تفسير الطبري تفسير الصفحة 350 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 350
351
349
 سورة النور
مدنـية
وآياتها أربع وستون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لّعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله تعالـى ذكره: سُورَةٌ أنْزَلْناها وهذه السورة أنزلناها. وإنـما قلنا معنى ذلك كذلك, لأن العرب لا تكاد تبتدىء بـالنكرات قبل أخبـارها إذا لـم تكن جوابـا, لأنها توصل كما يوصل «الذي», ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة, فـيستقبح الابتداء بها قبل الـخبر إذا لـم تكن موصولة, إذ كان يصير خبرها إذا ابتدىء بها كالصلة لها, ويصير السامع خبرها كالـمتوقع خبرها بعد إذ كان الـخبر عنها بعدها كالصلة لها. وإذا ابتدىء بـالـخبر عنها قبلها, لـم يدخـل الشك علـى سامع الكلام فـي مراد الـمتكلـم. وقد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ أن السورة وصف لـما ارتفع بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وأما قوله: وَفَرَضْناها فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته, فقرأه بعض قرّاء الـحجاز والبصرة: «وَفَرّضْناها» ويتأوّلونه: وفصّلناها ونزّلنا فـيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مـجاهد يقرؤه ويتأوّله.
19458ـ حدثنـي أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا ابن مهديّ, عن عبد الوارث بن سعيد, عن حميد, عن مـجاهد, أنه كان يقرؤها: «وَفَرّضْناها» يعنـي بـالتشديد.
19459ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: «وَفَرّضْناها» قال: الأمر بـالـحلال, والنهى عن الـحرام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
وقد يحتـمل ذلك إذا قرىء بـالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مـجاهد, وهو أن يوجه إلـى أن معناه: وفرضناها علـيكم وعلـى من بعدكم من الناس إلـى قـيام الساعة. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة والشأم: وَفَرَضْناها بتـخفـيف الراء, بـمعنى: أوجبنا ما فـيها من الأحكام علـيكم وألزمناكموه وبـيّنا ذلك لكم.
والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن الله قد فصلها, وأنزل فـيها ضروبـا من الأحكام, وأمر فـيها ونهى, وفرض علـى عبـاده فـيها فرائض, ففـيها الـمعنـيان كلاهما: التفريض, والفرض فلذلك قلنا بأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب الصواب. ذكر من تأوّل ذلك بـمعنى الفَرْض والبـيان من أهل التأويـل:
19460ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَفَرَضْناها يقول: بـيناها.
19461ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها وَفَرَضْناها قال: فرضناها لهذا الذي يتلوها مـما فرض فـيها. وقرأ فـيها: آياتٍ بَـيّناتٍ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ.
وقوله: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا فـي هذه السورة علامات ودلالات علـى الـحقّ بـينات, يعنـي واضحات لـمن تأملها وفكر فـيها بعقل أنها من عند الله, فإنها الـحقّ الـمبـين, وإنها تهدي إلـى الصراط الـمستقـيـم.
19462ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُريج: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ قال: الـحلال والـحرام والـحدود. لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: لتتذكروا بهذه الاَيات البـينات التـي أنزلناها.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: من زنى من الرجال أو زنت من النساء, وهو حُرّ بِكرٌ غير مُـحْصَن بزوج, فـاجلدوه ضربـا مئة جلة عقوبة لِـما صنع وأتـى من معصية الله. وَلا تَأْخُذُكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينَ اللّهِ يقول تعالـى ذكره: لا تأخذكم بـالزانـي والزانـية أيها الـمؤمنون رأفة, وهي رقة الرحمة فـي دين الله, يعنـي فـي طاعة الله فـيـما أمركم به من إقامة الـحدّ علـيهما علـى ما ألزمكم به.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمنهيّ عنه الـمؤمنون من أخذ الرأفة بهما, فقال بعضهم: هو ترك إقامة حدّ الله علـيهما, فأما إذا أقـيـم علـيهما الـحدّ فلـم تأخذهم بهما رأفة فـي دين الله. ذكر من قال ذلك:
19463ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة, عن نافع بن عمر, عن ابن أبـي مُلَـيجة, عن عبـيد الله بن عبد الله بن عمر, قال: جَلَد ابن عمر جارية له أحدثت, فجلد رجلـيها قال نافع: وحسبت أنه قال: وظهرها فقلت: وَلا تَأْخَذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ فقال: وأخذتنـي بها رأفة, إن الله لـم يأمرنـي أن أقتلها.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن ابن جُرَيج, قال: سمعت عبد الله بن أبـي ملـيكة يقول: ثنـي عبـيد الله بن عبد الله بن عمر, أن عبد الله بن عمر حدّ جارية له, فقال للـجالد, وأشار إلـى رجلها وإلـى أسفلها, قلت: فأين قول الله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ قال: أفأقتلها؟.
19464ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ فقال: أن تقـيـم الـحدّ.
19465ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, ابن جُرَيج: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ قال: لا تضيعوا حدود الله.
قال ابن جُرَيج: وقال مـجاهد: لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ: لا تضيعوا الـحدود فـي أن تقـيـموها. وقالها عطاء بن أبـي ربـاح.
19466ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا عبد الـملك وحجاج, عن عطاء: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ قال: يقام حدّ الله ولا يعطل, ولـيس بـالقتل.
19467ـ حدثنا ابن الـمثّنى, قال: ثنـي مـحمد بن فضيـل, عن داود, عن سعيد بن جبـير, قال: الـجلد.
19468ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن الـمغيرة, عن إبراهيـم, فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دينِ الله قال: الضرب.
19469ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت عمران, قال: قلت لأبـي مـجلز: الزّانِـيَةُ وَالزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما... إلـى قوله: والـيَوْمِ الاَخرِ إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدّا, أو تقطع يده. قال: إنـما ذاك أنه لـيس للسلطان إذا رفعوا إلـيه أن يدعهم رحمة لهم حتـى يقـيـم الـحدّ.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دِينِ اللّهِ قال لا تقام الـحدود.
19470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةُ فتدعوهما من حدود الله التـي أمر بها وافترضها علـيهما.
19471ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا ابن لَهِيعة, عن خالد بن أبـي عمران, أنه سأل سلـيـمان بن يسار, عن قول الله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ الله أي فـي الـحدود أو فـي العقوبة؟ قال: ذلك فـيهما جميعا.
حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمُلِـيّ, قال: حدثنا يحيى بن زكريا, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دِينِ اللّهِ قال: أن يقام حدّ الله ولا يعطّل, ولـيس بـالقتل.
19472ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن عامر فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دين الله قال: الضرب الشديد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وَلا تَأْخُذْكُمْ بهما رأفَةٌ فتُـخَفّفوا الضرب عنهما, ولكن أو جعوهما ضربـا. ذكر من قال ذلك:
19473ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن أبـي بكر, قال: حدثنا أبو جعفر, عن قَتادة, عن الـحسن وسعيد ابن الـمسيب: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ قال: الـجلد الشديد.
19474ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, عن شعبة, عن حماد, قال: يُحَدّ القاذف والشارب وعلـيهما ثـيابهما. وأما الزانـي فتـخـلع ثـيابه. وتلا هذه الآية: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّهِ فقلت لـحماد: أهذا فـي الـحكم؟ قال: فـي الـحكم والـجلد.
19475ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, قال: يجتهد فـي حدّ الزانـي والفرية, ويخفف فـي حدّ الشرب. وقال قَتادة: يخفف فـي الشراب, ويجتهد فـي الزانـي.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا تأخذكم بهما رأفة فـي إقامة حدّ الله علـيهما الذي افترض علـيكم إقامته علـيهما.
وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب, لدلالة قول الله بعده: «فـي دين الله», يعنـي فـي طاعة الله التـي أمركم بها. ومعلوم أن دين الله الذي أمر به فـي الزانـيـين: إقامة الـحدّ علـيهما, علـى ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة, مع أن الشدّة فـي الضرب لا حدّ لها يوقـف علـيه, وكلّ ضرب أوجع فهو شديد, ولـيس للذي يوجع فـي الشدّة حدّ لا زيادة فـيه فـيؤمر به وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بـما لا سبـيـل للـمأموربه إلـى معرفته. وإذا كان ذلك كذلك, فـالذي للـمأمورين إلـى معرفته السبـيـل هو عدد الـجَلد علـى ما أمر به, وذلك هو إقامة الـحد علـى ما قلنا. وللعرب فـي الرأفة لغتان: الرأفة بتسكين الهمزة, والرآفة بـمدّها, كالسأمة والسآمة, والكأْبة والكآبة. وكأنّ الرأفة الـمرّة الواحدة, والرآفة الـمصدر, كما قـيـل: ضَؤُل ضآلة مثل فَعُل فعالة, وقَبُح قبـاحة.
وقوله: إنْ كُنْتُـمْ تُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَالْـيَوْمِ الاَخِرِيقول: إن كنتـم تصدّقون بـالله ر بكم وبـالـيوم الاَخر, وأنكم فـيه مبعوثون لـحشر القـيامة وللثواب والعقاب, فإن من كان بذلك مصدّقا فإنه لا يخالف الله فـي أمره ونهيه خوف عقابه علـى معاصيه. وقوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول تعالـى ذكره: ولـيحضر جلد الزانـيـين البِكْرَين وحدّهما إذا أقـيـم علـيهما طائفةٌ من الـمؤمنـين. والعرب تسمي الواحد فما زاد. طائفة. مِنَ الـمُؤُمِنـينَ يقول: من أهل الإيـمان بـالله ورسوله.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ عدد الطائفة الذي أمر الله بشهود عذاب الزانـيـين البِكْرين, فقال بعضهم: أقله واحد. ذكر من قال ذلك:
19476ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الطائفة: رجل.
حدثنا علـيّ بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانـيّ وابن القوّاس, قالا: حدثنا يحيى بن عيسى, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِقَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة رجل. قال علـيّ: فما فوق ذلك وقال ابن القوّاس: فأكثر من ذلك.
حدثنا علـيّ, قال: حدثنا زيد, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الطائفة: رجل.
حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: قال ابن أبـي نـجيح: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال مـجاهد: أقله رجل.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة: الواحد إلـى الألف.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن مـجاهد فـي هذه الآية: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِن الـمُؤْمِنـينَ قال: الطائفة واحد إلـى الألف وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمنِـينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِـحُوا بَـيْنَهُما.
19477ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: ثنـي وهب بن جرير, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن مـجاهد, قال: الطائفة: الرجل الواحد إلـى الألف, قال: وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِـحُوا بَـيْنَهُما: إنـما كانا رجلـين.
19478ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: سمعت عيسى بن يونس, يقول: حدثنا النعمان بن ثابت, عن حماد وإبراهيـم قالا: الطائفة: رجل.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة: رجل واحد فما فوقه.
وقال آخرون: أقله فـي فـي هذا الـموضع رجلان. ذكر من قال ذلك:
19479ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح, فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: قال عطاء: أقله رجلان.
19480ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة قال: لـيحضر رجلان فصاعدا.
وقال آخرون: أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا. ذكر من قال ذلك:
19481ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن ابن أبـي ذئب, عن الزهريّ, قال: الطائفة: الثلاثة فصاعدا.
19482ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: نفر من الـمسلـمين.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19483ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا حفص بن غياث, قال: حدثنا أشعث, عن أبـيه, قال: أتـيت أبـا بَرْزة الأسلـميّ فـي حاجة وقد أخرج جارية إلـى بـاب الدار وقد زنت, فدعا رجلاً فقال: اضربها خمسين فدعا جماعة, ثم قرأ: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.
19484ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعيّ, قال: حدثنا يحيى, عن أشعث, عن أبـيه, أن أبـا بَرْزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربـا غير مبرّح, قال: فألقـى علـيها ثوبـا وعنده قوم, وقرأ: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما الآية.
وقال آخرون: بل أقلّ ذلك أربعة. ذكر من قال ذلك:
19485ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: فقال: الطائفة التـي يجب بها الـحدّ أربعة.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: أقلّ ما ينبغي حضور ذلك من عدد الـمسلـمين: الواحد فصاعدا وذلك أن الله عمّ بقوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ والطائفة: قد تقع عند العرب علـى الواحد فصاعدا. فإذا كان ذلك كذلك, ولـم يكن الله تعالـى ذكره وضع دلالة علـى أن مراده من ذلك خاصّ من العدد, كان معلوما أن حضور ما وقع علـيه أدنى اسم الطائفة ذلك الـمـحضر مخرج مقـيـم الـحدّ مـما أمره الله به بقوله: وَلَـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ. غير أنـي وإن كان الأمر علـى ما وصفت, أستـحبّ أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الـموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته علـى الزنا لأن ذلك إذا كان كذلك فلا خلاف بـين الـجمع أنه قد أدّى الـمقـيـم الـحدّ ما علـيه فـي ذلك, وهم فـيـما دون ذلك مختلفون.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { الزّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: نزلت هذه الآية فـي بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي نكاح نسوة كنّ معروفـات بـالزنا من أهل الشرك, وكنّ أصحاب رايات, يُكْرِين أنفسهنّ, فأنزل الله تـحريـمهنّ علـى الـمؤمنـين, فقال: الزانـي من الـمؤمنـين لا يتزوّج إلاّ زانـية أو مشركة, لأنهنّ كذلك والزانـية من أولئك البغايا لا ينكحها إلاّ زان من الـمؤمنـين أو الـمشركين أو مشرك مثلها, لأنهنّ كنّ مشركات. وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ فحرّم الله نكاحهنّ فـي قول أهل هذه الـمقالة بهذه الآية. ذكر من قال ذلك:
19486ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: ثنـي الـحضرميّ, عن القاسم بن مـحمد, عن عبد الله بن عمرو: أن رجلاً من الـمسلـمين استأذن نبـيّ الله فـي امرأة يقال لها أمّ مهزول, كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق علـيه, وأنه استأذن فـيها نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أمرها, قال: فقرأ نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: الزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ أو قال: فأنزلت الزانـية....
19487ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: ثنـي هُشَيـم, عن التـيـميّ, عن القاسم بن مـحمد, عن عبد الله بن عمرو فـي قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً, وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء معلومات, قال: فكان الرجل من فقراء الـمسلـمين يتزوّج الـمرأة منهنّ لتنفق علـيه, فنهاهم الله عن ذلك.
19488ـ قال: أخبرنا سلـيـمان التـيـمي, عن سعيد بن الـمسيب, قال: كنّ نساء موارد بـالـمدينة.
حدثنا أحمد بن الـمِقدام, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت أبـي, قال: حدثنا قَتادة, عن سعيد بن الـمسيب فـي هذه الآية: وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: نزلت فـي نساء موارد كنّ بـالـمدينة.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عاصم الكلابـيّ, قال: حدثنا معتـمر, عن أبـيه, عن قَتادة, عن سعيد, بنـحوه.
19489ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن رجل, عن عمرو بن شعيب, قال: كان لـمرثَد صديقة فـي الـجاهلـية يقال لها عِناق, وكان رجلاً شديدا, وكان يقال له دُلْدُل, وكان يأتـي مكة فـيحمل ضَعَفة الـمسلـمين إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلقـي صديقته, فدعته إلـى نفسها, فقال: إن الله قد حرّم الزنا فقالت: أنّى تَبْرُز فخشي أن تشيع علـيه, فرجع إلـى الـمدينة, فأتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كانت لـي صديقة فـي الـجاهلـية, فهل ترى لـي نكاحها؟ قال: فأنزل الله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء معلومات يُدْعَوْن القلـيقـيات.
19490ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن إبراهيـم بن مهاجر, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي هذه الآية: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشَرِكَةً قال: كنّ بغايا فـي الـجاهلـية.
19491ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن عبد الـملك, عمن أخبره, عن مـجاهد, نـحوا من حديث ابن الـمثنى, إلاّ أنه قال: كانت امرأَة منهنّ يقال لها: أمّ مهزول يعنـي فـي قوله: الزّانِـي لا ينْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: فكنّ نساء معلومات, قال: فكان الرجل من فقراء الـمسلـمين يتزوّج الـمرأة منهنّ لتنفق علـيه, فنهاهم الله عن ذلك. هذا من حديث التـيـميّ.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: الزّانـي لا يَنْكحُ إلاّ زَانـيَةً قال: رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوان بغايا متعالـمَات كنّ فـي الـجاهلـية, فقـيـل لهم هذا حرام, فأرادوا نكاحهن, فحرم الله علـيهم نكاحهن.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, بنـحوه, إلاّ أنه قال: بغايا مُعْلِنات كنّ كذلك فـي الـجاهلـية.
19492ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن هشام بن عروة, عن أبـيه وإسماعيـل بن أبـي خالد, عن الشعبـيّ وابن أبـي ذئب, عن شعبة, عن ابن عبـاس, قال: كنّ بغايا فـي الـجاهلـية, علـى أبوابهنّ رايات مثل رايات البـيطار يعرفن بها.
19493ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن قـيس بن سعد, عن عطاء بن أبـي ربـاح, عن ابن عبـاس, قال: نساء بغايا متعالـمَات, حرّم الله نكاحهنّ, لا ينكحهنّ إلاّ زان من الـمؤمنـين أو مشرك من الـمشركين.
19494ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: الزّانِـي لا يَنْكحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنـينَ قال: كانت بـيوتٌ تسمى الـمواخير فـي الـجاهلـية, وكانوا يؤاجرون فـيها فتـياتهنّ, وكانت بـيوتا معلومة للزنا, لا يدخـل علـيهنّ ولا يأتـيهنّ إلاّ زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان, فحرّم الله ذلك علـى الـمؤمنـين.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: بغايا متعالـمَات كنّ فـي الـجاهلـية بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان, فأنزل الله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ فحكم الله بذلك من أمر الـجاهلـية علـى الإسلام. فقال له سلـيـمان بن موسى: أبلغك ذلك عن ابن عبـاس؟ فقال: نعم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: سمعت عطاء بن أبـي ربـاح يقول فـي ذلك: كنّ بغايا متعالـمَات بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان, وكنّ زوانـي مشركات, فقال: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: أَحَكَم الله من أمر الـجاهلـية بهذا. قـيـل له: أبلغك هذا عن ابن عبـاس؟ قال: نعم.
قال ابن جريج: وقال عكرِمة: إنه كان يسمّي تسعا بعد صواحب الرايات, وكنّ أكثر من ذلك, ولكن هؤلاء أصحاب الرايات: أمّ مهزول جارية السائب بن أبـي السائب الـمخزوميّ, وأمّ عُلَـيط جارية صفوان بن أمية, وحنّة القبطية جارية العاصي بن وائل, ومَرِيّة جارية مالك بن عميـلة بن السبـاق بن عبد الدار, وحلالة جارية سهيـل بن عمرو, وأمّ سويد جارية عمرو بن عثمان الـمخزومي, وسريفة جارية زمعة بن الأسود, وفرسة جارية هشام بن ربـيعة بن حبـيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لؤُيّ, وقريبـا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نـمر بن غالب بن فهر.
19495ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, وقال الزهري وقتادة, قالوا: كان فـي الـجاهلـية بغايا معلوم ذلك منهنّ, فأراد ناس من الـمسلـمين نكاحهنّ, فأنزل الله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ... الآية.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن نـجيح, عن مـجاهد, وقاله الزهريّ وقتادة, قالوا: كانوا فـي الـجاهلـية بغايا, ثم ذكر نـحوه.
19496ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن القاسم بن أبـي بَزّة: كان الرجل ينكح الزانـية فـي الـجاهلـية التـي قد علـم ذلك منها يتـخذها مَأْكلة, فأراد ناس من الـمسلـمين نكاحهنّ علـى تلك الـجهة, فُنهوا عن ذلك.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن أبـي نـجيح, قال: قال القاسم بن أبـي بزّة, فذكر نـحوه.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا سلـيـمان التـيـميّ, عن سعيد بن الـمسيب, قال: كنّ نساء مَواردَ بـالـمدينة.
19497ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن سعيد بن جُبـير: أن نساء فـي الـجاهلـية كنّ يُؤاجرن أنفسهنّ, وكان الرجل إنـما ينكح إحداهنّ يريد أن يصيب منها عَرَضا, فنهوا عن ذلك, ونزل: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ ومنهنّ امرأة يقال لها أمّ مهزول.
19498ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيـل, عن الشعبـيّ, فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِح إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء يُكْرِين أنفسهنّ فـي الـجاهلـية.
وقال آخرون: معنى ذلك: الزانـي لا يزنى إلاّ بزانـية أو مشركة, والزانـية لا يزنى بها إلاّ زان أو مشرك. قالوا: ومعنى النكاح فـي هذا الـموضع: الـجماع. ذكر من قال ذلك:
19499ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن حُصَين, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, فـي قول الله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: لا يزنى إلاّ بزانـية أو مشركة.
19500ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن يَعْلَـى بن مسلـم, عن سعيد بن جُبـير أنه قال فـي هذه الآية: وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: لا يزنى الزانـي إلاّ بزانـية مثله أو مشركة.
19501ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن شُبْرُمة, عن سعيد بن جُبـير وعكرمة فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا: هو الوطء.
19502ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد, عن معمر, قال: قال سعيد بن جُبـير ومـجاهد: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا: هو الوطء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك بن مزاحم وشعبة, عن يعلـى بن مسلـم, عن سعيد بن جُبـير, قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قالا: لا يزنـي الزانـي حين يزنـي إلاّ بزانـية مثله أو مشركة, ولا تزنـي مشركة إلاّ بـمثلها.
19503ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: هؤلاء بغايا كنّ فـي الـجاهلـية, والنكاح فـي كتاب الله الإصابة, لا يصيبها إلاّ زان أو مشرك, لا يحرم الزنا, ولا تصيب هي إلاّ مثلها. قال: وكان ابن عبـاس يقول: بغايا كنّ فـي الـجاهلـية.
19504ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن قـيس بن سعد, عن سعيد بن جُبـير, قال: إذا زنى بها فهو زان.
19505ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: الزانـي من أهل القبلة لا يزنى إلاّ بزانـية مثله أو مشركة. قال: والزانـية من أهل القبلة لا تزنى إلاّ بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال: وَحُرّمَ ذلكَ علـى الـمُؤْمِنـينَ.
وقال آخرون: كان هذا حكم الله فـي كلّ زان وزانـية, حتـى نسخه بقوله: وأنْكِحُوا الأيامَى منْكُمْ, فأحلّ نكاح كلّ مسلـمة وإنكاح كلّ مسلـم. ذكر من قال ذلك:
19506ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن يحيى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب, فـي قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّم ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: يَرَوْن الآية التـي بعدها نسختها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ قال: فهن من أيامى الـمسلـمين.
حدثنا القاسم, قال حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي يحيى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: نسختها التـي بعدها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وقال: إنهنّ من أيامى الـمسلـمين.
19507ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: وذكر عن يحيى, عن ابن الـمسيب, قال: نسختها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن يحيى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب, قال: نسختها قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى.
حدثنـي يونس, قال: أخبرنا أنس بن عياض, عن يحيى, قال: ذكر عند سعيد بن الـمسيب: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: فسمعته يقول: إنها قد نسختها التـي بعدها. ثم قرأها سعيد, قال: يقول الله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً ثم يقول الله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ فهنّ من أيامى الـمسلـمين.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: عُنـي بـالنكاح فـي هذا الـموضع الوطء, وأن الآية نزلت فـي البغايا الـمشركات ذوات الرايات وذلك لقـيام الـحجة علـى أن الزانـية من الـمسلـمات حرام علـى كلّ مشرك, وأن الزانـي من الـمسلـمين حرام علـيه كلّ مشركة من عَبَدة الأوثان. فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أنه لـم يُعْنَ بـالآية أن الزانـي من الـمؤمنـين لا يعقد عقد نكاح علـى عفـيفة من الـمسلـمات ولا ينكح إلاّ بزانـية أو مشركة. وإذ كان ذلك كذلك, فبـين أن معنى الآية: الزانـي لا يزنـي إلاّ بزانـية لا تستـحلّ الزنا أو بـمشركة تستـحلّه.
وقوله: وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ يقول: وحرّم الزنا علـى الـمؤمنـين بـالله ورسوله, وذلك هو النكاح الذي قال جلّ ثناؤه: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والذين يَشْتُـمون العفـائف من حرائر الـمسلـمين, فـيرمونهنّ بـالزنا, ثم لـم يأتوا علـى ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عُدول يشهدون علـيهنّ أنهنّ رأوهنّ يفعلن ذلك, فـاجلدوا الذين رمَوْهنّ بذلك ثمانـين جلدة, ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا, وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها.
وذُكر أن هذه الآية إنـما نزلت فـي الذين رموا عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـما رموها به من الإفك. ذكر من قال ذلك:
19508ـ حدثنـي أبو السائب وإبراهيـم بن سعيد, قالا: حدثنا ابن فضيـل, عن خَصِيف, قال: قلت لسعيد بن جُبـير: الزنا أشدّ, أو قذف الـمـحصنة؟ قال: لا, بل الزنا. قلت: إن الله يقول: والّذِين يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ قال: إنـما هذا فـي حديث عائشة خاصة.
19509ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... الآية فـي نساء الـمسلـمين.
19510ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأُولَئكَ هُمُ الفـاسقونَ قال: الكاذبون.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.
اختلف أهل التأويـل فـي الذي استثنـي منه قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا منْ بَعْدِ ذَلكَ وأصْلَـحُوا فقال بعضهم: استثنـي من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ وقالوا: إذا تاب القاذف قُبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق, حُدّ فـيه أو لـم يحدّ. ذكر من قال ذلك:
19511ـ حدثنـي أحمد بن حماد الدّولابـيّ, قال: ثنـي سفـيان, عن الزهري, عن سعيد إن شاء الله, أن عمر قال لأبـي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك, أو رَدّيْت شهادتك.
19512ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب: أن عمر بن الـخطاب ضرب أبـا بكرة وشبلَ بن معبد ونافع بن الـحارث بن كَلَدة حَدّهم. وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فـيـما استقبل, ومن لـم يفعل لـم أجز شهادته. فأكذب شبلٌ نفسَه ونافع, وأبى أبو بكرة أن يفعل. قال الزهريّ: هو والله سُنّة فـاحفظوه.
19513ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع, قال: حدثنا داود, عن الشعبـيّ, قال: إذا تاب يعنـي القاذف ولـم يعلـم منه إلاّ خير, جازت شهادته.
حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا داود, عن الشعبـي, قال: علـى الإمام أن يستتـيب القاذف بعد الـجَلْد, فإن تاب وأونس منه خير جازت شهادته, وإن لـم يتب فهو خـلـيع لا تـجوز شهادته.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا داود, عن عامر, أنه قال فـي القاذف: إذا تاب وعلـم منه خير إن شهادته جائزة, وإن لـم يتب فهو خـلـيع لا تـجوز شهادته, وتوبته إكذابه نفسه.
قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن الشعبـيّ, نـحوه.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ, قال فـي القاذف: إذا تاب وأكذب نفسه قُبلت شهادته, وإلا كان خـلـيعا لا شهادة له لأن الله يقول: لَوْلا جاءُوا عَلَـيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... إلـى آخر الآية.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي شهادة القاذف: إذا رجع عن قوله حين يُضرب, أو أكذب نفسه, قُبلت شهادته.
قال: حدثنا هشيـم, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن الشعبـي أنه كان يقول: يقبل الله توبته, وتردّون شهادته؟ وكان يقبل شهادته إذا تاب.
قال: أخبرنا إسماعيـل عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي القاذف: إذا شهد قبل أن يُضرب الـحدّ, قُبلت شهادته.
19514ـ قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبـيدة عن إبراهيـم, وإسماعيـل بن سالـم عن الشعبـي, أنهما قالا فـي القاذف: إذا شهد قبل أن يُجلد فشهادته جائزة.
19515ـ حدثنـي يعقوب, قال: قال أبو بشر, يعنـي ابن عُلَـية, سمعت ابن أبـي نـجيح يقول: القاذف إذا تاب تـجوز شهادته. وقال: كنا نقوله. فقـيـل له: من؟ قال: قال عطاء وطاوس ومـجاهد.
19516ـ حدثنا ابن بشار, وابن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة, قال: حدثنا سعيد بن بشير, عن قتادة, عن عمر بن طلـحة, عن عبد الله, قال: إذا تاب القاذف جلد وجازت شهادته. قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبـي عَثْمة.
19517ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا ابن أبـي عَثْمة, قال: حدثنا سعيد بن بشير, عن قَتادة, عن سلـيـمان بن يسار والشعبـي قالا: إذا تاب القاذف عند الـجلد جازت شهادته.
19518ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة: أن عمر بن عبد الله بن أبـي طلـحة جلد رجلاً فـي قذف, فقال: أَكْذِبْ نفسك حتـى تـجوز شهادتك
19519ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي الهيثم, قال: سمعت إبراهيـم والشعبـيّ يتذاكران شهادة القاذف, فقال الشعبـيّ لإبراهيـم: لِـم لا تقبل شهادته؟ فقال: لأنـي لا أدري تاب أم لا.
19520ـ قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن مـجالد, عن الشعبـيّ, عن مسروق, قال: تُقبل شهادته إذا تاب.
19521ـ قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن يعقوب بن القعقاع, عن مـحمد بن زيد, عن سعيد بن جبـير, مثله.
19522ـ قال: حدثنا عبد الله بن الـمبـارك, عن ابن جُرَيج, عن عمران بن موسى, قال: شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, قال: قال الشعبـيّ: إذا تاب جازت شهادته, قال ابن الـمثنى. قال: عندي, يعنـي فـي القذف.
19523ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا مسعر, عن عمران بن عمير: أن عبد الله بن عتبة كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب.
19524ـ حدثنـي يعقوب, قال: ثنـي هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قال: إذا تاب وأصلـح قُبلت شهادته يعنـي القاذف.
19525ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة, عن ابن الـمسيب, قال: تقبل شهادة القاذف إذا تاب.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, عن ابن الـمسيب, مثله.
19526ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد, عن معمر, قال: قال الزُهريّ: إذا حدّ القاذف, فإنه ينبغي للإمام أن يستتـيبه, فإن تاب قُبلت شهادته, وإلاّ لـم تقبل. قال: كذلك فعل عمر بن الـخطاب بـالذين شهدوا علـى الـمغيرة بن شعبة, فتابوا إلاّ أبـا بكرة, فكان لا تقبل شهادته.
وقال آخرون: الاستثناء فـي ذلك من قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُون.
وأما قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا فقد وصل بـالأبد ولا يجوز قبولها أبدا. ذكر من قال ذلك:
19527ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا أشعث بن سوّار, قال: ثنـي الشعبـيّ, قال: كان شريح يجيز شهادة صاحب كلّ عمل إذا تاب إلاّ القاذف, فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه ولا نـجيز شهادته.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا أشعث بن سوار, قال: حدثنا الشعبـيّ, عن شُريح بنـحوه, غير أنه قال: صاحب كلّ حدّ إذا كان عدلاً يوم شهد.
19528ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن إبراهيـم, عن شريح, قال: كان لا يجيز شهادة القاذف, ويقول: توبته فـيـما بـينه وبـين ربه.
19529ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, عن مُطَرّف, عن أبـي عثمان, عن شريح فـي القاذف: يقبل الله توبته, ولا أقبل شهادته.
19530ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا أشعث, عن الشعبـيّ, قال: أتاه خصمان, فجاء أحدهما بشاهد أقطع, فقال الـخصم: ألا ترى ما به؟ قال: قد أراه. قال: فسأل القوم, فأثنوا علـيه خيرا, فقال شريح: نـجيز شهادة كل صاحب حدّ, إذا كان يوم شهد عدلاً إلاّ القاذف, فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا أشعث, عن الشعبـيّ, قال: جاء خصمان إلـى شُرَيح, فجاء أحدهما ببـينة, فجاء بشاهد أقطع, فقال الـخصم: ألا ترى إلـى ما به؟ فقال شريح: قد رأيناه, وقد سألنا القوم فأثنوا خيرا. ثم ذكر سائر الـحديث, نـحو حديث أبـي كريب.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الشيبـانـيّ, عن الشعبـيّ, عن شريح أنه كان يقول: لا تُقبل له شهادة أبدا, توبته فـيـما بـينه وبـين ربه يعنـي القاذف.
19531ـ قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الأشعث, عن الشعبـيّ, بأن ربـابـا قطع رجلاً فـي قَطْعِ الطريق, قال: فقطع يده ورجله. قال: ثم تاب وأصلـح, فشهد عند شريح, فأجاز شهادته. قال: فقال الـمشهود علـيه: أتـجيز شهادته علـيّ وهو أقطع؟ قال: فقال شريح: كل صاحب حدّ إذا أقـيـم علـيه ثم تاب وأصلـح, فشهادته جائزة إلاّ القاذف.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا شعبة, قال الـمغيرة: أخبرنـي, قال: سمعت إبراهيـم يحدّث عن شريح, قال: قضاء من الله لا تقبل شهادته أبدا, توبته فـيـما بـينه وبـين ربه. قال أبو موسى: يعنـي القاذف.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, قال: قال شريح: لا يقبل الله شهادته أبدا.
19532ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن قَتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: لا تـجوز شهادة القاذف, توبته فـيـما بـينه وبـين الله.
19533ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, عن الـحسن, أنه قال: القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين الله, وشهادته لا تُقبل.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن قَتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: لا تـجوز شهادة القاذف, توبته فـيـما بـينه وبـين الله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, عن الـحسن, أنه قال: القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين الله, وشهادته لا تُقبل.
19534ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن إبراهيـم أنه قال فـي الرجل يُجْلَد الـحدّ, قال: لا تـجوز شهادته أبدا.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم: أنه كان لا يقبل له شهادة أبدا, وتوبته فـيـما بـينه وبـين الله يعنـي القاذف.
19535ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان, عن حجاج, عن عمرو بن شعيب, عن أبـيه, عن جدّه, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَـجُوزُ شَهادَةُ مَـحْدُودٍ فِـي الإسْلامِ».
19536ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الـحسن: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا قال: كان يقول: لا تقبل شهادة القاذف أبدا, إنـما توبته فـيـما بـينه وبـين الله. وكان شريح يقول: لا تُقبل شهادته.
19537ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا, ثم قال: فَمَنْ تابَ وأصْلَـحَ فشهادته فـي كتاب الله تقبل.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا: أن الاستثناء من الـمعنـيـين جميعا, أعنـي من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا, ومن قوله: وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ. وذلك أنه لا خلاف بـين الـجميع أن ذلك كذلك إذا لـم يحدّ فـي القذف حتـى تاب, إما بأن يرفع إلـى السلطان بعفو الـمقذوفة عنه, وإما بأن ماتت قبل الـمطالبة بحدّها ولـم يكن لها طالب يطلب بحدّها. فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة.
فإذ كان من الـجميع إجماعا, ولـم يكن الله تعالـى ذكره شرط فـي كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الـحدّ فـي رميه, بل نهى عن قبول شهادته فـي الـحال التـي أوجب علـيه فـيها الـحدّ وسماه فـيها فـاسقا, كان معلوما بذلك أنّ إقامة الـحدّ علـيه فـي رميه, لا تـحدث فـي شهادته مع التوبة من ذنبه, ما لـم يكن حادثا فـيها قبل إقامته علـيه, بل توبته بعد إقامة الـحدّ علـيه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته علـيه لأن الـحدّ يزيد الـمـحدود علـيه تطهيرا من جُرمه الذي استـحقّ علـيه الـحدّ.
فإن قال قائل: فهل يجوز أن يكون الاستثناء من قوله: فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً فتكون التوبة مُسقطة عنه الـحدّ, كما كانت لشهادته عندك قبل الـحدّ وبعده مـجيزة ولاسم الفسق عنه مزيـلة؟ قـيـل: ذلك غير جائز عندنا وذلك أن الـحدّ حقّ عندنا للـمقذوفة كالقصاص الذي يجب لها من جناية يجنـيها علـيها مـما فـيه القصاص. ولا خلاف بـين الـجميع أن توبته من ذلك لا تضع عنه الواجب لها من القصاص منه, فكذلك توبته من القذف لا تضع عنه الواجب لها من الـحدّ, لأن ذلك حقّ لها, إن شاءت عفته, وإن شاءت طالبت به. فتوبة العبد من ذنبه إنـما تضع عن العبد الأسماء الذميـمة والصفـات القبـيحة, فأما حقوق الاَدميـين التـي أوجبها الله لبعضهم علـى بعض فـي كلّ الأحوال فلا تزول بها ولا تبطل.
واختلف أهل العلـم فـي صفة توبة القاذف التـي تقبل معها شهادته, فقال بعضهم: هو إكذابه نفسه فـيه. وقد ذكرنا بعض قائلـي ذلك فـيـما مضى قبل, ونـحن نذكر بعض ما حضرنا ذكره مـما لـم نذكره قبل.
19538ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا حفص, عن لـيث, عن طاوس, قال: توبة القاذف أن يكذّب نفسه.
19539ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, قال: رأيت رجلاً ضُرب حدّا فـي قذف بـالـمدينة, فلـما فرغ من ضربه تناول ثوبه, ثم قال: أستغفر الله وأتوب إلـيه من قذف الـمـحصنات قال: فلقـيت أبـا الزناد, فذكرت ذلك له, قال: فقال: إن الأمر عندنا هاهنا أنه إذا قال ذلك حين يفرغ من ضربه ولـم نعلـم منه إلاّ خيرا قُبلت شهادته.
19540ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُونَ إلاّ الّذِينَ تابُوا... الآية, قال: من اعترف وأقرّ علـى نفسه علانـية أنه قال البهتان وتاب إلـى الله توبة نصوحا والنصوح: أن لايعودوا, وإقراره واعترافه عند الـحدّ حين يؤخذ بـالـجلد فقد تاب والله غفور رحيـم.
وقال آخرون: توبته من ذلك صلاح حاله وندمه علـى ما فرط منه من ذلك والاستغفـار منه وتركه العود فـي مثل ذلك من الـجُرم. وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم, وقد ذكرنا بعض قائلـيه فـيـما مضى, وهو قول مالك بن أنس.
وهذا القول أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب لأن الله تعالـى ذكره جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيـمان تركه العود منه, والندم علـى ما سلف منه, واستغفـار ربه منه, فـيـما كان من ذنب بـين العبد وبـينه دون ما كان من حقوق عبـاده ومظالـمهم بـينهم. والقاذف إذا أُقـيـم علـيه فـيه الـحدّ أو عُفـي عنه فلـم يبق علـيه إلاّ توبته من جرمه بـينه وبـين ربه, فسبـيـل توبته منه سبـيـل توبته من سائر أجرامه. فإذ كان الصحيح فـي ذلك من القول ما وصفنا, فتأويـل الكلام: وأولئك هم الفـاسقون, إلاّ الذين تابوا من جُرمهم الذي اجترموه بقذفهم الـمـحصنات من بعد اجترامهموه, فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: ساتر علـى ذنوبهم بعفوه لهم عنها, رحيـم بهم بعد التوبة أن يعذّبهم علـيها, فـاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فَسَقة, بل سموهم بأسمائهم التـي هي لهم فـي حال توبتهم.
الآية : 6-7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ يَرْمُونَ من الرجال أزْوَاجَهُمْ بـالفـاحشة, فـيقذفونهنّ بـالزنا, ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفـاحشة, فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بـاللّهِ إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: «أرْبَعَ شَهاداتٍ» نصبـا, ولنصبهم ذلك وجهان: أحدهما: أن تكون الشهادة فـي قوله: فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ مرفوعة بـمضمر قبلها, وتكون «الأربع» منصوبـا بـمعنى الشهادة, فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: فعلـى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بـالله. والوجه الثانـي: أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله: إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ و «الأربع» منصوبة بوقوع الشهادة علـيها, كما يقال: شهادتـي ألف مرّة إنك لرجل سَوْء وذلك أن العرب ترفع الأيـمان بأجوبتها, فتقول: حَلِفٌ صادق لأقومنّ, وشهادة عمرو لـيقعدنّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: أرْبَعُ شَهاداتٍ برفع «الأربع», ويجعلونها للشهادة مرافِعة, وكأنهم وجهوا تأويـل الكلام: فـالذي يـلزم من الشهادة, أربعُ شهادات بـالله إنه لـمن الصادقـين.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأ: «فشهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعَ شَهاداتٍ بـاللّهِ إنّهُ لَـمنَ الصّادِقِـينَ» بنصب أربع, بوقوع «الشهادة» علـيها, و «الشهادة» مرفوعة حينئذٍ علـى ما وصفت من الوجهين قبل وأحبّ وجهيهما إلـيّ أن تكون به مرفوعة بـالـجواب, وذلك قوله: إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ وذلك أن معنى الكلام: والذين يرمون أزواجهم, ولـم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم, فشهادة أحدهم أربع شهادات بـالله إنه لـمن الصادقـين, تقوم مقام الشهداء الأربعة فـي دفع الـحدّ عنه. فترك ذكر تقوم مقام الشهداء الأربعة, أكتفـاء بـمعرفة السامعين بـما ذُكِر من الكلام, فصار مُرافِع «الشهادة» ما وصفت. ويعنـي بقوله: فَشَهادَةُ أحَدِهمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بـاللّهِ: فحلف أحدهم أربع أيـمان بـالله, من قول القائل: أشهد بـالله إنه لـمن الصادقـين فـيـما رَمَى زوجته به من الفـاحشة, والـخامِسَة يقول: والشهادة الـخامسة, أن لعنة الله علـيه يقول: إن لعنة الله له واجبة وعلـيه حالّة, إن كان فـيـما رماها به من الفـاحشة من الكاذبـين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالت به جماعة من أهل التأويـل. ذكر الرواية بذلك, وذكر السبب الذي فـيه أُنزلت هذه الآية: 19541ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن عُلَـية, قال: حدثنا أيوب, عن عكرِمة, قال: لـما نزلت وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً قال سعد بن عبـادة: الله إن أنا رأيت لَكَاعِ متفخذَها رجل فقلت بـما رأيت إن فـي ظهري لثمانـين إلـى ما أجمع أربعة؟ قد ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ, ألا تَسْمَعونَ إلـى ما يَقولُ سَيّدُكُمْ؟». قالوا: يا رسول الله لا تَلُـمْه وذكروا من غَيرته فما تزوّج امرأة قطّ إلا بكرا, ولا طلق امرأة قطّ فرجع فـيها أحد منا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنّ اللّهَ يَأبَى إلاّ ذَاكَ» فقال: لا والله, لا يَجْعَل فـي ظهري ثمانـين أبدا, لقد نظرت حتـى أيقنت, ولقد استسمعت حتـى استشفـيت قال: فأنزل الله القرآن بـاللّعان, فقـيـل له: احلف فحلف, قال: «قِـفُوهُ عِنْدَ الـخَامِسَةِ, فإنّها مُوجِبَةٌ». فقال: لا يُدْخـله الله النار بهذا أبدا, كما درأ عنه جلد ثمانـين, لقد نظرت حتـى أيقنت, ولقد استسمعت حتـى استشفـيت فحلف ثم قـيـل: احلفـي فحلفت ثم قال: «قِقُوهَا عِنْدَ الـخَامِسَةِ, فإنّها مُوجِبَةٌ». فقـيـل لها: إنها مُوجِبة, فتلكأت ساعة, ثم قالت: لا أُخْزِي قومي, فحلفت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِها, وَإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ للّذِي قِـيـلَ فـيهِ ما قـيـلَ». قال: فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق, فكان بعد أميرا بـمصر, لا يُعرف نَسَبُه, أو لا يُدْرَى من أبوه.
19542ـ حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: أخبرنا النضر بن شميـل, قال: أخبرنا عبـاد, قال: سمعت عكرِمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما نزلت هذه الآية: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاء فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسقُونَ قال سعد بن عبـادة: لهكذا أنزلت يا رسول الله؟ لو أتـيت لَكاعِ قد تفخّذها رجل, لـم يكن لـي أن أهيجه ولا أحرّكه حتـى آتـيَ بأربعة شهداء؟ فوالله ما كنت لاَتـيَ بأربعة شهداء حتـى يفرغ من حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ, أما تَسْمَعُونَ إلـى ما يَقُولُ سَيّدُكُمْ؟» قالوا: لا تلُـمه فإنه رجل غَيُور, ما تزوّج فـينا قطّ إلاّ عذراء ولا طلق امرأة له فـاجترأ رجل منا أن يتزوّجها قال سعد: يا رسول الله, بأبـي وأمي, والله إنـي لأعرف أنها من الله وأنها حقّ, ولكن عجبت لو وجدت لَكَاعِ قد تفخذها رجل بـم يكن لـي أن أهيجه ولا أحرّكه حتـى آتـيَ بأربعة شهداء والله لا آتـي بأربعة شهداء حتـى يفرغ من حاجته فوالله ما لبثوا إلاّ يسيرا حتـى جاء هلالُ بن أمية من حديقة له, فرأى بعينـيه, وسمع بأذنـيه, فأمسك حتـى أصبح. فلـما أصبح غدا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو جالس مع أصحابه, فقال: يا رسول الله إنـي جئت أهلـي عِشاء, فوجدت رجلاً مع أهلـي, رأيت بعينـي وسمعت بأذنـي. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل علـيه جدّا, حتـى عُرف ذلك فـي وجهه, فقال هلال: والله يا رسول الله إنـي لأرى الكراهة فـي وجهك مـما أتـيتك به, والله يعلـم أنـي صادق, وما قلت إلاّ حقّا, فإنـي لأرجو أن يجعل الله فرجا. قال: واجتـمعت الأنصار, فقالوا: ابتلـينا بـما قال سعد, أيُجْلَد هلال بن أميّة وتبطلَ شهادته فـي الـمسلـمين؟ فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه, فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه, ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه, إذ نزل علـيه الوحي, فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل, حتـى فرغ, فأنزل الله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ... إلـى: أنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَـيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقـينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرْ يا هِلالُ, فإنّ اللّهَ قَدْ جَعَلَ فَرَجا» فقال: قد كنت أرجو ذلك من الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرْسِلُوا إلَـيْها» فجاءت, فلـما اجتـمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قـيـل لها, فكذّبت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ يَعْلَـمُ أنّ أحَدَكما كاذِبٌ, فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ؟» فقال هلال: يا رسول الله, بأبـي وأمي لقد صَدَقْتُ وما قلتُ إلاّ حقّا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاعِنُوا بَـيْنَهُما» قـيـل لهلال: يا هلال اشهد فشهد أربع شهادات بـالله إنه لـمن الصادقـين, فقـيـل له عند الـخامسة: يا هلال اتق الله, فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس, وإنها الـموجبة التـي توجب علـيك العذاب. فقال هلال: والله لا يعذّبنـي الله علـيها كما لـم يجلدنـي علـيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الـخامسة: أنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَـيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِـينَ ثم قـيـل لها: اشهدي فشهدت أربعَ شهادات بـالله إنه لـمن الكاذبـين, فقـيـل لها عند الـخامسة: اتقـي الله, فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس, وإن هذه الـموجبة التـي توجب علـيك العذاب. فتلكّأت ساعة, ثم قالت: والله لا أفضَح قومي, فشهدت الـخامسة: أنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَـيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِـينَ ففرّق بـينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقضى أن الولد لها, ولا يُدْعَى لأب, ولا يُرْمَى ولدها.
19543ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطّوسي, قال: حدثنا أبو أحمد الـحسين بن مـحمد, قال: حدثنا جرير بن حازم, عن أيوب, عن عكرِمة, عن ابن عبـاس, قال: لـمّا قَذف هلال بن أميّة امرأته, قـيـل له: والله لـيجلدنّك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانـين جلدة قال: الله أعدل من ذلك أن يضربنـي ضربة وقد علـم أنـي قد رأيت حتـى استـيقنت وسمعت حتـى استثبتّ, لا والله لا يضربنـي أبدا فنزلت آية الـملاعنة, فدعا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الآية, فقال: «الله يَعْلَـمُ أنّ أحَدَكُما كَاذِبٌ, فهَلْ منكما تَائِبٌ؟» فقال هلال: والله إنـي لصادق. فقال له: «احْلفْ بـاللّهِ الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ: إنّـي لَصَادِقٌ» يقول ذلك أربع مرّات «فإن كنتُ كاذبـا فعلـيّ لعنةُ الله». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قِـفُوهُ عِنْدَ الـخامِسَةِ, فإنّها مُوجِبَةٌ» فحلف. ثم قالت أربعا: والله الذي لا إله إلاّ هو إنه لـمن الكاذبـين, فإن كان صادقا فعلـيها غضب الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قـفُوها عنْدَ الـخامِسَةِ, فإنّها مُوجِبَةٌ» فتردّدت وهمّت بـالاعتراف, ثم قالت لا أفضَح قومي».
19544ـ حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفـاعيّ, قالا: حدثنا عَبْدة, عن الأعمش, عن إبراهيـم, عن علقمة, عن عبد الله, قال: كنا لـيـلة الـجمعة فـي الـمسجد, فدخـل رجل فقال: لو أن رجلاً وجَد مع امرأته رجلاً فقتله قتلتـموه, وإن تكلـم جلدتـموه فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله آية اللّعان. ثم جاء الرجل بعد, فقذف امرأته, فلاعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بـينهما, فقال: «عَسَى أنْ تَـجيءَ بِهِ أسْوَدَ جَعْدا». فجاءت به أسود جَعْدا.
19545ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير بن عبد الـحميد, عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن سعيد بن جُبـير قال: سألت ابن عمر, فقلت: يا أبـا عبد الرحمن, أَيُفَرّق بـين الـمتلاعنـين؟ فقال: نعم, سبحان الله إن أوّل من سأل عن ذلك فلان, أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم فسأله, فقال: أرأيت لو أن أحدنا رأى صاحبته علـى فـاحشة, كيف يصنع؟ فلـم يجبه فـي ذلك شيئا. قال: فأتاه بعد ذلك فقال: إن الذي سألتُ عنه قد ابتلـيتُ به. فأنزل الله هذه الآية فـي سورة النور, فدعا الرجلَ فوعظه وذكّره, وأخبره أن عذاب الدنـيا أهون من عذاب الاَخرة قال: والذي بعثك بـالـحقّ, لقد رأيتُ وما كذبت علـيها قال: ودعا الـمرأة فوعظها, وأخبرها أن عذاب الدنـيا أهون من عذاب الاَخرة, فقالت: والذي بعثك بـالـحقّ إنه لكاذب, وما رأى شيئا قال: فبدأ الرجل, فشهد أربع شهادات بـالله: إنه لـمن الصادقـين, والـخامسة: أن لعنة الله علـيه إن كان من الكاذبـين ثم إن الـمرأة شهدت أربع شهادات بـالله إنه لـمن الكاذبـين, والـخامسة أنّ غَضَبَ الله علـيها إن كان من الصادقـين. وفرّق بـينهما.
19546ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن داود, عن عامر, قال: لـما أنزل: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً قال عاصم بن عديّ: إن أنا رأيت فتكلّـمت جُلدت ثمانـين, وإن أنا سكت سكت علـى الغيظ قال: فكأنّ ذلك شقّ علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأنزلت هذه الآية: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أَنْفُسُهُمْ قال: فما لبثوا إلاّ جمعة, حتـى كان بـين رجل من قومه وبـين امرأته, فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـينهما.
19547ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ... الآية, والـخامسة: أن يقال له: إن علـيك لعنة الله إن كنت من الكاذبـين. وإن أقرّت الـمرأة بقوله رُجمِت, وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بـالله: إنه لـمن الكاذبـين, والـخامسة أن يقال لها: غضب الله علـيك إن كان من الصادقـين فُـيْدرأ عنها العذاب, ويُفَرّق بـينهما, فلا يجتـمعان أبدا, ويُـلـحق الولد بأمه.
19548ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عكرِمة, قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ قال: هلال بن أميّة, والذي رُمِيَتْ به شريك بن سحماء, والذي استفتـى عاصم ابن عديّ.
19549ـ قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي الزهريّ عن الـملاعنة والسنة فـيها, عن حديث سهل بن سعد: أن رجلاً من الأنصار جاء إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: أرأيتَ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً, أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنزل الله فـي شأنه ما ذكر من أمر الـمتلاعنـين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَضَى اللّهُ فِـيكَ وَفِـي امْرأتكَ» فتلاعنا وأنا شاهد. ثم فـارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكانت السنة بعدها أن يُفَرّق بـين الـمتلاعنـين. وكانت حاملة, فأنكره, فكان ابنها يُدعى إلـى أمه, ثم جرت السنة أن ابنها يَرِثها وترث ما فرض الله لها.
19550ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ... إلـى قوله: إنْ كانَ مِنَ الكاذِبـينَ قال: إذا شهد الرجل خمس شهادات, فقد برىء كل واحد من الاَخر, وعِدّتُها إن كانت حاملاً أن تضع حملها, ولا يجْلد واحد منهما وإن لـم تـحلف أقـيـم علـيها الـحدّ والرجْم.
الآية : 8-9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصّادِقِينَ }.
يعنـي جلّ ذكره بقوله: وَيَدْرَأُ عَنْها العَذَابَ: ويدفع عنها الـحدّ.
واختلف أهل العلـم فـي العذاب الذي عناه الله فـي هذا الـموضع أنه يدرؤه عنها شهاداتها الأربع, فقال بعضهم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك, من أنّ الـحدّ جَلْدُ مئة إن كانت بكرا أو الرجْم إن كانت ثـيبـا قد أحصنت.
وقال آخرون: بل ذلك الـحبس, وقالوا: الذي يجب علـيها إن هي لـم تشهد الشهادات الأربع بعد شهادات الزوج الأربع والْتِعَانة: الـحبس دون الـحدّ.
وإنـما قلنا: الواجب علـيها إذا هي امتنعت من الالْتعان بعد الْتعان الزوج الـحدّ الذي وصفنا, قـياسا علـى إجماع الـجميع علـى أن الـحدّ إذا زال عن الزوج بـالشهادات الأربع علـى تصديقه فـيـما رماها به, أن الـحدّ علـيها واجب, فجعل الله أيـمانه الأربع والْتعانة فـي الـخامسة مخرجا له من الـحدّ الذي يجب لها برميه إياها, كما جعل الشهداء الأربعة مخرجا له منه فـي ذلك وزائلاً به عنه الـحدّ فكذلك الواجب أن يكون بزوال الـحدّ عنه بذلك واجبـا علـيها حدّها كما كان بزواله عنه بـالشهود واجبـا علـيها, لا فرق بـين ذلك. وقد استقصينا العلل فـي ذلك فـي بـاب اللعان من كتابنا الـمسمى «لطيف القول فـي شرائع الإسلام», فأغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: أنْ تشْهَدَ أرْبَعَ شَهادَاتٍ بـاللّهِ يقول: ويدفع عنها العذاب أن تـحلف بـالله أربع أيـمان: أن زوجها الذي رماها بـما رماها به من الفـاحشة, لـمن الكاذبـين فـيـما رماها من الزنا. وقوله: والـخامِسَةُ أنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَـيْها... الآية, يقول: والشهادة الـخامسة: أن غضب الله علـيها إن كان زوجها فـيـما رماها به من الزنا من الصادقـين. ورفع قوله: والـخامِسَةُ فـي كلتا الاَيتـين, ب«أنّ» التـي تلـيها.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولولا فضل الله علـيكم أيها الناس ورحمته بكم, وأنه عَوّاد علـى خـلقه بلطفه وطَوْله, حكيـم فـي تدبـيره إياهم وسياسته لهم لعاجلكم بـالعقوبة علـى معاصيكم وفضَح أهل الذنوب منكم بذنوبهم, ولكنه ستر علـيكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلاً, رحمة منه بكم وتفضلاً علـيكم, فـاشكروا نعمه وانتهوا عن التقدّم عما عنه نهاكم من معاصيه. وترك الـجواب فـي ذلك, اكتفـاء بـمعرفة السامع الـمراد منه