تفسير الطبري تفسير الصفحة 434 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 434
435
433
 الآية : 48 -49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِنّ رَبّي يَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }.
يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لـمشركي قومك إنّ رَبّـي يَقْذِفُ بـالـحَقّ وهو الوحي, يقول: ينزله من السماء, فـيقذفه إلـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم عَلاّمُ الغُيُوبِ يقول: علام ما يغيب عن الأبصار, ولا مَظْهَر لها, وما لـم يكن مـما هو كائن, وذلك من صفة الربّ غير أنه رُفع لـمـجيئه بعد الـخبر, وكذلك تفعل العرب إذا وقع النعت بعد الـخبر, فـي أن أتبعوا النعت إعراب ما فـي الـخبر, فقالوا: إن أبـاك يقوم الكريـم, فرفع الكريـم علـى ما وَصَفت, والنصب فـيه جائز, لأنه نعت للأب, فـيتبع إعرابه قُلْ جاءَ الـحَقّ يقول: قل لهم يا مـحمد: جاء القرآن ووحي الله وَما يُبْدِىءُ البـاطِلُ يقول: وما ينشىء البـاطل خـلقا والبـاطل هو فـيـما فسّره أهل التأويـل: إبلـيس وَما يُعِيدُ يقول: ولا يعيده حيا بعد فنائه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22067ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ إنّ رَبّـي يَقْذِفُ بـالـحَقّ: أي بـالوحي عَلاّمُ الغُيُوبِ قُلْ جاءَ الـحَقّ أي القرآن وَما يُبْدِىءُ البـاطِلُ وَما يُعِيدُ, والبـاطل: إبلـيس: أي ما يخـلق إبلـيس أحدا, ولا يبعثه.
22068ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قُلْ إنّ رَبّـي يَقْذِفُ بـالـحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ, فقرأ: بَلْ نَقْذِفُ بـالـحَقّ علـى البـاطلِ... إلـى قوله وَلَكُمُ الوَيْـلُ مِـمّا تَصِفُونَ قال: يُزْهِق الله البـاطل, ويثبت الله الـحقّ الذي دمغ به البـاطل, يدمغ بـالـحقّ علـى البـاطل, فـيهلك البـاطل ويثبت الـحقّ, فذلك قوله قُلْ إنّ رَبّـي يَقْذِفُ بـالـحَقّ عَلاّمُ الغُيُوبِ.

الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنّمَآ أَضِلّ عَلَىَ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيّ رَبّي إِنّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لقومك: إن ضَلَلتُ عن الهدى, فسلكت غير طريق الـحقّ, فإنـما ضلالـي عن الصواب علـى نفسي, يقول: فإن ضلالـي عن الهدى علـى نفسي ضرّه وَإنِ اهْتَدَيْتُ يقول: وإن استقمت علـى الـحقّ فِـيـما يُوحِي إلـيّ رَبّـي يقول: فبوحي الله الذي يوحِي إلـيّ, وتوفـيقه للاستقامة علـى مـحجة الـحق وطريق الهُدى.
وقوله: إنّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ يقول: إن ربـي سميع لـما أقول لكم, حافظ له, وهو الـمـجازِي لـي علـى صدقـي فـي ذلك, وذلك منـي غير بعيد, فـيتعذّر علـيه سماع ما أقول لكم, وما تقولون, وما يقوله غيرنا, ولكنه قريب من كلّ متكلـم يسمع كل ما ينطق به, أقرب إلـيه من حبل الوريد.
الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مّكَانٍ قَرِيبٍ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ولو تَرى يا مـحمد إذ فزعوا.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيـين بهذه الاَية, فقال بعضهم: عُنِـي بها هؤلاء الـمشركون الذين وصفهم تعالـى ذكره بقوله: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا بَـيّناتٍ قالُوا ما هَذَا إلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَصُدّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آبـاؤُكُمْ قال: وعُنِـي بقوله: إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ عند نزول نقمة الله بهم فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
22069ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ... إلـى آخر الاَية, قال: هذا من عذاب الدنـيا.
22070ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال: هذا عذاب الدنـيا.
22071ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ... إلـى آخر السورة, قال: هؤلاء قتلـى الـمشركين من أهل بدر, نزلت فـيهم هذه الاَية, قال: وهم الذين بدّلوا نعمة الله كفرا, وأحلّوا قومهم دارَ البوار جهنـم, أهل بدر من الـمشركين.
وقال آخرون: عنى بذلك جيش يخسف بهم ببـيداء من الأرض. ذكر من قال ذلك:
22072ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, فـي قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال: هم الـجيش الذي يُخْسَف بهم بـالبـيداء, يبقـى منهم رجل يخبر الناس بـما لقـي أصحابه.
22073ـ حدثنا عصام بن رَوّاد بن الـجَرّاح, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سفـيان بن سعيد, قال: ثنـي منصور بن الـمعتـمر, عن رِبْعِيّ بن حِرَاش, قال: سمعت حُذيفة بن الـيـمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذَكر فتنة تكون بـين أهل الـمشرق والـمغرب. قال: «فبـينـما هم كذلك, إذ خرج علـيهم السّفْـيانـيّ من الوادي الـيابس فـي فَورة ذلك, حتـى ينزل دمشق, فـيبعث جيشين: جيشا إلـى الـمشرق, وجيشا إلـى الـمدينة, حتـى ينزلوا بأرض بـابل فـي الـمدينة الـملعونة, والبقعة الـخبـيثة, فـيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف, وَيَبْقُرون بها أكثر من مئة امرأة, ويقتلون بها ثلاث مئة كبش من بنـي العبـاس, ثم ينـحدرون إلـى الكوفة فـيخَرّبون ما حولها, ثم يخرجون متوجهين إلـى الشأم, فتـخرج راية هذا من الكوفة, فتلـحق ذلك الـجيش منها علـى الفئتـين فـيقتلونهم, لا يفلت منهم مخبر, ويستنقذون ما فـي أيديهم من السّبْـي والغنائم, ويخـلـي جيشه التالـي بـالـمدينة, فـينهبونها ثلاثة أيام ولـيالـيها, ثم يخرجون متوجهين إلـى مكة, حتـى إذا كانوا بـالبـيداء, بعث الله جبريـل, فـيقول: يا جبرائيـل اذهب فأبدهم, فـيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم, فذلك قوله فـي سورة سبأ وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ... الاَية, ولا ينفلت منهم إلاّ رجلان: أحدهما بشير, والاَخر نذير, وهما من جهينة, فلذلك جاء القول:( وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الـخَبرُ الـيَقِـينُ )
22074ـ حدثنا مـحمد بن خـلَف العسقلانـيّ قال: سألت روّاد بن الـجرّاح, عن الـحديث الذي حدث به عنه, عن سفـيان الثوري, عن منصور, عن ربعى, عن حذيفة عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, عن قصة ذكرها فـي الفتن, قال: فقلت له: أخبرنـي عن هذا الـحديث سمعته من سفـيان الثوريّ؟ قال: لا, قلت: فقرأته علـيه, قال: لا, قلت: فقرىء علـيه وأنت حاضر؟ قال: لا, قلت: فما قصته, فما خبره؟ قال: جاءنـي قوم فقالوا: معنا حديث عجيب, أو كلام هذا معناه, نقرؤه وتسمعه, قلت لهم: هاتوه, فقرءوه علـيّ, ثم ذهبوا فحدّثوا به عنـي, أو كلام هذا معناه.
قال أبو جعفر: وقد:
22075ـ حدثنـي ببعض هذا الـحديث مـحمد بن خـلف, قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـان, عن سفـيان الثوري, عن منصور, عن ربعى, عن حُذيفة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, حديث طويـل, قال: رأيته فـي كتاب الـحسين بن علـيّ الصدائي, عن شيخ, عن روّاد, عن سفـيان بطوله.
وقال آخرون: بل عنى بذلك الـمشركون إذا فزعوا عند خروجهم من قبورهم. ذكر من قال ذلك:
22076ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعوا قال: فزعوا يوم القـيامة حين خرجوا من قبورهم. وقال قتادة: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ حين عاينوا عذاب الله.
22077ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن ابن معقل وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال: أفزعهم يوم القـيامة فلـم يفوتوا.
والذي هو أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك, وأشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال: وعيد الله الـمشركين الذين كذّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه لأن الاَيات قبل هذه الاَية جاءت بـالإخبـار عنهم وعن أسبـابهم, وبوعيد الله إياهم مغبته, وهذه الاَية فـي سياق تلك الاَيات, فلأن يكون ذلك خبرا عن حالهم أشبه منه بأن يكون خبرا لـما لـم يجر له ذكر. وإذا كان ذلك كذلك, فتأويـل الكلام: ولو ترى يا مـحمد هؤلاء الـمشركين من قومك, فتعاينهم حين فزعوا من معاينتهم عذاب الله فَلا فَوْتَ يقول فلا سبـيـل حينئذٍ أن يفوتوا بأنفسهم, أو يعجزونا هربـا, وينـجوا من عذابنا, كما:
22078ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ يقول: فلا نـجاة.
22079ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال: لا هرب.
وقوله: وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يقول: وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب, لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه.

الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَقَالُوَاْ آمَنّا بِهِ وَأَنّىَ لَهُمُ التّنَاوُشُ مِن مّكَانِ بَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الـمشركون حين عاينوا عذاب الله آمنا به, يعنـي: آمنا بـالله وبكتابه ورسوله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22080ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَقالُوا آمَنّا بِهِ قالوا: آمنا بـالله.
22081ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قالُوا آمَنّا بِهِ عند ذلك, يعنـي: حين عاينوا عذاب الله.
22082ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقالُوا آمَنّا بِهِ بعد القتل وقوله وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ يقول: ومن أيّ وجه لهم التناوش.
واختلفت قرّاء الأمصار فـي ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة التّناوُشُ بغير همز, بـمعنى: التناول وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: «التّناؤُشُ» بـالهمز, بـمعنى: التنؤّش, وهو الإبطاء, يقال منه: تناءشت الشيء: أخذته من بعيد, ونشته: أخذته من قريب ومن التنؤّش قول الشاعر:
تَـمَنّى نَئِيشا أنْ يكُونَ أطاعَنِـيوَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأمُورِ أمُورُ
ومن النّوْش قول الراجز:
فَهْيَ تَنُوشُ الـحَوْضَ نَوْشا مِنْ عَلانَوْشا بِهِ تَقْطَعُ أجْوَازَ الفَلا
ويقال للقوم فـي الـحرب, إذا دنا بعضهم إلـى بعض بـالرماح ولـم يتلاقوا: قد تناوش القوم.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, وذلك أن معنى ذلك: وقالوا آمنا بـالله, فـي حين لا ينفعهم قـيـل ذلك, فقال الله وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ أي وأين لهم التوبة والرجعة: أي قد بعدت عنهم, فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها وإنـما وصفت ذلك الـموضع بـالبعيد, لأنهم قالوا ذلك فـي القـيامة, فقال الله: أنـي لهم بـالتوبة الـمقبولة, والتوبة الـمقبولة إنـما كانت فـي الدنـيا, وقد ذهبت الدنـيا فصارت بعيدا من الاَخرة, فبأية القراءتـين اللتـين ذكرت قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك.
وقد يجوز أن يكون الذين قرؤوا ذلك بـالهمز همزوا, وهم يريدون معنى من لـم يهمز, ولكنهم همزوه لانضمام الواو فقلبوها, كما قـيـل: وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ فجعلت الواو من وُقتت, إذا كانت مضمومة همزوه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22083ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن التـميـمي, قال: قلت لابن عبـاس: أرأيت قول الله: وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ قال: يسألون الردّ, ولـيس بحين ردّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أبـي إسحاق, عن التـميـمي, عن ابن عبـاس نـحوه.
حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ يقول: فكيف لهم بـالردّ.
22084ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ قال: الردّ.
22085ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ قال: التناول مِنْ مَكانٍ بَعيد.
22086ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَقالُوا آمَنّا بِهِ وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال: هؤلاء قتلـى أهل بدر من قتل منهم, وقرأ: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَد فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنّا بِهِ... الاَية, قال: التناوش: التناول, وأنّى لهم تناول التوبة من مكان بعيد, وقد تركوها فـي الدنـيا, قال: وهذا بعد الـموت فـي الاَخرة.
قال: وقال ابن زيد فـي قوله وَقالُوا آمَنّا بِهِ بعد القتل وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ وقرأ: وَلا الّذِينَ يَـمُوتونَ وَهُمْ كُفّـارٌ قال: لـيس لهم توبة, وقال: عرض الله علـيهم أن يتوبوا مرّة واحدة, فـيقبلها الله منهم, فأبوا, أو يعرضون التوبة بعد الـموت, قال: فهم يعرضونها فـي الاَخرة خمس عرضات, فـيأبى الله أن يقبلها منهم قال: والتائب عند الـموت لـيست له توبة وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِـفُوا علـى النّارِ فَقالُوا يا لَـيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا... الاَية, وقرأ: رَبّنا أبْصَرْنا وَسمعْنا فـارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِـحا إنّا مُوقِنُونَ.
22087ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا مروان, عن جُويبر, عن الضحاك, فـي قوله: وأنّى لَهُمُ التّناوُشُ قال: وأنى لهم الرجعة.
وقوله: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يقول: من آخرتهم إلـى الدنـيا, كما:
22088ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ من الاَخرة إلـى الدنـيا.
الآية : 53
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مّكَانٍ بَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ يقول: وقد كفروا بـما يسألونه ربهم عند نزول العذاب بهم, ومعاينتهم إياه من الإقالة له, وذلك الإيـمان بـالله, وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاءهم به من عند الله.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22089ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ: أي بـالإيـمان فـي الدنـيا.
وقوله: وَيَقْذِفُونَ بـالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يقول: وهم الـيوم يقذفون بـالغيب مـحمدا من مكان بعيد, يعنـي أنهم يرجمونه, وما أتاهم من كتاب الله بـالظنون والأوهام, فـيقول بعضهم: هو ساحر, وبعضهم شاعر, وغير ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22090ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَيَقْذِفُونَ بـالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال: قولهم ساحر, بل هو كاهن, بل هو شاعر.
22091ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَيَقْذِفُونَ بـالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي يرجمون بـالظنّ, يقولون: لا بعث, ولا جنة, ولا نار.
22092ـ حدثنـي يونس, قال: حدثنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَيَقْذِفُونَ بـالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال: بـالقرآن.
الآية : 54
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّ مّرِيبِ }.
يقول تعالـى ذكره: وحيـل بـين هؤلاء الـمشركين حين فزعوا, فلا فوت, وأخذوا من مكان قريب, فقالوا آمنا به وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ حينئذ من الإيـمان بـما كانوا به فـي الدنـيا قبل ذلك يكفرون ولا سبـيـل لهم إلـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22093ـ حدثنـي إسماعيـل بن حفص الأبلـي, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـي الأشهب, عن الـحسن, فـي قوله: وَحيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: حيـل بـينهم وبـين الإيـمان بـالله.
حدثنا ابن بِشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الصمد, قال: سمعت الـحسن, وسئل عن هذه الاَية وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: حيـل بـينهم وبـين الإيـمان.
حدثنـي ابن أبـي زياد, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا أبو الأشهب, عن الـحسن وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: حيـل بـينهم وبـين الإيـمان.
22094ـ حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: من الرجوع إلـى الدنـيا لـيتوبوا.
22095ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها فـي الدنـيا حين عاينوا ما عاينوا.
حدثنا الـحسن بن واضح, قال: حدثنا الـحسن بن حبـيب, قال: حدثنا أبو الأشهب, عن الـحسن, فـي قوله: وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: حيـل بـينهم وبـين الإيـمان.
وقال آخرون: معنى ذلك: وحيـل بـينهم وبـين ما يشتهون من مال وولد وزهرة الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
22096ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى قال: ثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: من مال أو ولد أو زهرة.
22097ـ حدثنـي يونس, قال: قال أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ قال: فـي الدنـيا التـي كانوا فـيها والـحياة.
وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك, لأن القوم إنـما تَـمَنّوا حين عاينوا من عذاب الله ما عاينوا, ما أخبر الله عنهم أنهم تَـمَنّوه, وقالوا آمنا به, فقال الله: وأنى لهم تَناوُش ذلك من مكان بعيد, وقد كفروا من قبل ذلك فـي الدنـيا. فإذا كان ذلك كذلك, فلأن يكون قوله: وَحِيـلَ بَـيْنَهُم وَبَـينَ ما يَشْتَهُونَ خبرا عن أنه لا سبـيـل لهم إلـى ما تـمنوه أولـى من أن يكون خبرا عن غيره.
وقوله: كمَا فُعِلَ بأشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ يقول فعلنا بهؤلاء الـمشركين, فحلنا بـينهم وبـين ما يشتهون من الإيـمان بـالله عند نزول سَخَط الله بهم, ومعاينتهم بأسه كما فعلنا بأشياعهم علـى كفرهم بـالله من قبلهم من كفـار الأمـم, فلـم نقبل منهم إيـمانهم فـي ذلك الوقت, كما لـم نقبل فـي مثل ذلك الوقت من ضُرَبـائهم. والأشياع: جمع شِيَع, وشِيَع: جمع شيعة, فأشياع جمع الـجمع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22098ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح كمَا فُعِلَ بأشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ قال الكفـار من قبلهم.
22099ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كمَا فُعِلَ بأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ أي فـي الدنـيا كانوا إذا عاينوا العذاب لـم يُقبل منهم إيـمان.
وقوله: إنّهُمْ كانُوا فِـي شَكَ مُرِيبٍ يقول تعالـى ذكره: وحيـل بـين هؤلاء الـمشركين حين عاينوا بأس الله, وبـين الإيـمان: إنهم كانوا قبل فـي الدنـيا فـي شكّ من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه, وقد أخبرهم نبـيهم أنهم إن لـم ينـيبوا مـما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بـالله, وعبـادة الأوثان أن الله مُهْلِكهم, ومُـحِلّ بهم عقوبته فـي عاجل الدنـيا, وآجل الاَخرة قبل نزوله بهم مريب يقول: موجب لصاحبه الذي هو به ما يَرِيبه من مكروه, من قولهم: قد أراب الرجل: إذا أتـى ريبة وركب فـاحشة كما قال الراجز:
يا قَوْمُ مالـي وأبـا ذُؤَيْبِ؟ كُنْتُ إذا أتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ
يَشُمّ عِطْفِـي وَيَبَزّ ثَوْبِـيِ كأنّـمَا أرَبْتُهُ بِرَيْبِ
يقول: كأنـما أتـيت إلـيه ريبة.
آخر تفسير سورة سبأ

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة سبأ

سورة فـاطر مكية
وآياتها خمسٌ وأربعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَمْدُ للّهِ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيَ أَجْنِحَةٍ مّثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: الشكر الكامل للـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلا له, ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السموات السبع والأرض, جاعِلِ الـمَلائِكَةِ رُسُلاً إلـى من يشاء من عبـاده, وفـيـما شاء من أمره ونهيه أُولـي أجْنِـحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ يقول: أصحاب أجنـحة: يعنـي ملائكة, فمنهم من له اثنان من الأجنـحة, ومنهم من له ثلاثة أجنـحة, ومنهم من له أربعة, كما:
22100ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أُولـي أجْنِـحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ قال بعضهم: له جناحان, وبعضهم: ثلاثة, وبعضهم أربعة.
واختلف أهل العربـية فـي علة ترك إجراء مَثْنَى وثلاث وربـاع, وهي ترجمة عن أجنـحة, وأجنـحة نكرة, فقال بعض نـحويـيّ البصرة. تُرك إجراؤهنّ لأنهنّ مصروفـات عن وجوههنّ, وذلك أن مثنى مصروف عن اثنـين, وثلاث عن ثلاثة, ورُبـاع عن أربعة, فصرف نظيرُ عمَرَ, وزُفَرَ, إذ صُرِف هذا عن عامر إلـى عمر, وهذا عن زافر إلـى زُفر, وأنشد بعضهم فـي ذلك:
وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ وَمَوْحَدَاوترَكْتُ مَرّةَ مِثْلَ أمْسِ الـمُدْبِرِ
وقال آخر منهم: لـم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة, قال: وهذا لا يستعمل إلا فـي حال العدد. وقال بعض نـحويـيّ الكوفة: هنّ مصروفـات عن الـمعارف, لأن الألف واللام لا تدخـلها, والإضافة لا تدخـلها قال: ولو دخـلتها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة, وهي ترجمة عن النكرة قال: وكذلك ما كان فـي القرآن, مثل: أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى, وكذلك وُحاد وأحاد, وما أشبهه من مصروف العدد.
وقوله: يَزِيدُ فِـي الـخَـلْقِ ما يَشاءُ وذلك زيادته تبـارك وتعالـى فـي خـلق هذا الـملك من الأجنـحة علـى الاَخر ما يشاء, ونقصانه عن الاَخر ما أحبّ, وكذلك ذلك فـي جميع خـلقه يزيد ما يشاء فـي خـلق ما شاء منه, وينقص ما شاء من خـلق ما شاء, له الـخـلق والأمر, وله القدرة والسلطان إنّ اللّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: إن الله تعالـى ذكره قدير علـى زيادة ما شاء من ذلك فـيـما شاء, ونقصان ما شاء منه مـمن شاء, وغير ذلك من الأشياء كلها, لا يـمتنع علـيه فعل شيء أراده سبحانه وتعالـى.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: مفـاتـيح الـخير ومغالقه كلها بـيده فما يفتـح الله للناس من خير فلا مُغلق له, ولا مـمسك عنهم, لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد, وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه علـيهم, ولا يفتـحه لهم, فلا فـاتـح له سواه, لأن الأمور كلها إلـيه وله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22101ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ما يَفْتَـحِ اللّهُ للنّاس مِنْ رَحْمَةٍ: أي من خير فَلا مُـمْسِكَ لَهَا فلا يستطيع أحد حبسها وَما يُـمْسِكْ فَلا مُرْسِلُ لَهُ مِنْ بَعْدهِ.
وقال تعالـى ذكره: فَلا مُـمْسِكَ لَهَا فأنث ما لذكر الرحمة من بعده, وقال: وَما يُـمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فذكر للفظ «ما» لأن لفظه لفظ مذكر, ولو أنّث فـي موضع التذكير للـمعنى, وذكر فـي موضع التأنـيث للفظ جاز, ولكنّ الأفصح من الكلام التأنـيث إذا ظهر بعد ما يدلّ علـى تأنـيثها والتذكير إذا لـم يظهر ذلك.
وقوله: وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ يقول: وهو العزيز فـي نِقمته مـمن انتقم منه من خـلقه بحبس رحمته عنه وخيراته, الـحكيـم فـي تدبـير خـلقه, وفتـحه لهم الرحمة إذا كان فتـح ذلك صلاحا, وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ }.
يقول تعالـى ذكره للـمشركين به من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُرَيش: يَا أيّهَا الناسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ التـي أنعمها عَلَـيْكُم بفتـحه لكم من خيراته ما فتـح وبَسْطِه لكم من العيش ما بسط وفكّروا فـانظروا هل من خالق سوى فـاطر السموات والأرض الذي بـيده مفـاتـيح أرزاقكم ومغالقها يَرْزُقُكُم مِنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فتعبدوه دونه لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تنبغي له العبـادة إلا الذي فطر السموات والأرض, القادر علـى كلّ شيء, الذي بـيده مفـاتـح الأشياء وخزائنها, ومغالق ذلك كله, فلا تعبدوا أيها الناس شيئا سواه, فإنه لا يقدر علـى نفعكم وضرّكم سواه, فله فأخـلصوا العبـادة, وإياه فأفردوا بـالألوهة فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول: فأيّ وجه عن خالقكم ورازقكم الذي بـيده نفعكم وضرّكم تصرفون, كما:
22102ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فأنّى تُؤْفَكُونَ يقول الرجل: إنه لـيوفك عنى كذا وكذا.
وقد بـيّنت معنى الإفك, وتأويـل قوله: تُؤْفَكُونَ فـيـما مضى بشواهده الـمغنـية عن تكريره