تفسير الطبري تفسير الصفحة 542 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 542
543
541
 سورة المجادلة
مدنية
وآياتها اثنتان وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ اللّهُ يا محمد قَوْلَ الّتي تجادلُكَ فِي زَوْجِها والتي كانت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها امرأة من الأنصار.
واختلف أهل العلم في نسبها واسمها, فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة, وقال بعضهم: اسمها خُوَيلة بنت ثعلبة.
وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد. وقال آخرون: هي خويلة بنت الصامت. وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليج وكانت مجادلتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها, وزوجها أوس بن الصامت, مراجعتها إياه في أمره, وما كان من قوله لها: أنتِ عليّ كظهر أمي. ومحاورتها إياه في ذلك, وبذلك قال أهل التأويل, وتظاهرت به الرواية. ذكر من قال ذلك, والاَثار الواردة به:
26087ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا أبو داود, قال: سمعت أبا العالية يقول: إن خويلة ابنة الدليج أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه, فقالت: يا رسول الله, طالت صحبتي مع زوجي, ونفضت له بطني, وظاهَرَ مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فقالت: أشكو إلى الله فاقتي, ثم قالت: يا رسول الله طالت صحبتي, ونفضت له بطني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فجعل إذا قال لها: «حرمت عليه», هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي, قال: فنزل الوحي, وقد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الاَخر, فأومأت إليها عائشة أن اسكتي, قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات, فلما قضي الوحي, قال: «ادْعي زَوْجَكِ», فَتَلاها عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ واللّهُ يَسْمَع تَحاوُرَكُما... إلى قوله: والّذِين يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا: أي يرجع فيه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أن يَتَماسّا أتَسْتَطَيعُ رَقَبَةً؟ قال: لا, قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ قال: يا رسول الله, إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرّات خشيت أن يعشو بصري قال: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فإطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينا قال: «أتَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟» قال: لا يا رسول الله إلا أن تعينني, فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعم.
26088ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,. قال: ذُكر لنا أن خويلة ابنة ثعلبة, وكان زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر منها, فجاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني, ورقّ عظمي فأنزل الله فيها ما تسمعون: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ فقرأ حتى بلغ لَعَفُوّ غَفُورٌ وَالّذِينَ يُظاهرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا يريد أن يغشى بعد قوله ذلك, فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تحَرّرَ مُحَرّرا؟ قال: مالي بذلك يدان, أو قال: لا أجد, قال: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْن مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا والله إنه إذا أخطأه المأكل كل يوم مرارا يكلّ بصره, قال: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟» قال: لا والله, إلا أن تعينني منك بعون وصلاة. قال بشر, قال يزيد: يعني دعاء فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا, فجمع الله له, والله غفور رحيم.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ واللّهُ يَسْمَع تَحاوُرَكُما قال: ذاك أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة ابنة ثعلبة قالت: يا رسول كبر سني, ورق عظمي, وظاهر مني زوجي, قال: فأنزل الله: الّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهمْ... إلى قوله ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا يريد أن يغشى بعد قوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَماسّا فدعاه إليه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟ قال: لا قال: أفَتَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْن مْتَتابِعينَ؟ قال: إنه إذا أخطأه أن يأكل كلّ يوم ثلاث مرّات يكلّ بصره قال: أتَسْتَطَيعُ أنْ تْطُعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟ قال: لا, إلا أن يعينني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعون وصلاة, فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا, وجمع الله له أمره, والله غفور رحيم.
26089ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن أبي حمزة, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليّ كظهر أمي حَرُمت في الإسلام, فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت, وكانت تحته ابنة عمّ له يقال لها خويلة بنت خُوَيلد وظاهر منها, فأُسْقِطَ في يديه وقال: ما أراكِ إلا قد حَرُمْتِ عليّ, وقالت له مثلَ ذلك, قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجدتْ عنده ماشطة تمشطُ رأسه, فأخبرته, فقال: «يا خُوَيْلَة ما أمرْنا فِي أمْرِكِ بِشَيْءٍ», فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «يا خُوَيْلَةُ أبْشِرِي», قالت: خيرا, قال: فقرأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ... إلى قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنُ يَتَماسّا قالت: وأيّ رقبة لنا, والله ما يجد رقبة غيري, قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرّات لذهب بصره, قال: فَمَنْ لم يَستَطِعْ فإطعامُ سِتّينَ مِسْكِينا قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها, قال: فرعاه بشطر وَسْق ثلاثين صاعا والوَسْق ستون صاعا فقال: «لِيُطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِينا وَلِيُرَاجِعْكِ».
26090ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ... إلى قوله: فإطْعامُ سِتّينَ مِسْكِينا, وذلك أن خولة بنت الصامت امرأة من الأنصار ظاهر منها زوجها, فقال: أنت عليّ مثل ظهر أمي, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي كان تزوّجني, وأنا أحَبّ, حتى إذا كبرت ودخلت في السنّ قال: أنت عليّ مثل ظهر أمي, فتركني إلى غير أحد, فإن كنت تجد لي رُخصة يا رسول الله تَنْعَشني وإياه بها فحدّثني بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أُمِرْتُ فِي شأنِكِ بِشَيْءٍ حتى الاَنَ, وَلَكِنْ ارْجِعي إلى بَيْتِكِ, فإنْ أُومَرْ بِشَيْءٍ لا أغْمِمْهُ عَلَيْكِ إنْ شاءَ اللّهُ» فرجعت إلى بيتها, وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إلى قوله: وَللكافِرِينَ عَذَابٌ إليمٌ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها فلما أتاه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أرَدْتَ إلى يَمِينِكَ الّتِي أقْسَمْتَ عَلَيْها؟» فقال: وهل لها كفّارة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟» قال: إذا يذهب مالي كله, الرقبة غالية وأنا قليل المال, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَهَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين؟» قال: لا والله لولا أني آكل في اليوم ثلاث مرّات لكلّ بصري, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟ قال: لا والله إلا أن تعينني على ذلك بعون وصلاة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي مُعِينُكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعا, وأنا دَاعٍ لَكَ بالبَرَكَةِ» فأصلح ذلك بينهما.
قال: وجعل فيه تحرير رقبة لمن كان مُوسرا لا يكفر عنه إلا تحرير رقبة إذا كان موسرا من قبل أن يتماسا, فإن لم يكن موسرا فصيام شهرين متتابعين, لا يصلح له إلا الصوم إذا كان معسرا, إلا أن لا يستطيع, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا, وذلك كله قبل الجماع.
26091ـ حدثنا ابن حَميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي معشر المدني, عن محمد بن كعب القرظيّ, قال: كانت خولة ابنة ثعلبة تحت أوس بن الصامت, وكان رجلاً به لمم, فقال في بعض هجراته: أنت عليّ كظهر أمي, ثم ندم على ما قال, فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمتِ عليّ قالت: لا تقل ذلك, فوالله ما أحبّ الله طلاقا. قالت: أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله, فقال: إني أجدني أستحي منه أن أسأله عن هذا, فقالت: فدعني أن أسأله, فقال لها: سليه فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا نبيّ الله إن أوس بن الصامت أبو ولدي, وأحبّ الناس إليّ, قد قال كلمة, والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا, قال: أنت عليّ كظهر أمي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ», قالت: لا تقل ذلك با نبيّ الله, والله ما ذكر طلاقا فرادت النبي صلى الله عليه وسلم مرارا, ثم قالت: اللهم إنّي أشكو اليوم شدّة حالي ووحدتي, وما يشقّ عليّ من فراقه, اللهم فأنزل على لسان نبيك, فلم تَرِمْ مكانها حتى أنزل الله قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ إلى أن ذكر الكفارات, فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أعْتِقْ رَقَبةً», فقال لا أجد, فقال: «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين» قال: لا أستطيع, إني لأصوم اليوم الواحد فيشقّ عليّ قال: «أطعمْ سِتّينَ مِسْكْينا؟» قال: أما هذا فَنَعَمْ.
26092ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر عن أبي إسحاق قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال نزلت في امرأة اسمها خولة, وقال عكرمة اسمها خويلة, ابنة ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت جاءت النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقالت: إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ», وهو حينئذ يغسل رأسه, فقالت: انظر جُعلت فداك يا نبيّ الله, فقال: «ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ», فقالت: انظر في شأني يا رسول الله, فجعلت تجادله, ثم حوّل رأسه ليغسله, فتحوّلت من الجانب الاَخر, فقالت: انظر جعلني الله فداك يا نبيّ الله, فقالت الغاسلة: أقصري حديثك ومخاطبتك يا خويلة, أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متربدا ليوحى إليه؟ فأنزل الله: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... حتى بلغ ثُمّ يَعُودونَ لِمَا قالُوا قال قتادة: فحرمها, ثم يريد أن يعود لها فيطأها فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ... حتى بلغ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قال أيوب: أحسبه ذكره عن عكرمة, أن الرجل قال: يا نبيّ الله ما أجد رقبة, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بِزَائِدِك», فأنزل الله عليه: صِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَينِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَماسّا فقال: والله يا نبيّ الله ما أطيق الصوم, إني إذا لم آكل في اليوم كذا وكذا أكلة لقيت ولقيت, فجعل يشكو إليه, فقال: «ما أنا بِزَائِدِكَ», فنزلت: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإطْعامُ سِتينَ مِسْكِينا.
26093ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله الله عزّ وجلّ: الّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: تجادل محمدا صلى الله عليه وسلم, فهي تشتكي إلى الله عند كبره وكبرها حتى انتفض وانتفض رحمها.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله الله الّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: محمدا في زوجها قد ظاهر منها, وهي تشتكي إلى الله, ثم ذكر سائر الحديث نحوه.
26094ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا أبان العطار, قال: حدثنا هشام بن عروة, عن عروة, أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبت إليّ تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصامت, وإنها ليست بابنة أوس بن الصامت, ولكنها امرأة أوس, وكان أوس امرأ به لمم, وكان إذا اشتدّ به لممه تظاهر منها, وإذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئا, فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه وتشتكي إلى الله, فأنزل الله ما سمعت, وذلك شأنهما.
26095ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا وهب بن جرير, قال: حدثنا أبي, قال: سمعت محمد بن إسحاق, يحدّث عن معمر بن عبد الله, عن يوسف بن عبد الله بن سلام, قال: حدثتني خويلة امرأة أوس بن الصامت قالت: كان بيني وبينه شيء, تعنى زوجها, فقال: أنت عليّ كظهر أمي, ثم خرج إلى نادي قومه, ثم رجع فراودني عن نفسي, فقالت: كلا والذي نفسي بيده حتى ينتهي أمري وأمرك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيقضي فيّ وفيك أمره, وكان شيخا كبيرا رقيقا, فغلبته بما تغلب به المرأة القوية الرجل الضعيف, ثم خرجت إلى جارة لها, فاستعارت ثيابها, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلست بين يديه, فذكرت له أمره, فما برحت حتى أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قالت: لا يقدر على ذلك, قال: «إنا سنعينه على ذلك بفرق من تمر» قلت: وأنا أعينه بفرق آخر, فأطعم ستين مسكينا.
26096ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن تميم, عن عروة, عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها ما أسمع ما تقول, فأنزل الله عزّ وجل: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ... إلى آخر الآية.
حدثني عيسى بن عثمان الرملي, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن تميم بن سلمة, عن عروة, عن عائشة, قالت: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها, إن المرأة لتناجي النبيّ صلى الله عليه وسلم أسمع بعض كلامها, ويخفى عليّ بعض كلامها, إذ أنزل الله قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها.
26097ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن تميم بن سلمة, عن عروة بن الزبير, قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء, إني لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة, ويخفى عليّ بعضه, وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي, ونثرت له بطني, حتى إذا كبر سني, وانقطع ولدي, ظاهر مني, اللهمّ إني أشكو إليك, قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الاَيات قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: زوجها أوس بن الصامت.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن تميم بن سلمة, عن عروة, عن عائشة, قالت: الحمد الله الذي وسع سمعه الأصوات, إن خولة تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيخفى عليّ أحيانا بعض ما تقول, قالت: فأنزل الله عزّ وجلّ قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ.
26098ـ حدثنا الربيع بن سليمان, قال: حدثنا أسد بن موسى, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, أن جميلة كانت امرأة أوس بن الصامت, وكان أمرأ به لمم, وكان إذا اشتد به لممه ظاهر من امرأته, فأنزل الله عزّ وجلّ آية الظهار.
26099ـ حدثني يحيى بن بشر القرقساني, قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن الأموي, قال: حدثنا خَصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا, فأول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت من امرأته الخزرجية, وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقا, فأتت به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله إن أوسا ظاهر مني, وإنّا إن افترقنا هلكنا, وقد نثرت بطني منه, وقدمت صحبته فهي تشكو ذلك وتبكي, ولم يكن جاء في ذلك شيء, فأنزل الله عزّ وجلّ: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إلى قوله: وَللْكافِرينَ عَذَابٌ ألِيمٌ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتَقْدِرُ عَلى رَقَبَةٍ تُعْتقُها؟» فقال: لا والله يا رسول الله, ما أقدر عليها, فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عنه, ثم راجع أهله.
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: «قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ التِي تُحاوِلُكَ فِي زَوْجِها».
وقوله: وَتَشْتَكي إلى اللّهِ يقول: وتشتكي المجادلة ما لديها من الهمّ بظهار زوجها منها إلى الله وتسأله الفرج وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما يعني تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمجادلة خولة ابنة ثعلبة إنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن الله سميع لما يتجاوبانه ويتحاورانه, وغير ذلك من كلام خلقه, بصير بما يعلمون, ويعمل جميع عباده.
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{الّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآئِهِمْ مّا هُنّ أُمّهَاتِهِمْ إِنْ أُمّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ }.
يقول تعالى ذكره: الذين يحرّمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم, فيقولون لهنّ: أنتن علينا كظهور أمهاتنا, وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية. كذلك:
26100ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, عن أبي قلابة, قال: كان الظهار طلاقا في الجاهلية, الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدا, فأنزل الله عزّ وجلّ فيه ما أنزل.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة سوى نافع, وعامة قرّاء الكوفة خلا عاصم: «يَظّاهَرُونَ» بفتح الياء وتشديد الظاء وإثبات الألف, وكذلك قرأوا الأخرى بمعنى يتظاهرون, ثم أدغمت التاء في الظاء فصارتا ظاء مشدّدة. وذكر أنها في قراءة أُبي: «يَتَظاهَرُونَ» وذلك تصحيح لهذه القراءة وتقوية لها وقرأ ذلك نافع وأبو عمرو وكذلك بفتح الياء وتشديد الظاء, غير أنهما قرآه بغير ألف: «يَظّهّرونَ». وقرأ ذلك عاصم: يُظاهِرُونَ بتخفيف الظاء وضم الياء وإثبات الألف.
والصواب من القول في ذلك عندي أن كلّ هذه القراءات متقاربات المعاني. وأما «يَظّاهَرُونَ» فهو من تظاهر, فهو يتظاهر. وأما «يَظّهّرُونَ» فهو من تظهّر فهو يتظهّر, ثم أدغمت التاء في الظاء فقيل: يظّهر. وأما يُظاهِرُونَ فهو من ظاهر يظاهر, فبأية هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارىء فمصيب.
وقوله: ما هُنّ أمّهاتِهِمْ يقول تعالى ذكره: ما نساؤهم اللائي يُظاهرن منهنّ بأمهاتهم, فيقولوا لهنّ: أنتن علينا كظهر أمهاتنا, بل هنّ لهم حلال.
وقوله: إنْ أُمّهاتُهُمْ إلاّ اللاّئي وَلَدْنَهُمْ لا اللائي قالوا لهنّ ذلك.
وقوله: وإنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرا مِنَ القَوْلِ وَزُورا يقول جلّ ثناؤه: وإن الرجال ليقولون منكرا من القول الذي لا تُعرف صحته وزورا: يعني كذبا, كما:
26101ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة مُنْكَرا مِنْ القَوْلِ وَزُورا قال: الزور: الكذب وَإنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول جلّ ثناؤه: إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا, غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَآئِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.
يقول جلّ ثناؤه: والذين يقولون لنسائهم: أنتنّ علينا كظهور أمهاتنا.
وقوله: ثُمّ يَعُودُونَ لمَا قالُوا اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر, فقال بعضهم: هو الرجوع في تحريم ما حرّم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالاً قبل تظاهره, فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها. ذكر من قال ذلك:
26102ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال: يريد أن يغشى بعد قوله.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال: حرّمها, ثم يريد أن يعود لها فيطأها.
وقال آخرون نحو هذا القول, إلا أنهم قالوا: إمساكه إياها بعد تظهيره منها, وتركه فراقها عود منه لما قال, عَزَم على الوطء أو لم يعزم. وكان أبو العالية يقول: معنى قوله: لِمَا قالُوا: فيما قالوا.
26103ـ حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, قال: سمعت أبا العالية يقول في قوله: ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا: أي يرجع فيه.
واختلف أهل العربية في معنى ذلك, فقال بعض نحويي البصرة في ذلك المعنى: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا, فمن لم يجد فصيام, فإطعام ستين مسكينا, ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه هذا الظهار, يقول: هي عليّ كظهر أمي, وما أشبه هذا من الكلام, فإذا أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا عاد لما قد قال: هو عليّ حرام يفعله. وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدّم الذي معناه التأخير.
وقال بعض نحويي الكوفة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا, وفيما قالوا, يريدون النكاح, يريد: يرجعون عما قالوا, وفي نقض ما قالوا, قال: ويجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل, تريد إن فعل مرّة أخرى, ويجوز إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل, وهو كما تقول: حلف أن يضربك, فيكون معناه: حلف لا يضربك, وحلف ليضربنك.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معنى اللام في قوله لِمَا قالُوا بمعنى إلى أو في, لأن معنى الكلام: ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه. وإن قيل معناه: ثم يعودون إلى تحليل ما حرّموا, أو في تحليل ما حرّموا فصواب, لأن كلّ ذلك عود له, فتأويل الكلام: ثم يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم مما أحله الله لهم.
وقوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَمَاسّا يقول: فعليه تحرير رقبة, يعني عتق رقبة عبد أو أمة, من قبل أن يماسّ الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه.
واختلف في المعنى بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله: وَإنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسّوهُنّ وقد ذكرنا ذلك هنالك. وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك:
26104ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا فهو الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي فإذا قال ذلك, فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والمسّ: النكاح فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا, فليس يقع في ذلك طهار حتى يحنث, فإن حنث فلا يقربها حتى يكفّر, ولا يقع في الظهار طلاق.
26105ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: حدثنا أشعث, عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يغشى المظاهِرُ دون الفرج.
26106ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا زيد, قال: قال سفيان: إنما المظاهرة عن الجماع ولم ير بأسا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج, أو حيث يشاء, أو يباشر.
وقال آخرون: عني بذلك كلّ معاني المسيس, وقالوا: الآية على العموم. ذكر من قال ذلك:
26107ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا وهيب, عن يونس, قال: بلغني عن الحسن أنه كره للمظاهر المسيس.
وقوله: ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ يقول تعالى ذكره: أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به, فتنتهون عن الظهار وقول الزور واللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبُيرٌ يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم التي تعلمونها أيها الناس ذو خبرة لا يخفى عليه شيء منها, وهو مجازيكم عليها, فانتهوا عن قول المنكر والزور.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا فَمَن لّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحرّرها, فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر, فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم, فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم.
وقال آخرون: بل يستأنف, لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين. ذكر من قال: إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعا:
26108ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن عديّ وعبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجلٍ صام من كفارة الظهار, أو كفارة القتل, ومرِضَ فأفطر, أو أفطر من عذر, قال: عليه أن يقضيَ يوما مكان يوم, ولا يستقبل صومه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, بمثله.
26109ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب في المظاهر الذي عليه صوم شهرين متتابعين, فصام شهرا, ثم أفطر, قال: يتمّ ما بقي.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن عبد الأعلى, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن وسعيد بن المسيب في رجل صام من كفارة الظهار شهرا أو أكثر ثم مرض, قال: يعتدّ بما مضى إذا كان له عذر.
26110ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سالم بن نوح, قال: حدثنا عمر بن عامر, عن قتادة, عن الحسن في الرجل يكون عليه الصوم في قتل أو نذر أو ظهار, فصام بعضه ثم أفطر, قال: إن كان معذورا فإنه يقضي.
26111ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن هشام, عن الحسن, قال: إن أفطر من عذر أتمّ, وإن كان من غير عذر استأنف.
26112ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن حجاج, عن عطاء, قال: من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر, قال: يقضي ما بقي عليه.
26113ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني ابن جُرَيج, عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم الغيم, يظنّ أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين أنه لا يزيد على أن يبدّله, ولا يستأنف شهرين آخرين.
26114ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن أبي زائدة, عن عبد الملك, عن عطاء قال: إن جامع المعتكف وقد بقي عليه أيام من اعتكافه قال: يتمّ ما بقي, والمظاهر كذلك.
26115ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, قال: إذا كان شيئا ابتلي به بنى على صومه, وإذا كان شيئا هو فعله استأنف, قال: سفيان: هذا معناه.
26116ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان, قال: أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل, عن عامر في رجل ظاهر, فصام شهرين متتابعين إلا يومين ثم مرض, قال: يتمّ ما بقي.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت إسماعيل عن الشعبيّ بنحوه.
حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب قالا: حدثنا هشيم, عن إسماعيل, عن الشعبي في رجل عليه صيام شهرين متتابعين, فصام فمرض فأفطر, قال: يقضي ولا يستأنف.
ذكر من قال: يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر:
26117ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن مغيرة, عن إبراهيم في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر, قال: يستأنف, والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, قال: إذا مرض فأفطر استأنف, يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر.
26118ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا هشيم, عن جابر, عن أبي جعفر, قال: يستأنف.
وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال: يبني المفطر بعذر, ويستقبل المفطر بغير عذر, لإجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر, فمثله, لأن إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قِبل الله, فكلّ عذر كان من قبل الله فمثله.
وقوله: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فإطْعام سِتّينَ مِسْكِينا يقول تعالى ذكره: فمن لم يستطع منهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكينا. وقد بيّنا وجه الإطعام في الكفارات فيما مضى قبل, فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: ذَلكَ لِتُوءْمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ يقول جلّ ثناؤه: هذا الذي فرضتُ على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرقبة, ثم خففت عنه مع العجز بالصوم, ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالإطعام, وإنما فعلته كي تقرّ الناس بتوحيد الله ورسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, ويصدّقوا بذلك, ويعملوا به, وينتهوا عن قول الزور والكذب وَتِلْكَ حُدُودُ الله يقول تعالى ذكره: وهذه الحدود التي حدّها الله لكم, والفروض التي بينها لكم حدود الله فلا تتعدّوها أيها الناس وَللْكافِرِينَ بها, وهم جاحدو هذه الحدود وغيرها من فرائض الله أن تكون من عند الله عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: عذاب مؤلم.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مّهِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه, فيجعلون حدودا غير حدوده, وذلك هو المحادّة لله ولرسوله, وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما:
26119ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ الّذِينَ يُحادّونَ الله وَرَسُولَهُ يقول: يعادون الله ورسوله.
وأما قوله: كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فإنه يعني: غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الأمم الذين حادّوا الله ورسوله, وخزُوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26120ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خُزوا كما خزي الذين من قبلهم.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معنى كُبِتُوا أهلكوا.
وقال آخر منهم: يقول: معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد من قاتل الأنبياء من قبلهم.
وقوله: وَقَدْ أنْزَلْنا آياتٍ بَيّناتٍ يقول: وقد أنزلنا دلالات مفصلات, وعلامات محكمات تدلّ على حقائق حدود الله.
وقوله: واللْكافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالى ذكره: ولجاحدي تلك الاَيات البيّنات التي أنزلناها على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم, ومنكريها عذاب يوم القيامة مهين: يعني مذلّ في جهنم.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوَاْ أَحْصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.
يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب معين في يوم يبعثهم الله جميعا, وذلك يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّهُ جَمِيعا من قبورهم لموقف القيامة فَيُنَبّئُهُمْ الله بِمَا عَمِلُوا أحْصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ يقول تعالى ذكره: أحصى الله ما عملوا, فعدّه عليهم, وأثبته وحفظه, ونسيه عاملوه والله على كلّ شيء شهيد يقول: وَاللّهُ جلّ ثناؤه على كُلّ شَيْء عملوه وغير ذلك من أمر خلقه شهيد يعني شاهد يعلمه ويحيط به فلا يغرب عنه شيء منه