تفسير الطبري تفسير الصفحة 570 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 570
571
569
 الآية : 40-42
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ * عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتّىَ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها إنّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْرا مِنْهُمْ يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم, ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره: وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه, فيعجزنا هربا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27062ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا علية, قال: أخبرنا عمارة بن أبي حفصة, عن عكرمة, قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاث مئة وستين كوّة, تطلع كلّ يوم في كوّة, لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل, ولا تطلع إلا وهي كارهة, تقول: ربّ لا تطلعني على عبادك, فإني أراهم يعصونك, يعملون بمعاصيك أراهم, قال: أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت:
حتى تُجَرّ وتُجْلَدَ
قلت: يا مولاه وتجلد الشمس؟ فقال: عَضَضْتَ بِهَنِ أبيك, إنما اضطره الرويّ إلى الجلد.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثني ابن عمارة, عن عكرِمة, عن ابن عباس في قول الله: رَبّ المَشارِقِ والمَغارِبِ قال: إن الشمس تطلع من ثلاث مئة وستين مطلعا, تطلع كلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل, ولا تطلع إلا وهي كارهة, قال عكرِمة: فقلت له: قد قال الشاعر:
حتى تُجَرّ وتُجْلَد
قال: فقال ابن عباس: عضِضت بهن أبيك, إنما اضطره الرويّ.
حدثنا خلاد بن أسلم, قال: أخبرنا النضر, قال: أخبرنا شعبة, قال: أخبرنا عمارة, عن عكرمة, عن ابن عباس: إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة, فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل, ولا تطلع إلا وهي كارهة.
27063ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَلا أُقْسِمُ بِرَبّ المَشارَقِ وَالمَغارِبِ قال: هو مطلع الشمس ومغربها, ومطلع القمر ومغربه.
وقوله: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذر هؤلاء المشركين المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين, يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في هذه الدنيا حتى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ يقول: حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه.
الآية : 43-44
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنّهُمْ إِلَىَ نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }.
وقوله: يَوْمَ يَخْرُجُونَ بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله: يَوْمُهُمُ الّذِي يوعَدُونَ وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور: واحدها جدث سِرَاعا كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ, كما:
27064ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِرَاعا: أي من القبور سراعا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقد بيّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده, وما قال أهل العلم فيه.
وقوله: إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يقول: كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون. وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله: «نَصْبٍ» غير الحسن البصري, فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الأنصاب, وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها.
وأما قوله: يُوفِضُونَ فإن الإيفاض: هو الإسراع ومنه قول الشاعر:
لأَنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَاخَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاَضَا
يقول: تطلب ملجأً تلجأ إليه والإيفاض: السرعة وقال رؤبة:
تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27065ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن عوف, عن أبي العالية, أنه قال في هذه الاَية كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى علامات يستبقون.
27066ـ حدثنا محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى علم يسعون.
27067ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يُوفِضُونَ قال: يستبقون.
27068ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى علم يسعون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى عَلَم يوفضون, قال: يسعون.
27069ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, قال: سمعت أبا عمر يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى غاية يستبقون.
27070ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى علم ينطلقون.
27071ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: إلى علم يستبقون.
27072ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: النصب: حجارة كانوا يعبدونها, حجارة طوال يقال لها نصب. وفي قوله يوفِضُونَ قال: يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد: والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها, كان أحدهم يحمله معه, فإذا رأى أحسن منه أخذه, وألقى هذا, فقال له: كَلّ عَلىَ مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجّهْهُ لا يأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
27073ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا مرّة, عن الحسن, في قوله: كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا قرّة, عن الحسن, مثله.
وقوله: خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ يقول: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول: تغشاهم ذلة ذَلكَ اليَوْمُ الّذِي كانُوا يُوعِدُونَ يقول عزّ وجلّ: هذا اليوم الذي وصفت صفته, وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدونَ في الدنيا أنهم لاقوه في الاَخرة, كانوا يُكَذّبون به.
27074ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذَلكَ اليَوْم يوم القيامة الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المعارج

سورة نوح مكية
وآياتها ثمان وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَقَوْمِ إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * أَنِ اعبُدُواْ اللّهَ وَاتّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخّرْكُمْ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى إِنّ أَجَلَ اللّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره: إنّا أرْسَلْنا نُوحا وهو نوح بن لمَكَ إلى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: أرسلناه إليهم بأن أنذر قومك فأن في موضع نصب في قول بعض أهل العربية, وفي موضع خفض في قول بعضهم. وقد بيّنت العِلل لكلّ فريق منهم, والصواب عندنا من القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: «إنَا أرْسَلْنا نُوحا إلى قَوْمِهِ أنْذِرْ قَوْمَكَ» بغير «أن», وجاز ذلك لأن الإرسال بمعنى القول, فكأنه قيل: قلنا لنوح: أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم وذلك العذاب الأليم هو الطوفان الذي غرّقهم الله به.
وقوله: قالَ يا قَوْمِ إنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه: يا قوم إني لكم نذير مبين, أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم به مبين يقول: قد أبنت لكم إنذاري إياكم.
وقوله: أنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَقُوه وَأطِيعُونِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إني لَكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ بأن اعبدوا الله, يقول: إني لكم نذير أنذركم, وآمركم بعبادة الله وَاتّقُوهُ يقول: واتقوا عقابه بالإيمان به, والعمل بطاعته وأطِيعُونِ يقول: وانتهوا إلى ما آمركم به, واقبلوا نصيحتي لكم. وقد:
27075ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أنِ اعْبُدُوا اللّهَ واتّقُوهُ وأطِيعُونِ قال: أرسل الله المرسلين بأن يُعْبدَ اللّهُ وحده, وأن تتقي محارمه, وأن يُطاع أمره.
وقوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ يقول: يغفر لكم ذنوبكم.
فإن قال قائل: أَوَليست «من» دالة على البعض؟ قيل: إن لها معنيين وموضعين, فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصلح فيه غيرها. وإذا كان ذلك كذلك لم تدلّ إلا على البعض, وذلك كقولك: اشتريت من مماليكك, فلا يصلح في هذا الموضع غيرها, ومعناها: البعض, اشتريت بعض مماليكك, ومن مماليكك مملوكا. والموضع الاَخر: هو الذي يصلح فيه مكانها عن فإذا, صلحت مكانها «عن» دلت على الجميع, وذلك كقولك: وجع بطني من طعام طعِمته, فإن معنى ذلك: أوجع بطني طعام طعمته, وتصلح مكان «من» عن, وذلك أنك تضع موضعها «عن», فيصلح الكلام فتقول: وجع بطني عن طعام طعمته, ومن طعام طعمته, فكذلك قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ إنما هو: ويصفح لكم, ويعفو لكم عنها وقد يحتمل أن يكون معناها يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه. فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدّم عفوه لكم عنها.
وقوله: وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أجَل مُسَمّى يقول: ويؤخّر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب, لا بغَرَق ولا غيره إلى أجل مسمى يقول إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه, إن أنتم أطعتموه وعبدتموه, في أمّ الكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27076ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: إلى أجَل مُسَمّى قال: ما قد خطّ من الأجل, فإذا جاء أجل الله لا يؤخّر.
وقوله: إنّ أجَلَ اللّهِ إذَا جاءَ لا يُؤَخّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره: إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أمّ الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته, فينظر بعده لو كنتم تعلمون يقول: لو علمتم أن ذلك كذلك, لأنبتم إلى طاعة ربكم.
الآية : 5-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قَالَ رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيَ إِلاّ فِرَاراً * وَإِنّي كُلّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوَاْ أَصَابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً }.
يقول تعالى ذكره: قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه, أو أنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه, وردّوا عليه ما أتاهم به من عنده: رَبّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلاً وَنهارا إلى توحيدك وعبادتك, وحذّرتهم بأسك وسطوتك, فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا يقول: فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحقّ الذي أرسلتني به لهم إلاّ فِرَارا يقول: إلا إدبارا عنه وهربا منه وأعراضا عنه. وقد:
27077ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا قال: بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح, فيقول لابنه: احذر هذا لايغوينك, فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك, فحذرني كما حذّرتك.
وقوله: وإنّي كُلَما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ يقول جلّ وعزّ: وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك, والعمل بطاعتك, والبراءة من عبادة كلّ ما سواك, لتغفر لهم إذاهم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يقول: وتغشوا في ثيابهم, وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27078ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: جَعَلُوا أصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام.
وقوله: وأصَرّوا يقول: وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27079ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأصَرّوا قال: الإصرار إقامتهم على الشرّ والكفر.
وقوله: وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارا يقول: وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحقّ, وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة.
الآية : 8-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{ثُمّ إِنّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمّ إِنّيَ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ إِنّهُ كَانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السّمَآءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً }.
يقول: ثُمّ إنّي دَعَوْتُهُمْ إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه جِهارا ظاهرا في غير خفاء, كما:
27080ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ثُمّ إنّي دَعَوْتُهُمْ جِهارا قال: الجهار الكلام المعلن به.
وقوله: ثُمّ إنّي أعْلَنْتُ لَهُمْ وأسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارا يقول: صرخت لهم, وصحت بالذي أمرتني به من الإنذار, كما:
27081ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وأعْلَنْتُ لَهُمْ قال: صحْت.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مجاهد أعْلَنْتُ لَهُمْ يقول: صحت بهم.
وقوله: وأسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارا يقول: وأسررت لهم ذلك فيما بيني وبينهم في خفاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27082ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وأسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَارا قال: فيما بيني وبينهم.
وقوله: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إنّهُ كانَ غَفّارا يقول: فقلت لهم: سلوا ربكم غُفْران ذنوبكم, وتوبوا إليه من كفركم, وعبادة ما سواه من الاَلهة ووحدوه, وأخلصوا له العبادة, يغفر لكم, إنه كان غفارا لذنوب من أناب إليه, وتاب إليه من ذنوبه.
وقوله: يُرْسِل السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا يقول: يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث, فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا. وقد:
27083ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا سفيان, عن مطرف, عن الشعبي, قال: خرج عمر بن الخطاب يستسقي, فما زاد على الاستغفار, ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت, فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر, ثم قرأ: اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إنّه كانَ غَفّارا يُرْسِل السّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَارا, وقرأ الاَية التي في سورة هود حتى بلغ: وَيَزِدْكُمْ قُوّة إلى قُوّتِكُمْ