تفسير الطبري تفسير الصفحة 208 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 208
209
207
 سورة يونس
مكية
وآياتها تسع ومائة
القول في تفسير السورة التي يذكر فيها يونس صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1
تأويل قوله تعالى: {الَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: تأويله أنا الله أرى. ذكر من قال ذلك:
13657ـ حدثنا يحيى بن داود بن ميمون الواسطي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبي روق, عن الضحاك, في قوله: الر: أنا الله أرى.
13658ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبي الضحى عن ابن عباس, قوله: الر قال: أنا الله أرى.
وقال آخرون: هي حروف من اسم الله الذي هو الرحمن. ذكر من قال ذلك:
13659ـ حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا عليّ بن الحسين, قال: ثني أبي, عن يزيد, عن عكرمة عن ابن عباس: «الر, وحم, ونون» حروف الرحمن مقطعة.
13660ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عيسى بن عبيد عن الحسين بن عثمان, قال: ذكر سالم بن عبد الله: «الر, وحم ونون» فقال: اسم الرحمن مقطع. ثم قال: الرحمن.
13661ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبي حماد, قال: حدثنا مندل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, قال: «الر, وحم, ونون» هو اسم الرحمن.
13662ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي, عن أبي عوانة, عن إسماعيل بن سالم, عن عامر أنه سئل عن: «الر, وحم, وص» قال: هي أسماء الله مقطعة بالهجاء, فإذا وصلتها كانت اسما من أسماء الله تعالى.
وقال آخرون: هي اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
13663ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: الر اسم من أسماء القرآن.
وقد ذكرنا اختلاف الناس وما إليه ذهب كلّ قائل في الذي قال فيه, وما الصواب لدينا من القول في ذلك في نظيره, وذلك في أوّل سورة البقرة, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وإنما ذكرنا في هذا الموضع القدر الذي ذكرنا لمخالفة من ذكرنا قوله في هذا قول في الم, فأما الذين وفقوا بين معاني جميع ذلك, فقد ذكرنا قولهم هناك مكتفيا عن الإعادة ههنا.
القول في تأويل قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ.
واختلف في تأويل ذلك, فقال بعضهم: تلك آيات التوراة. ذكر من قال ذلك:
13664ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن مجاهد: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ قال: التوراة والإنجيل.
13665ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ قال: الكتب التي كانت قبل القرآن.
وقال آخرون: معنى ذلك: هذه آيات القرآن.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: هذه آيات القرآن, ووجه معنى «تلك» إلى معنى «هذه», وقد بيّنا وجه توجيه تلك إلى هذا المعنى في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته. والاَيات الأعلام, والكتاب اسم من أسماء القرآن, وقد بيّنا كلّ ذلك فيما مضى قبل.
وإنما قلنا هذا التأويل أولى في ذلك بالصواب, لأنه لم يجيءْ للتوراة والإنجيل قبل ذكر ولا تلاوة بعده فيوجه إليه الخبر, فإذا كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام: والرحمن هذه آيات القرآن الحكيم. ومعنى «الحكيم» في هذا الموضع: «المحكم» صرف مفعل إلى فعيل, كما قيل عذاب أليم, بمعنى مؤلم, وكما قال الشاعر:
أمنْ رَيحانةَ الدّاعي السّميعُ
وقد بيّنا ذلك في غير موضع من الكتاب. فمعناه إذا: تلك آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبيّنه لعباده, كما قال جلّ ثناؤه: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.
الآية : 2
القول في تأويل قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ رَجُلٍ مّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّاسَ وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوَاْ أَنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ مّبِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: أكان عجبا للناس إيحاؤنا القرآن على رجل منهم بإنذارهم عقاب الله على معاصيه, كأنهم لم يعلموا أن الله قد أوحى من قبله إلى مثله من البشر, فتعجبوا من وحينا إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13666ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما بعث الله محمدا رسولاً أنكرت العرب ذلك, أو من أنكر منهم, فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله تعالى: أكانَ للنّاسِ عَجَبا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِنْهُمْ... وقال: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً.
13667ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: عجبت قريش أن بُعث رجل منهم. قال: ومثل ذلك: وَإلى عاد أخاهُمْ هُودا وإلى ثَمُودَ أخاهُمْ صَالِحا قال الله: أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبّكُمْ على رَجُل مِنْكُمْ.
القول في تأويل قوله تعالى: وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ.
يقول جلّ ثناؤه: أكان عجبا للناس أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس, وأن بشر الذين آمنوا بالله ورسوله أن لهم قدم صدق عطف على «أنذر».
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: قَدَمَ صِدْق فقال بعضهم: معناه: أن لهم أجرا حسنا بما قدّموا من صالح الأعمال. ذكر من قال ذلك:
13668ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: ثواب صدق.
13669ـ قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: الأعمال الصالحة.
13670ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول: أجرا حسنا بما قدّموا من أعمالهم.
13671ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن حبان, عن إبراهيم بن يزيد, عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن مجاهد: أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: صلاتهم, وصومهم, وصدقتهم, وتسبيحهم.
13672ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: قَدَمَ صِدْقٍ قال: خير.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: قَدَمَ صِدْق مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
13673ـ قال: ثني حجاج, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, قال: قَدَمَ صِدْق ثواب صدق عند ربهم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, مثله.
13674ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ قال: القدم الصدق: الثواب الصدق بما قدموا من الأعمال.
وقال آخرون: معناه: أن لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة. ذكر من قال ذلك:
13675ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول: سبقت لهم السعادة في الذكر الأوّل.
وقال آخرون: معنى ذلك أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم شفيع لهم, قَدَمَ صدق. ذكر من قال ذلك:
13676ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن فضيل بن عمرو بن الجون, عن قتادة أو الحسن: أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: محمد شفيع لهم.
13677ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ: أي سلف صدق عند ربهم.
13678ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن زيد بن أسلم, في قوله: أنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب, قول من قال: معناه أن لهم أعمالاً صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب وذلك أنه محكيّ عن العرب: هؤلاء أهل القدم في الإسلام أي هؤلاء الذين قدموا فيه خيرا, فكان لهم فيه تقديم, ويقال: له عندي قدم صدق وقدم سوء, وذلك ما قدم إليه من خير أو شرّ, ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لَنا القَدَمُ الأُولى إلَيْكَ وخَلْفُنالأوّلِنا في طاعَةِ اللّهِ تابِعُ
وقول ذي الرمّة:
لَكُمْ قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النّاسُ أنّهامَعَ الحَسَبِ العادِيّ طَمّتْ على البَحْرِ
فتأويل الكلام إذا: وبشر الذين آمنوا أن لهم تقدمة خير من الأعمال الصالحة عند ربهم.
القول في تأويل قوله تعالى: قال الكافِرُونَ إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة: إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ بمعنى: إن هذا الذي جئتنا به, يعنون القرآن «لَسِحْرٌ مُبِينٌ». وقرأ ذلك مسروق وسعيد بن جبير وجماعة من قرّاء الكوفيين: إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ وقد بينت فيما مضى من نظائر ذلك أن كل موصوف بصفة نزل الموصوف على صفته, وصفته عليه, فالقارىء مخير في القراءة في ذلك وذلك نظير هذا الحرف: قال الكافِرُونَ إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» ولساحر مبين وذلك أنهم إنما وصفوه بأنه ساحر, ووصفهم ما جاءهم به أنه سحر يدلّ على أنهم قد وصفوه بالسحر. وإذا كان ذلك كذلك فسواء بأيّ ذلك قرأ القارىء لاتفاق معنى القراءتين. وفي الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره وهو: فلما بشرهم وأنذرهم وتلا عليهم الوحي, قال الكافرون إن هذا الذي جاءنا به لسحر مبين.
فتأويل الكلام إذا: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم, أن أنذر الناس, وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم, فلما أتاهم بوحي الله وتلاه عليهم, قال المنكرون توحيد الله ورسالة رسوله: إن هذا الذي جاءنا به محمد لسحر مبين أي يبين لكم عنه أنه مبطل فيما يدعيه.
الآية : 3
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبّرُ الأمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إن ربكم الذي له عبادة كلّ شيء, ولا تنبغي العبادة إلا له, هو الذي خلق السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام, وانفرد بخلقها بغير شريك ولا ظهير, ثم استوى على عرشه مدبرا للأمور وقاضيا في خلقه ما أحبّ, لا يضادّه في قضائه أحد ولا يتعقب تدبيره متعقب ولا يدخل أموره خلل. ما مِنْ شَفِيعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ يقول: لا يشفع عنده شافع يوم القيامة في أحد إلا من بعد أن يأذن في الشفاعة. ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ يقول جلّ جلاله: هذا الذي هذه صفته سيدكم ومولاكم لا من لا يسمع, ولا يبصر, ولا يدبر, ولا يقضي من الاَلهة والأوثان. فاعْبُدُوهُ يقول: فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته, وأخلصوا له العبادة, وأفردوا له الألوهة والربوبية بالذلة منكم له دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة. أفَلا تَذَكّرُونَ يقول: أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الاَيات والحجج, فتنيبون إلى الإذعان بتوحيد ربكم وإفراده بالعبادة, وتجمعون الأنداد وتبرءون منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13679ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ قال: يقضيه وحده.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الأعلى, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ قال: يقضيه وحده.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ قال: يقضيه وحده.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
الآية : 4
القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إلى ربكم الذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه في الآية قبل هذه معادكم أيها الناس يوم القيامة جميعا. وَعْدَ اللّهِ حَقّا فأخرج «وعد الله» مصدرا من قوله: إلَيْهِ مَرْجَعُكُمْ لأن فيه معنى الوعد, ومعناه: يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدا حقّا, فلذلك نصب وَعْدَ الله حَقّا. إِنّهُ يَبْدَؤُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ يقول تعالى ذكره: إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ثم يعيده, فيوجده حيّا كهيئته يوم ابتدأه بعد فنائه وبلائه. كما:
13680ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ قال: يحييه ثم يميته.
قال أبو جعفر: وأحسبه أنه قال: «ثم يحييه».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ قال: يحييه ثم يميته ثم يحييه.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: إنّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ: يحييه ثم يميته, ثم يبدؤه ثم يحييه.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.
وقرأت قرّاء الإمصار ذلك: إنّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ بكسر الألف من إنه على الاستئناف. وذُكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه أنه بفتح الألف من «أنه» كأنه أراد: حقّا أن يبدأ الخلق ثم يعيده, ف «أنّ» حينئذ تكون رفعا, كما قال الشاعر:
أحَقّا عِبادَ اللّهِ أنْ لَسْتُ زَائراأبا حَبّةٍ إلاّ عليّ رَقِيبُ
وقوله: لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ بالقِسْطِ يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره, لَيْجِزيَ الّذِينَ آمَنُوا يقول: ليثيب من صدق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال واجتنبوا ما نهاهم عنه على أعمالهم الحسنة بالقِسْطِ يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسن من الثواب والصالح من الجزاء في الاَخرة, وذلك هو القسط. والقسط العدل والإنصاف كما:
13681ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: بالقِسْطِ بالعدل.
وقوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ فإنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدّ الله للذين كفروا من العذاب. وفيه معنى العطف على الأوّل, لأنه تعالى ذكره عمّ بالخبر عن معاد جميعهم كفارهم ومؤمنيهم إليه, ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلّ فريق بما عمل, المحسن منهم بالإحسان والمسيء بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنف عما أعدّ للذين كفروا من العذاب ما يدلّ سامع ذلك على المراد ابتدأ الخبر والمعني العطف, فقال: والذين جحدوا الله ورسوله وكذبوا بآيات الله, لهم شراب في جهنم من حميم, وذلك شراب قد أغلي واشتدّ حرّه حتى أنه فيما ذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه, وكما وصفه جلّ ثناؤه: كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ. وأصله مفعول صرف إلى فعيل, وإنما هو «محموم»: أي مسخن, وكلّ مسخن عند العرب فهو حميم, ومنه قول المرقش:
فِي كُلّ يَوْمٍ لَهَا مِقْطَرَةٌفِيها كِباءٌ مُعَدّ وحَمِيمْ
يعني بالحميم: الماء المسخن. وقوله: عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: ولهم مع ذلك عذاب موجع سوى الشراب من الحميم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ بالله ورسوله.
القول في تأويل قوله تعالى:
{هُوَ الّذِي جَعَلَ الشّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاّ بِالْحَقّ يُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض هُوَ الّذِي جَعَلَ الشّمْسَ ضِياءً بالنهار والقَمَرَ نُورا بالليل, ومعنى ذلك: هو الذي أضاء الشمس وأنار القمر, وَقَدّرَهُ مَنازِلَ يقول: قضاه فسوّاه منازل لا يجاوزها, ولا يقصر دونها على حال واحدة أبدا. وقال: وَقَدّرَهُ مَنازِلَ فوحده, وقد ذكر الشمس والقمر, فإن في ذلك وجهين: أحدهما أن تكون الهاء في قوله: وَقَدّرَهُ للقمر خاصة, لأن بالأهلّة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس. والاَخر: أن يكون اكتفي بذكر أحدهما عن الاَخر, كما قال في موضع آخر: وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أحَقّ أنْ يُرْضُوهُ وكما قال الشاعر:
رَمانِي بأمْر كُنْتُ مِنْهُ وَوَالدِيبَرِيّا وَمِنْ جُولِ الطّوِيّ رَمانِي
وقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ والحسابَ يقول: وقدّر ذلك منازل لتعلموا أنتم أيها الناس عدد السنين: دخول ما يدخل منها, وانقضاء ما يستقبل منها وحسابها, يقول: وحساب أوقات السنين وعدد أيامها وحساب ساعات أيامها. ما خَلَقَ اللّهُ ذلكَ إلا بالحَقّ يقول جلّ ثناؤه: لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحقّ, يقول الحقّ تعالى ذكره: خلقت ذلك كله بحقّ وحدي بغير عون ولا شريك. يُفَصّلُ الاَياتِ يقول: يبين الحجج والأدلة لِقَوْم يَعْلَمُونَ إذا تدبروها, حقيقة وحدانية الله, وصحة ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم من خلع الأنداد والبراءة من الأوثان.
الآية : 5
القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إلى ربكم الذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه في الآية قبل هذه معادكم أيها الناس يوم القيامة جميعا. وَعْدَ اللّهِ حَقّا فأخرج «وعد الله» مصدرا من قوله: إلَيْهِ مَرْجَعُكُمْ لأن فيه معنى الوعد, ومعناه: يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدا حقّا, فلذلك نصب وَعْدَ الله حَقّا. إِنّهُ يَبْدَؤُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ يقول تعالى ذكره: إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ثم يعيده, فيوجده حيّا كهيئته يوم ابتدأه بعد فنائه وبلائه. كما:
13680ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ قال: يحييه ثم يميته.
قال أبو جعفر: وأحسبه أنه قال: «ثم يحييه».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ قال: يحييه ثم يميته ثم يحييه.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: إنّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ: يحييه ثم يميته, ثم يبدؤه ثم يحييه.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بنحوه.
وقرأت قرّاء الإمصار ذلك: إنّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ بكسر الألف من إنه على الاستئناف. وذُكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه أنه بفتح الألف من «أنه» كأنه أراد: حقّا أن يبدأ الخلق ثم يعيده, ف «أنّ» حينئذ تكون رفعا, كما قال الشاعر:
أحَقّا عِبادَ اللّهِ أنْ لَسْتُ زَائراأبا حَبّةٍ إلاّ عليّ رَقِيبُ
وقوله: لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ بالقِسْطِ يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره, لَيْجِزيَ الّذِينَ آمَنُوا يقول: ليثيب من صدق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال واجتنبوا ما نهاهم عنه على أعمالهم الحسنة بالقِسْطِ يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسن من الثواب والصالح من الجزاء في الاَخرة, وذلك هو القسط. والقسط العدل والإنصاف كما:
13681ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: بالقِسْطِ بالعدل.
وقوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ فإنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدّ الله للذين كفروا من العذاب. وفيه معنى العطف على الأوّل, لأنه تعالى ذكره عمّ بالخبر عن معاد جميعهم كفارهم ومؤمنيهم إليه, ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلّ فريق بما عمل, المحسن منهم بالإحسان والمسيء بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنف عما أعدّ للذين كفروا من العذاب ما يدلّ سامع ذلك على المراد ابتدأ الخبر والمعني العطف, فقال: والذين جحدوا الله ورسوله وكذبوا بآيات الله, لهم شراب في جهنم من حميم, وذلك شراب قد أغلي واشتدّ حرّه حتى أنه فيما ذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه, وكما وصفه جلّ ثناؤه: كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ. وأصله مفعول صرف إلى فعيل, وإنما هو «محموم»: أي مسخن, وكلّ مسخن عند العرب فهو حميم, ومنه قول المرقش:
فِي كُلّ يَوْمٍ لَهَا مِقْطَرَةٌفِيها كِباءٌ مُعَدّ وحَمِيمْ
يعني بالحميم: الماء المسخن. وقوله: عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: ولهم مع ذلك عذاب موجع سوى الشراب من الحميم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ بالله ورسوله.
القول في تأويل قوله تعالى:
{هُوَ الّذِي جَعَلَ الشّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاّ بِالْحَقّ يُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض هُوَ الّذِي جَعَلَ الشّمْسَ ضِياءً بالنهار والقَمَرَ نُورا بالليل, ومعنى ذلك: هو الذي أضاء الشمس وأنار القمر, وَقَدّرَهُ مَنازِلَ يقول: قضاه فسوّاه منازل لا يجاوزها, ولا يقصر دونها على حال واحدة أبدا. وقال: وَقَدّرَهُ مَنازِلَ فوحده, وقد ذكر الشمس والقمر, فإن في ذلك وجهين: أحدهما أن تكون الهاء في قوله: وَقَدّرَهُ للقمر خاصة, لأن بالأهلّة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس. والاَخر: أن يكون اكتفي بذكر أحدهما عن الاَخر, كما قال في موضع آخر: وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أحَقّ أنْ يُرْضُوهُ وكما قال الشاعر:
رَمانِي بأمْر كُنْتُ مِنْهُ وَوَالدِيبَرِيّا وَمِنْ جُولِ الطّوِيّ رَمانِي
وقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ والحسابَ يقول: وقدّر ذلك منازل لتعلموا أنتم أيها الناس عدد السنين: دخول ما يدخل منها, وانقضاء ما يستقبل منها وحسابها, يقول: وحساب أوقات السنين وعدد أيامها وحساب ساعات أيامها. ما خَلَقَ اللّهُ ذلكَ إلا بالحَقّ يقول جلّ ثناؤه: لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما إلا بالحقّ, يقول الحقّ تعالى ذكره: خلقت ذلك كله بحقّ وحدي بغير عون ولا شريك. يُفَصّلُ الاَياتِ يقول: يبين الحجج والأدلة لِقَوْم يَعْلَمُونَ إذا تدبروها, حقيقة وحدانية الله, وصحة ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم من خلع الأنداد والبراءة من الأوثان.
الآية : 6
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ فِي اخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتّقُونَ }.
يقول تعالى ذكره منبها عباده على موضع الدلالة على ربوبيته وأنه خالق كلّ ما دونه. إن في اعتقاب الليل والنهار واعتقاب النهار الليل. إذا ذهب هذا جاء هذا وإذا جاء هذا ذهب هذا, وفيما خلق الله في السماوات من الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض من عجائب الخلق الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء, لاَيَاتٍ يقول لأدلة وحججا وأعلاما واضحة لقوم يتقون الله, فيخافون وعيده ويخشون عقابه على إخلاص العبادة لربهم.
فإن قال قائل: أو لا دلالة فيما خلق الله فِي السماوات والأرض على صانعه إلا لمن اتقى الله؟ قيل: في ذلك الدلالة الواضحة على صانعه لكلّ من صحت فطرته, وبريء من العاهات قلبه, ولم يقصد بذلك الخبر عن أن فيه الدلالة لمن كان قد أشعر نفسه تقوى الله, وإنما معناه: إن في ذلك لاَيات لمن اتقى عقاب الله فلم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحقّ, لأن ذلك يدلّ كلّ ذي فطرة صحيحة على أن له مدبرا يستحقّ عليه الإذعان له بالعبودة دون ما سواه من الاَلهة والأنداد.
الآية : 7-8
القول في تأويل قوله تعالى: {إَنّ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدّنْيَا وَاطْمَأَنّواْ بِهَا وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إن الذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة, فهم لذلك مكذّبون بالثواب والعقاب, متنافسون في زين الدنيا وزخارفها, راضون بها عوضا من الاَخرة, مطمئنين إليها ساكنين. وَالّذِينَ هم عن آيات الله, وهي أدلته على وحدانيته, وحججه على عباده في إخلاص العبادة له غَافِلُونَ معرضون عنها لاهون, لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه, فيعلموا بها حقيقة ما دلتهم عليه, ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون. أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين هذه صفتهم مأواهم مصيرها إلى النار نار جهنم في الاَخرة. بِمَا كَانُوا يَكْسِبونَ في الدنيا من الاَثام والأجرام ويجترحون من السيئات. والعرب تقول: «فلان لا يرجو فلانا»: إذا كان لا يخافه. ومنه قول الله جلّ ثناؤه: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا. ومنه قول أبي ذؤيب:
إذَا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهاوخالَفَها فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13682ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: واطْمَأنّوا بِها قال: هو مثل قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها قال: هو مثل قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله.
13683ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قال: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح, ولها يحزن, ولها يسخط, ولها يرضى.
13684ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها... الآية كلها, قال: هؤلاء أهل الكفر. ثم قال: أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ بِمَا كانُوا يَكْسِبُوَنَ