تفسير الطبري تفسير الصفحة 440 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 440
441
439
 الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىَ ظَهْرِهَا مِن دَآبّةٍ وَلَـَكِن يُؤَخّرُهُمْ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }.
يقول تعالـى ذكره: ولو يؤاخذ الله الناس. يقول: ولو يعاقب الله الناس, ويكافئهم بـما عملوا من الذنوب والـمعاصي, واجترحوا من الاَثام, ما تَرَك علـى ظهرها من دابة تدبّ علـيها وَلَكِنْ يُؤَخّرُهُمْ إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بـما كسبوا إلـى أجل معلوم عنده, مـحدود لا يقصرون دونه, ولا يجاوزونه إذا بلغوه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22210ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهَ النّاسَ بِـمَا كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلـى ظَهْرِها مِنْ دَابّةٍ إلاّ ما حمل نوح فـي السفـينة.
وقوله: فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ فإنّ اللّهَ كانَ بِعِبـادِهِ بَصِيرا يقول تعالـى ذكره: فإذا جاء أجل عقابهم, فإن الله كان بعبـاده بصيرا من الذي يستـحقّ أن يعاقب منهم, ومن الذي يستوجب الكرامة, ومن الذي كان منهم فـي الدنـيا له مطيعا, ومن كان فـيها به مشركا, لا يخفـى علـيه أحد منهم, ولا يعزب عنه علـم شيء من أمرهم.
آخر تفسير سورة فـاطر

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة فاطر

سورة يس مكية
وآياتها ثلاث وثمانون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1 -4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يسَ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: يس, فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به, وهو من أسماء الله. ذكر من قال ذلك:
22211ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يس قال: فإنه قسم أقسمه الله, وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: معناه: يا رجل. ذكر من قال ذلك:
22212ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله يس قال: يا إنسان, بـالـحبشية.
22213ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن شرقـيّ, قال: سمعت عكرمة يقول: تفسير يس: يا إنسان.
وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتـح الله به كلامه. ذكر من قال ذلك:
22214ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: يس مفتاح كلام, افتتـح الله به كلامه.
وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك:
22215ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يس قال: كلّ هجاء فـي القرآن اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر: وقد بـيّنا القول فـيـما مضى فـي نظائر ذلك من حروف الهجاء بـما أغنى عن إعادته وتكريره فـي هذا الـموضع.
وقوله: والقُرآنِ الـحَكِيـمِ يقول: والقرآن الـمـحكم بـما فـيه من أحكامه, وبـيّنات حججه إنّكَ لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول تعالـى ذكره مقسما بوحيه وتنزيـله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: إنك يا مـحمد لـمن الـمرسلـين بوحي الله إلـى عبـاده, كما:
22216ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والقُرآنِ الـحَكِيـمِ إنّكَ لَـمِنَ الـمُرْسَلـينَ قسم كما تسمعون إنّكَ لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ علـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ.
وقوله: عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ يقول: علـى طريق لا اعوجاج فـيه من الهدى, وهو الإسلام, كما:
22217ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ: أي علـى الإسلام.
وفـي قوله: عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ وجهان أحدهما: أن يكون معناه: إنك لـمن الـمرسلـين علـى استقامة من الـحقّ, فـيكون حينئذٍ علـى من قوله عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ من صلة الإرسال. والاَخر أن يكون خبرا مبتدأ, كأنه قـيـل: إنك لـمن الـمرسلـين, إنك علـى صراط مستقـيـم.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ }.
اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: تَنْزِيـلَ العَزِيزِ الرّحِيـمِ فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: «تَنْزِيـلُ العَزِيز» برفع تنزيـل, والرفع فـي ذلك يتـجه من وجهين أحدهما: بأن يُجعل خبرا, فـيكون معنى الكلام: إنه تنزيـل العزيز الرحيـم. والاَخر: بـالابتداء, فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: إنك لـمن الـمرسلـين, هذا تنزيـل العزيز الرحيـم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض أهل الشام: تَنْزِيـلَ نصبـا علـى الـمصدر من قوله: إنّكَ لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ لأنّ الإرسال إنـما هو عن التنزيـل, فكأنه قـيـل: لـمنزل تنزيـل العزيز الرحيـم حقا.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار, متقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. ومعنى الكلام: إنك لـمن الـمرسلـين يا مـحمد إرسال الربّ العزيز فـي انتقامه من أهل الكفر به, الرحيـم بـمن تاب إلـيه, وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه علـى سالف جرمه بعد توبته له.
الآية : 6 -7
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقّ الْقَوْلُ عَلَىَ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آبـاؤُهُمْ فقال بعضهم: معناه: لتنذر قوما ما أنذر الله من قبلهم من آبـائهم. ذكر من قال ذلك:
22218ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شُعْبة, عن سِماك, عن عكرمة فـي هذه الاَية: لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آبـاؤُهُمْ قال: قد أنذروا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قوما ما أنذر آبـاؤهم. ذكر من قال ذلك:
22219ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آبـاؤُهُمْ قال بعضهم: لتنذر قوما ما أنذر آبـاؤهم من إنذار الناس قبلهم. وقال بعضهم: لتنذر قوما ما أنذر آبـاؤهم: أي هذه الأمة لـم يأتهم نذير, حتـى جاءهم مـحمد صلى الله عليه وسلم.
واختلف أهل العربـية فـي معنى «ما» التـي فـي قوله: ما أُنْذرَ آبـاؤُهُمْ إذا وُجّه معنى الكلام إلـى أن آبـاءهم قد كانوا أنذروا, ولـم يُرد بها الـجحد, فقال بعض نـحويّـي البصرة: معنى ذلك: إذا أريد به غير الـجحد لتنذرهم الذي أُنذر آبـاؤهم فَهُمْ غافِلُونَ. وقال: فدخول الفـاء فـي هذا الـمعنى لا يجوز, والله أعلـم. قال: وهو علـى الـجحد أحسن, فـيكون معنى الكلام: إنك لـمن الـمرسلـين إلـى قوم لـم ينذر آبـاؤهم, لأنهم كانوا فـي الفترة.
وقال بعض نـحويّـي الكوفة: إذا لـم يرد بـما الـجحد, فإن معنى الكلام: لتنذرهم بـما أنذر آبـاؤهم, فتلقـى البـاء, فتكون «ما» فـي موضع نصب فَهُمْ غافِلُونَ يقول: فهم غافلون عما الله فـاعل: بأعدائه الـمشركين به, من إحلال نقمته, وسطوته بهم.
وقوله: لَقَدْ حَقّ القَوْلُ علـى أكْثَرِهِمْ فَهمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: لقد وجب العقاب علـى أكثرهم, لأن الله قد حتـم علـيهم فـي أمّ الكتاب أنهم لا يؤمنون بـالله, ولا يصدّقون رسوله.
الآية : 8 -9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا جَعَلْنَا فِيَ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: إنا جعلنا أيـمان هؤلاء الكفـار مغلولة إلـى أعناقِهم بـالأغلال, فلا تُبْسط بشيء من الـخيرات وهي فـي قراءة عبد الله فـيـما ذُكر: «إنّا جَعَلْنا فِـي أيـمَانِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلـى الأَذْقانِ». وقوله: إلـى الأَذْقانِ يعنـي: فأَيـمانهم مـجموعة بـالأغلال فـي أعناقهم, فكُنّـي عن الأيـمان, ولـم يجر لها ذكر لـمعرفة السامعين بـمعنى الكلام, وأن الأغلال إذا كانت فـي الأعناق لـم تكن إلاّ وأيدي الـمغلولـين مـجموعة بها إلـيها فـاستغنى بذكر كون الأغلال فـي الأعناق من ذكر الأيـمان, كما قال الشاعر:
وَما أَدْرِي إذَا يَـمّـمْتُ وَجْهاأُرِيدُ الـخَيْرَ أيّهُما يَـلِـينِـي
أألْـخَيْرُ الّذِي أنا أبْتَغِيهِأمِ الشّرّ الّذِي لا يَأْتَلِـينِـي
فكنى عن الشرّ, وإنـما ذكر الـخير وحده لعلـم سامع ذلك بـمعنـيّ قائله, إذ كان الشرّ مع الـخير يُذكر. والأذقان: جمع ذَقَن, والذّقَن: مـجمع اللّـحْيَـين.
وقوله: فَهُمْ مُقْمَـحُونَ والـمُقْمَـح: هو الـمقنع, وهو أن يحدر الذقن حتـى يصير فـي الصدر, ثم يرفع رأسه فـي قول بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة. وفـي قول بعض الكوفـيـين: هو الغاضّ بصره, بعد رفع رأسه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22220ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: إنّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلاَلاً فَهِيَ إلـى الأَذْقان فَهُمْ مُقْمَـحُونَ قال: هو كقول الله: وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ يعنـي بذلك أن أيديهم موثقة إلـى أعناقهم, لا يستطيعون أن يبسُطوها بخير.
22221ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فَهُمْ مُقْمَـحُونَ قال: رافعو رؤوسهم, وأيديهم موضوعة علـى أفواههم.
22222ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلـى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَـحُونَ: أي فهم مغلولون عن كلّ خير.
وقوله: وَجَعَلْنا مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سَدّا يقول تعالـى ذكره: وجعلنا من بـين أيدي هؤلاء الـمشركين سدّا, وهو الـحاجز بـين الشيئين إذا فتـح كان من فعل بنـي آدم, وإذا كان من فعل الله كان بـالضمّ. وبـالضمّ قرأ ذلك قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين. وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفـيـين بفتـح السين سَدّا فـي الـحرفـين كلاهما والضم أعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك, وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة.
وعنى بقوله: وَجَعَلْنا مِن بـينِ أيْدِيهِمْ سَدّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدّا أنه زيّن لهم سوء أعمالهم, فهم يَعْمَهون, ولا يبصرون رشدا, ولا يتنبهون حقا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22223ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد, فـي قوله: مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سَدّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدّا قال: عن الـحقّ.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَجَعَلْنا مِنْ بـين أيْديهِمْ سَدّا وَمِنْ خَـلْفهِمْ سَدّا عن الـحقّ فهم يتردّدون.
22224ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلْنا مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سدّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدّا قال: ضلالات.
22225ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قول الله: وَجَعَلْنا مِنْ بَـينِ أيْدِيهِمْ سَدّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ قال: جعل هذا سدّا بـينهم وبـين الإسلام والإيـمان, فهم لا يخـلصون إلـيه, وقرأ: وَسَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَـمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ, وقرأ: إنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَـيْهِمْ كَلِـمَةُ رَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ... الاَية كلها, وقال: من منعه الله لا يستطيع.
وقوله: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يقول: فأغشينا أبصار هؤلاء: أي جعلنا علـيها غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به, كما:
22226ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ هُدًى, ولا ينتفعون به.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي أبـي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة. ذكر الرواية بذلك:
22227ـ حدثنـي عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا عُمارة بن أبـي حفصة, عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت مـحمدا لأفعلنّ ولأفعلنّ, فأنزلت: إنّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلالاً... إلـى قوله فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ قال: فكانوا يقولون: هذا مـحمد, فـيقول: أين هو, أين هو؟ لا يبصره.
وقد رُوي عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ ذلك: «فَأَعْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» بـالعين بـمعنى أعشيناهم عنه, وذلك أن العَشَا هو أن يـمشي بـاللـيـل ولا يبصر.

الآية : 10 -11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنّمَا تُنذِرُ مَنِ اتّبَعَ الذِكْرَ وَخشِيَ الرّحْمـَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وسواء يا مـحمد علـى هؤلاء الذين حقّ علـيهم القول, أيّ الأمرين كان منك إلـيهم الإنذار, أو ترك الإنذار, فإنهم لا يؤمنون, لأن الله قد حكم علـيهم بذلك. وقوله: إنّـمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ الذّكْرَ يقول تعالـى ذكره: إنـما ينفع إنذارك يا مـحمد من آمن بـالقران, واتبع ما فـيه من أحكام الله وَخَشِيَ الرّحْمَنَ يقول: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين, لا الـمنافق الذي يستـخفّ بدين الله إذا خلا, ويظهر الإيـمان فـي الـملأ, ولا الـمشرك الذي قد طبع الله علـى قلبه. وقوله: فَبشّرْهُ بِـمغْفِرَةٍ يقول: فبشر يامـحمد هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بـالغيب بـمغفرة من الله لذنوبه وأجْرٍ كَرِيـم يقول: وثواب منه له فـي الاَخرة كريـم, وذلك أن يعطيه علـى عمله ذلك الـجنة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22228ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّـمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ الذّكْرَ واتبـاع الذكر: اتبـاع القرآن.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىَ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيَ إِمَامٍ مّبِينٍ }.
يقول تعالـى ذكره: إنّا نَـحْنُ نُـحْيـي الـمَوْتـى من خـلقنا وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا فـي الدنـيا من خير وشرّ, وصالـح الأعمال وسيئها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22229ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا نَـحْنُ نُـحْيِـي الـمَوْتَـى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا من عمل.
22230ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا قال: ما عملوا.
22231ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ما قَدّمُوا قال: أعمالهم.
وقوله: وآثارَهُمْ يعنـي: وآثار خُطاهم بأرجلهم, وذكر أن هذه الاَية نزلت فـي قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, لـيقرب علـيهم. ذكر من قال ذلك:
22232ـ حدثنا نصر بن علـيّ الـجهضميّ, قال: حدثنا أبو أحمد الزّبـيري, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت منازل الأنصار متبـاعدة من الـمسجد, فأرادوا أن ينتقلوا إلـى الـمسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقالوا: نثبت فـي مكاننا.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت الأنصار بعيدة منازلهم من الـمسجد, فأرادوا أن ينتقلوا, قال: فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فثبتوا.
22233ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا الـجريريّ, عن أبـي نضرة, عن جابر, قال: أراد بنو سَلِـمة قرب الـمسجد, قال: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بَنِـي سَلِـمَةَ دِيارَكُمْ, إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ».
22234ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر, قال: سمعت كهمسا يحدّث, عن أبـي نضرة, عن جابر, قال: أراد بنو سَلِـمة أن يتـحوّلوا إلـى قُرب الـمسجد, قال: والبقاع خالـية, فبلغ ذلك النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا بَنِـي سَلِـمَةَ دِيارَكُمْ إنّها تُكْتَبُ آثارُكُمْ» قال: فأقاموا وقالوا: ما يسرّنا أنا كنا تـحوّلنا.
22235ـ حدثنا سلـيـمان بن عمر بن خالد الرقـي, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن طريف, عن أبـي نضرة, عن أبـي سعيد الـخُدريّ, قال: شكت بنو سلِـمة بُعد منازلهم إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت: إنّا نَـحْنُ نُـحْيِـي الـمَوْتَـى وَنَكْتُبُ ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ فقال: «عَلَـيْكُمْ مَنازلَكُمْ تُكْتَبُ آثارُكم».
22236ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة, قال: حدثنا الـحسين, عن ثابت, قال: مشيت مع أنس, فأسرعت الـمشي, فأخذ بـيدي, فمشينا رُويدا, فلـما قضينا الصلاة قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت, فأسرعت الـمشي, فقال: يا أنس أما شعرت أن الاَثار تكتب؟
22237ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن يونس, عن الـحسن أن بنـي سَلِـمة كانت دورهم قاصية عن الـمسجد, فهموا أن يتـحوّلوا قرب الـمسجد, فـيشهدون الصلاة مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال لهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا تَـحْتَسِبُونَ آثارَكُمْ يا بَنـي سَلِـمَةَ؟» فمكثوا فـي ديارهم.
22238ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم ابن أبـي بَزّة, عن مـجاهد, فـي قوله ما قَدّمُوا وآثارَهُمْ قال: خُطَاهم بأرجلهم.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وآثارَهُمْ قال: خطاهم.
22239ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وآثارَهُمْ قال: قال الـحسن: وآثارهم قال: خُطَاهم. وقال قتادة: لو كان مُغْفِلاً شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفّـي الرياح من هذه الاَثار.
وقوله: وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ فـي إمام مُبِـينٍ يقول تعالـى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه, فأثبتناه فـي أمّ الكتاب, وهو الإمام الـمبـين. وقـيـل: مُبـين, لأنه يبـين عن حقـيقة جميع ما أثبت فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
22240ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد فـي إمامٍ مُبِـينٍ قال: فـي أمّ الكتاب.
22241ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكُلّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِـي إمامٍ مُبِـينٍ كلّ شيء مـحصيّ عند الله فـي كتاب.
22242ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وكُلّ شَيْء أحْصَيْناهُ فِـي إمام مُبِـينٍ قال: أمّ الكتاب التـي عند الله فـيها الأشياء كلها هي الإمام الـمبـين