تفسير الطبري تفسير الصفحة 566 من المصحف

="center" width ="16%">  الآية : 42-43
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }.
يقول تعالى ذكره يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد. ذكر من قال ذلك:
26826ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ, قال: حدثنا عبد الله بن المبارك, عن أُسامة بن زيد, عن عكرِمة, عن ابن عباس يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: هو يوم حرب وشدّة.
26827ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن المغيرة, عن إبراهيم, عن ابن عباس يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساقِ
26828ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ولا يبقى مؤمن إلا سجد, ويقسو ظهر الكافر فيكون عظما واحدا. وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم, إلا تسمع العرب تقول:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساق
26829ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يقول: حين يكشف الأمر, وتبدو الأعمال, وكشفه: دخول الاَخرة وكشف الأمر عنه.
26830ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية, عن ابن عباس, قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَن ساقٍ هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة.
26831ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ وابن حميد, قالا:="center" width ="16%">  الآية : 42-43
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }.
يقول تعالى ذكره يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد. ذكر من قال ذلك:
26826ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ, قال: حدثنا عبد الله بن المبارك, عن أُسامة بن زيد, عن عكرِمة, عن ابن عباس يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: هو يوم حرب وشدّة.
26827ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن المغيرة, عن إبراهيم, عن ابن عباس يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساقِ
26828ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيم يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ولا يبقى مؤمن إلا سجد, ويقسو ظهر الكافر فيكون عظما واحدا. وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم, إلا تسمع العرب تقول:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساق
26829ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يقول: حين يكشف الأمر, وتبدو الأعمال, وكشفه: دخول الاَخرة وكشف الأمر عنه.
26830ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية, عن ابن عباس, قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَن ساقٍ هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة.
26831ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ وابن حميد, قالا: حدثنا ابن المبارك, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: شدّة الأمر وجدّه قال ابن عباس: هي أشد ساعة في يوم القيامة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَوْم يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: شدّة الأمر, قال ابن عباس: هي أوّل ساعة تكون في يوم القيامة غير أن في حديث الحارث قال: وقال ابن عباس: هي أشدّ ساعة تكون في يوم القيامة.
26832ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران عن سفيان, عن عاصم بن كليب, عن سعيد بن جبير, قال: عن شدّة الأمر.
26833ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: عن أمر فظيع جليل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: يوم يكشف عن شدة الأمر.
26834ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وكان ابن عباس يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: شمّرت الحرب عن ساق يعني إقبال الاَخرة وذهاب الدنيا.
26835ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة بن كهيل, قال: حدثنا أبو الزهراء, عن عبد الله, قال: «يتمثل الله للخلق يوم القيامة حتى يمرّ المسلمون, قال: فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئا, فينتهزهم مرّتين أو ثلاثا, فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف إلينا عرفناه, قال: فعند ذلك يكشف عن ساق, فلا يبقى مؤمن إلا خرّ لله ساجدا, ويبقى المنافقون ظهورهم طَبَقٌ واحد, كأنما فيها السفافيد, فيقولون: ربنا, فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون».
26836ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: حدثنا شريك, عن الأعمش, عن المنهال بن عمرو, عن عبد الله ابن مسعود, قال: «ينادي مناد يوم القيامة: أليس عدلاً من ربكم الذي خلقكم, ثم صوّركم, ثم رزقكم, ثم توليتم غيره أن يولى كُلّ عبد منكم ما تولى, فيقولون: بلى, قال: فيمثل لكلّ قوم آلهتهم التي كانوا يعبدونها, فيتبعونها حتى توردهم النار, ويبقى أهل الدعوة, فيقول بعضهم لبعض: ماذا تنتظرون, ذهب الناس؟ فيقولون: ننتظر أن يُنادي بنا, فيجيء إليهم في صورة, قال: فذكر منها ما شاء الله, فيكشف عما شاء الله أن يكشف, قال: فيخرّون سجدا إلا المنافقين, فإنه يصير فقار أصلابهم عظما واحدا مثل صياصي البقر, فيقال لهم: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم» ثم ذكر قصة فيها طول.
26837ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو بكر, قال: حدثنا الأعمش, عن المنهال عن قيس بن سكن, قال: حدّث عبد الله وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالمِينَ قال: «إذا كان يوم القيامة قال: يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما, شاخصة أبصارهم إلى السماء, حُفاة عُراة, يلجمهم العرق, ولا يكلمهم بشر أربعين عاما, ثم ينادي مناد: يا أيها الناس أليس عدلاً من ربكم الذي خلقكم وصوّركم ورزقكم, ثم عبدتم غيره, أن يوّلَى كلّ قوم ما تولوا؟ قالوا: نعم؟ قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله قال: ويمثل لكل قوم, يعني آلهتم, فيتبعونها حتى تقذفهم في النار, فيبقى المسلمون والمنافقون, فيقال: ألا تذهبون فقد ذهب الناس؟ فيقولون: حتى يأتينا ربنا, قال: وتعرفونه؟ فقالوا: إن اعترف لنا, قال: فيتجلى فيخرّ من كان يعبده ساجدا, قال: ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد. قال: فيذهب بهم فيساقون إلى النار, فيقذف بهم, ويدخل هؤلاء الجنة, قال: فيستقبلون في الجنة بما يستقبلون به من الثواب والأزواج والحور العين, لكلّ رجل منهم في الجنة كذا وكذا, بين كل جنة كذا وكذا, بين أدناها وأقصاها ألف سنة هو يرى أقصاها كما يرى أدناها قال: ويستقبله رجل حسن الهيئة إذا نظر إليه مُقبلاً حسب أنه ربه, فيقول له: لا تفعل إنما أنا عبدك وقَهْرَمانك على ألف قرية قال: يقول عمر: يا كعب ألا تسمع ما يحدّث به عبد الله»؟.
26838ـ حدثنا ابن جَبَلة, قال: حدثنا يحيى بن حماد, قال: حدثنا أبو عوانة, قال: حدثنا سليمان الأعمش, عن المنهال ابن عمرو, عن أبي عبيدة وقيس بن سكن, قالا: قال عبد الله وهو يحدّث عمر, قال: وجعل عمر يقول: ويحك يا كعب, ألا تسمع ما يقول عبد الله؟ «إذا حشر الناس على أرجلهم أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء, لا يكلمهم بشر, والشمس على رؤوسهم حتى يلجمهم العرق, كلّ برّ منهم وفاجر, ثم ينادي منادٍ من السماء: يا أيها الناس أليس عدلاً من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوّركم, ثم توليتم غيره, أن يولي كلّ رجل منكم ما تولى؟ فيقولون: بلى ثم ينادي مناد من السماء: يا أيها الناس, فلتنطلق كلّ أمة إلى ما كانت تعبد, قال: ويبسط لهم السراب, قال: فيمثل لهم ما كانوا يعبدون, قال: فينطلقون حتى يلجوا النار, فيقال للمسلمين: ما يحبسكم؟ فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا, فيقال لهم: هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه».
26839ـ قال: وثني أبو صالح, عن أبي هريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «حتى إن أحدهم ليلتفّ فيكشف عن ساق, فيقعون سجودا, قال: وتُدْمَج أصلاب المنافقين حتى تكون عظما واحدا, كأنها صياصي البقر, قال: فيقال لهم: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم قال: فترفع طائفة منهم رؤوسهم إلى مثل الجبال من النور, فيمرّون على الصراط كطرف العين, ثم ترفع أخرى رؤوسهم إلى أمثال القصور, فيمرّون على الصراط كمرّ الريح, ثم يرفع آخرون بين أيديهم أمثال البيوت, فيمرّون كمرّ الخيل ثم يرفع آخرون إلى نور دون ذلك, فيشدّون شدّا وآخرون دون ذلك يمشون مشيا حتى يبقى آخر الناس رجل على أنملة رجله مثل السراج, فيخرّ مرّة, ويستقيم أخرى, وتصيبه النار فتشعث منه حتى يخرج, فيقول: ما أُعطي أحد ما أعطيت, ولا يدري مما نجا, غير أني وجدت مسها, وإني وجدت حرّها» وذكر حديثا فيه طول اختصرت هذا منه.
26840ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا جعفر بن عون, قال: حدثنا هشام بن سعد, قال: حدثنا زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخُدْريّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا لتلحق كلّ أمة بما كانت تعبد, فلا يبقى أحدّ كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار, ويبقى من كان يعبد الله وحده من برّ وفاجر, وغُبّرات أهل الكتاب ثم تعرض جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا, ثم تدعى اليهود, فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: عزَيز ابن الله, فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد, فماذا تريدون؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا فيقول: أفلا تردون فيذهبون حتى يتساقطوا في النار, ثم تدعى النصارى, فيقال: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: المسيح ابن الله, فيقول: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد, فماذا تريدون؟ فيقولون: أي ربنا ظمئنا اسقنا, فيقول: أفلا تردون, فيذهبون فيتساقطون في النار, فيبقى من كان يعبد الله من برّ وفاجر قال: ثم يتبدّى الله لنا في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أوّل مرّة, فيقول: أيها الناس لحقت كلّ أمة بما كانت تعبد, وبقيتم أنتم فلا يكلمه يومئذٍ إلا الأنبياء, فيقولون: فارقنا الناس في الدنيا, ونحن كنا إلى صحبتهم فيها أحوج لحقت كلّ أمة بما كانت تعبد, ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: نعوذ بالله منك, فيقول: هل بينكم وبين الله آية تعرفونه بها؟ فيقولون نعم, فيكشف عن ساق, فيخرّون سجدا أجمعون, ولا يبقى أحد كان سجد في الدنيا سمعة ولا رياء ولا نفاقا, إلا صار ظهره طبقا واحدا, كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه قال: ثم يرجع يرفع برّنا ومسيئنا, وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أوّل مرّة, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: نعم أنت ربنا ثلاث مرّار».
26841ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثني أبي وسعيد بن الليث, عن الليث, قال: حدثنا خالد ابن يزيد, عن أبي هلال, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُنادِي مُنادِيةِ فَيَقُولُ: لِيَلْحَقْ كُل قَوْمٍ بِمَا كانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أصحَابُ الصّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ, وأصحَابُ الأوْثانِ مَعَ أوْثانِهِم, وأصحَابُ كُلّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ, حتى يَبْقَى مَنْ كانَ يَعْبُدُ اللّهَ مِنْ بَرْ وَفاجِرٍ وَغُبّرَاتِ أهْل الكِتابِ, ثُمّ يُؤْتي بِجَهَنّمْ تَعْرِضُ كأنّها سَرَابٌ» ثم ذكر نحوه, غير أنه قال «فإنّا نَنْتَظِرُ رَبّنا» فقال: إن كان قاله فيأتِيهم الجبار, ثم حدثنا الحديث نحو حديث المسروقي.
26842ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبد الرحمن المحاربيّ, عن إسماعيل بن رافع المدنيّ, عن يزيد بن أبي زياد عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأْخُذُ اللّهُ للْمَظْلُومِ مِنَ الظّالِمِ حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبعةٌ لأَحَدٍ عِنْدِ أحَدٍ جَعَلَ اللّهُ مَلَكا مِنَ المَلائِكَةِ على صُورَةِ عُزَيْزٍ, فَنَتْبَعُهُ اليهُودُ, وَجَعَلَ اللّهُ مَلَكا مِنَ المَلائِكَةِ على صُورَةِ عِيسَى فَتَتْبَعُهُ النّصَارَى, ثُمّ نادَى مُنادٍ أسمَعَ الخَلائِقَ كُلّهُمْ, فَقالَ: ألا لِيَلْحَقْ كُلّ قَوْمٍ بِآلَهَتِهِمْ ومَا كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله, فَلا يَبْقَى أحَدٌ كانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ شيْئا إلا مُثّلَ لَهُ آلهَتُهُ بَينَ يَدَيْه, ثُمّ قادَتْهُمْ إلى النّارِ حتى إذَا لَمْ يَبْقَ إلاّ المُؤْمِنُون فِيهِمُ المُنافِقُون قالَ اللّهُ جَلّ ثَناؤُهُ: أيّها النّاسُ ذَهَبَ النّاسُ, ذَهَبَ النّاسُ, الْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ ومَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ, فَيَقُولُونَ: وَاللّهِ مالَنا إلَهٌ إلاّ اللّهُ ومَا كُنّا نَعْبُدُ إلَها غَيْرَه, وَهُوَ اللّهُ ثَبّتَهُمْ, ثُمّ يَقُولُ لَهُمُ الثّانِيَةَ مِثْلَ ذلكَ: الْحَقُوا بآلِهَتِكُمْ ومَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ, فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذلكَ, فَيُقالُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَينَ رَبّكُمْ مِنْ آيَةٍ تَعْرِفُونَها؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ, فَيَتَجَلّى لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ ما يَعْرِفُونَهُ أنّه رَبّهُمْ فَيَخِرّونَ لَهُ سُجّدا على وُجُوهِهمْ وَيَقَعُ كُلّ مُنافِقٍ على قَفاهُ, ويَجْعَلُ اللّهُ أصْلابَهُمْ كَصَياصِي البَقَرِ».
26843ـ وحدثني أبو زيد عمر بن شبة, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, قال: حدثنا أبو سعيد روح بن جناح, عن مولى لعمر بن عبد العزيز, عن أبي بردة بن أبي موسى, عن أبيه, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: «عن نور عظيم, يخرّون له سجدا».
26844ـ حدثني جعفر بن محمد البزْوَرِيّ, قال: حدثنا عبيد الله, عن أبي جعفر, عن الربيع في قوله الله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: يكشف عن الغطاء, قال: ويُدْعَونَ إلى السجود وهم سالمون.
26845ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن المبارك, عن أُسامة بن زيد, عن عكرِمة, في قوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قال: هو يومُ كربٍ وشدّة.
وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: «يَوْمَ تَكْشِفُ عَنْ ساقٍ» بمعنى تكشف القيامة عن شدّة شديدة, والعرب تقول: كشَف هذا الأمرُ عن ساق: إذا صار إلى شدّة ومنه قول الشاعر:
كَشَفَتْ لَهُمْ عَنْ ساقِهاوَبَدَا مِنَ الشّرّ الصّرَاحُ
وقوله: وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطيعُونَ يقول: ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى فلا يطيقون ذلك.
وقوله: خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول: تغشاهم ذلة من عذاب الله وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ يقول: وقد كانوا في الدينا يدعونهم إلى السجود له, وهم سالمون, لا يمنعهم من ذلك مانع, ولا يحول بينه وبينهم حائل. وقد قيل: السجود في هذا الموضع: الصلاة المكتوبة. ذكر من قال ذلك:
26846ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ قال: إلى الصلاة المكتوبة.
26847ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي سنان, عن سعيد بن جبير وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال: يَسْمَعُ المناديَ إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال: الصلاة المكتوبة.
وبنحو الذي قلنا في قوله وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ... الاَية, قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك:
26848ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُون قال: هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون, فاليوم يدعوهم وهم خائفون, ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والاَخرة, فأما في الدنيا فإنه قال ما كانُوا يسْتَطيعُون السّمْعَ ومَا كانُوا يُبْصِرُونَ وأما في الاَخرة فإنه قال: فَلا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَة أبْصَارُهُمْ.
26849ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ذلكم والله يوم القيامة. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يُؤْذَنُ للْمُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيامَةِ في السّجُودِ, فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ, وَبَينَ كُلّ مُؤْمِنَيْنِ مُنافقٌ, فَيَقْسُو ظَهْرُ المُنافِقِ عَنْ السّجُودِ, ويَجْعَلُ اللّهُ سُجُودَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخا وَذُلاّ وَصَغارا, وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً».
وقوله: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ أي في الدنيا وَهُمْ سالِمُونَ: أي في الدنيا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: بلغني أنه يُؤْذَن للمؤمنين يوم القيامة في السجود بين كل مؤمنين منافق, يسجد المؤمنون, ولا يستطيع المنافق أن يسجد وأحسبه قال: تقسو ظهورهم, ويكون سجود المؤمنين توبيخا عليهم, قال: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُم سالِمُونَ.
الآية : 44-45
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بِهَـَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذّبين بالقرآن إليّ وهذا كقول القائل لاَخر غيره يتوعد رجلاً: دعني وإياه, وخلّني وإياه, بمعنى: أنه من وراء مساءته. و «مَن» في قوله: وَمَنْ يُكَذّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ في موضع نصب, لأن معنى الكلام ما ذكرت, وهو نظير قولهم: لو تُرِكْتَ ورأيَك ما أفلحت. والعرب تنصب «ورأيك», لأن معنى الكلام: لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح.
وقوله: سَنَسْتَدْرِجِهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ يقول جلّ ثناؤه: سنكيدهم من حيث لا يعلمون, وذلك بأن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله, فيتمادوا في طغيانهم, ثم يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون.
وقوله: وأُمْلِي لَهُمْ إنّ كَيْدِي مَتِينٌ يقول تعالى ذكره: وأنسىء في آجالهم ملاوة من الزمان, وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمرّدهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم إنّ كَيْدِي مَتِينٌ يقول: إن كيدي بأهل الكفر قويّ شديد.
الآية : 46-47
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مّن مّغْرَمٍ مّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة, ودعوتهم إليه من الحقّ, ثوابا وجزاء فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُون يعني من غرم ذلك الأجر مثقلون, قد أثقلهم القيام بأدائه, فتحاموا لذلك قبول نصيحتك, وتجنبوا لعظم ما أصابهن من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين.
وقوله: أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهُمْ يكْتُبُونَ يقول: أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه نبأ ما هو كائن, فهم يكتبون منه ما فيه, ويجادلونك به, ويزعمون أنهم على كفرهم بربهم أفضل منزلة عند الله من أهل الأيمان به.
الآية : 48-49
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ * لّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رّبّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك, وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن, وهذا الدين, وامض لما أمرك به ربك, ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك.
وقوله: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ الذي حبسه في بطنه, وهو يونس بن مَتّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك, كما عاقبه فحبسه في بطنه. إذْ نادَى وَهوَ مَكْظُومٌ يقول: إذ نادى وهو مغموم, قد أثقله الغمّ وكظمه, كما:
26850ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ يقول: مغموم.
26851ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مَكْظُومٌ قال: مغموم.
وكان قتادة يقول في قوله: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ: لا تكن مثله في العَجَلة والغضب. ذكر من قال ذلك:
26852ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصْاحِبِ الْحُوتِ إذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ يقول: لا تعجل كما عَجِل, ولا تغضب كما غضب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقوله: لَوْلا أنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبّهِ يقول جلّ ثناؤه: لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربه, فرحمه بها, وتاب عليه من مغاضبته ربه لَنُبِذَ بالعَرَاءِ وهو الفضاء من الأرض: ومنه قول بن جَعْدة:
وَرَفَعْتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثارَهاوَنَبَذْتُ بالبَلَدِ العَرَاءِ ثِيابِي
وَهُوَ مَذْمُومٌ اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وَهُوَ مَذْمُومٌ فقال بعضهم: معناه وهو مُلِيم. ذكر من قال ذلك:
26853ـ حدثني عليّ, قال: ثني أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَهُوَ مَذْمُومٌ يقول: وهو مليم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهو مذنب ذكر من قال ذلك:
26854ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه عن بكر وَهُوَ مَذْمُومٌ قال: هو مذنب.
الآية : 50-52
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فاجتبى صاحبَ الحوت ربّه, يعني اصطفاه واختاره لنبوّته فَجَعَلَهُ منَ الصّالِحِينَ يعني من المرسلين العاملين بما أمرهم به ربهم, المنتهين عما نهاهم عنه.
وقوله: وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ يقول جلّ ثناؤه: وإن يكاد الذين كفروا يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك. وقد قيل: إنه عُنِيَ بذلك: وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد, ويصرعونك, كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدّة نظره إليّ قالوا: وإنما كانت قريش عانوا لمجنون, فقال الله لنبيه عند ذلك: وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إنّهُ لمَجْنُونٌ. وبنحو الذي قلنا في معنى لَيُزْلِقُونَكَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26855ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس, في قوله: وَإنْ يكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَك بأبْصَارِهِم لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ يقول: يَنْفُذونك بأبصارهم من شدّة النظر, يقول ابن عباس: يقال للسهم: زَهَق السهم أو زلق.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَيُزْلِقونَك بأبْصَارِهِمْ يقول: لَيَنْفُذونك بأبصارهم.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله وَإنْ يكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ يقول: ليزهقونك بأبصارهم.
26856ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا معاوية, عن إبراهيم, عن عبد الله أنه كان يقرأ: «وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْهِقُونَكَ».
26857ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: لَيُزْلِقُونَكَ قال: لينفذونك بأبصارهم.
26858ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في قوله: لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهِمْ قال: ليزهقونك, وقال الكلبي ليصْرَعونك.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقونَكَ بأبْصَارِهِمْ لينفذونك بأبصارهم معاداة لكتاب الله, ولذكر الله.
26859ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإنْ يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بأبْصَارِهمْ يقول: يَنْفذونك بأبصارهم من العداوة والبغضاء.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله لَيُزْلِقُونَكَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة «لَيَزْلِقُونَكَ» بفتح الياء من زلقته أزلقه زَلْقا. وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة لَيُزْلِقُونَكَ بضم الياء من أزلقه يُزْلِقه.
والصواب من القول في ذلك عند أنهما قراءتان معروفتان, ولغتان مشهورتان في العرب متقاربتا المعنى والعرب تقول للذي يحلِق الرأس: قد أزلقه وزلقه, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله لمَا سَمِعُوا الذّكْرَ يقول: لما سمعوا كتاب الله يتلى وَيَقُولُونَ إنّهُ لَمَجْنُونٌ يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم إن محمدا لمجنون, وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يَهْذِي به في جنونه وَما هُوَ إلاّ ذكْرٌ للْعَالمِينَ وما محمد إلا ذِكر ذَكّر الله به العالَمينِ الثقلين الجنّ والإنس.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة القلم

سورة الحاقة مكية
وآياتها ثنتان وخمسون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{الْحَاقّةُ * مَا الْحَآقّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَاقّةُ * كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ }.
يقول تعالى ذكره: الساعة الْحاقّةُ التي تحقّ فيها الأمور, ويجب فيها الجزاء على الأعمال ما الْحاقّةُ يقول: أيّ شيء الساعة الحاقة. وذُكر عن العرب أنها تقول: لما عرف الحاقة متى والحقة متى, وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث, وتقول: وقد حقّ عليه الشيء إذا وجب, فهو يحقّ حقوقا. والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية, لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها, كأنه عجب منها, فقال: الحاقة: ما هي كما يقال: زيد ما زيد. والحاقة الثانية مرفوعة بما, وما بمعنى أي, وما رفع بالحاقة الثانية, ومثله في القرآن وأصحَابُ اليَمِين ما أصحَابُ اليَمِينِ و القارِعَةُ ما القارِعَةُ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية والأولى بجملة الكلام بعدها. وبنحو الذي قلنا في قوله: الْحاقّةُ قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك:
26860ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله الْحاقّةُ قال: من أسماء يوم القيامة, عظمه الله, وحذّره عباده.
26861ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن شريك, عن جابر, عن عكرِمة قال: الْحاقّةُ القيامة.
26862ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا بزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الْحاقّةُ يعني الساعة أحقت لكل عامل عمله.
حدثني ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة الْحاقّةُ قال: أحقت لكلّ قوم أعمالهم.
26863ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الْحاقّةُ يعني القيامة.
26864ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الْحاقّةُ ما الْحاقّةُ و القَارعةُ ما القارعة و الواقعةُ و الطّامّة و الصّاخّة قال: هذا كله يوم القيامة الساعة, وقرأ قول الله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رَافِعَةٌ والخافضة من هؤلاء أيضا خفضت أهل النار, ولا نعلم أحدا أخفض من أهل النار, ولا أذلّ ولا أخرى ورفعت أهل الجنة, ولا نعلم أحدا أشرف من أهل الجنة ولا أكرم. وقوله: وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة.
26865ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان قال: ما في القرآن «وما يدريك» فلم يخبره, وما كان «وما أرداك», فقد أخبره.
26866ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ تعظيما ليوم القيامة كما تسمعون.
وقوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ يقول تعالى ذكره: كذّبت ثمود قوم صالح, وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم. والقارعة أيضا: اسم من أسماء القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26867ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بالقارِعَةِ أي بالساعة.
26868ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ قال: القارعة: يوم القيامة.
الآية : 5-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطّاغِيَةِ * وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىَ لَهُم مّن بَاقِيَةٍ }.
يقول تعالى ذكره: فأمّا ثَمُودُ قوم صالح, فأهلكهم الله بالطاغية.
واختلف في معنى الطاغية التي أهلك الله بها ثمود أهل التأويل, فقال بعضهم: هي طغيانهم وكفرهم بالله. ذكر من قال ذلك:
26869ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ قال: بالذنوب.
26870ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فأمّا ثمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ فقرأ قول الله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها وقال: هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات الله. الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله وخلاف كتاب الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها. ذكر من قال ذلك:
26871ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فأَمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة بالطّاغِيَةِ قال: أرسل الله عليهم صيحة واحدة فأهمدتهم.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأُهلكوا بالصيحة الطاغية.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به, كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به, فقال: وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله, كان الخبر أيضا عن عاد كذلك, إذ كان ذلك في سياق واحد, وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت.
وقوله: وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول تعالى ذكره: وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر, وهي الشديدة العصوف مع شدّة بردها عاتَيَةٍ يقول: عتت على خزانها في الهبوب, فتجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26872ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه عن ابن عباس, قوله: وأمّا عادٌ فأُهْلَكُوا بَرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول: بريح مهلكة باردة, عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة, دائمة لا تَفْتُر.
26873ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ والصرصر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم.
26874ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن موسى بن المسيب, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس, قال ما أرسل الله من ريح قطّ إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قطّ إلا بمثقال, إلا يوم نوح ويوم عاد, فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه, فلم يكن لهم عليه سبيل, ثم قرأ: إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ وإن الريح عتت على خزّانها فلم يكن لهم عليها سبيل, ثم قرأ: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ.
26875ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا أبو سنان, عن غير واحد, عن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه, قال: «لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخُزّان, فطغى الماء على الجبال فخرج, فذلك قول الله: إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ ولم ينزل من الريح شيء إلا بكيل على يدي مَلك إلاّ يوم عاد, فإنه أذن لها دون الخزّان, فخرجت, وذلك قول الله: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ عتت على الخزّان».
26876ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ قال: الصرصر: الشديدة, والعاتية: القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم.
26877ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: صَرْصَرٍ قال: شديدة.
26878ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني: باردة عاتية, عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة.
وقوله: سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول تعالى ذكره: سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما فقال بعضهم: عُنى بذلك تباعا. ذكر من قال ذلك:
26879ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول: تباعا.
26880ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: حُسُوما قال: متتابعة.
26881ـ حدثنا ابن حميد, قال حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد, عن أبي معمر, عن ابن مسعود وَثَمانِيَةَ أيّامِ حُسُوما قال: متتابعة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, عن أبي معمر, عن عبد الله بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, عن أبي معمر, عن عبد الله حُسُوما قال: تباعا.
26882ـ قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان, قال: حدثنا سفيان, عن سماك بن حرب, عن عكرِمة, في قوله: حُسُوما قال: تباعا.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن عكرِمة أنه قال في هذه الاَية وَثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة.
26883ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: ثني أبي, قال: حدثنا خالد بن قيس, عن قتادة وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة ليس لها فترة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة ليس فيه تفتير.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله حُسُوما قال: دائمات.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن منصور, عن مجاهد, عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ, عن ابن مسعود أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان قال: قال مجاهد: أيّامٍ حُسُوما قال: تباعا.
26884ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة, و أيام نحسات قال: مشائيم.
وقال آخرون: عنى بقوله: حُسُوما الريح, وأنها تحسم كلّ شيء, فلا تبقى من عاد أحدا, وجعل هذه الحسوم من صفة الريح. ذكر من قال ذلك:
26885ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وثَمانِيَة حُسُوما قال: حسمتهم لم تُبق منهم أحدا, قال: ذلك الحسوم مثل الذي يقول: احسم هذا الأمر قال: وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب قال: قال موسى بن عقبة: فلما جاءهم العذاب قالوا: قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا قال: فقاموا وصفوا في الوادي, فأوحى الله إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدا, وقرأ قول الله: سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما حتى بلغ: نخل خاوية قال: فإن كانت الريح لتمرّ بالظعينة فتستدبرها وحمولتها, ثم تذهب بهم في السماء, ثم تكبهم على الرؤوس, وقرأ قول الله: فَلَمّا رأَوْهُ عارِضا مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا قال: وكان أمسك عنهم المطر, فقرأ حتى بلغ: تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بأمْرِ رَبّها قال: وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كلّ يوم إلا واحدا قال: فلما عذّب الله قوم عاد, أبقى الله واحدا ينذر الناس, قال: فكانت امرأة قد رأت قومها, فقالوا لها: أنت أيضا, قالت: تنحيت على الجبل قال: وقد قيل لها بعد: أنت قد سلمت وقد رأيت, فكيف لا رأيت عذاب الله؟ قالت: ما أدرى غير أن أَسْلَمَ ليلةٍ: ليلة لا ريح.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بقوله حُسُوما متتابعة, لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وكان بعض أهل العربية يقول: الحسوم: التباع, إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم قال: وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء: إذا كوى صاحبه, لأنه لحم يكوى بالمكواة, ثم يتابع عليه.
وقوله: فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى يقول: فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا كأنّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ يقول: كأنهم أصول نخل قد خوت, كما:
26886ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كأنّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيَةٍ: وهي أصول النخل.
وقوله: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقِيَة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فهل ترى يا محمد لعاد قوم هود من بقاء. وقيل: عُنِي بذلك: فهل ترى منهم باقيا. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين يقول: معنى ذلك: فهل ترى لهم من بقية, ويقول: مجازها مجاز الطاغية مصدر