تفسير الطبري تفسير الصفحة 177 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 177
178
176
 سُورَة الأنفَـال مَدنـيّة
وآيَاتها خمس وَسَبْعُونَ
بِسمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ
الآية : 1
القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها الأنفـال
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الأنفـال التـي ذكرها الله فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: هي الغنائم, وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الغنائم التـي غنـمتها أنت وأصحابك يوم بدر لـمن هي, فقل هي لله ولرسوله. ذكر من قال ذلك.
12209ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سويد بن عمرو, عن حماد بن زيد, عن عكرمة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.
12210ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الأنفـال: الـمغنـم.
12211ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الأنْفـال قال: يعنـي الغنائم.
12212ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ الأنفـال: الغنائم.
12213ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.
12214ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الأنفـال: الغنائم.
12215ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم.
وقال آخرون: هي أنفـال السرايا. ذكر من قال ذلك.
12216ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا علـيّ بن صالـح بن حيّ, قال: بلغنـي فـي قوله: يَسأَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: السرايا.
وقال آخرون: الأنفـال ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو دابّة وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك.
12217ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن عبد الـملك, عن عطاء, فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: هو ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال دابّة أو عبد أو متاع, ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن عبد الـملك, عن عطاء: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هي ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع أو نفل, فهو للنبـيّ صلى الله عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء.
12218ـ قال: حدثنا عبد الأعلـى, عن معمر, عن الزهري, أن ابن عبـاس سئل عن الأنفـال, فقال: السلَب والفرس.
12219ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, ويقال: الأنفـال: ما أخذ مـما سقط من الـمتاع بعدما تقسم الغنائم, فهي نفل لله ولرسوله.
12220ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عثمان بن أبـي سلـيـمان, عن مـحمد بن شهاب أن رجلاً قال لابن عبـاس: ما الأنفـال؟ قال: الفرس والدرع والرمـح.
12221ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: قال ابن جريج, قال عطاء: الأنفـال: الفرس الشاذّ, والدرع, والثوب.
12222ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهريّ, عن ابن عبـاس, قال: كان ينفّل الرجل فرس الرجل وسلبه.
12223ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مالك بن أنس, عن ابن شهاب, عن القاسم بن مـحمد, قال: سمعت رجلاً سأل ابن عبـاس عن الأنفـال, فقال ابن عبـاس: الفرس من النفل, والسّلب من النفل. ثم عاد لـمسألته, فقال ابن عبـاس ذلك أيضا, ثم قال الرجل: الأنفـال التـي قال الله فـي كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلـم يزل يسأله حتـى كاد يحرجه, فقال ابن عبـاس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صَبِـيغ الذي ضربه عمر بن الـخطاب رضي الله عنه.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, عن القاسم بن مـحمد, قال: قال ابن عبـاس: كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك. ثم قال ابن عبـاس: والله ما بعث الله نبـيه علـيه السلام إلاّ زاجرا آمرا مـحللاً مـحرّما. قال القاسم: فسلط علـى ابن عبـاس رجل يسأله عن الأنفـال, فقال ابن عبـاس: كان الرجل ينفّل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد علـيه الرجل, فقال له مثل ذلك, ثم أعاد علـيه حتـى أغضبه, فقال ابن عبـاس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبـيغ الذي ضربه عمر حتـى سالت الدماء علـى عقبـيه, أو علـى رجلـيه, فقال الرجل: أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن عبد الـملك, عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك فـيـما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين فـي غير قتال من دابّة أو عبد, فهو نفل للنبـيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: النفل: الـخمس الذي جعله الله لأهل الـخمس. ذكر من قال ذلك.
12224ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هو الـخمس. قال الـمهاجرون: لـم يرفع عنا هذا الـخمس؟ لـم يخرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول.
12225ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن الـحجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أنهم سألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن الـخمس بعد الأربعة الأخماس, فنزلت: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي معنى الأنفـال قول من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الـجيش أو جميعهم إما من سلبه علـى حقوقهم من القسمة, وإما مـما وصل إلـيه بـالنفل, أو ببعض أسبـابه, ترغيبـا له وتـحريضا لـمن معه من جيشه علـى ما فـيه صلاحهم وصلاح الـمسلـمين, أو صلاح أحد الفريقـين. وقد يدخـل فـي ذلك ما قال ابن عبـاس من أنه الفرس والدرع ونـحو ذلك, ويدخـل فـيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو فرس لأن ذلك أمره إلـى الإمام إذا لـم يكن ما وصلوا إلـيه لغلبة وقهر, يفعل ما فـيه صلاح أهل الإسلام, وقد يدخـل فـيه ما غلب علـيه الـجيش بقهر.
وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصواب, لأن النّفَل فـي كلام العرب إنـما هو الزيادة علـى الشيء, يقال منه: نفلتك كذا, وأنفلتك: إذا زدتك, والأنفـال: جمع نَفَل ومنه قول لبـيد بن ربـيعة:
إنّ تَقْوَى رَبّنا خَيْرُ نَفَلْوَبـاذْنِ اللّهِ رَيْثـي وَعَجَلْ
فإذ كان معناه ما ذكرنا, فكلّ من زيد من مقاتلة الـجيش علـى سهمه من الغنـيـمة, إن كان ذلك لبلاء أبلاه أو لغناء كان منه عن الـمسلـمين, بتنفـيـل الوالـي ذلك إياه, فـيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل, فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة فـي بعض الأحوال بحقّ, فلـيست من الغنـيـمة التـي تقع فـيها القسمة, وكذلك كلّ ما رضخ لـمن لا سهم له فـي الغنـيـمة فهو نفل, لأنه وإن كان مغلوبـا علـيه فلـيس مـما وقعت علـيه القسمة. فـالفصل إذ كان الأمر علـى ما وصفنا بـين الغنـيـمة والنفل, أن الغنـيـمة هي ما أفـاء الله علـى الـمسلـمين من أموال الـمشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل أو لـم ينفل والنفَل: هو ما أعطيه الرجل علـى البلاء والغناء عن الـجيش علـى غير قسمة. وإذ كان ذلك معنى النفل, فتأويـل الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الفضل من الـمال الذي تقع فـيه القسمة من غنـيـمة كفـار قريش الذين قتلوا ببدر لـمن هو قل لهم يا مـحمد: هو لله ولرسوله دونكم, يجعله حيث شاء.
واختلف فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية, فقال بعضهم: نزلت فـي غنائم بدر لأن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان نفّل أقواما علـى بلاء, فأبلـى أقوام وتـخـلّف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فـاختلفوا فـيها بعد انقضاء الـحرب, فأنزل الله هذه الاَية علـى رسوله, يعلـمهم أن ما فعل فـيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فماض جائز. ذكر من قال ذلك.
12226ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت داود بن أبـي هند يحدث, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أتَـى مَكانَ كَذَا وكَذَا, فَلَهُ كَذَا وكَذَا, أوْ فَعَلَ كَذَا وكَذَا, فَلَهُ كَذَا وكَذَا». فتسارع إلـيه الشبـان, وبقـي الشيوخ عند الرايات. فلـما فتـح الله علـيهم, جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فأنزل الله علـيه الاَية: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما كان يوم بدر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَنَعَ كَذَا وكَذَا, فَلَهُ كَذَا وكَذَا» قال: فتسارع فـي ذلك شبـان الرجال, وبقـيت الشيوخ تـحت الرايات فلـما كانت الغنائم, جاءوا يطلبون الذي جعل لهم, فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علـينا, فإنا كنا ردءا لكم, وكنا تـحت الرايات, ولو انكشفتـم لفئتـم إلـينا فتنازعوا, فأنزل الله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.
حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما كان يوم بدر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا وكَذَا مِنَ النّفَلِ» قال: فتقدّم الفتـيان ولزم الـمشيخة الرايات, فلـم يبرحوا, فلـما فتـح علـيهم, قالت الـمشيخة: كنا ردءا لكم, فلو انهزمتـم انـحزتـم إلـينا, لا تذهبوا بـالـمغنـم دوننا فأبى الفتـيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا فأنزل الله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: فكان ذلك خيرا لهم, وكذلك أيضا: أطيعونـي فإنـي أعلـم.
12227ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عكرمة فـي هذه الاَية: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: لـما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَنَعَ كَذَا فَلَهُ مِنَ النّفَلِ كَذَا» فخرج شبـان من الرجال فجعلوا يصنعونه, فلـما كان عند القسمة, قال الشيوخ: نـحن أصحاب الرايات, وقد كنا ردءا لكم فأنزل الله فـي ذلك: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.
12228ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعقوب الزبـيري, قال: ثنـي الـمغيرة بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن سلـيـمان بن موسى, عن مكحول مولـى هذيـل, عن أبـي سلام, عن أبـي أُمامة البـاهلـي, عن عبـادة بن الصامت, قال: أنزل الله حين اختلف القوم فـي الغنائم يوم بدر: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـينهم عن سواء.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد, قال: ثنـي عبد الرحمن بن الـحرث وغيره من أصحابنا, عن سلـيـمان بن موسى الأسدي, عن مكحول, عن أبـي أمامة البـاهلـي, قال: سألت عبـادة بن الصامت عن الأنفـال, فقال: فـينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فـي النفل, وساءت فـيه أخلاقنا, فنزعه الله من أيدينا, فجعله إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـين الـمسلـمين عن سواء, يقول: علـى السواء, فكان فـي ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البـين.
وقال آخرون: إنـما نزلت هذه الاَية لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من الـمغنـم شيئا قبل قسمتها, فلـم يعطه إياه, إذ كان شركا بـين الـجيش, فجعل الله جميع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك.
12229ـ حدثنـي إسماعيـل بن موسى السديّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن عاصم, عن مصعب بن سعد, عن سعد, قال: أتـيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف, فقلت: يا رسول الله هذا السيف قد شفـى الله به من الـمشركين فسألته إياه, فقال: «لَـيْسَ هذا لـي ولا لَكَ». قال: فلـما ولـيت, قلت: أخاف أن يعطيه من لـم يبل بلائي. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خـلفـي, قال: فقلت: أخاف أن يكون نزل فـيّ شيء قال: «إنّ السّيْفَ قد صَارَ لـي». قال: فأعطانـيه, ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.
12230ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا عاصم, عن مصعب بن سعد, عن سعد بن مالك, قال: لـما كان يوم بدر, جئت بسيف, قال: فقلت: يا رسول الله, إن الله قد شفـي صدري من الـمشركين أو نـحو هذا, فهب لـي هذا السيف فقال لـي: «هَذَا لَـيْسَ لـي وَلا لَكَ». فرجعت فقلت: عسى أن يعطى هذا من لـم يبل بلائي فجاءنـي الرسول, فقلت: حدث فـيّ حدث: فلـما انتهيت, قال: «يا سَعْدُ إنّكَ سألْتَنِـي السّيْفَ وَلَـيْسَ لـي, وَإنّهُ قَدْ صَارَ لـي فَهُوَ لَكَ». ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن سماك بن حرب, عن مصعب بن سعد, عن أبـيه, قال: أصبت سيفـا يوم بدر, فأعجبنـي, فقلت: يا رسول الله هبه لـي فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.
حدثنا ابن الـمثنى وابن وكيع, قال ابن الـمثنى, ثنـي معاوية, وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا الشيبـانـي, عن مـحمد بن عبـيد الله, عن سعيد بن أبـي وقاص, قال: لـما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص, وأخذت سيفه, وكان يسمى ذا الكُتـيفة, فجئت به إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اذْهَبْ فـاطْرَحَهُ فـي القبَض» فطرحته ورجعت وبـي ما لا يعلـمه إلاّ الله من قتل أخي وأخذ سلبـي, قال: فما جاوزت إلاّ قريبـا حتـى نزلت علـيه سورة الأنفـال, فقال: «اذْهَبْ فَخُذُ سَيْفَكَ». ولفظ الـحديث لابن الـمثنى.
12231ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة جميعا, عن مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي عبد الله بن أبـي بكر, عن قـيس بن ساعدة, قال: سمعت أبـا أسيد بن مالك بن ربـيعة يقول: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر, وكان السيف يدعى الـمرَزُبـان فلـما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما فـي أيديهم من النفل, أقبلت به فألقـيته فـي النفل, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يـمنع شيئا يُسأله, فرآه الأرقم بن أبـي الأرقم الـمخزومي, فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعطاه إياه.
12232ـ حدثنـي يحيى بن جعفر, قال: حدثنا أحمد بن أبـي بكر, عن يحيى بن عمران, عن جده عثمان بن الأرقم, عن عمه, عن جده, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «رُدّوا ما كانَ مِنَ الأنْفـالِ» فوضع أبو أسيد الساعدي سيف بن عائد الـمرزبـان, فعرفه الأرقم فقال: هبه لـي يا رسول الله قال: فأعطاه إياه.
12233ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شبعة, عن سماك بن حرب, عن مصعب بن سعد, عن أبـيه, قال: أصبت سيفـا. قال: فأتـى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله نفلنـيه فقال: «ضَعْهُ» ثم قام فقال: يا رسول الله نفلنـيه قال: «ضَعْهُ» قال: ثم قام فقال: يا رسول الله نفلنـيه اجُعل كمن لا غناء له؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أخَذْتَهُ» فنزلت هذه الاَية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن مصعب بن سعد, عن سعد, قال: أخذت سيفـا من الـمغنـم, فقلت: يا رسول الله هب لـي هذا فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.
12234ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن إبراهيـم بن مهاجر, عن مـجاهد, فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: قال سعد: كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية, فأتـيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: أعطنـي هذا السيف يا رسول الله فسكت, فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ قال: فأعطانـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل نزلت لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنـيـمة بـينهم يوم بدر فأعلـمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم لـيس لهم فـيه شيء. وقالوا: معنى «عن» فـي هذا الـموضع «من» وإنـما معنى الكلام: يسألونك من الأنفـال, وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرؤه: «يَسْألُونَكَ الأنْفـالَ» علـى هذا التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12235ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, قال: كان أصحاب عبد الله يقرءونها: «يَسألُونَكَ الأنْفـالَ».
12236ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: هي فـي قراءة ابن مسعود «يَسألُونَكَ الأنْفـالَ». ذكر من قال ذلك.
12237ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: الأنفـال: الـمغانـم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لـيس لأحد منها شيء, ما أصاب سرايا الـمسلـمين من شيء أتوه به, فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها, قال الله: يَسألونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفَـالُ لـي جعلتها لرسولـي لـيس لكم فـيها شيء فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ, ثم أنزل الله: واعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ ثم قسم ذلك الـخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولـمن سمي فـي الاَية.
12238ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نزلت فـي الـمهاجرين والأنصار مـمن شهد بدرا. قال: واختلفوا فكانوا أثلاثا. قال: فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرسُولِ وملكه الله رسوله, فقسمه كما أراه الله.
12239ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن الـحجاج, عن عمرو بن شعيب, عن أبـيه, عن جدّه: أن الناس سألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر, فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.
12240ـ قال: حدثنا عبـاد بن العوام, عن جويبر, عن الضحاك: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك أن تُنَفّلهُمْ.
12241ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا أيوب, عن عكرمة, فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك الأنفـال.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى أخبر فـي هذه الاَية عن قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفـال أن يعطيهموها, فأخبرهم الله أنها لله وأنه جعلها لرسوله. وإذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيها, وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه, وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بـين الـجيش.
واختلفوا فـيها, أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟ فقال بعضهم: هي منسوخة, وقالوا: نسخها قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية. ذكر من قال ذلك.
12242ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن جابر, عن مـجاهد وعكرمة, قالا: كانت الأنفـال لله وللرسول فنسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمَسَهُ وللرّسُولِ.
12243ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: أصاب سعد بن أبـي وقاص يوم بدر سيفـا, فـاختصم فـيه وناس معه, فسألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأخذه النبـيّ صلى الله عليه وسلم منهم, فقال الله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ والرّسُولِ... الاَية, فكانت الغنائم يومئذٍ للنبـيّ صلى الله عليه وسلم خاصة, فنسخها الله بـالـخمس.
12244ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي سلـيـم مولـى أم مـحمد, عن مـجاهد, فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن جابر, عن مـجاهد وعكرمة, أو عكرمة وعامر, قالا: نسخت الأنفـال: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ.
وقال آخرون: هي مـحكمة ولـيست منسوخة. وإنـما معنى ذلك: قل الأنفـال لله, وهي لا شكّ لله مع الدنـيا بـما فـيها والاَخرة, وللرسول يضعها فـي مواضعها التـي أمره الله بوضعها فـيه. ذكر من قال ذلك.
12245ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ فقرأ حتـى بلغ: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاء ويضعانها حيث أرادا, فقالوا: نعم. ثم جاء بعد الأربعين: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية, ولكم أربعة أخماس, وقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم خَيبر: «وَهَذا الـخُمُسُ مَرْدُودٌ علـى فُقَرائِكُمْ يَصْنَعُ اللّهُ وَرَسُولَهُ فِـي ذلكَ الـخُمْسَ ما أحَبّـا, وَيَضَعانِهِ حَيْثُ أحَبّـا, ثم أخبرنا الله الذي يجب من ذلك» ثم قرأ الاَية: لِذِي القُرْبَى والـيَتامَى والـمَساكِينِ وَابْنِ السّبِـيـلِ كَيْلا يَكونَ دُولَةً بـينَ الأغْنِـياءِ مِنْكُمْ.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفـال لنبـيه صلى الله عليه وسلم ينفل من شاء, فنفل القاتل السلب, وجعل للـجيش فـي البداءة الربع وفـي الرجعة الثلث بعد الـخمس, ونفل قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا فـي بعض الـمغازي. فجعل الله تعالـى ذكره حكم الأنفـال إلـى نبـيه صلى الله عليه وسلم ينفل علـى ما يرى مـما فـيه صلاح الـمسلـمين, وعلـى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته فـي ذلك, ولـيس فـي الاَية دلـيـل علـى أن حكمها منسوخ لاحتـمالها ما ذكرت من الـمعنى الذي وصفت, وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها, فقد دللنا فـي غير موضع من كتبنا علـى أن لا منسوخ إلاّ ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ينفـيه من كلّ معانـيه, أو يأتـي خبر يوجب الـحجة أن أحدهما ناسخ الاَخر. وقد ذُكر عن سعيد بن الـمسيب أنه كان ينكر أن يكون التنفـيـل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلاً منه لقول الله تعالـى: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.
12246ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان, عن مـحمد بن عمرو, قال: أرسل سعيد بن الـمسيب غلامه إلـى قوم سألوه عن شيء, فقال: إنكم أرسلتـم إلـيّ تسألونـي عن الأنفـال, فلا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بـيّنا أن للأئمة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فـي مغازيهم بفعله, فـينفلوا علـى نـحو ما كان ينفل, إذا كان التنفـيـل صلاحا للـمسلـمين.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.
يقول تعالـى ذكره: فخافوا الله أيها القوم, واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه, وأصلـحوا الـحال بـينكم.
واختلف أهل التأويـل فـي الذي عنـي بقوله: وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ فقال بعضهم: هو أمر من الله الذين غنـموا الغنـيـمة يوم بدر وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا فـي الغنـيـمة أن يردّوا ما أصابوا منها بعضهم علـى بعض. ذكر من قال ذلك.
12247ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال: كان نبـيّ الله ينفّل الرجل من الـمؤمنـين سلب الرجل من الكفـار إذا قتله, ثم أنزل الله: فـاتّقوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ أمرهم أن يردّ بعضُهم علـى بعض.
12248ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل علـى قدر جِدّه وغَنائه علـى ما رأى, حتـى إذا كان يوم بدر وملأ الناس أيديهم غنائم, قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوّة بـالغنائم فذكروا ذلك للنبـيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ لـيردّ أهل القوّة علـى أهل الضعف.
وقال آخرون: هذا تـحريج من الله علـى القوم, ونهي لهم عن الاختلاف فـيـما اختلفوا فـيه من أمر الغنـيـمة وغيره. ذكر من قال ذلك.
12249ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا خالد بن يزيد, وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قالا: حدثنا أبو إسرائيـل, عن فضيـل, عن مـجاهد, فـي قول الله: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ قال: حرّج علـيهم.
12250ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, عن سفـيان بن حسين, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال هذا تـحريج من الله علـى الـمؤمنـين أن يتقوا ويصلـحوا ذات بـينهم. قال عبـاد, قال سفـيان: هذا حين اختلفوا فـي الغنائم يوم بدر.
12251ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: أي لا تستبوا.
واختلف أهل العربـية فـي وجه تأنـيث البـين, فقال بعض نـحويـي البصرة: أضاف ذات إلـى البـين وجعله ذاتا, لأن بعض الأشياء يوضع علـيه اسم مؤنث, وبعضا يذكر نـحو الدار, والـحائط أنث الدار وذكر الـحائط. وقال بعضهم: إنـما أراد بقوله: ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: الـحال التـي للبـين فقال: وكذلك «ذات العشاء» يريد الساعة التـي فـيها العشاء. قال: ولـم يضعوا مذكرا لـمؤنث ولا مؤنثا لـمذكر إلاّ لـمعنى.
قال أبو جعفر: هذا القول أولـى القولـين بـالصواب للعلة التـي ذكرتها له.
وأما قوله: وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ فإن معناه: وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفـال إلـى أمر الله وأمر رسوله فـيـما أفـاء الله علـيكم, فقد بـين لكم وجوهه وسبُله. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم مصدّقـين رسول الله فـيـما آتاكم به من عند ربكم. كما:
12252ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاءا, ويضعانها حيث أرادا.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: لـيس الـمؤمن بـالذي يخالف الله ورسوله ويترك اتبـاع ما أنزله إلـيه فـي كتابه من حدوده وفرائضه والانقـياد لـحكمه, ولكن الـمؤمن هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه وانقاد لأمره وخضع لذكره خوفـا منه وفَرَقا من عقابه, وإذا قرئت علـيه آيات كتابه صدّق بها وأيقن أنها من عند الله, فـازداد بتصديقه بذلك إلـى تصديقه بـما كان قد بلغه منه قبل ذلك تصديقا وذلك هو زيادة ما تلـى علـيهم من آيات الله إياهم إيـمانا. وَعلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: وبـالله يوقنون فـي أنّ قضاءه فـيهم ماض فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12253ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: الـمنافقون لا يدخـل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه, ولا يؤمنون بشيء من آيات الله, ولا يتوكلون علـى الله, ولا يصلّون إذا غابوا, ولا يؤدّون زكاة أموالهم. فأخبر الله سبحانه أنهم لـيسوا بـمؤمنـين, ثم وصف الـمؤمنـين فقال: إنّـمَا الـمُؤْمنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فأدّوا فرائضه, وَإذَا تُلِـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إيـمَانا يقول: تصديقا, وَعلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: لا يرجون غيره.
12254ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير, عن مـجاهد: الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فرِقت.
12255ـ قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن السديّ: الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: إذا ذكر الله عند الشيء وجل قلبه.
حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّـمَا الـمُؤْمِنونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ يقول: إذا ذكر الله وجل قلبه.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فَرِقَت.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فرقت.
12256ـ قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, قال: سمعت السديّ يقول فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: هو الرجل يريد أن يظلـم أو قال: يهمّ بـمعصية أحسبه قال: فـينزع عنه.
12257ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان الثوريّ, عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم, عن شهر بن حوشب, عن أبـي الدرداء, فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: الوجل فـي القلب كإحراق السعفة, أما تـجد له قُشَعْرِيرَةً؟ قال: بلـى. قال: إذا وجدت ذلك فـي القلب فـادع الله, فإن الدعاء يذهب بذلك.
12258ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فرقا من الله, ووجلاً من الله, وخوفـا من الله تبـارك وتعالـى.
وأما قوله: زَادَتْهُمْ إيـمَانا فقد ذكرت قول ابن عبـاس فـيه. وقال غيره فـيه, ما:
12259ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَإذَا تُلِـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتُه زَادَتْهُمْ إيـمَانا قال: خشية.
12260ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَإذَا تُلِلـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتِهُ زَادَتْهُمْ إيـمَانا وَعلـى رَبهِمْ يَتَوّكَلُونَ قال: هذا نعت أهل الإيـمان, فأثبت نعتهم, ووصفَهم فأثبت صفتهم.
الآية : 3-4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره: الذين يؤدّون الصلاة الـمفروضة بحدودها, وينفقون مـما رزقهم الله من الأموال فـيـما أمرهم الله أن ينفقوها فـيه من زكاة وجهاد وحجّ وعمرة ونفقة علـى من تـجب علـيهم نفقته, فـيؤدّون حقوقهم. أولَئِكَ يقول: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال. هُمُ الـمُؤْمِنُونَ لا الذين يقولون بألسنتهم قد آمنا وقلوبهم منطوية علـى خلافه نفـاقا, لا يقـيـمون صلاة ولا يؤدّون زكاة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12261ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: الصلوات الـخمس. ومـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يقول: زكاة أموالهم. أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا يقول: برئوا من الكفر. ثم وصف الله النفـاق وأهله, فقال: إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بـاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أنْ يُفَرّقُوا بـينَ اللّهَ وَرُسُلِهِ... إلـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقّا فجعل الله الـمؤمن مؤمنا حقّا, وجعل الكافر كافرا حقّا, وهو قوله: هُوَ الّذِي خَـلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.
12262ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا قال: استـحقوا الإيـمان بحقّ, فأحقه الله لهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ لهؤلاء الـمؤمنـين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم درجات, وهي مراتب رفـيعة.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي هذه الدرجات التـي ذكر الله أنها لهم عنده ما هي, فقال بعضهم: هي أعمال رفـيعة وفضائل قدّموها فـي أيام حياتهم. ذكر من قال ذلك.
12263ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى القتات, عن مـجاهد: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: أعمال رفـيعة.
وقال آخرون: بل ذلك مراتب فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك.
12264ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن هشام بن جبلة, عن عطية, عن ابن مـحيريز: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: الدرجات سبعون درجة, كل درجة حضر الفرس الـجواد الـمضمّر سبعين سنة.
وقوله وَمَغْفرَةٌ يقول: وعفو عن ذنوبهم وتغطية علـيها. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قـيـل: الـجنة. وهو عندي ما أعدّ الله فـي الـجنة لهم من مزيد الـمآكل والـمشارب وهنـيء العيش.
12265ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, عن هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة: وَمَغْفِرَةٌ قال: لذنوبهم. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قال: الـجنة.
الآية : 5-6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي الـجالب لهذه الكاف التـي فـي قوله: كما أخْرَجَكَ وما الذي شبه بإخراج الله نبـيه صلى الله عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ. فقال بعضهم: شبه به فـي الصلاح للـمؤمنـين, اتقاؤهم ربهم, وإصلاحهم ذات بـينهم, وطاعتهم الله ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول الله: وأصلـحوا ذات بـينكم, فإن ذلك خير لكم, كما أخرج الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ كان خيرا له. ذكر من قال ذلك.
12266ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عكرمة: فـاتّقُوا اللّهَ وأصْلِـحوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ... الاَية: أي إن هذا خير لكم, كما كان إخراجك من بـيتك بـالـحقّ خيرا لك.
وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربك يا مـحمد من بـيتك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين كذلك هم يكرهون القتال, فهم يجادلونك فـيه بعد ما تبـين لهم. ذكر من قال ذلك.
12267ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: كذلك يجادلونك فِـي الـحقّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كمَا أخْرَجَك رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ كذلك يجادلونك فـي الـحقّ, القتال.
12268ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: كذلك أخرجك ربك.
12269ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أنزل الله فـي خروجه يعنـي خروج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى بدر ومـجادلتهم إياه, فقال: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ لطلب الـمشركين, يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ.
اختلف أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يـمضي لأمره فـي الغنائم, علـى كُره من أصحابه, كما مضى لأمره فـي خروجه من بـيته لطلب العير وهم كارهون. وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفـال مـجادلة كما جادلوك يوم بدر, فقالوا: أخرجتنا للعير, ولـم تعلـمنا قتالاً فنستعدّ له. وقال بعض نـحويـي البصرة: يجوز أن يكون هذا الكاف فـي: كمَا أخْرَجَكَ علـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وقـيـل: الكاف بـمعنى «علـى».
وقال آخرون منهم: هي بـمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والذي أخرجك ربك.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال فـي ذلك بقول مـجاهد, وقال معناه: كما أخرجك ربك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين, كذلك يجادلونك فـي الـحقّ بعدما تبـين. لأن كلا الأمرين قد كان, أعنـي خروج بعض من خرج من الـمدينة كارها, وجِدَالهم فـي لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعض, فتشبـيه بعض ذلك ببعض مع قرب أحدهما من الاَخر أولـى من تشبـيهه بـما بعد عنه. وقال مـجاهد فـي الـحقّ الذي ذكر أنهم يجادلون فـيه النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعدما تبـينوه: هو القتال.
12270ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ قال: القتال.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وأما قوله: مِنْ بَـيْتِكَ فإن بعضهم قال: معناه من الـمدينة. ذكر من قال ذلك.
12271ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي بزة: كمَا أخْرَجكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ الـمدينة إلـى بدر.
12272ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي مـحمد بن عبـاد بن جعفر, فـي قوله: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: من الـمدينة إلـى بدر.
وأما قوله: وإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ فإن كرَاهتهم كانت كما:
12273ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري, وعاصم بن عمر بن قتادة, وعبد الله بن أبـي بكر ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبـير وغيرهم من علـمائنا, عن عبد الله بن عبـاس, قالوا: لـما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبـي سفـيان مقبلاً من الشأم, ندب إلـيهم الـمسلـمين, وقال: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فـيها أمْوَالُهُمْ, فـاخْرُجُوا إلـيها لعَلّ الله أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا» فـانتدب الناس, فخفّ بعضهم وثقل بعضهم, وذلك أنهم لـم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يـلقـى حربـا.
12274ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ لطلب الـمشركين.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنُوا بقوله: يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ فقال بعضهم: عُنـي بذلك: أهل الإيـمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه حين توجه إلـى بدر للقاء الـمشركين. ذكر من قال ذلك.
12275ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: لـما شاور النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي لقاء القوم, وقال له سعد بن عبـادة ما قال: وذلك يوم بدر, أمر الناس, فتعبوا للقتال, وأمرهم بـالشوكة, وكره ذلك أهل الإيـمان, فأنزل الله: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ كأنّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
12276ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم ذكر القوم, يعنـي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, حين عرف القوم أن قريشا قد سارت إلـيهم, وأنهم إنـما خرجوا يريدون العير طمعا فـي الغنـيـمة, فقال: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ... إلـى قوله: لَكارِهُونَ أي كراهية للقاء القوم, وإنكارا لـمسير قريش حين ذكروا لهم.
وقال آخرون: عُنـي بذلك الـمشركون. ذكر من قال ذلك.
12277ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يُجادِلُونَكَ فِـي الـحقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ كأنّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ قال: هؤلاء الـمشركون جادلوك فـي الـحق كأنـما يساقون إلـى الـموت حين يُدعون إلـى الإسلام, وهم يَنْظُرُونَ قال: ولـيس هذا من صفة الاَخرين, هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.
12278ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد, قال: ثنـي عبد العزيز بن مـحمد, عن ابن أخي الزهري, عن عمه, قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر: كَأنّـمَا يُسَاقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى العير.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس وابن إسحاق, من أن ذلك خبر من الله عن فريق من الـمؤمنـين أنهم كرهوا لقاء العدوّ, وكان جدالهم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا: لـم يعلـمنا أنا نلقـى العدوّ فنستعدّ لقتالهم, وإنـما خرجنا للعير. ومـما يدلّ علـى صحة قوله: وَإذْ يَعِدكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّها لَكُم وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ففـي ذلك الدلـيـل الواضح لـمن فهم عن الله أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين وأن جدالهم كان فـي القتال كما قال مـجاهد, كراهية منهم له, وأن لا معنى لـما قال ابن زيد, لأن الذي قبل قوله: يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ خبر عن أهل الإيـمان, والذي يتلوه خبر عنهم, فأن يكون خبرا عنهم أولـى منه بأن يكون خبرا عمن لـم يجر له ذكر.
وأما قوله: بَعْدَما تَبَـيّنَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: بعدما تبـين لهم أنك لا تفعل إلاّ ما أمرك الله. ذكر من قال ذلك.
12279ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: بَعْدَما تَبَـيّنَ أنك لا تصنع إلاّ ما أمرك الله به.
وقال آخرون: معناه يجادلونك فـي القتال بعدما أمرت به. ذكر من قال ذلك.
12280ـ رواه الكلبـي, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس.
وأما قوله كأنّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فإن معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك فـي لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلـى لقائهم للقتال يساقون إلـى الـموت.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12281ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال قال ابن إسحاق: كأنّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ: أي كراهة للقاء القوم, وإنكارا لـمسير قريش حين ذكروا لهم.
الآية : 7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتِيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقّ الحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: واذكروا أيها القوم إذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ يعنـي: إحدى الفرقتـين, فرقة أبـي سفـيان بن حرب والعير, وفرقة الـمشركين الذين نفروا من مكة لـمنع عيرهم. وقوله: أنّها لَكُمْ يقول: إن ما معهم غنـيـمة لكم. وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ يقول: وتـحبون أن تكون تلك الطائفة التـي لـيست لها شوكة, يقول: لـيس لها حدّ ولا فـيها قتال أن تكون لكم, يقول: تودّون أن تكون لكم العير التـي لـيس فـيها قتال لكم دون جماعة قريش الذين جاءوا لـمنع عيرهم الذين فـي لقائهم القتال والـحرب. وأصل الشوكة من الشوك.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12282ـ حدثنا علـيّ بن نصر, وعبد الوارث بن عبد الصمد, قالا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا أبـان العطار, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن عروة: أن أبـا سفـيان أقبل ومن معه من ركبـان قريش مقبلـين من الشأم, فسلكوا طريق الساحل فلـما سمع بهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه, وحدثهم بـما معهم من الأموال وبقلة عددهم. فخرجوا لا يريدون إلاّ أبـا سفـيان, والركب معه لا يرونها إلاّ غنـيـمة لهم, لا يظنون أن يكون كبـير قتال إذا رأوهم. وهي ما أنزل الله: وتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ.
12283ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن مسلـم الزهري, وعاصم بن عمر بن قتادة, وعبد الله بن أبـي بكر, ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبـير وغيرهم من علـمائنا, عن عبد الله بن عبـاس, كلّ قد حدثنـي بعض هذا الـحديث فـاجتـمع حديثهم فـيـما سقت من حديث بدر, قالوا: لـما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبـي سفـيان مقبلاً من الشأم ندب الـمسلـمين إلـيهم, وقال: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فـيها أمْوَالُهُمْ, فـاخْرُجُوا إلَـيْهَا لعلّ الله أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا» فـانتدب الناس, فخف بعضهم وثقل بعض, وذلك أنهم لـم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يـلقـي حربـا. وكان أبو سفـيان حين دنا من الـحجاز يتـجسس الأخبـار ويسأل من لقـي من الركبـان تـخوّفـا من الناس, حتـى أصاب خبرا من بعض الركبـان أن مـحمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك, فحذر عند ذلك, واستأجر ضمضم بن عمرو الغفـاري, فبعثه إلـى مكة, وأمره أن يأتـي قريشا يستنفرهم إلـى أموالهم ويخبرهم أن مـحمدا قد عرض لها فـي أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلـى مكة, وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي أصحابه, حتـى بلغ واديا يقال له ذَفِرَان, فخرج منه, حتـى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الـخبر عن قريش بـمسيرهم لـيـمنعوا عيرهم, فـاستشار النبـيّ صلى الله عليه وسلم الناس, وأخبرهم عن قريش, فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن, ثم قام الـمقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض إلـى حيث أمرك الله فنـحن معك, والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيـل لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ, ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بـالـحقّ لئن سرت بنا إلـى بِرك الغماد يعنـي مدينة الـحبشة لـجالدنا معك من دونه حتـى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا, ثم دعا له بخير, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشِيرُوا عَلـيّ أيّها النّاسُ» وإنـما يريد الأنصار, وذلك أنهم كانوا عدد الناس, وذلك أنهم حين بـايعوه علـى العقبة, قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتـى تصل إلـى ديارنا, فإذا وصلت إلـينا فأنت فـي ذمتنا, نـمنعك مـما نـمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن لا تكون الأنصار ترى علـيها نصرته إلاّ مـمن دهمه بـالـمدينة من عدّوه, وأن لـيس علـيهم أن يسير بهم إلـى عدوّ من بلادهم. قال: فلـما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: «أجَلْ». قال: فقد آمنّا بك وصدقناك, وشهدنا أن ما جئت به هو الـحقّ, وأعطيناك علـى ذلك عهودنا ومواثـيقنا علـى السمع والطاعة فـامض يا رسول الله لـما أردت, فوالذي بعثك بـالـحقّ إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لـخضناه معك ما تـخـلف منا رجل واحد, وما نكره أن يـلقانا عدوّنا غدا, إنا لصُبُر عند الـحرب, صُدُق عند اللقاء, لعلّ الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك, فسر بنا علـى بركة الله فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك, ثم قال: «سِيرُوا علـى بَرَكَةِ اللّهِ وأبْشِرُوا, فإنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِـي إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ, وَاللّهِ لَكأنـي أنْظُرُ الاَنَ إلـى مَصَارِعِ القَوْمِ غَدا».
12284ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أن أبـا سفـيان أقبل فـي عير الشأم فـيها تـجارة قريش, وهي اللطيـمة, فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد أقبلت فـاستنفر الناس, فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً, فبعث عينا له من جهينة, حلـيفـا للأنصار يُدعى ابن الأريقط, فأتاه بخبر القوم. وبلغ أبـا سفـيان خروج مـحمد صلى الله عليه وسلم, فبعث إلـى أهل مكة يستعينهم, فبعث رجلاً من بنـي غفـار يُدعى ضمضم بن عمرو, فخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم ولا يشعر بخروج قريش, فأخبره الله بخروجهم, فتـخوّف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا: إنا عاهدنا أن نـمنعك إن أرادك أحد ببلدنا. فأقبل علـى أصحابه فـاستشارهم فـي طلب العير, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إنـي قد سلكت هذا الطريق, فأنا أعلـم به, وقد فـارقهم الرجل بـمكان كذا وكذا, فسكت النبـيّ صلى الله عليه وسلم, ثم عاد فشاورهم, فجعلوا يشيرون علـيه بـالعير. فلـما أكثر الـمشورة, تكلـم سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله, أراك تشاور أصحابك فـيشيرون علـيك وتعود فتشاورهم, فكأنك لا ترضى ما يشيرون علـيك وكأنك تتـخوّف أن تتـخـلف عنك الأنصار, أنت رسول الله, وعلـيك أنزل الكتاب, وقد أمرك الله بـالقتال ووعدك النصر, والله لا يخـلف الـميعاد, امض لـما أمرت به فوالذي بعثك بـالـحقّ لا يتـخـلف عنك رجل من الأنصار ثم قام الـمقداد بن الأسود الكندي, فقال: يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيـل لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ولكنا نقول: أقدم فقاتل إنا معك مقاتلون ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: «إنّ رَبّـي وَعَدَنِـي القَوْمَ وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إلَـيْهِمْ» فساروا.
12285ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّها لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غير ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: الطائفتان إحداهما أبو سفـيان بن حرب إذ أقبل بـالعير من الشأم, والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش. فكره الـمسلـمون الشوكة والقتال, وأحبوا أن يـلقوا العير, وأراد الله ما أراد.
12286ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ قال: أقبلت عير أهل مكة يريد: من الشام فبلغ أهل الـمدينة ذلك, فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العِير. فبلغ ذلك أهل مكة, فسارعوا السير إلـيها لا يغلب علـيها النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان الله وعدهم إحدى الطائفتـين, فكانوا أن يـلقوا العير أحبّ إلـيهم وأيسر شوكة وأحضر مغنـما. فلـما سبقت العير, وفـاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم, سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـمسلـمين يريد القوم, فكره القوم مسيرهم لشوكة فـي القوم.
12287ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: أرادوا العير, قال: ودخـل رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمدينة فـي شهر ربـيع الأوّل, فأغار كرز بن جابر الفهري يريد سرح الـمدينة حتـى بلغ الصفراء, فبلغ النبـيّ صلى الله عليه وسلم فركب فـي أثره, فسبقه كرز بن جابر, فرجع النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأقام سنته. ثم إن أبـا سفـيان أقبل من الشأم فـي عير لقريش, حتـى إذا كان قريبـا من بدر, نزل جبريـل علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأوحى إلـيه: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فنفر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بجميع الـمسلـمين, وهو يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً, منهم سبعون ومئتان من الأنصار, وسائرهم من الـمهاجرين. وبلغ أبـا سفـيان الـخبر وهو بـالبطم, فبعث إلـى جميع قريش وهم بـمكة, فنفرت قريش وغضبت.
12288ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: كان جبريـل علـيه السلام قد نزل, فأخبره بـمسير قريش وهي تريد عيرها, ووعده: إما العير, وإما قريشا وذلك كان ببدر, وأخذوا السقاة وسألوهم, فأخبروهم, فذلك قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هم أهل مكة.
12289ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ... إلـى آخر الاَية: خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى بدر وهم يريدون يعترضون عيرا لقريش, قال: وخرج الشيطان فـي صورة سراقة بن جعشم, حتـى أتـى أهل مكة, فـاستغواهم وقال: إن مـحمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم, وقال: لا غالب لكم الـيوم من الناس مَن مثلكم, وإنـي جار لكم أن تكونوا علـى ما يكره الله. فخرجوا ونادوا أن لا يتـخـلف منا أحد إلاّ هدمنا داره واستبحناه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بـالروحاء عينا للقوم, فأخبره بهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَكُمُ العِيرَ أوِ القَوْمَ». فكانت العير أحبّ إلـى القوم من القوم, كان القتال فـي الشوكة, والعير لـيس فـيها قتال, وذلك قول الله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: الشوكة: القتال, وغير الشوكة: العير.
12290ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري, قال: حدثنا عبد الله بن وهب, عن ابن لهيعة, عن ابن أبـي حبـيب, عن أبـي عمران, عن أبـي أيوب, قال: أنزل الله جلّ وعزّ: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ فلـما وعدنا إحدى الطائفتـين أنها لنا طابت أنفسنا. والطائفتان: عير أبـي سفـيان, أو قريش.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن ابن لهيعة, عن يزيد بن أبـي حبـيب, عن أسلـم أبـي عمران الأنصاريّ, أحسبه قال: قال أبو أيوب: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قالوا: الشوكة: القوم وغير الشوكة: العير فلـما وعدنا الله إحدى الطائفتـين: إما العير, وإما القوم, طابت أنفسنا.
12291ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: ثنـي يعقوب بن مـحمد, قال: ثنـي غير واحد, فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ إن الشوكة قريش.
12292ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هي عير أبـي سفـيان, ودّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم وأن القتال صُرِف عنهم.
12293ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ: أي الغنـيـمة دون الـحرب.
وأما قوله: أنّهَا لَكُمْ ففُتـحت علـى تكرير «يَعِدُ», وذلك أن قوله: يَعِدُكُمُ اللّهُ قد عمل فـي إحدى الطائفتـين. فتأويـل الكلام: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ يعدكم أن إحدى الطائفتـين لكم, كما قال: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِـيَهُمْ بَغْتَةً. قال: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فأنث «ذات» لأنه مراد بها الطائفة.
ومعنى الكلام: وتودون أن الطائفة التـي هي غير ذات الشوكة تكون لكم, دون الطائفة ذات الشوكة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ويُرِيدُ اللّهُ أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ.
يقول تعالـى ذكره: ويريد الله أن يحقّ الإسلام ويعلـيه بكلـماته, يقول: بأمره إياكم أيها الـمؤمنون بقتال الكفـار, وأنتـم تريدون الغنـيـمة والـمال.
وقوله: وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ يقول: يريد أن يجبّ أصل الـجاحدين توحيد الله. وقد بـيّنا فـيـما مضى معنى دابر, وأنه الـمتأخر, وأن معنى قطعه الإتـيان علـى الـجميع منهم.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12294ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: وَيُرِيدُ اللّهَ أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم, هذا خير لكم من العير.
12295ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَيُرِيدُ اللّهَ أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ: أي الوقعة التـي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين كيـما يحقّ الـحقّ, كيـما يعبد الله وحده دون الاَلهة والأصنام, ويعزّ الإسلام, وذلك هو تـحقـيق الـحقّ ويُبْطِلَ البَـاطِلَ يقول ويبطل عبـادة الاَلهة والأوثان والكفر ولو كَرِهَ ذلك الذين أجرموا, فـاكتسبوا الـمآثم والأوزار من الكفـار.
12296ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لِـيُحِقّ الـحَقّ وَيُبْطِلَ البـاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الـمُـجْرِمُونَ هم الـمشركون.
وقـيـل: إن الـحقّ فـي هذا الـموضع: الله عزّ وجلّ