تفسير الطبري تفسير الصفحة 558 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 558
559
557
 سورة الطلاق مدنية
وآياتها اثنتا عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَأيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وَأَحْصُواْ الْعِدّةَ وَاتّقُواْ اللّهَ رَبّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنّ مِن بُيُوتِهِنّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مّبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشّهَادَةَ لِلّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْراً }.
يعني تعالى ذكره بقوله: يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدتِهِنّ يقول: إذا طلقتم نساءكم فطلقوهنّ لطهرهنّ الذي يحصينه من عدّتهن, طاهرا من غير جماع, ولا تطلقوهنّ بحيضهنّ الذي لا يعتددن به من قُرْئهنّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26466ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت الأعمش, عن مالك بن الحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله, قال: الطلاق للعدّة طاهرا من غير جماع.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مالك بن الحارث, عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله فَطَلّقُوهُن لِعِدّتِهِنّ قال: بالطهر في غير جماع.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, عن عبد الله إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدتِهِنّ يقول: إذا طلقتم قال: الطهر في غير جماع.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, عن عبد الله فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: طاهرا من غير جماع.
26467ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يونس بن بكير, عن محمد بن إسحاق, عن داود بن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس, أنه كان يرى طلاق السنة طاهرا من غير جماع, وفي كلّ طهر, وهي العدّة التي أمر الله بها.
26468ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن حميد الأعرج, عن مجاهد, أن رجلاً سأل ابن عباس فقال: إنه طلق امرأته مئة, فقال: عصيت ربك, وبانت منك امرأتك, ولم تتق الله فيجعل لك مخرجا, وقرأ هذه الاَية: ومَنْ يَتّقِ اللّه يَجْعَل لَهُ مَخْرَجا, وقال: «يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدتِهِنّ».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا شعبة, عن حميد الأعرج, عن مجاهد, عن ابن عباس بنحوه.
26469ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا أيوب, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد, قال: كنت عند ابن عباس, فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا, فسكت حتى ظننا أنه رادّها عليه, ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة, ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس, وإن الله عزّ وجلّ قال: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا, عصيت ربك, وبانت منك امرأتك, قال الله: «يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدتِهِنّ».
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم, قال: سمعت مجاهدا يحدّث عن ابن عباس في هذه الاَية: يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال ابن عباس: في قبل عدتهنّ.
26470ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أُمية, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد, أنه قرأ: «فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ».
26471ـ حدثنا العباس بن عبد العظيم, قال: حدثنا جعفر بن عون, قال: أخبرنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: طاهرا في غير جماع.
26472ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن المغيرة, عن إسماعيل بن مسلم, عن الحسن, في قوله: فَطَلّقُوهنّ لِعِدّتِهِنّ قال: طاهرا من غير حيض, أو حاملاً قد استبان حملها.
26473ـ قال: ثنا هارون, عن عيسى بن يزيد بن دأب, عن عمرو, عن الحسن وابن سيرين, فيمن أراد أن يطلق ثلاث تطليقات جميعا في كلمة واحدة, أنه لا بأس به بعد أن يطلقها في قبل عدتها, كما أمره الله وكانا يكرهان أن يطلق الرجل امرأته تطليقة, أو تطليقتين, أو ثلاثا, إذا كان بغير العدّة التي ذكرها الله.
26474ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عون, عن ابن سيرين أنه قال في قوله فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: يطلقها وهي طاهر من غير جماع, أو حَبل يستبين حملها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: لطهرهنّ.
26475ـ حدثنا عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ, قال: حدثنا المحاربيّ, عن جويبر, عن الضحاك, في قول الله يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدتِهِنّ قال: العدة: القُرْء, والقُرء: الحيض. والطاهر: الطاهر من غير جماع, ثم تستقبل ثلاث حِيَض.
26476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدتِهِنّ والعدة: أن يطلقها طاهرا من غير جماع تطليقة واحدة.
26477ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: إذا طهرت من الحيض في غير جماع, قلت: كيف؟ قال: إذا طهرت فطلقها من قبل أن تمسها, فإن بدا لك أن تطلقها أخرى تركتها حتى تحيض حيضة أخرى, ثم طلقها إذا طهرت الثانية, فإذا أردت طلاقها الثالثة أمهلتها حتى تحيض, فإذا طهرت الثالثة, ثم تعتدّ حيضة واحدة, ثم تنكح إن شاءت.
26478ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: وقال ابن طاوس: إذا أردت الطلاق فطلقها حين تطهر, قبل أن تمسها تطليقة واحدة, لا ينبغي لك أن تزيد عليها, حتى تخلو ثلاثة قروء, فإن واحدة تبينها.
26479ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ يقول: طلّقها طاهرا من غير جماع.
26480ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: إذا طلقتها للعدة كان مِلكُها بيدك. من طلّق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة, وجعل له مِلْكا إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع.
26481ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ قال: طاهرا في غير جماع, فإن كانت لا تحيض, فعند غرّة كل هلال.
26482ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن عبيد الله, عن نافع, عن ابن عمر, قال: طلّقت امرأتي وهي حائض قال: فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك, فقال: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعها حتى تَطْهُرَ, ثُمّ تَحِيضَ, ثُمّ تَطْهُرَ, ثُمّ إنْ شاءَ طَلّقَها قَبْلَ أنْ يُجامِعَها, وَإنْ شاءَ أمْسَكَها, فإنّها العُدّةُ التي قال اللّهُ عَزّ وَجَلّ».
قال: ثنا ابن إدريس, عن يحيى بن سعيد, عن نافع, عن ابن عمر بنحوه, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن مالك, عن نافع, عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض, فسأل عمرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْها, ثُمّ لِيُمْسِكْها حتى تَطْهُرَ, ثُمّ تَحِيضَ, ثُمّ تَطْهُرَ, ثُمّ إنْ شاءَ أمْسَكَها, فَتِلْكَ العِدّةُ التي أمَرَ اللّهُ أنْ تُطَلّقَ لَهَا النّساءُ».
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر أنه طلق امرأته حائضا, فأتى عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر ذلك له, فأمره أن يراجعها, ثم يتركها حتى إذا طهرت ثم حاضت طلقها, قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فَهِيَ العِدّةُ التي أمَرَ اللّهُ أنْ يُطَلّقَ لَهَا النّساءُ» يقول: حين يطهرن.
26483ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس في قوله فَطَلّقُوهُنّ لِعَدّتِهِنّ يقول: لا يطلقها وهي حائض, ولا في طهر قد جامعها فيه, ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة, فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض, وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر, وإن كانت حاملاً, فعدتها أن تضع حملها.
26484ـ حدثنا ابن البرقيّ, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, عن سعيد بن عبد العزيز, سُئل عن قول الله فَطَلّقُوهُنّ لِعَدّتِهِنّ قال: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته وهي في قبل عدتها, وهي طاهر من غير جماع واحدة, ثم يدعها, فإن شاء راجعها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة, وإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها واحدة في قبل عدتها, وهي طاهر من غير جماع, ثم يدعها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى, ثم يدعها, حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى, ثم لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره.
وذُكر أن هذه الاَية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب طلاقه حَفْصة. ذكر من قال ذلك:
26485ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر تطليقة, فأنزلت هذه الاَية: يا أيّها النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ فقيل: راجعها فإنها صّوامة قوّامة, وإنها من نسائك في الجنة.
وقوله: وأحْصُوا العِدّةَ يقول: وأحصُوا هذه العدّة وأقراءَها فاحفظوها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26486ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: وأحْصُوا العِدّةَ قال: احفظوا العدّة.
وقوله: وَاتّقُوا اللّهَ رَبّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ يقول: وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذروا معصيته أن تتعدّوا حده, لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهنّ من بيوتهنّ التي كنتم أسكنتموهنّ فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهنّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26487ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: وَاتّقُوا اللّهَ رَبّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ حتى تنقضي عدتهنّ.
26488ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جُرَيج, قال: قال عطاء: إن أذن لها أن تعتدّ في غير بيته, فتعتدّ في بيت أهلها, فقد شاركها إذن في الإثم. ثم تلا: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَة قال: قلت هذه الاَية في هذه؟ قال: نعم.
26489ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا حيوة بن شريح, عن محمد بن عجلان, عن نافع, أن عبد الله بن عمر كان يقول في هذه الاَية لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: خروجها قبل انقضاء العدّة. قال ابن عجلان عن زيد بن أسلم: إذا أتت بفاحشة أخرجت.
26490ـ وحدثنا عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ, قال: حدثنا المحاربيّ, عبد الرحمن بن محمد, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: ليس لها أن تخرج إلا بإذنه, وليس للزوج أن يخرجها ما كانت في العدّة, فإن خرجت فلا سُكْنى لها ولا نفقة.
26491ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَاتّقُوا اللّهَ رَبّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ قال: هي المطلقة لا تخرج من بيتها, ما دام لزوجها عليها رجعة, وكانت في عدّة.
26492ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ وذلك إذا طلقها واحدة أو ثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثا.
وقوله: وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ يقول جلّ ثناؤه: لا تخرجوهنّ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة إنها فاحشة لمن عاينها أو علمها.
واختلف أهل التأويل في معنى الفاحشة التي ذكرت في هذا الموضع, والمعنى الذي من أجله أذن الله بإخراجهنّ في حال كونهنّ في العدّة من بيوتهنّ, فقال بعضهم: الفاحشة التي ذكرها الله في هذا الموضع هو الزنى, والإخراج الذي أباح الله هو الإخراج لإقامة الحدّ. ذكر من قال ذلك:
26493ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, في قوله: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: الزنى, قال: فتُخْرَج ليُقام عليها الحدّ.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الحسن, مثله.
26539حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن صالح بن مسلم, قال: سألت عامرا قلت: رجل طلق امرأته تطليقة أيخرجها من بيتها؟ قال: إن كانت زانية.
26540حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: إلا أن يزنين.
26541حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: قال الله جلّ ثناؤه: وَاللاّتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ قال: هؤلاء المحصنات, فاسْتَشِهدُوا عَلَيهنّ أربعةً مِنْكُمْ... الاَية. قال: فجعل الله سبيلهنّ الرجم, فهي لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة, فإذا أتت بفاحشة مبينة أخرجت إلى الحدّ فرجمت, وكان قبل هذا للمحصنة الحبس تحبس في البيوت لا تترك تنكح, وكان للبكرين الأذى, قال الله جلّ ثناؤه: وَاللّذَانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فآذُوهُما يا زان, يا زانية, فإنْ تابا وأصْلَحا فأعْرِضُوا عَنْهُما إنّ اللّهَ كانَ تَوّابا رَحِيما قال: ثم نُسخ هذا كله, فجعل الرجم للمحصنة والمحصن, وجعل جلد مئة للبِكْرين, قال: ونسخ هذا.
وقال آخرون: الفاحشة التي عناها الله في هذا الموضع: البَذَاء على أحمائها. ذكر من قال ذلك:
26494ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا محمد بن عمرو, عن محمد بن إبراهيم, عن ابن عباس قال الله: لا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: الفاحشة المبينة أن تبذُوَ على أهلها.
وقال آخرون: بل هي كل معصية لله. ذكر من قال ذلك:
26495ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس إلاّ أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ والفاحشة: هي المعصية.
وقال آخرون: بل ذلك نشوزها على زوجها, فيطلقها على النشوز, فيكون لها التحوّل حينئذ من بيتها. ذكر من قال ذلك:
26496ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إلا أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال قتادة: إلا أن يطلقها على نشوز, فلها أن تحوّل من بيت زوجها.
وقال آخرون: الفاحشة المبينة التي ذكر الله عزّ وجلّ في هذا الموضع خروجها من بيتها. ذكر من قال ذلك:
26497ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَلا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: خروجها من بيتها فاحشة. قال بعضهم: خروجها إذا أتت بفاحشة أن تخرج فيُقام عليها الحدّ.
26498ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا سعيد بن الحكم ابن أبي مريم, قال: أخبرنا يحيى بن أيوب قال: ثني محمد بن عجلان, عن نافع, عن عبد الله بن عمر, في قوله: لا تُخْرِجُوهُن مِنْ بُيُوتهِنّ وَلا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأْتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ قال: خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة.
والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية, وذلك أن الفاحشة هي كلّ أمر قبيح تعدّى فيه حدّه, فالزنى من ذلك, والسرق والبذاء على الأحماء, وخروجها متحوّلة عن منزلها الذي يلزمها أن تعتدّ فيه منه, فأيّ ذلك فعلت وهي في عدتها, فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك, لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها.
وقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يقول تعالى ذكره: وهذه الأمور التي بينتها لكم من الطلاق للعدّة, وإحصاء العدّة, والأمر باتقاء الله, وأن لا تخرج المطلقة من بيتها, إلا أن تأتي بفاحشة مبينة حدود الله التي حدّها لكم أيها الناس فلا تعتدوها وَمَنْ يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ يقول تعالى ذكره: ومن يتجاوز حدود الله التي حدّها لخلقه فقد ظلم نفسه: يقول: فقد أكسب نفسه وزرا, فصار بذلك لها ظالما, وعليها متعدّيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26499ـ حدثنا عليّ بن عبد الأعلى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, عن جويبر, عن الضحاك في قول الله وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يقول: تلك طاعة الله فلا تعتدوها, قال: يقول: من كان على غير هذه فقد ظلم نفسه.
وقوله: لا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلك أمْرا يقول جلّ ثناؤه: لا تدري ما الذي يحدث؟ لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهنّ رجعةٍ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26500ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهريّ, أن فاطمة بنت قيس كانت تحت أبي حفص المخزومي, وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم أمّر عليا على بعض اليمن, فخرج معه, فبعث إليها بتطليقة كانت لها, وأمر عياش بن أبي ربيعة المخزومي, والحارث بن هشام أن ينفقا عليها, فقالا: لا والله ما لها علينا نفقة, إلا أن تكون حاملاً, فأتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فلم يجعل لها نفقة إلا أن تكون حاملاً, واستأذنته في الانتقال, فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟ قال: «عِنْدَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ», وكان أعمى, تضع ثيابها عنده, ولا يبصرها فلم تزل هنالك حتى أنكحها النبيّ صلى الله عليه وسلم أُسامة بن زيد حين مضت عدتها, فأرسل إليها مروان بن الحكم يسألها عن هذا الحديث, فأخبرته, فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة, وسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها, فقالت فاطمة: بيني وبينكم الكتاب, قال الله جلّ ثناؤه: فَطَلّقُوهُن لِعِدّتِهِنّ حتى بلغ لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قالت: فأيّ أمر يحدث بعد الثلاث, وإنما هو في مراجعة الرجل امرأته, وكيف تحبس امرأة بغير نفقة؟
26501ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قال: هذا في مراجعة الرجل امرأته.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا: أي مراجعة.
26502ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قال: يراجعها في بيتها هذا في الواحدة والثنتين, هو أبعد من الزنى.
26503ـ قال: سعيد, وقال الحسن: هذا في الواحدة والثنتين, وما يحدث الله بعد الثلاث.
26504ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب, قال: سمعت الحسن وعكرِمة يقولان: المطلقة ثلاثا, والمتوفى عنها لا سكنى لها ولا نفقة قال: فقال عكرمة لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا فقال: ما يحدث بعد الثلاث.
26505ـ حدثنا عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا يقول: لعلّ الرجل يراجعها في عدتها.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله لا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا هذا ما كان له عليها رجعة.
26506ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ لا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قال: الرجعة.
26507ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قال: لعلّ الله يحدث في قلبك تراجع زوجتك قال: قال: ومن طلق للعدّة جعل الله له في ذلك فسحة, وجعل له ملكا إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع.
26508ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلكَ أمْرا قال: لعله يراجعها.
وقوله: فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول تعالى ذكره: فإذا بلغ المطلقات اللواتي هنّ في عدة أجلهنّ وذلك حين قرب انقضاء عددهنّ فأمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ يقول: فأمسكوهنّ برجعة تراجعوهن, إن أردتم ذلك بمعروف يقول: بما أمرك الله به من الإمساك وذلك باعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه لها من النفقة والكسوة والمسكن وحُسن الصحبة, أو فارقوهنّ بمعروف, أو اتركوهنّ حتى تنقضي عددهنّ, فتبين منكم بمعروف, يعني بإيفائها ما لها من حق قبله من الصداق والمتعة على ما أوجب عليها لها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26509ـ حدثني عليّ بن عبد الأعلى, قال: ثني المحاربي عبد الرحمن بن محمد, عن جويبر, عن الضحاك, قوله: فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول: إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة, أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض, يقول: فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدّة بإمساك بمعروف, والمعروف أن تحسن صحبتها أوْ تَسْريحٌ بإحْسانٍ والتسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عدتها, ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها, فذلك التسريح بإحسان, والمُتعة على قدر الميسرة.
26510ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُن قال: إذا طلقها واحدة أو ثنتين, يشاء أن يمسكها بمعروف, أو يسرّحها بإحسان.
وقوله: وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهنّ, وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم, وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما.
وقد بيّنا فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, وذكرنا ما قال أهل العلم فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26511ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها, أشهد رجلين كما قال الله: وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عند الطلاق وعند المراجعة, فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين, وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة, وهي أملك بنفسها, ثم تتزوّج من شاءت, هو أو غيره.
26512ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: على الطلاق والرجعة.
وقوله: وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ يقول: وأشهدوا على الحقّ إذا استشهدتم, وأدّوها على صحة إذا أنتم دُعيتم إلى أدائها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26513ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ قال: أشهدوا على الحقّ.
وقوله: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به, وعرّفتكم من أمر الطلاق, والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم, نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر, فيصدّق به.
وعُنِي بقوله: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ من كانت صفته الإيمان بالله, كالذي:
26514ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِرِ قال: يؤمن به.
وقوله: وَمَنْ يَتّق اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا يقول تعالى ذكره: من يخف الله فيعمل بما أمره به, ويجتنب ما نهاه عنه, يجعل له من أمره مخرجا بأن يعرّفه بأن ما قضى فلا بدّ من أن يكون, وذلك أن المطلق إذا طلّق, كما ندبه الله إليه للعدّة, ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه, جعل الله له مخرجا فيما تتبعها نفسه, بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها, ولو طلقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك سبيل.
وقوله: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يقول: ويسبب له أسباب الرزق من حيث لا يشعر, ولا يعلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وذكر بعضهم أن هذه الاَية نزلت بسبب عوف بن مالك الأشجعيّ. ذكر من قال ذلك:
26515ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن صَلْت, عن قيس, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق عن عبد الله, في قوله: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: يعلم أنه من عند الله, وأن الله هو الذي يعطي ويمنع.
26516ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: المخرج أن يعلم أن الله تبارك وتعالى لو شاء أعطاه وإن شاء منعه, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ قال: من حيث لا يدري.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, مثله.
26517ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا يقول: نجاته من كلّ كرب في الدنيا والاَخرة, وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.
26518ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الربيع بن المنذر, عن أبيه, عن الربيع بن خثيم وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: من كلّ شيء ضاق على الناس.
26519ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرِمة وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجا.
26520ـ حدثني عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, عن جويبر, عن الضحاك في قوله وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا, قال: يعني بالمخرج واليُسر إذا طلق واحدة ثم سكت عنها, فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين, فذلك اليُسر الذي قال الله, وإن مضت عدتها ولم يراجعها, كان خاطبا من الخطاب, وهذا الذي أمر الله به, وهكذا طلاق السنة فأما من طلق عند كلّ حيضة فقد أخطأ السنة, وعصى الربّ, وأخذ بالعسر.
26521ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: يطلق للسّنة, ويراجع للسّنة زعم أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقال له عوف الأشجعيّ, كان له ابن, وأن المشركين أسروه, فكان فيهم, فكان أبوه يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم, فيشكوا إليه مكان ابنه, وحالته التي هو بها وحاجته, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرْه بالصبر ويقول له: «إن الله سيجعل له مخرجا», فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا إذا انفلت ابنه من أيدي العدوّ, فمرّ بغنم من أغنام العدوّ فاستاقها, فجاء بها إلى أبيه, وجاء معه بغنًى قد أصابه من الغنم, فنزلت هذه الاَية: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.
26522ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عمار بن أبي معاوية الدهني, عن سالم بن أبي الجعد وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: نزلت في رجل من أشجع جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مجهود, فسأله فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اتّقِ اللّهَ وَاصْبِرْ», قال: قد فعلت, فأتى قومه, فقالوا: ماذا قال لك؟ قال: قال: «اتق الله واصبر», فقلت: قد فعلت حتى قال ذلك ثلاثا, فرجع فإذا هو بابنه كان أسيرا في بني فلان مِن العرب, فجاء معه بأعنز, فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إن ابني كان أسيرا في بني فلان, وإنه جاء بأعنز, فطابت لنا؟ قال: «نعم».
قال: ثنا حكام, قال: حدثنا عمرو, عن عمار الدهني, عن سالم بن أبي الجعد في قوله وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد, فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: «اتّقِ اللّهَ وَاصْبِرْ», فرجع فوجد ابنا له كان أسيرا, قد فكه الله من أيديهم, وأصاب أعنزا, فجاء, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: «نَعَمْ».
26523ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن المنذر الثوريّ, عن أبيه, عن الربيع بن خثيم يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: من كلّ شيء ضاق على الناس.
26524ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: يعلم أن الله إن شاء منعه, وإن شاء أعطاه وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يقول: من حيث لا يدري.
26525ـ قال: ثنا مهران, عن سعيد بن أبي عَروبة, عن قتادة يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا قال: من شُبُهات الأمور, والكرب عند الموت وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ: من حيث لا يرجو ولا يؤمل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ لا يأمل ولا يرجو.
وقوله: وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ يقول تعالى ذكره: ومن يتق الله في أموره, ويفوّضها إليه فهو كافيه.
وقوله: إنّ اللّهَ بالِغُ أمْرِهِ منقطع عن قوله وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. ومعنى ذلك: إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26526ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنّ اللّهَ بالِغُ أمْرِهِ توكل عليه أو لم يتوكل عليه, غير أن المتوكل يُكَفّرْ عنه سيئاته, ويُعْظِم له أجرا.
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق بنحوه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن صلت عن قيس, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ قال: ليس بمتوكل الذي قد قُضِيت حاجته, وجعل فضل من توكل عليه على من لم يتوكل أن يكفرَ عنه سيئاته, ويُعْظمَ له أجرا.
26527ـ قال: ثنا جرير, عن منصور, عن الشعبيّ, قال: تجالس شُتير بن شكل ومسروق, فقال شُتير: إما أن تحدّث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك, وإما أن أحدث فتصدّقني؟ قال مسروق: لا بل حدّث فأصدّقك, فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية في القرآن تفوّضا: وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ قال مسروق: صدقت.
وقوله: قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْرا يقول تعالى ذكره: قد جعل الله لكلّ شيء من الطلاق والعدّة وغير ذلك حدّا وأجلاً وقدرا يُنتهى إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26528ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْرا قال: أجلاً.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْرا قال: منتهى.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق مثله.
26529ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْرا قال: الحيض في الأجل والعدّة.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّتِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }.
يقول تعالى ذكره: والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهنّ عن المحيض, فلا يرجون أن يحضن من نسائكم إنِ ارتبتم.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: إنِ ارْتَبْتُمْ فقال بعضهم: معنى ذلك: إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها, أمن الحيض هو, أم من الاستحاضة, فعِدّتهنّ ثلاثة أشهر. ذكر من قال ذلك:
26530ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنِ ارْتَبْتُمْ إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة, والتي لم تحض, فعدتهنّ ثلاثة أشهر.
26531ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الزهريّ إنِ ارْتَبْتُمْ قال: في كبرها أن يكون ذلك من الكبر, فإنها تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة, فإنه يتأنى بها حتى ينظر حامل هي أم غير حامل؟ فإن استبان حملها, فأجلها أن تضع حملها, فإن لم يستبن حملها, فحتى يستبين بها, وأقصى ذلك سنة.
26532ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ قال: إن ارتبت أنها لا تحيض وقد ارتفعت حيضتها, أو ارتاب الرجال, أو قالت هي: تركتني الحيضة, فعدتهنّ ثلاثة أشهر إن ارتاب, فلو كان الحمل انَتَظر الحملَ حتى تنقضي تسعة أشهر, فخاف وارتاب هو, وهي أن تكون الحيضة قد انقطعت, فلا ينبغي لمسلمة أن تحبَس, فاعتدت ثلاثة أشهر, وجعل الله جلّ ثناؤه أيضا للتي لم تحض الصغيرة ثلاثة أشهر.
26533ـ حدثنا ابن عبد الرحيم البَرْقيّ, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: أخبرنا أبو معبد, قال: سُئل سليمان عن المرتابة, قال: هي المرتابة التي قد قعدت من الولد تطلق, فتحيض حيضة, فيأتي إبّان حيضتها الثانية فلا تحيض قال: تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة قال: فإن حاضت حيضتين ثم جاء إبان الثالثة فلم تحض اعتدّت حين ترتاب ثلاثة أشهر مستقبلة, ولم يعتدّ بما مضى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن ارتبتم بحكمهنّ فلم تدروا ما الحكم في عدتهنّ, فإن عدتهنّ ثلاثة أشهر. ذكر من قال ذلك:
26534ـ حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا مطرف, عن عمرو بن سالم, قال: قال أبيّ بن كعب: يا رسول الله إن عِددا من عِدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار, وأولات الأحمال, فأنزل الله: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ واللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: إن ارتبتم مما يظهر منهنّ من الدم, فلم تدروا أدم حيض, أم دم مستحاضة من كبر كان ذلك أو علة؟ ذكر من قال ذلك:
26535ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن عكرِمة, قال: إن من الريبة: المرأة المستحاضة, والتي لا يستقيم لها الحيض, تحيض في الشهر مرارا, وفي الأشهر مرّة, فعدتها ثلاثة أشهر, وهو قول قتادة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عُنِي بذلك: إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهنّ, وذلك أن معنى ذلك لو كان كما قاله من قال: إن ارتبتم بدمائهنّ فلم تدروا أدم حيض, أو استحاضة؟ لقيل: إن ارتبتنّ لأنهنّ إذا أشكل الدم عليهنّ فهنّ المرتابات بدماء أنفسهنّ لا غيرهنّ, وفي قوله: إن ارْتَبْتُمْ وخطابه الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أن معناه: إن ارتبتم أيها الرجال بالحكم فيهنّ وأخرى وهو أنه جلّ ثناؤه قال: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ واليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضا للكبر, ومحال أن يقال: واللائي يئسن, ثم يقال: ارتبتم بيأسهنّ, لأن اليأس: هو انقطاع الرجاء والمرتاب بيأسها مرجوّ لها, وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد, فإذا كان الصواب من القول في ذلك ما قلنا, فبين أن تأويل الاَية: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهنّ, وفي عِددهنّ, فلم تدروا ما هنّ, فإن حكم عددهنّ إذا طلقن, وهنّ ممن دخل بهنّ أزواجهنّ, فعدتهنّ ثلاثة أشهر وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ يقول: وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهنّ أزواجهنّ بعد الدخول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26536ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ في قوله: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ يقول: التي قد ارتفع حيضها, فعدتها ثلاثة أشهر واللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ قال: الجواري.
26537ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحيضِ مِنْ نِسائِكُمْ وهنّ اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن, واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن, فعدتهنّ ثلاثة أشهر.
26538ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ... الاَية, قال: القواعد من النساء واللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ: لم يبلغن المحيض, وقد مُسِسْن, عدتهنّ ثلاثة.
وقوله: وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ في انقضاء عدتهنّ أن يضعن حملهنّ, وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل, فأما في المتوفي عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم.
وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا, وسنذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.
ذكر من قال: حكم قوله وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ عام في المطلّقات والمتوفي عنهنّ.
26539ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصريّ, قال: حدثنا سعيد ابن أبي مريم, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: ثني ابن شبرمة الكوفي, عن إبراهيم, عن علقمة, عن قيس أن ابن مسعود قال: من شاء لاعنته, ما نزلت: وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ إلا بعد آية المتوفي عنها زوجها, وإذا وضعت المتوفي عنها فقد حلت يريد بآية المتوفي عنها: وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَترَبّصْنَ بأنْفُسِهِنّ أرْبَعَةَ أشْهِرٍ وعَشْرا.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا مالك, يعني ابن إسماعيل, عن ابن عيينة, عن أيوب, عن ابن سيرين عن أبي عطية قال: سمعت ابن مسعود يقول: من شاء قاسمته نزلت سورة النساء القُصْرَى بعدها, يعني بعد أربعة أشهر وعشرا.
26540ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أيوب, عن محمد, قال: لقيت أبا عطية مالك بن عامر, فسألته عن ذلك, يعني عن المتوفي عنها زوجها إذا وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر, فأخذ يحدثني بحديث سُبيعة, قلت: لا, هل سمعت من عبد الله في ذلك شيئا؟ قال: نعم, ذكرت ذات يوم أو ذات ليلة عند عبد الله, فقال: أرأيت إن مضت الأربعة الأشهر والعشر ولم تضع أقد أحلّت؟ قالوا: لا, قال: أفتجعلون عليها التغليظ, ولا تجعلون لها الرخصة, فوالله لأنزلت النساء القُصْرَى بعد الطّولى.
26541ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن ابن عون, قال: قال الشعبيّ: من شاء حالفته لأنزلت النساء القُصْرَى بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة.
26542ـ حدثني أحمد بن منيع, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبيّ, قال: ذكر عبد الله بن مسعود آخر الأجلين, فقال: من شاء قاسمته بالله أن هذه الاَية التي أنزلت في النساء القُصْرَى نزلت بعد الأربعة الأشهر, ثم قال: أجل الحامل أن تضع ما في بطنها.
/ 26543ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, قال: قلت للشعبي: ما أصدّق أن عليا رضي الله عنه كان يقول: آخر الأجلين أن لا تتزوّج المتوفي عنها زوجها حتى يمضي آخر الأجلين قال الشعبيّ: بلى وصدق أشدّ ما صدّقت بشيء قط وقال عليّ رضي الله عنه: إنما قوله وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ المطلقات, ثم قال: إن عليا رضي الله عنه وعبد الله كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها.
26544ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا موسى بن داود, عن ابن لهيعة, عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن المسيب, عن أُبيّ بن كعب, قال: لما نزلت هذه الاَية: وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ قال: قلت: يا رسول الله, المتوفي عنها زوجها والمطلقة, قال: «نَعَمْ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا مالك بن إسماعيل, عن ابن عيينة, عن عبد الكريم بن أبي المخارق, يحدّث عن أُبيّ بن كعب, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ قال: «أجَلُ كُلّ حامِل أنْ تَضَعَ ما في بَطْنِها».
26545ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, قوله وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ قال: للمرأة الُحْبَلى التي يطلقها زوجها وهي حامل, فعدتها أن تضع حملها.
26546ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها, ليس المحيض من أمرها في شيء إذا كانت حاملاً.
وقال آخرون: ذلك خاصّ في المطلقات, وأما المتوفي عنها فإن عدتها آخر الأجلين, وذلك قول مرويّ عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهما.
وقد ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل.
والصواب من القول في ذلك أنه عامّ في المطلقات والمتوفي عنهنّ, لأن الله جلّ وعزّ, عمّ بقوله بذلك فقال: وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ ولم يخصص بذلك الخبر عن مطلقة دون متوفي عنها, بل عمّ الخبر به عن جميع أولات الأحمال. إن ظنّ ظانّ أن قوله وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفي عنهنّ, فهو بالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهنّ, وعن المتوفي عنهنّ, فإن الأمر بخلاف ما ظنّ, وذلك أن ذلك وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات, فإنه منقطع عن الخبر عن أحكام المطلقات, بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال المطلقات منهنّ وغير المطلقات, ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض من خبر ولا عقل, فهو على عمومه لما بيّنا.
وقوله: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَه مِنْ أمْرِهِ يُسْرا يقول جلّ ثناؤه: ومن يخَفِ الله فرهِبَهُ, فاجتنب معاصيه, وأدّى فرائضه, ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته, فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسرا, وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها وإن انقضت عدتها, ثم دعته نفسه إليها قدر على خطبتها.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{ذَلِكَ أَمْرُ اللّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتّقِ اللّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }.
يقول تعالى ذكره: هذا الذي بيّنت لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدّة, أمر الله الذي أمركم به, أنزله إليكم أيها الناس, لتأتمروا له, وتعملوا به.
وقوله: وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئاتِهِ يقول: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه, وأداء فرائضه, يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله وَيُعْظِمْ لَهُ أجْرا يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه, ومن إعظامه له الأجر عليه أن يُدخله جنته, فيخلده فيها