تفسير الطبري تفسير الصفحة 312 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 312
313
311
 الآية : 96 و 97
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَـَنُ وُدّاً * فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ الْمُتّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لّدّاً }.
يقول تعالـى ذكره: إن الذين آمنوا بـالله ورسوله, وصدّقوا بـما جاءهم من عند ربهم, فعملوا به, فأحلوا حلاله, وحرّموا حرامه سيجعلُ لهمُ الرحمنُ ودا فـي الدنـيا, فـي صدور عبـاده الـمؤمنـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18066ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة, قال: حدثنا شريك, عن مسلـم الـملائي, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: مـحبة الناس فـي الدنـيا.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: حبـا.
18067ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: الودّ من الـمسلـمين فـي الدنـيا, والرزق الـحسن. واللسان الصادق.
18068ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة, قال: حدثنا شريك, عن عبـيد الـمُكْتِبِ, عن مـجاهد, فـي قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: مـحبة فـي الـمسلـمين فـي الدنـيا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد, فـي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: يحبهم ويحببهم إلـى خـلقه.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: يحبهم ويحببهم إلـى الـمؤمنـين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا علـيّ بن هاشم, عن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: يحبهم ويحببهم.
18069ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو, عن قتادة, فـي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: ما أقبل عبد الله إلا أقبل الله بقلوب العبـاد إلـيه, وزاده من عنده.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا: إي والله فـي قلوب أهل الإيـمان. ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلـى الله, إلا أقبل الله بقلوب الـمؤمنـين إلـيه, حتـى يرزقه مودّتهم ورحمتهم.
18070ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, أن عثمان بن عفـان كان يقول: ما من الناس عبد يعمل خيرا ولا يعمل شرّا, إلا كساه الله رداء عمله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن الثوريّ, عن مسلـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال: مـحبة.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي عبد الرحمن بن عوف.
18071ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن سعيد الواسطيّ, قال: أخبرنا يعقوب بن مـحمد, قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران, عن عبد الله بن عثمان بن أبـي سلـيـمان بن جُبـير بن مطعم, عن أبـيه, عن أمه أمّ إبراهيـم ابنة أبـي عبـيدة بن عبد الرحمن بن عوف, عن أبـيها, عن عبد الرحمن بن عوف, أنه لـما هاجر إلـى الـمدينة, وجَد فـي نفسه علـى فراق أصحابه بـمكة, منهم شيبة بن ربـيعة, وعتبة بن ربـيعة, وأميّة بن خـلف, فأنزل الله تعالـى: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا.
وقوله: فإنّـما يَسّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشّر بِهِ الـمُتّقِـينَ يقول تعالـى ذكره: فإنّـما يسّرنا يا مـحمد هذا القرآن بلسانك تقرؤه, لتبشر به الـمتقـين الذين اتقوا عقاب الله, بأداء فرائضه, واجتناب معاصبه, بـالـجنة. وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا يقول: ولتنذر بهذا القرآن عذاب اللّه قومكَ من قريش, فإنهم أهل لَددَ وجدل بـالبـاطل, لا يقبلون الـحقّ. واللّدّ: شدّة الـخصومة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18072ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لُدّا قال: لا يستقـيـمون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18073ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا يقول: لتنذر به قوما ظَلَـمة.
18074ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا: أي جدالاً بـالبـاطل, ذوي لَددَ وخصومة.
18075ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال: فُجّارا.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله قَوْما لُدّا قال: جدالاً بـالبـاطل.
18076ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال: الألدّ: الظلوم, وقرأ قول الله: وَهُوَ ألَدّ الـخِصَامِ.
18077ـ حدثنا أبو صالـح الضراريّ, قال: حدثنا العلاء بن عبد الـجبـار, قال: حدثنا مهدي بن ميـمون, عن الـحسن فـي قول الله عزّ وجلّ: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال: صْما عن الـحقّ,
حدثنـي ابن سنان, قال: حدثنا أبو عاصم, عن هارون, عن الـحسن, مثله.
وقد بـيّنا معنى الألدّ فـيـما مضى بشواهده, فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.

الآية : 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }.
يقول تعالـى ذكره: وكثـيرا أهلكنا يا مـحمد قبل قومك من مشركي قريش, من قرن, يعنـي من جماعة من الناس, إذا سلكوا فـي خلافـي وركوب معاصيّ مسلكهم, هل تـحس منهم من أحد: يقول: فهل تـحسّ أنت منهم أحدا يا مـحمد, فتراه وتعاينه أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا يقول: أو تسمع لهم صوتا, بل بـادوا وهلكوا, وخَـلَت منهم دورهم, وأوحشت منهم منازلهم, وصاروا إلـى دار لا ينفعهم فـيها إلا صالـح من عمل قدّموه, فكذلك قومك هؤلاء, صائرون إلـى ما صار إلـيه أولئك, إن لـم يُعاجلوا التوبة قبل الهلاك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18078ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا قال: صوتا.
18079ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزّاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قوله: هَلْ تُـحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا؟ قال: هل ترى عينا, أو تسمع صوتا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَلْ تُـحِسّ مِنْهُمْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا؟ يقول: هل تسمع من صوت, أو ترى من عين؟.
18080ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول, فـي قوله: أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا يعنـي: صوتا.
حدثنا أبو كيب, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال: رِكْز الناس: أصواتهم. قال أبو كريب: قال سفـيان: هَلْ تُـحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا؟.
18081ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: هَلْ تُـحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا قال: أو تسمَع لهم حِسّا. قال: والركز: الـحس.
قال أبو جعفر: والركز فـي كلام العرب: الصوت الـخفـيّ, كما قال الشاعر:
فَتَوَجّسَتْ ذِكْرَ الأنِـيسِ فَراعَها عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأنِـيسُ سقَامُها

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة مريم

سُورَة طه مَكيّة
وآياتها خمسٌ وثلاثونَ وَمائة
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيـمِ
الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{ طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىَ * إِلاّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَىَ }.
قال أبو جعفر مـحمد بن جرير: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: طَهَ فقال بعضهم: معناه يا رجل. ذكر من قال ذلك:
18082ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, عن الـحسن بن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: طه: بـالنّبَطية: يا رجل.
18083ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: طه ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى فإن قومه قالوا: لقد شَقِـي هذا الرجل بربه, فأنزل الله تعالـى ذكره طَهَ يعنـي: يا رجل ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى.
18084ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عبد الله بن مسلـم, أو يعلـى بن مسلـم, عن سعيد بن جبـير أنه قال: طه: يا رجل بـالسريانـية.
قال ابن جريج: وأخبرنـي زمعة بن صالـح, عن سلـمة بن وهرام, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, بذلك أيضا. قال ابن جُرَيج, وقال مـجاهد, ذلك أيضا.
18085ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا عُمارة, عن عكرمة, فـي قوله: طَهَ قال: يا رجل, كلـمه بـالنبطية.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبد الله, عن عكرمة, فـي قوله طَهَ قال: بـالنبطية: يا إنسان.
18086ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, عن قرة بن خالد, عن الضحاك, فـي قوله طَه قال: يا رجل بـالنبطية.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حُصَين, عن عكرمة فـي قوله طَهَ قال: يا رجل.
18087ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله طَهَ قال: يا رجل, وهي بـالسريانـية.
18088ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرّزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة والـحسن فـي قوله: طَهَ قالا: يا رجل.
حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد, يعنـي ابن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله طَهَ قال: يا رجل.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله, وقَسَم أقسم الله به. ذكر من قال ذلك:
18089ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: طَهَ قال: فإنه قسم أقسم الله به, وهو اسم من أسماء الله.
وقال آخرون: هو حروف هجاء.
وقال آخرون: هو حروف مقطّعة يدلّ كلّ حرف منها علـى معنى, واختلفوا فـي ذلك اختلافهم فـي الـم, وقد ذكرنا ذلك فـي مواضعه, وبـيّنا ذلك بشواهده.
والذي هو أولـى بـالصواب عندي من الأقوال فـيه: قول من قال: معناه: يا رجل, لأنها كلـمة معروفة فـي عكَ فـيـما بلغنـي, وأن معناها فـيهم: يا رجل, أنشدت لـمتـمـم بن نُويرة:
هَتَفْتُ بطَهَ فِـي القِتالِ فَلَـمْ يُجبْ فخِفْتُ عَلَـيْهِ أنْ يَكونَ مُوَائِلا
وقال آخر:
إنّ السّفـاهَةَ طَهَ مِنْ خَلائِقِ كُمْلا بـارَكَ اللّهُ فِـي القَوْمِ الـمَلاعِينِ
فإذا كان ذلك معروفـا فـيهم علـى ما ذكرنا, فـالواجب أن يوجه تأويـله إلـى الـمعروف فـيهم من معناه, ولا سيـما إذا وافق ذلك تأويـل أهل العلـم من الصحابة والتابعين.
فتأويـل الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا علـيك القرآن لتشقـى, ما أنزلناه علـيك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل. وذُكر أنه قـيـل له ذلك بسبب ما كان يـلقـى من النّصَب والعناء والسهر فـي قـيام اللـيـل. ذكر من قال ذلك:
18090ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى قال: هي مثل قوله: فـاقْرَءُوا ما تَـيَسّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الـحبـال فـي صدورهم فـي الصلاة.
18091ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى قال: فـي الصلاة كقوله: فـاقْرَءُوا ما تَـيَسّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الـحبـال بصدورهم فـي الصلاة.
18092ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى لا والله ما جعله الله شقـيا, ولكن جعله رحمة ونورا, ودلـيلاً إلـى الـجنة.
وقوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى يقول تعالـى ذكره: ما أنزلنا علـيك هذا القرآن إلاّ تذكرة لـمن يخشى عقاب الله, فـيتقـيه بأداء فرائض ربه واجتناب مـحارمه, كما:
18093ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى وإن الله أنزل كتبه, وبعث رسله رحمة رحم الله بها العبـاد, لـيتذكر ذاكر, وينتفع رجل بـما سمع من كتاب الله, وهو ذكر له أنزل الله فـيه حلاله وحرامه, فقال: تَنْزِيلاً مِـمّنْ خَـلَقَ الأرْضَ والسّمَوَاتِ العُلَـى.
18094ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى قال: الذي أنزلناه علـيك تذكرة لـمن يخشى.
فمعنى الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا علـيك هذا القرآن لتشقـى به, ما أنزلناه إلاّ تذكرة لـمن يخشى.
وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه نصب تذكرة, فكان بعض نـحويـي البصرة يقول: قال: إلاّ تذكرة بدلاً من قوله لتشقـى, فجعله: ما أنزلنا علـيك القرآن إلاّ تذكرة. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: نصبت علـى قوله: ما أنزلناه إلاّ تذكرة. وكان بعضهم ينكر قول القائل: نصبت بدلاً من قوله لِتَشْقَـى, ويقول: ذلك غير جائز, لأن لِتَشْقَـى فـي الـجحد, و إلاّ تَذْكِرَةً فـي التـحقـيق, ولكنه تكرير. وكان بعضهم يقول: معنى الكلام: ما أنزلنا علـيك القرآن إلاّ تذكرة لـمن يخشى, لا لتشقـى.
الآية : 4 و 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { تَنزِيلاً مّمّنْ خَلَق الأرْضَ وَالسّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرّحْمَـَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: هذا القرآن تنزيـل من الربّ الذي خـلق الأرض والسموات العلـى. والعُلَـى: جمع علـيا.
واختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله: تَنْزِيلاً فقال بعض نـحويـي البصرة: نصب ذلك بـمعنى: نزّل الله ذلك تنزيلاً. وقال بعض من أنكر ذلك من قـيـله هذا من كلامين, ولكن الـمعنى: هو تنزيـل, ثم أسقط هو, واتصل بـالكلام الذي قبله, فخرج منه, ولـم يكن من لفظه.
قال أبو جعفر: والقولان جميعا عندي غير خطأ.
وقوله: الرّحْمَنُ عَلـى العَرْشِ اسْتَوَى يقول تعالـى ذكره: الرحمن علـى عرشه ارتفع وعلا.
وقد بـيّنا معنى الاستواء بشواهده فـيـما مضى وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيه فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وللرفع فـي الرحمن وجهان: أحدهما بـمعنى قوله: تنزيلاً, فـيكون معنى الكلام: نزله من خـلق الأرض والسموات, نزله الرحمن الذي علـى العرش استوى. والاَخر بقوله: عَلـى العَرْشِ اسْتَوَى لأن فـي قوله استوى, ذكرا من الرحمن.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثّرَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: لله ما فـي السموات وما فـي الأرض وما بـينهما, وما تـحت الثرى, ملكا له, وهو مدبر ذلك كله, ومصرّف جميعه. ويعنـي بـالثرى: الندى. يقال للتراب الرطب الـمبتلّ: ثرى منقوص, يقال منه: ثريت الأرض تثرى, ثرى منقوص, والثرى: مصدر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18095ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما تَـحْتَ الثّرَى والثّرَى: كلّ شيء مبتلّ.
18096ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما تَـحْتَ الثّرَى ما حفر من التراب مبتلاً.
وإنـما عنى بذلك: وما تـحت الأرضين السبع. كالذي:
18097ـ حدثنـي مـحمد بن إبراهيـم السلـيـمي الـمعروف بـابن صدران, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا مـحمد بن رفـاعة, عن مـحمد بن كعب وَما تَـحْتَ الثّرَى قال: الثرى: سبع أرضين.
الآية : 7 و 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى * اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإن تـجهر يا مـحمد بـالقول, أو تـخف به, فسواء عند ربك الذي له ما فـي السموات وما فـي الأرض فإنّهُ يَعْلَـمُ السّرّ يقول: فإنه لا يخفـى علـيه ما استسررته فـي نفسك, فلـم تبده بجوارحك ولـم تتكلـم بلسانك, ولـم تنطق به وأخفـى.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله وأخْفَـى فقال بعضهم: معناه: وأخفـى من السرّ, قال: والذي هو أخفـى من السرّ ما حدّث به الـمرء نفسه ولـم يعمله. ذكر من قال ذلك:
18098ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما عملته أنت وأخفـى: ما قذف الله فـي قلبك مـما لـم تعمله.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى يعنـي بأخفـى: ما لـم يعمله, وهو عامله وأما السرّ: فـيعنـي ما أسرّ فـي نفسه.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله يَعْلَـمُ السّر وأخْفَـى قال: السرّ: ما أسرّ ابن آدم فـي نفسه. وأخفـى: قال: ما أخفـى ابن آدم مـما هو فـاعله قبل أن يعمله, فـالله يعلـم ذلك, فعلـمه فـيـما مضى من ذلك, وما بقـي علـم واحد, وجميع الـخلائق عنده فـي ذلك كنفس واحدة, وهو قوله: ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس: السرّ: ما أسرّ الإنسان فـي نفسه وأخفـى: ما لا يعلـم الإنسان مـما هو كائن.
18099ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ومـحمد بن عمرو, قالا: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى: الوسوسة. زاد ابن عمرو والـحارث فـي حديثـيهما: والسرّ: العمل الذي يسرّون من الناس.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد وأخْفَـى قال: الوسوسة.
18100ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة, فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى حديث نفسك.
18101ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر, قال: حدثنا أبو كُدَينة, عن عطاء, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما يكون فـي نفسك الـيوم. وأخفـى: ما يكون فـي غد وبعد غد, لا يعلـمه إلاّ الله.
وقال آخرون: بل معناه: وأخفـى من السرّ ما لـم تـحدّث به نفسك. ذكر من قال ذلك:
18102ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن عطاء, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما أسررت فـي نفسك وأخفـى من ذلك: ما لـم تـحدّث به نفسك.
18103ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَإنْ تَـجْهَرْ بـالقَوْلِ فإنّهُ يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى كنا نـحدث أن السرّ ما حدّثت به نفسك, وأن أخفـى من السرّ: ما هو كائن مـما لـم تـحدّث به نفسك.
18104ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب, قال: حدثنا أبو هلال, قال: حدثنا أبو قتادة, قوله فـي يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: يعلـم ما أسررت فـي نفسك, وأخفـى: ما لـم يكن وهو كائن.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى من السرّ: ما حدّثت به نفسك, وما لـم تـحدث به نفسك أيضا مـما هو كائن.
18105ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى أما السرّ: فما أسررت فـي نفسك. وأما أخفـى من السرّ: فما لـم تعمله وأنت عامله, يعلـم الله ذلك كله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه يعلـم سرّ العبـاد, وأخفـى سرّ نفسه, فلـم يطلع علـيه أحدا. ذكر من قال ذلك:
18106ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: يعلـم أسرار العبـاد, وأخفـى سرّه فلا يعلـم.
قال أبو جعفر: وكأن الذين وجّهوا ذلك إلـى أن السرّ هو ما حدّث به الإنسان غيره سرّا, وأن أخفـى: معناه: ما حدّث به نفسه, وجهوا تأويـل أخفـى إلـى الـخفـيّ. وقال بعضهم: قد توضع أفعل موضع الفـاعل, واستشهدوا لقـيـلهم ذلك بقول الشاعر:
تَـمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أمُتْفتلكَ طَرِيقٌ لَسْتُ فِـيها بأوْحَدِ
والصواب من القول فـي ذلك, قول من قال: معناه: يعلـم السرّ وأخفـى من السرّ, لأن ذلك هو الظاهر من الكلام ولو كان معنى ذلك ما تأوّله ابن زيد, لكان الكلام: وأخفـى الله سرّه, لأن أخفـى: فعل واقع متعدّ, إذ كان بـمعنى فعل علـى ما تأوّله ابن زيد, وفـي انفراد أخفـى من مفعوله, والذي يعمل فـيه لو كان بـمعنى فعل الدلـيـل الواضح علـى أنه بـمعنى أفعل, وأن تأويـل الكلام: فإنه يعلـم السرّ وأخفـى منه. فإذ كان ذلك تأويـله, فـالصواب من القول فـي معنى أخفـى من السرّ أن يقال: هو ما علـم الله مـما أخفـى عن العبـاد, ولـم يعلـموه مـما هو كائن ولـما يكن, لأن ما ظهر وكان فغير سرّ, وأن ما لـم يكن وهو غير كائن فلا شيء, وأن ما لـم يكن وهو كائن فهو أخفـى من السرّ, لأن ذلك لا يعلـمه إلاّ الله, ثم من أعلـمه ذلك من عبـاده. وأما قوله تعالـى ذكره: اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ فإنه يعنـي به: الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له. يقول: فإياه فـاعبدوا أيها الناس دون ما سواه من الاَلهة والأوثان لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى يقول جلّ ثناؤه: لـمعبودكم أيها الناس الأسماء الـحسنى, فقال: الـحسنى, فوحّد, وهو نعت للأسماء, ولـم يقل الأحاسن, لأن الأسماء تقع علـيها هذه, فـيقال: هذه أسماء, وهذه فـي لفظة واحدة ومنه قول الأعشى:
وَسَوْفَ يُعْقِبُنِـيهِ إنْ ظَفِرْتُ بِهِرَبّ غَفُورٌ وَبِـيضٌ ذاتُ أطْهارِ
فوحد ذات, وهو نعت للبـيض لأنه يقع علـيه هذه, كما قال: حَدائقَ ذاتَ بهجةٍ ومنه قوله جلّ ثناؤه: مآرِبُ أُخْرَى فوحد أخرى, وهي نعت لـمآرب, والـمآرب: جمع, واحدتها: مأربة, ولـم يقل أُخر, لـما وصفنا, ولو قـيـل: أُخَر, لكان صوابـا.
الآية : 9 و 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىَ * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوَاْ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً لّعَلّيَ آتِيكُمْ مّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم مسلـيه عما يـلقـى من الشدّة من مشركي قومه, ومعرفه ما إلـيه صائر أمره وأمرهم, وأنه معلـيه علـيهم, وموهن كيد الكافرين, ويحثه علـى الـجدّ فـي أمره, والصبر علـى عبـادته, وأن يتذكر فـيـما ينوبه فـيه من أعدائه من مُشركي قومه وغيرهم, وفـيـما يزاول من الاجتهاد فـي طاعته ما ناب أخاه موسى صلوات الله علـيه من عدوّه, ثم من قومه, ومن بنـي إسرائيـل وما لقـي فـيه من البلاء والشدّة طفلاً صغيرا, ثم يافعا مترعرعا, ثم رجلاً كاملاً: وَهَل أتاكَ يا مـحمد حَدِيثُ مُوسَى ابن عمران إذْ رأى نارا؟ ذكر أن ذلك كان فـي الشتاء لـيلاً, وأن موسى كان أضلّ الطريق فلـما رأى ضوء النار قالَ لأَهْلِهِ ما قال. ذكر من قال ذلك:
18107ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, قال: لـما قضى موسى الأجل, سار بأهله فضلّ الطريق. قال عبد الله بن عبـاس: كان فـي الشتاء, ورُفعت لهم نار فلـما رآها ظنّ أنها نار, وكانت من نور الله قالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا.
18108ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه الـيـمانـي, قال: لـما قضى موسى الأجل, خرج ومعه غنـم له, ومعه زند له, وعصاه فـي يده يهشّ بها علـى غنـمه نهارا, فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا, فبـات علـيها هو وأهله وغنـمه, فإذا أصبح غدا بأهله وبغنـمه, فتوكأ علـى عصاه, فلـما كانت اللـيـلة التـي أراد الله بـموسى كرامته, وابتداءه فـيها بنبوّته وكلامه, أخطأ فـيه الطريق حتـى لا يدري أين يتوجه, فأخرج زنده لـيقتدح نارا لأهله لـيبـيتوا علـيها حتـى يصبح, ويعلـم وجه سبـيـله, فأصلد زنده فلا يورى له نارا, فقدح حتـى أعياه, لاحت النار فرآها, ف قَالَ لأهلهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى. وعنى بقوله: آنَسْتُ نارا وجدت, ومن أمثال العرب: بعد اطلاع إيناس, ويقال أيضا: بعد طلوع إيناس, وهو مأخوذ من الأنس.
وقوله: لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبسٍ يقول: لعلـي أجيئكم من النار التـي آنست بشُعْلة. والقَبَس: هو النار فـي طَرَف العود أو القصبة. يقول القائل لصاحبه: أقبسنـي نارا, فـيعطيه إياها فـي طرف عود أو قصبة. وإنـما أراد موسى بقوله لأهله: لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبَسٍ لعلـي آتـيكم بذلك لتصطلوا به, كما:
18109ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ قال: بقبس تَصْطَلون.
وقوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى دلالة تدلّ علـى الطريق الذي أضللناه, إما من خبر هاد يهدينا إلـيه, وإما من بـيان وعلـم نتبـينه به ونعرفه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
18110ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى يقول: من يدلّ علـى الطريق.
18111ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: هاديا يهديه الطريق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
18112ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى: أي هداة يهدونه الطريق.
18113ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي يحدّث, عن قتادة, عن صاحب له, عن حديث ابن عبـاس, أنه زعم أنها أَيـلة أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى. وقال أبـيّ: وزعم قتادة أنه هدى الطريق.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: من يهدينـي إلـى الطريق.
18114ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: هدى عن علـم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر.
18115ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا سفـيان, عن أبـي سعيد, عن عكرمة, قال: قال ابن عبـاس لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: كانوا أضلوا عن الطريق, فقال: لعلـي أجد من يدلنـي علـى الطريق, أو آتـيكم بقبس لعلكم تصطلون.

الآية : 11 و 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ يَمُوسَىَ * إِنّيَ أَنَاْ رَبّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدّسِ طُوًى }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى النار موسى, ناداه ربه: يا مِوسَى إنّـي رَبّك فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ كما:
18116ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه, قال: خرج موسى نـحوها, يعنـي نـحو النار, فإذا هي فـي شجر من العلـيق, وبعض أهل الكتاب يقول فـي عوسجة فلـما دنا استأخرت عنه فلـما رأى استئخارها رجع عنها, وأوجس فـي نفسه منها خيفة فلـما أراد الرجعة, دنت منه ثم كلـم من الشجرة, فلـما سمع الصوت استأنس, وقال الله تبـارك وتعالـى: يا مُوسَى اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى فخـلعها فألفـاها.
واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخـلع نعلـيه, فقال بعضهم: أمره بذلك, لأنهما كانتا من جلد حمار ميت, فكره أن يطأ بهما الوادي الـمقدّس, وأراد أن يـمسه من بركة الوادي. ذكر من قال ذلك:
18117ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي قلابة, عن كعب, أنه رآهم يخـلعون نعالهم اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوى فقال: كانت من جلد حمار ميت, فأراد الله أن يـمسه القدس.
18118ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة, فـي قوله فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار ميت.
18119ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعد, عن قَتادة, قال: حدثنا, أن نعلـيه كانتا من جلد حمار, فخـلعهما ثم أتاه.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار, فقـيـل له اخـلعهما.
18120ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج. قال: وأخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفـيان, عن معمر, عن جابر الـجعفـي, عن علـيّ بن أبـي طالب فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار, فقـيـل له اخـلعهما. قال: وقال قَتادة مثل ذلك.
وقال آخرون: كانتا من جلد بقر, ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه, لـيصل إلـيه بركتها. ذكر من قال ذلك:
18121ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال الـحسن: كانتا, يعنـي نعلـي موسى, من بقر, ولكن إنـما أراد الله أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض, وكان قد قدس مرّتـين. قال ابن جُرَيْج: وقـيـل لـمـجاهد: زعموا أن نعلـيه كانتا من جلد حمار أو ميتة, قال: لا, ولكنه أمر أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض.
18122ـ حدثنـي يعقوب, قال: قال أبو بشر, يعنـي ابن علـية, سمعت ابن أبـي نـجيح, يقول فـي قوله: فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالْوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: يقول: أفض بقدميك إلـى بركة الوادي.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: أمره الله تعالـى ذكره بخـلع نعلـيه لـيبـاشر بقدميه بركة الوادي, إذ كان واديا مقدسا.
وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب, لأنه لا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى أنه أمر بخـلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنـجاستهما, ولا خبر بذلك عمن يـلزم بقوله الـحجة, وإن فـي قوله إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ بعقبه دلـيلاً واضحا, علـى أنه إنـما أمره بخـلعهما لـما ذكرنا. ولو كان الـخبر الذي:
18123ـ حدثنا به بشر قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة عن حميد بن عبد الله بن الـحارث, عن ابن مسعود, عن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, قال: «يَوْمَ كَلّـمَ اللّهُ مُوسَى, كانَتْ عَلَـيْهِ جُبّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ, وسَرَاوِيـلُ صُوفٍ, وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكَى» صحيحا لـم نعده إلـى غيره, ولكن فـي إسناده نظر يجب التثبت فـيه.
واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: إنّـي أنا رَبّكَ فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة: «نُودِيَ يا مُوسَى أنّـي» بفتـح الألف من «أنـي», فأنّ علـى قراءتهم فـي موضع رفع بقوله: نودي, فإن معناه كان عندهم: نودي هذا القول. وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدينة والكوفة بـالكسر: نُودِيَ يا موسى إنـي علـى الابتداء, وأن معنى ذلك قـيـل: يا موسى إنـي.
قال أبو جعفر: والكسر أولـى القراءتـين عندنا بـالصواب, وذلك أن النداء قد حال بـينه وبـين العمل فـي أن قوله «يا موسى», وحظ قوله «نودي» أن يعمل فـي أن لو كانت قبل قوله «يا موسى», وذلك أن يقال: نودي أن يا موسى إنـي أنا ربك, ولا حظّ لها فـي «إن» التـي بعد موسى.
وأما قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ فإنه يقول: إنك بـالوادي الـمطهر الـمبـارك, كما:
18124ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ يقول: الـمبـارك.
18125ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد, قوله إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: قُدّس بُورك مرّتـين.
18126ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: بـالوادي الـمبـارك.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله طُوًى فقال بعضهم: معناه: إنك بـالوادي الـمقدس طويته, فعلـى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه, كأنه قال: طويت الوادي الـمقدس طوى. ذكر من قال ذلك:
18127ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى يعنـي الأرض الـمقدسة, وذلك أنه مرّ بواديها لـيلاً فطواه, يقال: طويت وادي كذا وكذا طوى من اللـيـل, وارتفع إلـى أعلـى الوادي, وذلك نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مرّتـين, وقال: ناداه ربه مرّتـين فعلـى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه, وذلك أن معناه عندهم: نودي يا موسى مرّتـين نداءين. وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى, أنه بـمعنى مرّتـين, قول عديّ بن زيد العبـادي:
أعاذِلَ إنّ اللّوْمَ فِـي غَيْرِ كُنْهِهِعَلـيّ طُوىً مِنْ غَيّكِ الـمُتَرَدّدِ
وروى ذلك آخرون: «علـيّ ثِنىً»: أي مرّة بعد أخرى, وقالوا: طُوىً ونِثىً بـمعنى واحد. ذكر من قال ذلك:
18128ـ حدثنا بِشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى كنا نـحدّث أنه واد قدّس مرّتـين, وأن اسمه طُوَى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه قدّس طوى مرّتـين. ذكر من قال ذلك:
18129ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال الـحسن: كان قد قدّس مرّتـين.
وقال آخرون: بل طُوى: اسم الوادي. ذكر من قال ذلك:
18130ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: طُوَى: اسم للوادي.
18131ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: طُوى: قال: اسم الوادي.
18132ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: ذاك الوادي هو طوى, حيث كان موسى, وحيث كان إلـيه من الله ما كان. قال: وهو نـحو الطور.
وقال آخرون: بل هو أمر من الله لـموسى أن يطأ الوادي بقدميه. ذكر من قال ذلك:
18133ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطوسي, قال: حدثنا صالـح بن إسحاق, عن جعفر بن برقان, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, فـي قول الله تبـارك وتعالـى: اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: طأ الوادي.
18134ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا الـحسن, عن يزيد, عن عكرمة, فـي قوله: طُوًى قال: طأ الوادي.
18135ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن سعيد بن جبـير, فـي قول الله طُوًى قال: طأ الأرض حافـيا, كما تدخـل الكعبة حافـيا, يقول: من بركة الوادي.
18136ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد طُوًى طأ الأرض حافـيا.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعض قرّاء الـمدينة: «طُوَى» بضم الطاء وترك التنوين, كأنهم جعلوه اسم الأرض التـي بها الوادي, كما قال الشاعر:
نَصَرُوا نَبِـيّهُمُ وَشَدّوا أزْرَهُبِحُنَـيْنَ حِينَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ
فلـم يجرّ حنـين, لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء: وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ, إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ, وكما قال الاَخر:
ألَسْنا أكْرَمَ الثّقَلَـيْنِ رَحْلاًوأعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حرَاءَ نارَا
فلـم يجرّ حراء, وهو جبل, لأنه جعله اسما للبلدة, فكدلك «طُوَى» فـي قراءة من لـم يجره جعله اسما للأرض. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: طُوًى بضم الطاء والتنوين وقارئو ذلك كذلك مختلفون فـي معناه علـى ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويـل فأما من أراد به الـمصدر من طويت, فلا مؤنة فـي تنوينه وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي, فإنه إنـما ينوّنه لأنه اسم ذكر لا مؤنث, وأن لام الفعل منه ياء, فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله: وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ إذ كان حنـين اسم واد, والوادي مذكر.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين عندي بـالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين, لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لـما ذكر قبل من العلة لـمن قال ذلك, وإن كان مصدرا أو مفسرا, فكذلك أيضا حكمه التنوين, وهو عندي اسم الوادي. وإذ كان ذلك كذلك, فهو فـي موضع خفض ردّا علـى الوادي