تفسير الطبري تفسير الصفحة 577 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 577
578
576
 الآية : 46-49
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ * حَتّىَ أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }.
وقوله: وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّين يقول تعالى ذكره: قالوا: وكنا نكذّب بيوم المجازاة والثواب والعذاب, ولا نصدّق بثواب ولا عقاب ولا حساب حتى أتانا اليَقِينُ يقول: قالوا: حتى أتانا الموت الموقن به فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ يقول: فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد, فتنفعهم شفاعتهم. وفي هذه الاَية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفعٌ بعضَ خلقه في بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27446ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة بن كهيل, قال: حدثنا أبو الزعراء, عن عبد الله في قصة ذكرها في الشفاعة, قال: ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون, ويشفعهم الله فيقول: أنا أرحم الراحمين, فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق من النار ثم يقول: أنا أرحم الراحمين ثم قرأ عبد الله: يا أيها الكفار ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّين وعقد بيده أربعا, ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير, ألا ما يُترك فيها أحد فيه خير.
27447ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت عمي وإسماعيل بن أبي خالد, عن سلمة بن كهيل, عن أبي الزعراء, قال: قال عبد الله: لا يبقى في النار إلا أربعة أو ذو الأربعة. الشكّ من أبي جعفر الطبري ثم يتلو: ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّينِ.
27448ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ تعلمن أن الله يشفع المؤمنين يوم القيامة. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنّ مِنْ أُمّتِي رجُلاً يُدْخِلُ اللّهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ». قال الحسن: أكثر من ربيعة ومضر, كنا نحدّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور عن معمر, عن قتادة فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ قال: تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض.
27449ـ قال: ثنا أبو ثور, قال معمر: وأخبرني من سمع أنس بن مالك يقول: إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة والرجل.
27450ـ قال: ثنا أبو ثور, عن معمر, عن أيوب, عن أبي قلابة, قال: يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة الجنة مثل بني تميم, أو قال: أكثر من بني تميم, وقال الحسن: مثل ربيعة ومضر.
وقوله: فَمَا لَهُمْ عَن التّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ يقول: فما لهؤلاء المشركين عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين, لا يستمعون لها فيتعظوا ويعتبروا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27451ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَمَا لَهُمْ عَنِ التّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أي عن هذا القرآن.
الآية : 50-53
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{كَأَنّهُمْ حُمُرٌ مّسْتَنفِرَةٌ * فَرّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ أَن يُؤْتَىَ صُحُفاً مّنَشّرَةً * كَلاّ بَل لاّ يَخَافُونَ الاَخِرَةَ }.
يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرِة معرِضين, مولّين عنها تولية الحُمُر المستنفرة فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: مُسْتَنْفِرَةٌ, فقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسر الفاء, وفي قراءة بعض المكيين أيضا بمعنى نافرة.
والصواب من القول في ذلك عندنا, أنهما قراءتان معروفتان, صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وكان الفرّاء يقول: الفتح والكسر في ذلك كثيران في كلام العرب وأنشد:
أمْسِكْ حِمارَكَ إنّهُ مُسْتَنْفِرٌفِي إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرّب
وقوله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ اختلف أهل التأويل في معنى القسورة, فقال بعضهم: هم الرماة. ذكر من قال ذلك:
27452ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن حجاج, عن عطاء, عن ابن عباس, في قوله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: الرماة.
27453ـ حدثني ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي ظبيان, عن أبي موسى فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: الرماة.
27454ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هي الرماة.
قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
27455ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: قَسْوَرَةٍ قال: عصَبة قناص من الرماة. زاد الحارث في حديثه. قال: وقال بعضهم في القسورة: هو الأسد, وبعضهم: الرماة.
27456ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سِماك, عن عكرِمة, في قوله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: القسورة: الرماة, فقال رجل لعكرِمة: هو الأسد بلسان الحبشة, فقال عكرِمة: اسم الأسد بلسان الحبشة عنبسة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أبو رجاء, عن عكرِمة, في قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: الرماة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن سليمان بن عبد الله السلولي, عن ابن عباس, قال: هي الرماة.
27457ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وهم الرماة القناص.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: قسورة النبّل.
وقال آخرون: هم القُنّاص. ذكر من قال ذلك:
27458ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ يعني: رجال القَنْص.
27459ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير في هذه الاَية فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هم القناص.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير قال: هم القناص.
وقال آخرون: هم جماعة الرجال. ذكر من قال ذلك:
27460ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن شعبة, عن أبي حمزة, قال: سألت ابن عباس عن القسورة, فقال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب: الأسد هي عصب الرجال.
27461ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هي عِصب الرجال.
27462ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: سمعت أبي يحدّث, قال: حدثنا داود, قال: ثني عباد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم, قال: سئل ابن عباس عن القسورة, قال: جمع الرجال, ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية:
يا بِنْتَ لُؤَيّ خَيْرَةً لخَيْرَهأحْوَالُها في الحَيّ مِثلُ القَسْوَرَهْ
وقال آخرون: هي أصوات الرجال. ذكر من قال ذلك:
27463ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: ركز الناس أصواتهم.
قال أبو كريب, قال سفيان: هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا.
وقال آخرون: بل هو الأسد. ذكر من قال ذلك:
27464ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن أبي هريرة فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو الأسد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن ابن سيلان, أن أبا هريرة كان يقول في قول الله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو الأسد.
27465ـ حدثني محمد بن معمر, قال: حدثنا هشام, عن زيد بن أسلم, في قول الله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: الأسد.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني داود بن قيس عن زيد بن أسلم, في قول الله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو الأسد.
27466ـ حدثني محمد بن خالد بن خداش, قال ثني سلم بن قتيبة, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سُئل عن قوله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: هو بالعربية: الأسد, وبالفارسية: شار, وبالنبطية: أريا, وبالحبشية: قسورة.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ يقول: الأسد.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا حفص بن غياث, عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن أبي هريرة قال: الأسد.
27467ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال: القسورة: الأسد.
وقوله: بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤَتى صُحُفا مَنَشّرَةً يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله, ولكن كلّ رجل منهم يريد أن يؤتي كتابا من السماء ينزل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27468ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤْتَي صُحُفا مُنَشّرَةً قال: قد قال قائلون من الناس: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان, نؤمر فيه باتباعك, قال قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل.
27469ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بَلْ يُرِيدُ كُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤْتَي صُحُفا مُنَشّرَةً قال: إلى فلان من ربّ العالمين.
وقوله: كَلاّ بَلْ لا يَخافُونَ الاَخِرَةَ يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشّرة صدّقوا, بل لا يخافون الاَخرة, يقول: لكنهم لا يخافون عقاب الله, ولا يصدّقون بالبعث والثواب والعقاب فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله, وهوّن عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27470ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: كَلاّ بَلْ لا يخافُونَ الاَخِرَةَ إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدّقون بالاَخرة, ولا يخافونها, هو الذي أفسدهم.
الآية : 54-56
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{كَلاّ إِنّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ هُوَ أَهْلُ التّقْوَىَ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كَلاّ إنّهُ تَذْكِرَةٌ ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر, وأنه قول البشر, ولكنه تذكرة من الله لخلقه, ذكرهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27471ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: كَلاّ إنّهُ تَذْكِرَةٌ أي القرآن.
وقوله: فَمَن شاءَ ذَكَرَه يقول تعالى ذكره: فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره, فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه وَما يَذْكُرُونَ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ يقول تعالى ذكره: وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به, ويتسعملون ما فيه, إلا أن يشاء الله أن يذكروه, لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بأن يشاء الله يقدره عليه, ويعطيه القدرة عليه.
وقوله: هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ يقول تعالى ذكره: الله أهل أن يتقي عبادُه عقابهَ على معصيتهم إياه, فيجتنبوا معاصيه, ويُسارعوا إلى طاعته, وأهل المغفرة يقول: هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك, ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27472ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ ربنا محقوق أن تتقي محارمه, وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله هُوَ أهْلُ التّقْوَى وأهْلُ المَغْفِرَةِ قال: أهل أن تتقي محارمه, وأهل المغفرة: أهل أن يغفر الذنوب.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة المدثر

سورة القيامة مكية
وآياتها أربعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-4
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىَ قَادِرِينَ عَلَىَ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: لاَ أُقْسِمُ (لا) مفصولة من أقسم, سوى الحسن والأعرج, فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك: «لأُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ» بمعنى: أقسم بيوم القيامة, ثم أدخلت عليها لام القسم.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع «لا» مفصولة, أقسم مبتدأه على ما عليه قرّاء الأمصار, لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد اختلف الذين قرأوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله, فقال بعضهم «لا» صلة, وإنما معنى الكلام: أقسم بيوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
27473ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا ابن يمان, قال: حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن الحسن بن مسلم بن يناق, عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ بِيَوْم القَيامَةِ قال: أقسم بيوم القيامة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن جريج, عن الحسن بن مسلم, عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ قال: أقسم.
وقال آخرون منهم: بل دخلت «لا» توكيدا للكلام. ذكر من قال ذلك:
27474ـ سمعت أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: لا أُقْسِمُ توكيد للقسم كقوله: لا والله.
وقال بعض نحويي الكوفة, لا ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار, ثم ابتدىء القسم, فقيل: أقسم بيوم القيامة, وكان يقول: كلّ يمين قبلها ردّ لكلام, فلا بدّ من تقديم «لا» قبلها, ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا, واليمين التي تستأنف, ويقول: ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحقّ وإذا قلت: لا والله إن الرسول لحقّ فكأنك أكذبت قوما أنكروه.
واختلفوا أيضا في ذلك, هل هو قسم أم لا؟ فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة, وبالنفس اللوّامة. ذكر من قال ذلك:
27475ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الخير بن تميم, عن سعيد بن جبير, قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ فقلت: من أهل العراق, فقال: أيهم؟ فقلت: من بني أسد, فقال: من حريبهم, أو ممن أنعم الله عليهم؟ فقلت: لا بل ممن أنعم الله عليهم, فقال لي: سل, فقلت: لا أقسم بيوم القيامة, فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه.
27476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا أقْسِمُ بِيَوْم القِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بالنّفْس اللّوَامَةِ قال: أقسم بهما جميعا.
وقال آخرون: بل أقسم بيوم القيامة, ولم يقسم بالنفس اللوّامة. وقال: معنى قوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ ولست أقسم بالنفس اللوّامة. ذكر من قال ذلك:
27477ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن: أقسم بيوم القيامة, ولم يقسم بالنفس اللوّامة.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله أقسم بيوم القيامة, وبالنفس اللوّامة, وجعل «لا» ردّا لكلام قد كان تقدّمه من قوم, وجوابا لهم.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب, لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم: لا والله, لا فعلت كذا, أنه يقصد بلا ردّ الكلام, وبقوله: والله, ابتداء يمين, وكذلك قولهم: لا أقسم بالله لا فعلت كذا فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا, فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه, ما لم يخرج شيء من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد, فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ قسم فكذلك قوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْس اللّوّامَةِ إلا أن تأتي حجة تدلّ على أن أحدهما قسم والاَخر خبر. وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأوّل لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة, فتأويل الكلام إذا: لا ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء, أقسم بيوم القيامة. وكانت جماعة تقول: قيامة كل نفس موتها. ذكر من قال ذلك:
27478ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان ومسعر, عن زياد بن علاقة, عن المغيرة بن شعبة, قال: يقولون: القيامة القيامة, وإنما قيامة أحدهم: موته.
27479ـ قال: ثنا وكيع, عن مسعر وسفيان, عن أبي قبيس, قال: شهدت جنازة فيها علقمة, فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته.
وقوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: اللّوّامَةِ فقال بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشرّ. ذكر من قال ذلك:
27480ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن الحسن بن مسلم, عن سعيد بن جبير, في قوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال: تلوم على الخير والشرّ.
27481ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن سِماك, عن عكرِمة وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال: تلوم على الخير والشرّ.
27482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الخير بن تميم, عن سعيد بن جُبير, قال: قلت لابن عباس وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال: هي النفس اللّؤوم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تلوم على ما فات وتندم. ذكر من قال ذلك:
27483ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال: تندم على ما فات وتلوم عليه.
وقال آخرون: بل اللوّامة: الفاجرة. ذكر من قال ذلك:
27484ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ: أي الفاجرة.
وقال آخرون: بل هي المذمومة. ذكر من قال ذلك:
27485ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ يقول: المذمومة.
وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها, فمتقاربات المعاني, وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشرّ, وتندم على ما فات, والقرّاء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل «لا» من أقسم.
وقوله: أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ يقول تعالى ذكره: أيظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها, بلى قادرين على أعظم من ذلك, أن نسويَ بنانه, وهي أصابع يديه ورجليه, فنجعلها شيئا واحدا كخفّ البعير, أو حافر الحمار, فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم, ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها, ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط, فحسن خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27486ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الخير بن تميم, عن سعيد بن جُبير, قال: قال لي ابن عباس: سل, فقلت: أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: لو شاء لجعله خفا أو حافرا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: أنا قادر على أن أجعل كفه مجمّرة مثل خفّ البعير.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, عن إسرائيل, عن مغيرة, عمن حدثه, عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: نجعله خفا أو حافرا.
27487ـ قال: ثنا وكيع, عن النضر, عن عكرِمة على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: على أن نجعله مثل خُفّ البعير, أو حافر الحمار.
27488ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: جعلها يدا, وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ, ولو شاء لجمعهنّ, فاتقيت الأرض بفيك, ولكن سوّاك خلقا حسنا. قال أبو رجاء: وسُئل عكرِمة فقال: لو شاء لجعلها كخفّ البعير.
27489ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ رجليه, قال: كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا.
27490ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة, أو كخفّ البعير, ولو شاء لجعله كذلك, فإنما ينقي طعامه بفيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: لو شاء جعل بنانه مثل خفّ البعير, أو حافر الدابة.
27491ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال: البنان: الأصابع, يقول: نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خفّ البعير.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قادِرِينَ فقال بعضهم: نصب لأنه واقع موقع نفعل, فلما ردّ إلى فاعل نصب, وقالوا: معنى الكلام: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بل نقدر على أن نسوّي بنانه ثم صرف نقدر إلى قادرين. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: نصب على الخروج من نجمع, كأنه قيل في الكلام: أيحسب أن لن نقوَى عليه؟ بل قادرين على أقوى منك. يريد: بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. وقال: قول الناس بل نقدر, فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ, لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تقول: أتقوم إلينا, فإن حوّلتها إلى فاعل قلت: أقائم, وكان خطأ أن تقول قائما قال: وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق:
عَلَى قَسَمٍ لا أشْتُمُ الدّهْرَ مُسْلِماوَلا خارِجا مِنْ فِيّ زُورُ كَلام
فقالوا: إنما أراد: لا أشتم ولا يخرج, فلما صرفها إلى خارج نصبها, وإنما نصب لأنه أراد: عاهدت ربي لاشاتما أحدا, ولا خارجا من فيّ زور كلام وقوله: لا أشتم, في موضع نصب. وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصب على نجمع: أي بل نجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه, وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية.
الآية : 5-12
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرّ * كَلاّ لاَ وَزَرَ * إِلَىَ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرّ }.
يقول تعالى ذكره: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه, ولكنه يريد أن يمضي أمامه قُدُما في معاصي الله, لا يثنيه عنها شيء, ولا يتوب منها أبدا, ويسوّف التوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27492ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أبي الخير بن تميم الضبي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: يمضي قُدُما.
27493ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ يعني الأمل, يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة, ويقال: هو الكفر بالحقّ بين يدي القيامة.
27494ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: يمضي أمامه راكبا رأسه.
27495ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قُدُما قُدُما, إلا من قد عصم الله.
27496ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: قُدُما في المعاصي.
27497ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن عمرو, عن إسماعيل السدي بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: قُدُما.
27498ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن النضر, عن عكرِمة بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: قدما لا ينزع عن فجور.
27499ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جُبير لِيَفْجُرَ أمامَهُ قال: سوف أتوب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ولا يذكر الموت. ذكر من قال ذلك:
27500ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ ليَفْجُرَ أمامَهُ هو الأمل يؤمل الإنسان, أعيش وأصيب من الدنيا كذا, وأصيب كذا, ولا يذكر الموت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان الكافر ليكذب بيوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
27501ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ ليَفْجُرَ أمامَهُ يقول: الكافر يكذّب بالحساب.
27502ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ ليَفْجُرَ أمامَهُ قال: يكذّب بما أمامه يوم القيامة والحساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان ليكفر بالحقّ بين يدي القيامة, والهاء على هذا القول في قوله: أمامَهُ من ذكر القيامة, وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل.
وقوله: يَسألُ أيّانَ يَوْمُ القيامَةِ يقول تعالى ذكره: يسأل ابن آدم السائر دائبا في معصية الله قُدُما: متى يوم القيامة؟ تسويفا منه للتوبة, فبين الله له ذلك فقال: فإذَا بَرِقَ البَصَرُ وخَسَفَ القَمَرُ وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ... الاَية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27503ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جُبير, عن قتادة, قوله: يَسألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ يقول: متى يوم القيامة قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من سُئل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة.
27504ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَسألُ أيّانَ يَوْمَ القِيامَةِ متى يكون ذلك, فقرأ: وجُمعَ الشّمْسُ والقَمَرُ قال: فكذلك يكون يوم القيامة.
وقوله: فإذَا بَرِقَ البَصَرُ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه أبو جعفر القارىء ونافع وابن أبي إسحاق: «فإذَا بَرَقَ» بفتح الراء, بمعنى شخص وفُتِح عند الموت وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قرّاء الكوفة بَرِقَ بكسر الراء, بمعنى: فزع وشقّ. وقد:
27505ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: ثني حجاج, عن هارون, قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عنها, فقال: بَرِقَ بالكسر بمعنى حار. قال: وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال: «بَرَقَ» بالفتح, إنما برق الخيطل والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال: وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق, فقال: أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه, فذكرت لأبي عمرو, فقال: لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه, فكأنه يقول: آخذ عن أهل الحجاز.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء فإذَا بَرِقَ بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي:
لَما أتانِي ابْنُ صُبَيْحٍ رَاغِباأعْطَيْتُهُ عَيْساء مِنْها فَبرَقْ
وحُدثت عن أبي زكريا الفرّاء قال: أنشدني بعض العرب:
نَعانِي حَنانَةُ طُوْبالَةًتَسَفّ يَبِيسا مِنَ الْعِشْرقِ
فنَفْسَكَ فانْعَ وَلا تَنْعَنِيودَاوِ الْكُلومَ وَلاَ تَبْرَقِ
بفتح الراء, وفسّره أنه يقول: لا تفزع من هول الجراح التي بك قال: وكذلك يْبرُق البصر يوم القيامة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27506ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فإذَا بَرِقَ البَصَرُ يعني يبرق البصر: الموت, وبروق البصر: هي الساعة.
27507ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بَرِقَ البَصَرُ قال: عند الموت.
27508ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإذَا بَرِقَ البَصَرُ شخص البصر.
وقوله: وَخَسَفَ القَمَرُ يقول: ذهب ضوء القمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27509ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَخَسَفَ القَمَرُ: ذهب ضوءه فلا ضوء له.
27510ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الحسن وَخَسَفَ القَمَرُ هو ضوءه, يقول: ذهب ضوءه.
وقوله: وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ يقول تعالى ذكره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء, فلا ضوء لواحد منهما وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر لي: «وجُمِعَ بَينَ الشّمْسِ والقَمَرِ» وقيل: إنهما يجمعان ثم يكوّران, كما قال جلّ ثناؤه: إذا الشّمْسُ كُوّرَتْ وإنما قيل: وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ لما ذكرت من أن معناه جمع بينهما. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إنما قيل: وجُمع على مذهب وجمع النوران, كأنه قيل: وجمع الضياءان, وهذا قول الكسائي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27511ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ قال: كُوّرا يوم القيامة.
27512ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ قال: جُمعا فرُمي بهما في الأرض. وقوله: إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال: كوّرت في الأرض والقمر معها.
27513ـ قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب, عن أبي شيبة الكوفيّ, عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الاَية يوما: وجُمِعَ الشّمْسُ والقَمَرُ قال: يجمعان يوم القيامة, ثم يقذفان في البحر, فيكون نار الله الكبرى.
وقوله: يَقُولُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ المَفَرّ بفتح الفاء, قرأ ذلك قرّاء الأمصار, لأن العين في الفعل منه مكسورة, وإذا كانت العين من يفعل مكسورة, فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مَفعَل, فتقول: فرّ يفرّ مَفَرّا, يعني فرّا, كما قال الشاعر:
يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لي كُلَيْبايا لَبَكْرٍ أيْنَ أيْنَ الْفِرَارُ
إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا: أين المفرّ بفتح الفاء, وكذلك المدبّ من دبّ يدبّ, كما قال بعضهم:
كأنّ بَقايا الأَثْرِ فَوْقَ مُتُونِهمَدَبّ الدّبَى فَوْقَ النّقا وَهْوَ سارِح
وقد يُنشد بكسر الدال, والفتح فيها أكثر, وقد تنطق العرب بذلك, وهو مصدر بكسر العين. وزعم الفرّاء أنهما لغتان, وأنه سُمع: جاء على مَدبّ السيل, ومِدبّ السيل, وما في قميصه مَصحّ ومِصحّ. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مَفْعَل إذا كان الفعل على يَفعِل, وإنما يُجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفرّ إليه, وكذلك المضرب: المكان الذي يضرب فيه إذا كُسرت الراء. ورُوِي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء, ويقول: إنما المفرّ: مفر الدابة حيث تفرّ.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المَفرّ, لإجماع الحجة من القرّاء عليها, وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار, وهو في هذا الموضع الفرار. وتأويل الكلام: يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفرّ من هول هذا الذي قد نزل, ولا فرار.
يقول تعالى ذكره: كَلاّ لا وَزَرَ يقول جلّ ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه, لأنه لا ينجيه فراره, ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل, من أمر الله الذي قد حضر, وهو الوزر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27514ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: كَلاّ لا وَزَرَ يقول: لا حرز.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله كَلاّ لا وَزَرَ يعني: لا حصن, ولا ملجأ.
27515ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا إبراهيم بن طريف, قال: سمعت مُطَرّف بن الشّخيّر يقرأ: لا أُقْسمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ فلما أتى علي: كَلاّ لا وَزَرَ قال: هو الجبل, إن الناس إذا فرّوا قالوا عليك بالوَزَر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهديّ, عن شعبة, عن أدهم, قال: سمعت مُطَرّفا يقول: كَلاّ لا وَزَرَ قال: كلا لا جَبَل.
27516ـ حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي, قال: ثني أبي, عن خالد بن قيس, عن قتادة, عن الحسن, قال: كَلاّ لا وَزَرَ قال: لا جبل.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله كَلاّ لا وَزَرَ قال: كانت العرب تخيف بعضها بعضا, قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما, فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل, فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان الوَزَر الوَزَر, الجَبَل الجَبَل.
حدثني أبو حفص الحيريّ, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا أبو مودود, عن الحسن, في قوله كَلاّ لا وَزرَ قال: لا جبل.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي مودود, قال: سمعت الحسن فذكر نحوه.
27517ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى: وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا وَزَرَ لا ملْجَأ ولا جبل.
27518ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كَلاّ لا وَزَرَ لا جبل ولا حِرْز ولا منجى. قال الحسن: كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدوّا قالوا: عليكم الوزر: أي عليكم الجبل.
27519ـ حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا ابن المبارك, عن سفيان عن سليمان التيمي, عن شبيب, عن أبي قلابة في قوله: كَلاّ لا وَزَرَ قال: لا حصن.
حدثنا أحمد بن هشام, قال: حدثنا عبيد الله, قال: أخبرنا سفيان, عن سليمان التيمي, عن شبيب, عن أبي قلابة بمثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سليمان التيمي, عن شبيب, عن أبي قلابة مثله.
قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا مسلم بن طهمان, عن قتادة, في قوله لا وَزَرَ يقول: لا حصن.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لا وَزَرَ قال: لا جبل.
27520ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن مولى للحسن, عن سعيد بن جُبير لا وَزَرَ: لا حصن.
27521ـ قال: ثنا وكيع, عن أبي حجير, عن الضحاك, لا حصن.
27522ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كَلاّ لا وَزَرَ يعني: الجبل بلغة حِمْير.
27523ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كَلاّ لا وَزَرَ قال: لا مُتَغَيّب يُتَغيب فيه من ذلك الأمر, لا منجىً له منه.
وقوله: إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُ يقول تعالى ذكره: إلى ربك أيها الإنسان يومئذ الاستقرار, وهو الذي يقرّ جميع خلقه مقرّهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
27524ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرّ قال: استقرّ أهل الجنة في الجنة, وأهل النار في النار. وقرأ قول الله: وَإنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
وقال آخرون: عنى بذلك إلى ربك المنتهى. ذكر من قال ذلك:
27525ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرّ: أي المنتهى.
الآية : 13-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يُنَبّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدّمَ وَأَخّرَ * بَلِ الإِنسَانُ عَلَىَ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىَ مَعَاذِيرَهُ }.
يقول تعالى ذكره: يُخْبَر الإنسان يومئذٍ, يعني يوم يَجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخّر.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: بِمَا قَدّمَ وأخّرَ فقال بعضهم: معنى ذلك: بما قدّم من عمل خير, أو شرّ أمامه, مما عمله في الدنيا قبل مماته, وما أخّر بعد مماته من سيئة وحسنة, أو سيئة يعمل بها من بعده. ذكر من قال ذلك:
27526ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ يقول: ما عمل قبل موته, وما سَنّ فعُمِل به بعد موته.
27527ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عبد الكريم الجزري, عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال: بِمَا قَدّمَ من عمله وأخّرَ من سنة عمل بها من بعده من خير أو شرّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية, وأخر من الطاعة. ذكر من قال ذلك:
27528ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ يقول: بما قدّم من المعصية, وأخّر من الطاعة, فينبأ بذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأوّل عمله وآخره. ذكر من قال ذلك:
27529ـ حدثنا ابن بشار, قال حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن منصور عن مجاهد يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ وأخّرَ قال: بأوّل عمله وآخره.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مجاهد, مثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
27530ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد وإبراهيم, مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بِما قَدّمَ من طاعة وأخّرَ من حقوق الله التي ضيّعها. ذكر من قال ذلك:
27531ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدّمَ من طاعة الله وأخّرَ مما ضيع من حقّ الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة بِمَا قَدّمَ وأخّرَ قال: بما قدّم من طاعته, وأخّر من حقوق الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله, وما أخّر مما ترك عمله من طاعة الله. ذكر من قال ذلك:
27532ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يُنَبّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدّمَ وأخّرَ قال: ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله, ما ترك من طاعة الله لم يعمل به, وما قدم: ما عمل من خير أو شرّ.
والصواب من القول في ذلك عندنا, أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته, وأخّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخّر, كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ, وأخّر بعده من عمل كان عليه فضيّعه, فلم يعمله مما قدّم وأخّر, ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض, فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة.
وقوله: بَل الإنْسانُ على نَفْسِه بَصِيرَةٌ يقول تعالى ذكره: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله, ويشهدون عليه به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27533ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه.
والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله عَلى نَفْسِهِ, والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله: نفسه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل الإنسان شاهد على نفسه وحده ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرا للإنسان, ورفع الإنسان بها. ذكر من قال ذلك:
27534ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ يقول: الإنسان شاهد على نفسه وحده.
27535ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ قال: شاهد عليها بعملها.
27536ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم, غافلاً عن ذنوبه قال: وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك, ولا تبصر الجذع المعترض في عينك.
27537ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ قال: هو شاهد على نفسه, وقرأ: اقْرأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا.
ومن قال هذه المقالة يقول: أدخلت الهاء في قوله بَصِيرَةٌ وهي خبر للإنسان, كما يقال للرجل: أنت حجة على نفسك, وهذا قول بعض نحويي البصرة. وكان بعضهم يقول: أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر, كما أدخلت في راوية وعلامة.
وقوله: ولَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ اختلف أهل الرواية في معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه, ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم, وركب من المعاصي, وجادل بالباطل. ذكر من قال ذلك:
27538ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ يعني الاعتذار, ألم تسمع أنه قال: لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ, وقال الله: «وألقوا إلى الله يومئذٍ السّلَم ما كنا نعمل من سوء» وقولهم: وَاللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ.
27539ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جُبير, في قولهّ: بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةُ قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر.
27540ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَو ألْقَى مَعاذِيرَهُ ولو جادل عنها, فهو بصيرة عليها.
27541ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن عمران بن حدير, قال: سألت عكرمة, عن قوله: بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصيرَةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعاذيرَهُ قال: فسكت, فقلت له: إن الحسن يقول: ابن آدم عملك أولى بك, قال: صدق.
27542ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ قال: معاذيرهم التي يعتذرون بها بوم القيامة فلا ينتفعون بها, قال: يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم, ويعتذرون بالكذب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد. ذكر من قال ذلك:
27543ـ حدثني نصر بن عليّ الجهضمي, قال: ثني أبي, عن خالد بن قيس, عن قتادة, عن زرارة بن أوفى, عن ابن عباس, في قوله: وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ قال: لو تجرّد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب. ذكر من قال ذلك:
27544ـ حدثني محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا رَوّاد, عن أبي حمزة, عن السديّ, في قوله: وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ ولو أرخى الستور, وأغلق الأبواب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ لم تقبل. ذكر من قال ذلك:
27545ـ حدثني نصر بن عليّ, قال: ثني أبي, عن خالد بن قيس, عن قتادة, عن الحسن: وَلَوْ ألْقَى مَعاذِيرَهُ لم تُقبل معاذيره.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدا من نفسه بقوله بَلِ الإنْسانُ على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك, ولو جادل عنها بالباطل, واعتذر بغير الحقّ, فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
الآية : 16-19
القول في تأويل قوله تعالى:{لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فقال بعضهم: قيل له ذلك, لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به, يريد حفظه من حبه إياه, فقيل له: لا تعجل به فإنّا سَنحفظُه عليك. ذكر من قال ذلك:
27546ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل يريد حفظه, فقال الله تعالى ذكره: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنَا جمْعَهُ وَقُرآنَهُ وقال ابن عباس: هكذا, وحرّك شفتيه.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبّاريّ ويونس قالا: حدثنا سفيان, عن عمرو, عن سعيد بن جُبير, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل به يريد حفظه وقال يونس: يحرّك شفتيه ليحفظه, فأنزل الله: لا تُحَرّكْ بِه لسَانَكَ لتَعْجَلَ بِه إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي عائشة, سمع سعيد بن جُبير, عن ابن عباس مثله, وقال: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال: هكذا, وحرّك سفيان فاه.
27547ـ حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, في قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي, كان يحرّك به لسانه وشفتيه, فيشتدّ عليه, فكان يعرف ذلك فيه, فأنزل الله هذه الاَية في «لا أقسم بيوم القيامة»: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن, حرّك شفتيه, فيعرف بذلك, فحاكاه سعيد, فقال: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال: لتعجل بأخذه.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, قال سمعت سعيد بن جُبير يقول: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. قال: كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن, فيحرّك به لسانه, يستعجل به, فقال: لا تُحَرّكْ به لسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ.
27548ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ربعى بن علية, قال: حدثنا داود بن أبي هند, عن الشعبيّ في هذه الاَية: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِل يتكلم به من حبه إياه, فنزل. لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ.
27549ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ قال: لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضي إليك وحيه, فإذا قضينا إليك وحيه, فتكلم به.
27550ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال: كان نبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرّك به لسانه مخافة أن ينساه.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك, أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه, فقيل له: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن علينا أن نجمعه لك, ونقرئكه فلا تنسى. ذكر من قال ذلك:
27551ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه, فقال الله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن علينا أن نجمعه لك, وقرآنه: أن نقرئك فلا تنسى.
27552ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان, فقال له: كفيناكه يا محمد.
27553ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَيّة, قال: حدثنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه ليستذكره, فقال الله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنا سنحفظه عليك.
27554ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه مخافة النسيان, فأنزل الله ما تسمع.
27555ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى.
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل, القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, وذلك أن قوله: إنّ عَليْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ ينبىء أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلاً فيه قبل جمعه ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.
وقوله: إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه وقُرآنَهُ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27556ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ قال: في صدرك وَقُرآنَهُ قال: تقرؤه بعد.
27557ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ أن نجمعه لك, وقرآنه: أن نُقرئك فلا تنسى.
27558ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله إنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ يقول: إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.
وكان آخرون يتأوّلون قوله: وَقُرآنَهُ وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه, وتأليفه. ذكر من قال ذلك:
27559ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ يقول حفظه وتأليفه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة جَمْعَهُ وقُرآنَهُ قال: حفظه وتأليفه.
وكأنّ قتادة وجّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قَرَأَتْ هذِ الناقةُ في بطنها جَنينا, إذا ضمت رحمها على ولد, كما قال عمرو بن كلثوم:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍهِجانِ اللّوْنِ لمْ تَقرأ جَنِينا
يعني بقوله: «لم تقرأ»: لم تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.
وقوله: فإذَا قَرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ اختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه. ذكر من قال ذلك:
27560ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور وابن أبي عائشة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس فإذَا قَرأناهُ: فإذا أنزلناه إليك فاتّبِعْ قُرآنَهُ قال: فاستمع قرآنه.
حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس فإذَا قرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ: فإذا أنزلناه إليك فاستمع له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا تُلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام. ذكر من قال ذلك:
27561ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فإذَا قَرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
27562ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فإذا قَرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ يقول اتبع حلالَه واجتنب حرامه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فإذَا قَرَأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ يقول: فاتبع حلاله, واجتنب حرامه.
27563ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فاتّبِعْ قُرآنَهُ يقول: اتبع ما فيه.
وقال آخرون: بل معناه: فإذا بيّناه فاعمل به. ذكر من قال ذلك:
27564ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: فإذَا قَرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ يقول: اعمل به.
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: فإذا تُلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي, واتبع ما أُمرت به فيه, لأنه قيل له: إن علينا جمعه في صدرك وقرآنه ودللنا على أن معنى قوله: وقُرآنَهُ: وقراءته, فقد بين ذلك عن معنى قوله: فإذَا قَرأناهُ فاتّبِعْ قُرآنَهُ ثُمّ إنّ عَلَيْنا بَيانَهُ يقول تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه, وأحكامه لك مفصلة.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
27565ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ثُمّ إنّ عَلَيْنا بَيانَهُ يقول: حلاله وحرامه, فذلك بيانه.
27566ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ثُمّ إنّ عَلَيْنا بَيانَهُ بيان حلاله, واجتناب حرامه, ومعصيته وطاعته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك. ذكر من قال ذلك:
27567ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن موسى بن أبي عائشة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ثُمّ إنّ عَلَيْنا بَيانَهُ قال: تبيانه بلسانك