، والمنشرة المنشورة المفتوحة، ومثل هذه الآية قوله سبحانه " حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " قرأ الجمهور "منشرة" بالتشديد. وقرأ سعيد بن جبير بالتخفيف. وقرأ الجمهور أيضاً بضم الحاء من صحف. وقرأ سعيد بن جبير بإسكانها.
ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة وزجرهم فقال: 53- "كلا بل لا يخافون الآخرة" يعني عذاب الآخرة لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات، وقيل كلا بمعنى حقاً.
ثم كرر الردع والزجر لهم فقال: 54- "كلا إنه تذكرة" يعني القرآن، أو حقاً إنه تذكرة، والمعنى: أنه يتذكر به ويتعظ بمواعظه.
55- "فمن شاء ذكره" أي فمن شاء أن يتعظ به اتعظ.
ثم رد سبحانه المشيئة إلى نفسه فقال: 56- "وما يذكرون إلا أن يشاء الله" قرأ الجمهور "يذكرون" بالياء التحتية. وقرأ نافع ويعقوب بالفوقية، واتفقوا على التخفيف، وقوله: "إلا أن يشاء الله" استثناء مفرغ من أعم الأحوال. قال مقاتل: إلا أن يشاء الله لهم الهدى "هو أهل التقوى" أي هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعاته "وأهل المغفرة" أي هو الحقيق بأن بغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "كل نفس بما كسبت رهينة" قال: مأخوذة بعملها. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: "إلا أصحاب اليمين" قال: هم المسلمون. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب "إلا أصحاب اليمين" قال: هم أطفال المسلمين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "حتى أتانا اليقين" قال: الموت. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وضححه عن أبي موسى الأشعري في قوله: "فرت من قسورة" قال: هم الرماة رجال القسي. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: القسورة الرجال الرماة القنص. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: القسورة الأسد، فقال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هم عصبة الرجال. وأخرج سفيان بن عيننة وعبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس "من قسورة" قال: هو ركز الناس: يعني أصواتهم. وأخرج أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وصححه وابن مردويه عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" فقال: قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهاً فأنا أهل أن أغفر له". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعاً نحوه. سورة القيامة هي أربعون آية وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال: نزلت سورة القيامة، وفي لفظ سورة لا أقسم بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: أنزلت سورة لا أقسم بمكة. قوله: 1- "لا أقسم بيوم القيامة" قال أبو عبيدة وجماعة من المفسرين: إن لا زائدة، والتقدير: أقسم. قال السمرقندي: أجمع المفسرون أن معنى لا أقسم: أقسم، واختلفوا في تفسير لا، فقال: بعضهم: هي زائدة، وزيادتها جارية في كلام العرب كما في قوله: " ما منعك أن لا تسجد " يعني أن تسجد، و"لئلا يعلم أهل الكتاب" ومن هذا قول الشاعر: تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتقطع وقال بعضهم: هي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال: ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة، وهذا قول الفراء وكثير من النحوين، كقول الله لا والله، فلا رد لكلام قد تقدمها، ومنه قول الشاعر: فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعى القوم أني أفر وقيل هي للنفي، لكن لا لنفي الإقسام، بل لنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه. كأن معنى لا أقسم بكذا: لا أعظمه بإقسامي به حق إعظامه، فإنه حقيق بأكثر من ذلك. وقيل إنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر، وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير قوله: "فلا أقسم بمواقع النجوم" وقرأ الحسن وابن كثير في رواية عنه والزهري وابن هرمز لأقسم بدون ألف على أن اللام لام الابتداء، والقول الأول هو أرجح هذه الأقوال، وقد اعترض عليه الرازي بما لا يقدح في قوته ولا يفت في عضد رجحانه، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته.
2- "ولا أقسم بالنفس اللوامة" ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة، فيكون الكلام في لا هذه كالكلام في الأولى، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة. قال الثعلبي: والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً، ومعنى النفس اللوامة: النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره، أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها. قال الحسن: هي والله نفس المؤمن، لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكذا ما أردت بكذا، والفاجر لا يعاتب نفسه. قال مجاهد: هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم تعمله؟ وعلى الخي لم لم تستكثر منه؟ قال الفراء: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها. إن كانت عملت خيراً قالت: هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءاً قالت: ليتني لم أفعل. وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس، فيكون الإقسام بها حسناً سائغاً. وقيل اللوامة هي الملومة المذمومة، فهي صفة ذم، وبهذا احتج من نفى أن يكون قسماً، إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به. قال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله، والأول أولى.
3- " أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه " المراد بالإنسان الجنس، وقيل الإنسان الكافر، والهمزة للإنكار، وأن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، والمعنى: أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامع بعد أن صارت رفاتاً، فنعيدها خلقاً جديداً، وذلك حسبان باطل، فإنا نجمعها، وما يدل عليه هذا الكلام هو جواب القسم. قال الزجاج: أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعن العظام للبعث، فهذا جواب القسم. وقال النحاس: جواب القسم محذوف: أي ليبعثن، والمعنى: أن الله سبحانه يبعث جميع أجزاء الإنسان، وإنما خص العظام لأنها قالب الخلق.
4- "بلى قادرين على أن نسوي بنانه" بلى إيجاب لما بعد النفي المنسحب إليه الاستفهام، والوقف على هذا اللفظ وقف حسن، ثم يبتدئ الكلام بقوله قادرين وانتصاب قادرين على الحال: أي بلى نجمعها قادرين، فالحال من ضمير الفعل المقدر، وقيل المعنى: بلى نجمعها نقدر قادرين. قال الفراء: أي نقدر، ونقوى قادرين على أكثر من ذلك. وقال أيضاً: إنه يصلح نصبه على التكرير: أي بلى فلحسبنا قادرين، وقيل التقدير: بلى كنا قادرين. وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع بلى قادرون على تقدير مبتدأ: أي بلى نحن قادرون، ومعنى "على أن نسوي بنانه" على أن نجمع بعضها إلى بعض، فنردها كما كانت ما لطافتها وصغرها. فكيف بكبار الأعضاء، فنبه سبحانه بالبنان. وهي الأصابع على بقيه الأعضاء، وإن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق، فهذا وجه تخصيصها بالذكر، وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة. وقال جمهور المفسرين: إن معنى الآية أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً. كخف البعير وحافر الحمار صفيحة واحدة لا شقوق فيها، فلا يقدر على أن ينتفع بها في الأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة ونحوهما، ولكنا فرقنا أصابعه لينتفع بها. وقيل المعنى: بل نقدر على أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها، والأول أولى، ومنه قول عنترة: وإن الموت طوع يدي إذا ما وصلت بنانها بالهندوان فنبه بالبنان على بقية الأعضاء.
5- "بل يريد الإنسان ليفجر أمامه" هو عطف على أيحسب، إما على أنه استفهام مثله وأضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا، أو على أنه إيجاب انتقل إليه من الاستفهام. والمعنى: بل يريد الإنسان أن يقدم فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وما يستقبله من الزمان، فيقدم الذنب ويؤخر التوبة. قال ابن الأنباري: يريد أن يفجر ما امتد عمره، وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. قال مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وسعيد بن جبير: يقول سوف أتوب ولا يتوب حتى يأتيه الموت. وهو على أشر أحواله. قال الضحاك: هو الأمل، يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا، ولا يذكر الموت، والفجور أصله الميل عن الحق، فيصدق على كل من مال عن الحق بقول أو فعل، ومنه قول الشاعر: أقسم بالله أبو حفص عمـر ما مسها من نقب ولا دبــر اغفر له اللهم إن كان فجر
وجملة 6- "يسأل أيان يوم القيامة" مستأنفة لبيان معنى يفجر، والمعنى: يسأل متى يوم القيامة سؤال استبعاد واستهزاء.
7- "فإذا برق البصر" أي فزع وتحير من برق الرجل: إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. قرأ الجمهور "برق" بكسر الراء. قال أبو عمرو بن العلاء والزجاج وغيرهما. المعنى تحير فلم يطرف، ومنه قول ذي الرمة: ولو أن لقمان الحكيم تعرضت لعيني مي بسافراً كاد يبرق وقال الخليل والفراء: برق بالكسر: فزع وبهت وتحير، والعرب تقول الإنسان المبهوت: قد برق فهو [بارق]، وأنشد الفراء: ونفسك فانع ولا تنعني وداو الكلوم ولا تبرق أي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك. وقرأ نافع وأبان عن عاصم "برق" بفتح الراء: أي لمع بصره من شدة شخوصه للموت. قال مجاهد وغيره: هذا عند الموت، وقيل برق يبرق شق عينيه وفتحهما. وقال أبو عبيدة: فتح الراء وكسرها لغتان بمعنى.
8- "وخسف القمر" قرأ الجمهور "خسف" بفتح الخاء والسين مبنياً للفاعل. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج وابن أبي عبلة وأبو حيوة بضم الخاء وكسر السين مبنياً للمفعول، ومعنى خسف القمر: ذهب ضوءه ولا يعود كما يعود إذا خسف في الدنيا، ويقال خسف: إذا ذهب جميع ضوئه، وكسف: إذا ذهب بعض ضوئه.
9- "وجمع الشمس والقمر" أي ذهب ضوءهما جميعاً، ولم يقل جمعت لأن التأنيث مجازي. قاله المبرد. وقال أبو عبيدة: هو لتغليب المذكر على المؤنث. وقال الكسائي: حمل على معنى جمع النيران. وقال الزجاج والفراء: ولم يقل جمعت لأن المعنى بينهما في ذهاب نورهما، وقيل جمع بينهما في طلوعهما من الغرب أسودين مكورين مظلمين. قال عطاء: يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى. وقيل تجمع الشمس والقمر فلا يكون هناك تعاقب ليل ونهار. وقرأ ابن مسعود وجمع بين الشمس والقمر.
10- "يقول الإنسان يومئذ أين المفر" أي يقول عند وقوع هذه الأمور أين المفر: أي الفرار، والمفر مصدر بمعنى الفرار. قال الفراء: يجوز أن يكون موضع الفرار، ومنه قول الشاعر: أين المفر والكباش تنتطح وكل كبش فر منها يفتضح قال الماوردي: يحتمل وجهين: أحدهما أين المفر من الله سبحانه استحياء منه. والثاني أين المفر من جهنم حذراً منها. قرأ الجمهور "أين المفر" بفتح الميم والفاء مصدراً كما تقدم. وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بفتح الميم وكسر الفاء على أنه اسم مكان: أي أين مكان الفرار. وقال الكسائي: هما لغتان مثل مدب ومدب ومصح ومصح، وقرأ الزهري بكسر الميم وفتح الفاء على أن المراد به الإنسان الجيد الفرار، ومنه قول امرئ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل أي جيد الفر والكر.
11- "كلا لا وزر" أي لا جبل ولا حصن ولا ملجأ من الله. وقال ابن جبير: لا محيص ولا منعة. والوزر في اللغة: ما يلجأ إليه الإنسان من حصن، أو جبل أو غيرهما، ومنه قول طرفة: ولقــد تعــلم بكـر أنـنــا فاضلوا الرأي وفي الروع وزر وقال آخر: لعمري ما للفتى من وزر من الـموت يدرك والكـبز قال السدي: كانوا إذا فزعوا في الدنيا تحصنوا بالجبال، فقال لهم الله: لا وزر يعصمكم مني يومئذ، وكلا للردع، أو لنفي ما قبلها، أو بمعنى حقاً.
12- "إلى ربك يومئذ المستقر" أي المرجع والمنتهى والمصير لا إلى غيره، وقيل إليه الحكم بين العباد لا إلى غيره، وقيل المستقر: الاستقرار حيث يقره الله.
13- " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " أي يخبر يوم القيامة بما عمل من خير وشر. وقال قتادة: بما عمل من طاعة، وما أخر من طاعة فلم يعمل بها. وقال زيد بن أسلم: بما قدم من أمواله وما خلف للورثة. وقال مجاهد: بأول عمله وآخره. وقال الضحاك: بما قدم من فرض وأخر من فرض. قال القشيري: هذا الإنباء يكون يوم القيامة عند وزن الأعمال، ويجوز أن يكون عند الموت. قال القرطبي: والأول أظهر.
14- "بل الإنسان على نفسه بصيرة" ارتفاع بصيرة على أنها خبر الإنسان، على نفسه متعلق ببصيرة. قال الأخفش: جعله هو البصيرة كما تقول للرجل: أنت حجة على نفسك، وقيل المعنى: إن جوارحه تشهد عليه بما عمل كما في قوله: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" وأنشد الفراء: كأن على ذي العقل عينا بصيرة بمقعده أو منظر هو ناظر فيكون المعنى: بل جوارح الإنسان عليه شاهدة. قال أبو عبيدة والقتيبي: إن هذه الهاء في بصيرة هي التي يسميها أهل الإعراب هاء المبالغة كما في قولهم: علامة. وقيل المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير وشر، والتاء على هذا للتأنيث. وقال الحسن: أي بصير بعيوب نفسه.
15- "ولو ألقى معاذيره" أي ول اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك. يقال معذرة ومعاذير. قال الفراء: أي وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره. وقال الزجاج: المعاذير الستور، والواحد معذار: أي وإن أرخى الستور يريد أن يخفي نفسه فنسه شاهدة عليه، كذا قال الضحاك والسدي: والستر بلغة اليمن يقال له معذار، والستر بلغة اليمن يقال له معذار، كذا قال المبرد، ومنه قول الشاعر: ولكنها ضنت بمنزل ساعة علينا وأطت يومها بالمعاذر والأول أولى، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وأبو العالية ومقاتل، ومثله قوله: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم" وقوله: "ولا يؤذن لهم فيعتذرون" وقول الشاعر: فما حسن أن يعذر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر
16- "لا تحرك به لسانك لتعجل به" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصاً على أن يحفظه صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك، ومثل هذا قوله: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " الآية.
17- "إن علينا جمعه" في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيئ "وقرآنه" أي إثبات قراءته في لسانك. قال الفراء: القراءة والقرآن مصدران. وقال قتادة فاتبع قرآنه: أي شرائعه وأحكامه.
18- "فإذا قرأناه" أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل "فاتبع قرآنه" أي قراءته.
19- "ثم إن علينا بيانه" أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل منه. قال الزجاج: المعنى علينا أن ننزله عليك قرآناً عربياً فيه بيان للناس. وقيل المعنى: إن علينا أن نبينه بلسانك.