تفسير الطبري تفسير الصفحة 592 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 592
593
591
 الآية : 14-19
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّىَ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّىَ * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا * وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ * إِنّ هَـَذَا لَفِي الصّحُفِ الاُولَىَ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ }.
يقول تعالى ذكره: قد نجح وأدرك طلبته من تطهّر من الكفر ومعاصي الله, وعمل بما أمره الله به, فأدّى فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28586ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى يقول: من تَزَكّى من الشرك.
28587ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري, قال: حدثنا هشام, عن الحسن, في قوله قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من كان عمله زاكيا.
28588ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: يعمل وَرِعا.
28589ـ حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا حفص بن عُمر العَدَنيّ, عن الحكم, عن عكرِمة, في قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى من قال: لا إله إلاّ الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد أفلح من أدّى زكاة ماله. ذكر من قال ذلك:
28590ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عليّ بن الأقمر, عن أبي الأحوص قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من استطاع أن يرضَخَ فليفعل, ثم ليقم فليصلّ.
حدثنا محمد بن عمارة الرازي, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن عليّ بن الأقمر, عن أبي الأحوص قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من رَضَخ.
28591ـ حدثنا محمد بن عمارة, قال: حدثنا عثمان بن سعيد بن مرّة, قال: حدثنا زهير, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, قال: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة, فليقدّم بين يدي صلاته زكاته, فإن الله يقول: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى فمن استطاع أن يقدّم بين يدي صلاته زكاةً فليفعل.
28592ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى تزكى رجل من ماله, وأرضى خالقه.
وقال آخرون: بل عنى بذلك زكاة الفطر. ذكر من قال ذلك:
28593ـ حدثني عمرو بن عبد الحميد الاَملي, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن أبي خلدة, قال: دخلت على أبي العالية, فقال لي: إذا غَدَوت غدا إلى العيد فمرّ بي, قال: فمررت به, فقال: هل طَعِمت شيئا؟ قلت: نعم, قال: أَفَضْت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم, قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت: قد وجّهتها, قال: إنما أردتك لهذا, ثم قرأ: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى وقال: إن أهل المدينة لا يَرَون صدقة أفضل منها, ومن سِقاية الماء.
وقوله: وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى فقال بعضهم: معنى ذلك: وحّد الله. ذكر من قال ذلك:
28594ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى يقول: وحّد الله سبحانه وتعالى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وذكر الله ودعاه ورغب إليه.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: وذكر الله فوحّده, ودعاه ورغب إليه, لأن كلّ ذلك من ذكر الله, ولم يخصُصِ الله تعالى من ذكره نوعا دون نوع.
وقوله: فَصَلّى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: عُنِي به: فصّلى الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك:
28595ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَصَلّىيقول: صّلى الصلوات الخمس.
وقال آخرون: عني به: صلاة العيد يوم الفطر.
وقال آخرون: بل عُني به: وذكر اسم ربه فدعا وقالوا: الصلاة ها هنا: الدعاء.
والصواب من القول أن يقال: عُنِي بقوله: فَصَلّى: الصلوات, وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء.
وقوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الاَخرة والاَخِرَةُ خَيْرٌ لَكُمْ وأبْقَى يقول: وزينة الاَخرة خير لكم أيها الناس وأبقى بقاء, لأن الحياة الدنيا فانية, والاَخرة باقية, لا تنفَدُ ولا تفنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28596ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله. وقوله: وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ في الخير وأبْقَى في البقاء.
28597ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن عطاء, عن عَرْفَجَة الثقفيّ, قال: استقرأت ابن مسعود سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى, فلما بلغ: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا ترك القراءة, وأقبل على أصحابه, وقال: آثرنا الدنيا على الاَخرة, فسكت القوم, فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها, وزُوِيت عنا الاَخرة, فاخترنا هذا العاجل, وتركنا الاَجل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: بَلْ تُؤْثِرُونَ بالتاء, إلا أبا عمرو, فإنه قرأه بالياء, وقال: يعني الأشقياء.
والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ: بَلْ أنْتُمْ تُؤْثِرُونَ فذلك أيضا شاهد لصحة القراءة بالتاء.
وقوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا, فقال بعضهم: أُشير به إلى الاَيات التي في «سبح اسم ربك الأعلى». ذكر من قال ذلك:
28598ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة إنّ هَذَا لفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى يقول: الاَيات التي في سبح اسم ربك الأعلى.
وقال آخرون: قصة هذه السورة. ذكر من قال ذلك:
28599ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية إن هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قال: قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن هذا الذي قصّ الله تعالى في هذه السورة لَفِي الصّحُفِ الأُولى. ذكر من قال ذلك:
28600ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى قال: إن هذا الذي قصّ الله في هذه السورة, لفي الصحف الأولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك في قوله: وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وأبْقَى في الصحف الأولى. ذكر من قال ذلك:
28601ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى قال: تتابعت كتب الله كما تسمعون, أن الاَخرة خير وأبقى.
28602ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قال: في الصحف التي أنزلها الله على إبراهيم وموسى: أن الاَخرة خير من الأولى.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب, قول من قال: إن قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكى وَذَكَرَ اسمَ رَبّهِ فَصَلّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأبْقَى: لفي الصحف الأولى, صحف إبراهيم خليل الرحمن, وصحف موسى بن عمران.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصحة من غيره, لأن هذا إشارة إلى حاضر, فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها, أولى من أن يكون إشارة إلى غيره. وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة, وإنما عُنِي بها: كتب إبراهيم وموسى.
28603ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي الخلد, قال: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان, وأنزلت التوراة لستّ ليال خلون من رمضان, وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة, وأنزل الإنجيل لثماني عشرة, وأنزل الفرقان لأربع وعشرين.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الأعلى

سورة الغاشية مكية
وآياتها ست وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-7
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ * تَصْلَىَ نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَىَ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاّ مِن ضَرِيعٍ * لاّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هَلْ أتاكَ يا محمد حَدِيثُ الْغاشِيَةُ يعني: قصتها وخبرها. واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية, فقال بعضهم: هي القيامة تغشى الناس بالأهوال. ذكر من قال ذلك:
28604ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس الْغاشِيَةُ من أسماء يوم القيامة, عظّمه الله, وحذّره عباده.
28605ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال: الغاشية: الساعة.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال: الساعة.
وقال آخرون: بل الغاشية: النار تغشَى وجوه الكَفَرة. ذكر من قال ذلك:
28606ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن سعيد, في قوله: هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال: غاشية النار.
... والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ولم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة, ولاأنه عنى غاشية النار, وكلتاهما غاشية, هذه تغشى الناس بالبلاء والأهوال والكروب, وهذه تغشى الكفار باللفْح في الوجوه, والشّواظ والنّحاس, فلا قول في ذلك أصحّ من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه, ويعمّ الخبر بذلك كما عمه.
وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذٍ, وهي وجوه أهل الكفر به. خاشعة: يقول: ذليلة. ذكر من قال ذلك:
28607ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ: أي ذليلة.
28608ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: خاشِعَةٌ قال: خاشعة في النار.
وقوله: عامِلةٌ يعني: عاملة في النار. وقوله: ناصِبَةٌ يقول: ناصبة فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28609ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس عامِلَةٌ ناصِبَةٌ فإنها تعمل وتَنصَب في النار.
28610ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, قال: سمعت الحسن, قرأ: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال: لم تعمل لله في الدنيا, فأعملها في النار.
28611ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَكَبّرت في الدنيا عن طاعة الله, فأعملها وأنصبها في النار.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال: عاملة ناصبة في النار.
28612ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ قال: لا أحد أنصَبُ ولا أشدّ من أهل النار.
وقوله: تَصْلَى نارا حامِيَةً يقول تعالى ذكره: ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حَمِيت واشتدّ حرّها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة تَصْلَى بفتح التاء, بمعنى: تَصْلَى الوجوه. وقرأ ذلك أبو عمرو: «تُصْلَى» بضم التاء اعتبارا بقوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ, والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ يقول: تُسْقَى أصحاب هذه الوجوه من شَراب عين قدأَنَى حرّها, فبلغ غايته في شدّة الحرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28613ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ قال: هي التي قد أطال أَنْيَها.
28614ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ قال: أنىَ طبخها منذ يوم خلق الله الدنيا.
28615ـ حدثني به يعقوب مرّة أخرى, فقال: منذ يوم خلق الله السموات والأرض.
28616ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ قال: قد بلغت إناها, وحان شربها.
28617ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ يقول: قد أَنَى طبخها منذ خلق الله السموات والأرض.
28618ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله: مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ قال: من عين أَنَى حرّها: يقول: قد بلغ حرّها.
وقال بعضهم: عُنِي بقوله: مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ من عين حاضرة. ذكر من قال ذلك:
28619ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ قال: آنية: حاضرة.
وقوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ يقول: ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة, طعام إلا ما يطعمونه من ضرِيع. والضريع عند العرب: نبت يُقال له الشّبْرِق, وتسميه أهل الحجاز الضّرِيع إذا يبس, ويسميه غيرهم: الشّبْرق, وهو سمّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28620ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: الضريع: الشّبْرق.
28621ـ حدثني محمد بن عُبيدة المحاربيّ, قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسديّ, قال محمد: ثنا, وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان, عن عبد الرحمن الأصبهانيّ, عن عكرِمة في قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: الشّبرق.
28622ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا إسماعيل بن عُلَية, عن أبي رجاء, قال: ثني نجدة, رجل من عبد القيس عن عكرِمة, في قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: هي شجرة ذات شوك, لاطئة بالأرض, فإذا كان الربيع سمّتها قريش الشّبرق, فإذا هاج العود سمتها الضّرِيع.
28623ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: الشبرق.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مِهران, عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, مثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ضَرِيع قال: الشّبرق اليابس.
28624ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن مَعْمر, عن قتادة إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع.
28625ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعِ يقول: من شرّ الطعام, وأبشعه وأخبثه.
28626ـ حدثني محمد بن عبيد, قال: حدثنا شريك بن عبد الله, في قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضرِيعٍ قال: الشّبرق.
وقال آخرون: الضّرِيع: الحجارة. ذكر من قال ذلك:
28627ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن جعفر, عن سعيد, في قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: الحجارة.
وقال آخرون: الضّريع: شجر من نار. ذكر من قال ذلك:
28628ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ يقول: شجر من نار.
28629ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّ مِنْ ضَرِيعٍ قال: الضريع: الشّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإن الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق, تدعوه العرب الضريع, وهو في الاَخرة شوك من نار.
وقوله: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ يقول: لا يُسمن هذا الضريع يوم القيامة أَكَلَته من أهل النار, ولا يُغني من جُوعٍ يقول: ولا يُشْبِعهم من جوع يصيبهم.
الآية : 8-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاعِمَةٌ * لّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ * لاّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يعني: يوم القيامة ناعِمَةٌ يقول: هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته, وهم أهل الإيمان بالله.
وقوله: لِسَعْيها رَاضِيَةٌ يقول: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية. وقيل: لِسَعْيها رَاضِيَةٌ والمعنى: لثواب سعيها في الاَخرة راضية.
وقوله: فِي جَنّةٍ عالِيَةٍ وهي بستان. عالية: يعني رفيعة.
وقوله: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً يقول: لا تسمع هذه الوجوه, المعنى لأهلها, فيها في الجنة العالية لاغية. يعني باللاغية: كلمة لغو. واللّغو: الباطل, فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية, كما قيل لصاحب الدرع: دارع, ولصاحب الفرس: فارس, ولقائل الشعر شاعر وكما قال الحُطيئة:
أغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أنّكَ لابِنٌ بالصّيْفِ تامِرْ
يعني: صاحب لبن, وصاحب تمر. وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك: لا تسمع فيها حالفة على الكذب, ولذلك قيل لاغية ولهذا الذي قاله مذهب ووجه, لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه, وغير جائز لأحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28630ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً يقول: لا تسمع أذًى ولا باطلاً.
28631ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً قال: شتما.
28632ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً: لا تسمع فيها باطلاً, ولا شاتما.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن مَعْمَر, عن قتادة, مثله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء المدينة وهو أبو جعفر لا تسْمَعُ بفتح التاء, بمعنى: لا تسمع الوجوهُ. وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «لا تُسْمَعُ» بضم التاء, بمعنى ما لم يسمّ فاعله, ويؤنّث تسمع, لتأنيث لاغية. وقرأ ابن محيصن بالضم أيضا, غير أنه كان يقرؤها بالياء, على وجه التذكير.
والصواب من القول في ذلك عندي, أن كلّ ذلك قراءات معروفات صحيحات المعاني, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: فِيها عَينٌ جارِيَةٌ يقول: في الجنة العالية عين جارية في غير أُخدود.
وقوله: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ والسرر: جمع سرير, مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوّله ربه من النعيم والملك فيها, ويلحق جميع ذلك بصره.
وقيل: عُني بقول مرفوعة: موضونة. ذكر من قال ذلك:
28633ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ يعني: موضونة, كقوله: سُرر مصفوفة, بعضها فوق بعض.
وقوله: وَأكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وهي جمع كوب, وهي الأباريق التي لا آذان لها. وقد بيّنا ذلك فيما مضى, وذكرنا ما فيه من الرواية, بما أغنى عن إعادته. وعُني بقوله: مَوْضُوعَةٌ: أنها موضوعة على حافة العين الجارية, كلما أرادوا الشرب, وجدوها ملأى من الشراب.
وقوله: وَنمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يعني بالنمارق: الوسائد والمرافق والنمارق: واحدها نُمْرُقة, بضم النون. وقد حُكي عن بعض كلب سماعا نِمْرِقة, بكسر النون والراء. وقيل: مصفوفة لأن بعضها بجنب بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28634ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَنمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يقول: المرافق.
28635ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَنمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يعني بالنمّارق: المجالس.
28636ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ونَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ والنمارق: الوسائد.
وقوله: وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ يقول تعالى ذكره: وفيها طنافس وبُسط كثيرة مبثوثة مفروشة, والواحدة: زِرْبية, وهي الطّنفسة التي لها خمل رقيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28637ـ حدثنا أحمد بن منصور, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن سفيان, قال: حدثنا توبة العنبريّ, عن عكرِمة بن خالد, عن عبد الله بن عمار, قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلّي على عَبْقَريّ, وهو الزرابيّ.
28638ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ: المبسوطة.
الآية : 17-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَىَ الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }.
يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة, من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته, والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته: أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور, إلى الإبل كيف خلَقها, وسخرها لهم وذَلّلها, وجعلها تحمل حملها باركة, ثم تنهض به, والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار, يقول جلّ ثناؤه: أفلا ينظرون إلى الإبل, فيعتبرون بها, ويعلمون أن القُدرة التي قدَر بها على خلقها, لن يُعجزه خلق ما شابهها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28639ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لما نعت الله ما في الجنة, عَجّب من ذلك أهل الضلالة, فأنزل الله: أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ فكانت الإبل من عيش العرب ومن خوَلهم.
28640ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شُعبة, عن أبي إسحاق, عمن سمع شريحا يقول: اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خُلقت.
وقوله: وَإلى السّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ يقول جلّ ثناؤه: أفلا ينظرون أيضا إلى السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه مُعدّ لأوليائه ما وصف, ولأعدائه ما ذكر, فيعلموا أن قُدرته القدرة التي لا يُعجزه فعل شيء أراد فعله.
وقوله: وَإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ يقول: وإلى الجبال كيف أقيمت منتصبة لا تسقط, فتنبسط في الأرض, ولكنها جعلها بقدرته منتصبة جامدة, لا تبرح مكانها, ولا تزول عن موضعها. وقد:
28641ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ تصاعد إلى الجبل الصّيخود عامة يومك, فإذا أفضيت إلى أعلاه, أفضيت إلى عيون متفجرة, وثمار متهدلة ثم لم تحرثه الأيدي ولم تعمله, نعمة من الله, وبُلغة الأجل.
وقوله: وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ يقول: وإلى الأرض كيف بُسطت, يقال: جبل مُسَطّح: إذا كان في أعلاه استواء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28642ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ: أي بُسطت, يقول: أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة.
الآية : 21-26
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ * لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إِلاّ مَن تَوَلّىَ وَكَفَرَ * فَيْعَذّبُهُ اللّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ * إِنّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَذَكّرْ يا محمد عبادي بآياتي, وعظهم بحججي, وبلّغهم رسالتي إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ يقول: إنما أرسلتك إليهم مذكرا, لتذكرهم نعمتي عندهم, وتعرّفهم اللازم لهم, وتعظهم.
وقوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسيْطِرٍ يقول: لست عليهم بمسلّط, ولا أنت بجبار, تحملهم على ما تريد. يقول: كِلهم إليّ, ودعهم وحكمي فيهم يقال: قد تسيطر فلان على قومه: إذا تسلط عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28643ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ يقول: لست عليهم بجبار.
28644ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ: أي كِلْ إليّ عبادي.
28645ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: بِمُسَيْطِرٍ قال: جبار.
28646ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ قال: لست عليهم بمسلط أن تُكرِهِهم على الإيمان, قال: ثم جاء بعد هذا: جاهِدِ الكُفّارِ والمنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال اقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ وارصدوهم لا يخرجوا فِي البِلادِ فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إنّ اللّهَ غَفورٌ رَحِيمٌ قال: فنسخت لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ قال: جاء اقتله أو يُسْلِمَ قال: والتذكرة كما هي لم تنسخ. وقرأ: فَذَكّرْ فإنّ الذّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ.
28647ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي الزبير, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ, فإذَا قالُوا: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ, عَصَمُوا مِنّي دِماءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ, إلاّ بِحَقّها, وحِسابُهُمْ على اللّهِ» ثم قرأ: إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي الزبير محمد بن مسلم, قال: سمعت جابر ابن عبد الله, يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول, فذكر مثله, إلا أنه قال: قال أبو الزّبير: ثم قرأ إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ, لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ.
حدثنا يوسف بن موسى القَطان, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي الزّبير, عن جابر, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
وقوله: إلاّ مَنْ تَوَلّى وكَفَرَ يتوجّه لوجهين: أحدهما: فذكّر قومك يا محمد, إلا من تولّى منهم عنك, وأعرض عن آيات الله فكفر, فيكون قوله «إلا» استثناء من الذين كان التذكير عليهم, وإن لم يذكروا, كما يقال: مضى فلان, فدعا إلا من لا تُرْجَى إجابته, بمعنى: فدعا الناس إلا من لا تُرْجَى إجابته. والوجه الثاني: أن يجعل قوله: إلاّ مَنْ تَوَلّى وكَفَرَ منقطعا عما قبله, فيكون معنى الكلام حينئذٍ: لست عليهم بمسيطر, إلا من تولى وكفر, يعذّبه الله, وكذلك الاستثناء المنقطع يمتحن بأن يحسن معه إن, فإذا حسنت معه كان منقطعا, وإذا لم تحسن كان استثناء متصلاً صحيحا, كقول القائل: سار القوم إلا زيدا, ولا يصلح دخول إن ها هنا لأنه استثناء صحيح.
وقوله: فَيُعَذّبُهُ اللّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ: هو عذاب جهنم, يقول: فيعذّبه الله العذاب الأكبر على كفره في الدنيا, وعذاب جهنم في الاَخرة.
وقوله: إنّ إلَيْنا إيابَهُمْ يقول: إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم ثُمّ إنّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ يقول: ثم إن على الله حسابه, وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه, يُعْلِمُ بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه, وهو المجازي والمعاقِب, وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28648ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إلاّ مَنْ تَوَلّى وكَفَرَ قال: حسابه على الله.
28649ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ إِلَيْنا إيابَهُمْ ثُمّ إنّ عَلَيْنا حِسابِهُمْ يقول: إن إلى الله الإياب, وعليه الحساب.

نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الغاشية