تفسير الطبري تفسير الصفحة 583 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 583
584
582
 الآية : 31-35
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً * حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً * لاّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذّاباً }.
يقول: إن للمتقين مَنجًى من النار إلى الجنة, ومخلصا منهم لهم إليها, وظفرا بما طلبوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27905ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا قال: فازوا بأن نَجَوا من النار.
27906ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ لِلْمُتقِينَ مَفازا: إي والله مفازا من النار إلى الجنة, ومن عذاب الله إلى رحمته.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا قال: مفازا من النار إلى الجنة.
27907ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا يقول: مُنْتَزها.
وقوله: حَدَائِقَ والحدائق: ترجمة وبيان عن المفاز, وجاز أن يترجم بها عنه, لأن المفاز مصدر من قول القائل: فاز فلان بهذا الشيء: إذا طلبه فظفر به, فكأنه قيل: إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب والحدائق: جمع حديقة, وهي البساتين من النخل والأعناب والأشجار المُحَوّط عليها الحيطان المحدقة بها, لإحداق الحيطان بها تسمى الحديقة, فإن لم تكن الحيطان بها محدقة, لم يُقُل لها حديقة, وإحداقها بها: اشتمالها عليها.
وقوله: وأعْنابا يعني: وكرومٍ أعناب, واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم.
وقوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا يقول: ونواهد في سنّ واحدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27908ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ عن ابن عباس, قوله: وكَوَاعِبَ يقول: ونواهد. وقوله: أتْرَابا يقول: مُسْتَوِيات.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله وكَوَاعِبَ أتْرَابا يعني: النساء المستويات.
27909ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا قال: نواهد أترابا, يقول: لسنَ واحدة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, ثم وصف ما في الجنة قال: حَدَائقَ وأعْنابا وكَوَاعِبَ أتْرَابا يعني بذلك النساء, أترابا: لسنَ واحدة.
27910ـ حدثني عباس بن محمد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جرَيج, قال: الكواعب: النواهد.
27911ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا قال: الكواعب: التي قد نهدت وكَعّب ثديها, وقال: أترابا: مستويات, فلانة تربة فلانة, قال: الأتراب: اللّدات.
27912ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا يحيى بن سليمان, عن ابن جريج, عن مجاهد وكَوَاعِبَ أتْرَابا لِدَات.
وقوله: وكأْسا دِهاقا يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء وأصله من الدّهْق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدّة وعنف, وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27913ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مروان, قال: حدثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة, عن مسلم بن نَسْطاس, قال: قال ابن عباس لغلامه: اسقني دِهاقا, قال: فجاء بها الغلام ملأى, فقال ابن عباس: هذا الدّهاق.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي, قال: حدثنا موسى بن عمير, عن أبي صالح, عن ابن عباس, قوله: كأْسا دِهاقا قال: ملأى.
27914ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أخبرني سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن عمرو بن دينار, قال: سمعت ابن عباس يُسئل عن كأُسا دِهاقا قال: داركا, قال يونس, قال ابن وهب: الذي يَتْبع بعضهُ بعضا.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وكأُسا دِهاقا يقول: ممتلئا.
27915ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا حميد الطويل, عن ثابت البُنَانيّ, عن أبي رافع, عن أبي هريرة, في قوله: كأُسا دِهاقا قال: دمادم.
27916ـ قال: ثنا ابن علية, قال: حدثنا أبو رجاء, عن الحسن, في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: مَلأى.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن يونس, عن الحسن وكأْسا دِهاقا قال: المَلأَى.
27917ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وكأْسا دِهاقا قال: مَلأَى.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا أبي عديّ, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
27918ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن سعيد بن أبي عَرُوبة, عن قتادة, في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: مُتْرَعةَ مْلأَى.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكأْسا دِهاقا قال: الدهاق: المَلأَى المُتْرَعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: كأْسا دِهاقا قال: الدهاق: الممتلئة.
27919ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كأْسا دِهاقا قال: الدّهاق المملوءة.
وقال آخرون: الدّهاق: الصافية. ذكر من قال ذلك:
27920ـ حدثنا محمد بن يحيى الأزديّ وعباس بن محمد, قالا: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: حدثنا عمر بن عطاء, عن عكرِمة, في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: صافية.
وقال آخرون: بل هي المتتابعة. ذكر من قال ذلك:
27921ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال سعيد بن جُبير في قوله: وكأْسا دِهاقا دهاقا: المتتابعة.
27922ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وكأْسا دِهاقا قال: المتتابع.
27923ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا جرير, عن حصين, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: الملأَى المتتابعة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: المتتابعة.
وقوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا كِذّابا يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا, يعني باطلاً من القول, ولا كذّابا, يقول: ولا مكاذبة, أي لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأت القرّاء في الأمصار بتشديد الذال على ما بيّنت في قوله: وكَذّبُوا بآياتِنا كِذّابا سوى الكسائي فإنه خفّفها لما وصفت قبل, والتشديد أحبّ إليّ من التخفيف, وبالتشديد القراءة, ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه ومن التخفيف قول الأعشى:
فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُهاوالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهْ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27924ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة لَغْوا وَلا كَذّابا قال: باطلاً وإثما.
27925ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا كِذّابا قال: وهي كذلك ليس فيها لغوٌ ولا كذّابٌ.

الآية : 36-38
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{جَزَآءً مّن رّبّكَ عَطَآءً حِسَاباً * رّبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرّحْمَـَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً * يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاّ يَتَكَلّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَقَالَ صَوَاباً }.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: جَزَاءً مِنْ رَبكَ عَطاءً أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الاَيات ثوابا من ربك بأعمالهم, على طاعتهم إياه في الدنيا.
وقوله: عَطاءً يقول: تفضلاً من الله عليهم بذلك الجزاء, وذلك أنه جزاهم بالواحد عشرا في بعض, وفي بعض بالواحد سبع مِئَة, فهذه الزيادة وإن كانت جزاء فعطاء من الله.
وقوله: حِسابا يقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27926ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حسِابا قال: عطاء منه حسابا لما عملوا.
27927ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حِسابا: أي عطاء كثيرا, فجزاهم بالعمل اليسير, الخير الجسيم, الذي لا انقطاع له.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن مَعْمر, عن قتادة, في قوله: عَطاءً حِسابا قال: عطاء كثيرا وقال مجاهد: عطاء من الله حسابا بأعمالهم.
27928ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حسابا فقرأ: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا حَدَائِقَ وأعْنابا وكَوَاعِبَ أتْرَابا... إلى عَطاءً حسابا قال: فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم, عملوا له واحدة, فجزاهم عشرا, وقرأ قول الله: مَنْ جاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا, وقرأ قول الله: مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ قال: يزيد من يشاء, كان هذا كله عطاء, ولم يكن أعمالاً يحسبه لهم, فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له, قال: ولم يعملوا إنما عملوا عشرا, فأعطاهم مئة, وعملوا مئة, فأعطاهم ألفا, هذا كله عطاء, والعمل الأوّل, ثم حَسَب ذلك حتى كأنهم عملوا, فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا.
وقوله: رَبّ السّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنِ يقول جلّ ثناؤه: جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة: «رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنُ» بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعضُ أهل البصرة وبعضُ الكوفيين: رَبّ خفضا «والرّحْمَنُ» رفعا ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب, غير أن الخفض في الربّ, لقربه من قوله جَزَاءً مِنْ رَبّكَ: أعجب إليّ, وأما الرّحْمَنُ بالرفع, فإنه أحسن, لبعده من ذلك.
وقوله: الرّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة, إلا من أذن له منهم, وقال صوابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27929ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خطابا قال: كلاما.
27930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْه خِطابا: أي كلاما.
27931ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا قال: لا يملكون أن يخاطبوا الله, والمخاطِب: المخاصم الذي يخاصم صاحبه.
وقوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع, فقال بعضهم: هو مَلك من أعظم الملائكة خَلْقا. ذكر من قال ذلك:
27932ـ حدثني محمد بن خلف العَسْقَلانيّ, قال: حدثنا روّاد بن الجرّاح, عن أبي حمزة, عن الشعبيّ, عن علقمة, عن ابن مسعود, قال: الرّوح ملك في السماء الرابعة, هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة, يسبح الله كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة, يخلق الله من كلّ تسبيحة مَلَكا من الملائكة, يجيء يوم القيامة صفّا وحده.
27933ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ والمَلائِكَةُ قال: هو ملك أعظم الملائكة خَلْقا.
وقال آخرون: هو جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك:
27934ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان, عن ثابت, عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال جبريل عليه السلام.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال: الروح: جبريل عليه السلام.
27935ـ حدثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلانيّ, قال: حدثنا روّاد بن الجرّاح, عن أبي حمزة عن الشعبيّ يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال: الروح جبريل عليه السلام.
وقال آخرون: خَلْق من خلق الله في صورة بني آدم. ذكر من قال ذلك:
27936ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال الرّوحُ خَلْقٌ على صورة بني آدم, يأكلون ويشربون.
27937ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن مسلم, عن مجاهد, قال الرّوح: خلق لهم أيد وأرجل وأراه قال: ورؤوس يأكلون الطعام, ليسوا ملائكة.
27938ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, قال: يشبهون الناس, وليسوا بالناس.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن سليمان, عن مجاهد, قال الرّوحُ: خَلْق كخلق آدم.
27939ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا قال: الروح خلق من خلق الله يُضْعِفون على الملائكة أضعافا, لهم أيد وأرجل.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا معتمر بن سليمان, عن إسماعيل, عن أبي صالح مولى أم هانىء يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ قال: الروح: خلق كالناس, وليسوا بالناس.
وقال آخرون: هم بنو آدم. ذكر من قال ذلك:
27940ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال: هم بنو آدم, وهو قول الحسن.
27941ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ: قال: الروح بنو آدم. وقال قتادة: هذا مما كان يكتمه ابن عباس.
وقال آخرون: قيل: ذلك أرواح بني آدم. ذكر من قال ذلك:
27942ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ قال: يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة, فيما بين النفختين, قبل أن تردّ الأرواح إلى الأجساد.
وقال آخرون: هو القرآن. ذكر من قال ذلك:
27943ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, كان أبي يقول: الروح: القرآن, وقرأ وكَذَلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الْكِتابُ وَلا الإيمَانُ.
والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ خَلْقه لا يملكون منه خطابا, يوم يقوم الرّوح, والرّوح: خَلْق من خلقه. وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت, والله أعلم أيّ ذلك هو؟ ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره, يجب التسليم له, ولا حجة تدلّ عليه, وغير ضائر الجهل به.
وقيل: إنه يقول: سِمَاطان. ذكر من قال ذلك:
27944ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن, عن الشعبيّ, في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قال: هما سِماطان لربّ العالمين, يوم القيامة: سِماط من الروح, وسِماط من الملائكة.
وقوله: لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قيل: إنهم يُؤْذَن لهم في الكلام, حين يُؤْمَر بأهل النار إلى النار, وبأهل الجنة إلى الجنة.
27945ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: حدثنا أبو عمرو, الذي يقصّ في طيء عن عكرمة, وقرأ هذه الاَية: إلا مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال: يمرّ بأناس من أهل النار على ملائكة, فيقولون: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقال: إلى النار, فيقولون: بما كَسَبت أيديهم, وما ظلمهم الله, ويمرّ بأناس من أهل الجنة على ملائكة, فيقال: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقولون: إلى الجنة, فيقولون: برحمة الله دخلتم الجنة, قال: فيُؤذَن لهم في الكلام, أو نحو ذلك.
وقال آخرون: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحمنُ بالتوحيد وَقالَ صَوَابا في الدنيا, فوحّد الله. ذكر من قال ذلك:
27946ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا يقول: إلا من أذن له الربّ بشهادة أن لا إله إلا الله, وهي منتهى الصواب.
27947ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَقالَ صَوَابا قال حقا في الدنيا, وعمل به.
27948ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا إسماعيل, عن أبي صالح في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ, وَقالَ صَوَابا قال: لا إله إلا الله.
قال أبو حفص: فحدثت به يحيى بن سعيد, فقال: أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهديّ, عن أبي معاوية.
27949ـ حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا حفص بن عمر العَدَنيّ, قال: حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرِمة في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال: لا إله إلا الله.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا, إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن, وقال صوابا, فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه, ولا على لسان رسوله, أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب, والظاهر محتمل جميعه.
الآية : 39-40
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً * إِنّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }.
يقول تعالى ذكره: ذلكَ اليَوْمُ يعني: يوم القيامة, وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا الْحَقّ: يقول: إنه حقّ كائن, لا شكّ فيه.
وقوله: فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ, والاستعداد له, والعمل بما فيه النجاة له من أهواله مآبا, يعني: مرجعا وهو مَفْعَل, من قولهم: آب فلان من سفره, كما قال عُبَيد:
وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُبُوغائِبُ المَوْت لا يَؤُبُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27950ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا قال: اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته, وما يقرّبهم إليه.
27951ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إلى رَبّهِ مآبا قال: سبيلاً.
27952ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان مآبا يقول: مرجعا منزلاً.
وقوله: إنّا أنْذَرْناكُمْ عَذَابا قَرِيبا يقول: إنا حذْرناكم أيها الناس عذابا قد دنا منكم وقرُب, وذلك يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ المؤمن ما قَدّمَتْ يَدَاهُ من خير اكتسبه في الدنيا, أو شرك سَلَفَ, فيرجو ثواب الله على صالح أعماله, ويخاف عقابه على سيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27953ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن مبارك, عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن يحذَر الصغيرة, ويخاف الكبيرة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن محمد بن جَحّادة, عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن محمد بن جحادة, عن الحسن, في قوله: يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن.
وقوله: وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذٍ تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به: يا ليتني كنت ترابا, كالبهائم التي جُعِلت تُرابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27954ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ, قالا: حدثنا عوف, عن أبي المغيرة, عن عبد الله بن عمرو, قال: إذا كان يوم القيامة, مدّ الأديم, وحشر الدوابّ والبهائم والوحش, ثم يحصل القصاص بين الدوابّ, يقتصّ للشاة الجَمّاء من الشاة القَرْناء نَطْحَتها, فإذا فُرِغ من القِصاص بين الدوابّ, قال لها: كوني ترابا, قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا.
27955ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر قال: وحدثني جعفر بن بُرْقان, عن يزيد بن الأصمّ, عن أبي هريرة, قال: إن الله يحشرُ الخلق كلهم, كل دابة وطائر وإنسان, يقول للبهائم والطير كونوا ترابا, فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا.
27956ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا المحاربيّ عبدُ الرحمن بن محمد, عن إسماعيل بن رافع المدَنيّ, عن يزيد بن زياد, عن محمد بن كعب القُرَظِيّ, عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَقْضِي اللّهُ بَينَ خَلْقِهِ الجِنّ والإنْسِ والبَهائِمِ, وإنّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ الجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ, حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى, قالَ اللّهُ: كُونُوا تُرَابا, فَعِنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا».
27957ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا وهو الهالك المُفْرِط العاجز, وما يمنعه أن يقول ذلك وقد راج عليه عَوْراتُ عمله, وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان, فتمنى الموت يومئذٍ, ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.
27958ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن أبي الزّناد عبد الله بن ذَكْوان, قال: إذا قُضِي بين الناس, وأمر بأهل النار إلى النار قيل لمؤمني الجنّ ولسائر الأمم سوى ولد آدم: عُودُوا ترابا, فإذا نظر الكفار إليهم قد عادوا ترابا, قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا.
27959ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, في قوله: وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا: قال: إذا قيل للبهائم: كونوا ترابا, قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة النبأ

سورة النازعات مكية
وآياتها ست وأربعون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-9
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ }.
أقسم ربنا جلّ جلاله بالنازعات, واختلف أهل التأويل فيها, وما هي؟ وما تنزع؟ فقال بعضهم: هم الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم, والمنزوع نفوس الاَدميين. ذكر من قال ذلك:
27960ـ حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل, قال: حدثنا النضّر بن شُمَيل, قال: أخبرنا شُعبة, عن سليمان, قال: سمعت أبا الضّحى, عن مسروق, عن عبد الله والنّازِعاتِ غَرْقا قال: الملائكة.
27961ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق: أنه كان يقول في النازعات: هي الملائكة.
27962ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يوسف بن يعقوب, قال: حدثنا شعبة, عن السديّ, عن أبي صالح, عن ابن عباس, في النازعات, قال: حين تنزع نفسه.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: تَنْزِع الأنفس.
27963ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: نزعت أرواحهم, ثم غرقت, ثم قذف بها في النار.
وقال آخرون: بل هو الموت يَنْزِع النفوس. ذكر من قال ذلك:
27964ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والنّازِعاتِ غَرْقا قال: الموت.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وقال آخرون: هي النجوم تَنْزِع من أُفق إلى أفق.
27965ـ حدثنا الفضل بن إسحاق, قال: حدثنا أبو قُتَيبة, قال: حدثنا أبو العوّام, أنه سمع الحسن في النّازِعاتِ غَرْقا قال: النجوم.
27966ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: النجوم.
وقال آخرون: هي القِسِيّ تَنزِع بالسهم. ذكر من قال ذلك:
27967ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل بن السائب, عن عطاء والنّازِعاتِ غَرْقا قال القِسِيّ.
وقال آخرون: هي النفس حين تنزع. ذكر من قال ذلك:
27968ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن السديّ والنّازِعاتِ غَرْقا قال: النفس حين تغرق في الصدر.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا, ولم يخصُصْ نازعة دون نازعة, فكلّ نازعة غَرْقا, فداخلة في قَسَمه, مَلَكا كان أو موتا, أو نجما, أو قوسا, أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقا, كما يغرق النازع في القوس.
وقوله: والنّاشِطاتِ نَشْطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهنّ, وما هنّ, وما الذي يَنْشِط, فقال بعضهم: هم الملائكة, تَنْشِط نفس المؤمن فتقبضها, كما يُنْشَط العِقال من البعير إذا حُلّ عنه. ذكر من قال ذلك:
27969ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الملائكة.
وكان الفرّاء يقول: الذي سمعت من العرب أن يقولوا: أنْشَطْت, وكأنما أُنْشط من عِقال, ورَبْطُها: نشطها, والرابط: الناشِط قال: وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نَشَطته تَنْشِطهُ, وأنت ناشِط, وإذا حللته فقد أنشطته.
وقال آخرون: النّاشِطاتِ نَشْطا هو الموت يَنْشِط نفسَ الإنسان. ذكر من قال ذلك:
27970ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الموت.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
27971ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يوسف بن يعقوب, قال: حدثنا شعبة عن السديّ, عن أبي صالح, عن ابن عباس والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: حين تَنْشِط نفسَه.
27972ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن السديّ والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: نَشْطُها: حين تُنْشَط من القدمين.
وقال آخرون: هي النجوم تَنْشِط من أفق إلى أفق. ذكر من قال ذلك:
27973ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: النجوم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: هنّ النجوم.
وقال آخرون: هي الأوهاق. ذكر من قال ذلك:
27974ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل بن السائب, عن عطاء والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الأوهاق.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالناشطات نَشْطا, وهي التي تَنْشُط من موضع إلى موضع, فتذهب إليه, ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شيء, بل عَمّ القَسَم بجميع الناشطات, والملائكة تَنْشُط من موضع إلى موضع, وكذلك الموت, وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تَنْشُط, كما قال الطّرِمّاح:
وَهَلْ بِحَلِيفِ الخَيْلِ مِمّنْ عَهِدْتُهُبِهِ غَيْرُ أُحْدانَ النّوَاشِطِ رُوْعُ
يعني بالنواشط: بقر الوحش, لأنها تنشَط من بلدة إلى بلدة, كما قال رُؤْبة بن العجّاج:
تَنَشّطَتْه كُلّ مِغْلاةِ الّوَهَقْ
والهموم تَنْشُط صاحبها, كما قال هِمْيان بن قُحافة:
أمْستْ هُمُومي تَنْشِطُ المَناشِطَاالشّامَ بي طَوْرا وَطَوْرا وَاسِطَا
فكلّ ناشط فداخل فيما أقسم به, إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها, بأن المعنيّ بالقسم من ذلك, بعض دون بعض.
وقوله: والسّابِحاتِ سَبْحا يقول تعالى ذكره: واللواتي تسبحُ سَبْحا.
واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جلّ ثناؤه من السابحات, فقال بعضهم: هي الموت تسبح في نفس ابن آدم. ذكر من قال ذلك:
27975ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال: الموت, هكذا وجدته في كتابي وقد:
حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا مهران, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال: الملائكة, وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي.
فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا, فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سباحة, كما يقال للفرس الجواد: إنه لسابح إذا مرّ يُسرع.
وقال آخرون: هي النجوم تَسْبح في فلكها. ذكر من قال ذلك:
27976ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والسّابِحاتِ سَبْحا قال: هي النجوم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: هي السّفُن. ذكر من قال ذلك:
27977ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل بن السائب, عن عطاء والسّابِحاتِ سَبْحا قال: السفن.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالسابحات سَبْحا من خلقه, ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض, فذلك كل سابح, لما وصفنا قبلُ في «النازعات».
وقوله: فالسّابقِاتِ سَبْقا اختلف أهل التأويل فيها, فقال بعضهم: هي الملائكة. ذكر من قال ذلك:
27978ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد فالسّابِقاتِ سَبْقا قال: الملائكة. وقد:
27979ـ حدثنا بهذا الحديث أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فالسّابقاتِ سَبْقا قال: الموت.
وقال آخرون: بل هي الخيل السابقة. ذكر من قال ذلك:
27980ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل بن السائب, عن عطاء فالسّابقاتِ سَبْقا. قال: الخيل.
وقال آخرون: بل هي النجوم يَسبق بعضها بعضا في السير. ذكر من قال ذلك:
27981ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالسّابِقاتِ سَبْقا قال: هي النجوم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
والقول عندنا في هذه, مثل القول في سائر الأحرف الماضية.
وقوله: فالمُدَبّراتِ أمْرا يقول: فالملائكة المدبرة ما أُمِرَت به من أمر الله, وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27982ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالمُدَبّراتِ أمْرا قال: هي الملائكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ يقول تعالى ذكره: يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالجِبَالُ للنفخة الأولى تَتْبَعُهاالرّادِفَةُ تتبعها أخرى بعدها, وهي النفخة الثانية التي رَدِفَتِ الأولى, لبعث يوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
27983ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ يقول: النفخة الأولى. وقوله: تَتْبَعُها الرّادِفَةُ يقول: النفخة الثانية.
حدثنا محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ يقول: تتبع الاَخرةُ الأولى, والراجفة: النفخةُ الأولى, والرادفة: النفخة الأخرة.
27984ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: هما النفختان: أما الأولى فتَميت الأحياء, وأما الثانية فتُحيي الموتى ثم تلا الحسن: ونُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.
27985ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: هما الصّيْحتان, أما الأولى فتُميت كلّ شيء بإذن الله, وأما الأخرى فتُحيي كل شيء بإذن الله إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «بَيْنَهُما أرْبَعُونَ» قال أصحابه: والله ما زادنا على ذلك. وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يُبْعَثُ فِي تِلْك الأرْبَعِينَ مَطَرٌ يُقالُ لَهُ الْحَياةُ, حتى تَطِيبَ الأرْضُ وتَهْتَزّ, وتَنْبُتَ أجْسادُ النّاسِ نَباتَ البَقْلِ, ثُمّ تُنْفَخُ النّفْخَةُ الثّانِيَةُ, فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ».
27986ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المُحَاربيّ, عن إسماعيل بن رافع المَدَنِيّ, عن يزيدبن أبي زياد, عن رجل, عن محمد بن كعب القُرَظِيّ, عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذكر الصّور, فقال أبو هريرة: يا رسول الله, وما الصّور؟ قال: «قَرْنٌ», قال: فكيف هو؟ قال: «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأُولى نَفْخَةُ الفَزَع, والثّانِيَةُ نَفْخَةُ الصّعْق, والثّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام, فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْض إلاّ مَنْ شاء الله, ويأمر الله فيدِيمُها, ويطوّلها, ولا يَفْتُر, وهي التي تقول: ما ينظر هؤلاء إلاّ صيحة واحدة مالها من فَوَاق, فيسيّر الله الجبال, فتكون سَرابا, وتُرَجّ الأرض بأهلها رجّا, وهي التي يقول: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ».
27987ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن عبد الله بن محمد بن عقيل, عن الطّفيل بن أبيّ, عن أبيه, قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ فقال: «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه».
27988ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ: النفخة الأولى, تَتْبَعُها الرّادِفَةُ: النفخة الأخرى.
وقال آخرون في ذلك ما:
27989ـ حدثني به محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ قال: ترجف الأرض والجبال, وهي الزلزلة. وقوله: الرّادِفَةُ قال: هو قوله: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فدُكتا دَكةً واحدة.
وقال آخرون: ترجف الأرض, والرادفة: الساعة. ذكر من قال ذلك:
27990ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجفَةُ الأرض, وفي قوله: تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: الرادفة: الساعة.
واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: والنّازِعات غَرْقا فقال بعضُ نحويّي البصرة: قوله والنّازِعاتِ غَرْقا: قسم والله أعلم على إنّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى وإن شئت جعلتها على يَوْم تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا, وفي كلّ الأمور. وقال بعض نحويّي الكُوفة: جواب القسم في النازعات: ما تُرِك, لمعرفة السامعين بالمعنى, كأنه لو ظهر كان لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ قال: ويدل على ذلك أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً ألا ترى أنه كالجواب لقوله: لَتُبْعَثُنّ إذ قال: أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً. وقال آخر منهم نحو هذا, غير أنه قال: لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين, لأنها إذا حذفت لم يُعرف موضعها, وذلك أنها تلي كلّ كلام.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جواب القسم في هذا الموضع, مما استغني عنه بدلالة الكلام, فتُرك ذكره.
وقوله: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول تعالى ذكره: قلوب خَلْقٍ من خلقه يومئذٍ خائفة من عظيم الهول النازل. ذكر من قال ذلك:
27991ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول: خائفة.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: واجفة: خائفة.
27992ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في «واجفة», قال: خائفة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول: خائفة, وجَفَت مما عاينت يومئذٍ.
27993ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ قال: الواجفة: الخائفة.
وقوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم, من عظيم هول ذلك اليوم, كما:
27994ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ قال: خاشعة للذلّ الذي قد نزل بها.
27995ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ يقول: ذليلة.
الآية : 10-14
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَقُولُونَ أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنّا عِظَاماً نّخِرَةً * قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسّاهِرَةِ }.
يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذّبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات, فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا, وقبل مماتنا؟ وهو من قولهم: رجع فلان على حافرته: إذا رجع من حيث جاء ومنه قول الشاعر:
أحافِرَةٌ عَلى صَلَعٍ وشَيْبٍمَعاذَ اللّهِ مِنْ سَفَهٍ وطَيْشِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
27996ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: الْحافِرَةُ: يقول: الحياة.
27997ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ يقول: أئنا لنحيا بعد موتنا, ونُبعث من مكاننا هذا؟
27998ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يقول: أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ: أئِنّا لمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا؟
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فِي الْحافِرةِ قال: أي مردودون خَلقا جديدا.
27999ـ حدثنا أبو كُريب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القُرَظيّ أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال: في الحياة.
28000ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن السديّ أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال: في الحياة.
وقال آخرون: الحافرة: الأرض المحفورة التي حُفرت فيها قبورهم, فجعلوا ذلك نظير قوله: مِنْ ماءٍ دَافِقٍ يعني مدفوق, وقالوا: الحافرة بمعنى المحفورة, ومعنى الكلام عندهم: أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا؟
28001ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: الْحافِرَةِ قال: الأرض, نُبعث خلقا جديدا, قال: البعث.
حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد أئِنّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ قال: الأرض, نُبعث خلقا جديدا.
وقال آخرون: الحافرة: النار. ذكر من قال ذلك:
28002ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: أئِنّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ: قال: الحافرة: النار, وقرأ قول الله: تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ قال: ما أكثر أسماءها, هي النار, وهي الجحيم, وهي سَقَرُ, وهي جَهَنم, وهي الهاوية, وهي الحافرة, وهي لَظًى, وهي الحُطَمة.
وقوله: أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة نَخِرَةً بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: «ناخِرَةً» بألف, بمعنى: أنها مجوّفة, تنخَر الرياح في جوفها إذا مرّت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنّخِرة: سواء في المعنى, بمنزلة الطامع والطمع, والباخل والبَخِل وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا: نَخِرَةً, بغير ألف, بمعنى: بالية, غير أن رؤوس الاَي قبلها وبعدها جاءت بالألف, فأعْجَبُ إليّ لذلك أن تُلْحَق ناخرة بها, ليتفق هو وسائر رؤوس الاَيات, لولا ذلك كان أعجب القراءتين إليّ حذف الألف منها. ذكر من قال نَخِرَةً: بالية:
28003ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً فالنخرة: الفانية البالية.
28004ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد عِظاما نَخِرَةً قال: مَرْفوتة.
28005ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أئِذَا كُنّا عِظاما: تكذيبا بالبعث, ناخرة: بالية.
قالوا تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ يقول جلّ ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذّبين بالبعث, قالوا: تلك, يعنون تلك الرجعة, أحياء بعد الممات, إذا: يعنون الاَن كرّة, يعنون رَجْعة خاسرة, يعنون غابنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28006ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ: أي رَجْعة خاسرة.
28007ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ. قال: وأيّ كرّة أخسر منها, أحيوا ثم صاروا إلى النار, فكانت كرّة سوء.
وقوله: فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ يقول تعالى ذكره: فإنما هي صَيْحة واحدة, ونفخة تُنفَخ في الصّور, وذلك هو الزّجْرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28008ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال: صيحة.
28009ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال: الزّجرة: النفخة في الصور.
وقوله: فإذَا هُمْ بالسّاهرَةِ يقول تعالى ذكره: فإذا هؤلاء المكذّبون بالبعث, المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم, تكذيبا منهم بذلك, بالساهرة, يعني بظهر الأرض. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض: ساهرة, وأراهم سموا ذلك بها, لأن فيه نوم الحيوان وسَهَرها, فوصف بصفة ما فيه ومنه قول أُميّة بن الصّلْت:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍوَما فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ
ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه:
أَقْدِمْ «مِحاجُ» إنها الأساوِرَهْوَلا يَهُولَنّكَ رِجْلٌ نادِرَه
فإنّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهِرَهْثُمّ تَعُودُ بَعْدَها فِي الْحافِرَهْ
مِنْ بَعْدِ ما كُنْتَ عِظاما ناخِرَهْ
واختلف أهل التأويل في معناها, فقال بعضهم مثل الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:
28010ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: على الأرض, قال: فذكر شعرا قاله أُمية بن أبي الصلت, فقال:
عِنْدَنا صَيْدُ بَحْرِ وَصَيْدُ ساهِرَةٍ
28011ـ حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزِيع, قال: حدثنا أبو محصن, عن حصين, عن عكرِمة, في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة قال: الساهرة: الأرض, أما سمعت: لهم صيد بحر, وصيد ساهرة.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يعني: الأرض.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا عُمارة بن أبي حفصة, عن عكرِمة, في قوله فإذَا همْ بالسّاهرَةِ قال: فإذا هم على وجه الأرض, قال: أو لم تسمعوا ما قال أُمية بن أبي الصلت لهم:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ
حدثنا عمارة بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا عمارة, عن عكرمة, في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرةِ قال: فإذا هم على وجه الأرض, قال أمية:
وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ
28012ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ فإذا هم على وجه الأرض.
28013ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن. قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بالسّاهِرَةِ قال: المكان المستوي.
28014ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, لما تباعد البعث في أعين القوم, قال الله فإنّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يقول: فإذا هم بأعلى الأرض, بعد ما كانوا في جوفها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة بالسّاهِرَةِ قال: فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض, والأرض: الساهرة, قال: فإذا هم يخرجون.
28015ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن عكرِمة وأبي الهيثم, عن سعيد بن جُبير فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: بالأرض.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي الهيثم, عن سعيد بن جُبير, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن حصين, عن عكرمة, مثله.
28016ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة: وجه الأرض.
28017ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: الساهرة: ظهر الأرض فوق ظهرها.
وقال آخرون: الساهرة: اسم مكان من الأرض بعينه معروف. ذكر من قال ذلك:
28018ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: ثني الوليد بن مسلم, عن عثمان بن أبي العاتكة, قوله: فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: بالصّقْع الذي بين جبل حَسّان, وجبل أرِيحاء, يمدّه الله كيف يشاء.
28019ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: أرض بالشام.
وقال آخرون: هو جبل بعينه معروف. ذكر من قال ذلك:
28020ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الحسن بن بلال, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا أبو سنان, عن وهب ابن منبه, قال في قول الله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس.
وقال آخرون: هي جهنم. ذكر من قال ذلك:
28021ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن مروان العقيلي, قال: ثني سعيد بن أبي عَرُوبة, عن قتادة فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: في جهنم