تفسير الطبري تفسير الصفحة 593 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 593
594
592
 سورة الفجر مكية
وآياتها ثلاثون
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لّذِى حِجْرٍ }.
هذا قسم أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالفجر, وهو فجر الصبح.
واختلف أهل التأويل في الذي عُني بذلك, فقال بعضهم: عُنِي به النهار. ذكر من قال ذلك:
28650ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأغرّ المِنقريّ, عن خليفة بن الحصين, عن أبي نصر, عن ابن عباس, قوله: وَالْفَجْرِ قال: النهار.
وقال آخرون: عُنِي به صلاة الصبح. ذكر من قال ذلك:
28651ـ حدثني محمد بن سعيد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: والْفَجْرِ يعني: صلاة الفجر.
وقال آخرون: هو فجر الصبح. ذكر من قال ذلك:
28652ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عاصم الأحول, عن عكرِمة, في قوله: والْفَجْرِ قال: الفجر: فجر الصبح.
28653ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمر بن قيس, عن محمد بن المرتفع, عن عبد الله بن الزبير أنه قال: والْفَجْرِ قال: الفجر: قسم أقسم الله به.
وقوله: وَلَيالٍ عَشْرٍ اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
28654ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر, عن عوف, عن زرارة, عن ابن عباس, قال: إن اللياليَ العشر التي أقسم الله بها, هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة.
28655ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَلَيالٍ عَشْرٍ: عشر الأضحى قال: ويقال: العشر: أولَ السنة من المحرم.
28656ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وَهب, قال: أخبرني عمر بن قيس, عن محمد بن المرتفع, عن عبد الله بن الزّبير وَلَيالٍ عَشْرٍ: أوّل ذي الحجة إلى يوم النحر.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عوف, قال: حدثنا زرارة بن أوفى, قال: قال ابن عباس: إن الليالي العشر اللاتي أقسم الله بهنّ: هن الليالي الأُوَل من ذي الحجة.
28657ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن مسروق وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر ذي الحجة, وهي التي وعد الله موسى صلى الله عليه وسلم.
28658ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عاصم الأحول, عن عكرِمة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر ذي الحجة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن الأغرّ المنقريّ, عن خليفة بن حصين, عن أبي نصر, عن ابن عباس وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر الأضحى.
28659ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر ذي الحجة.
28660ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: كنا نحدّث أنها عشر الأضحى.
28661ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثَور, عن معمر, عن يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد, قال: ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر, وهي عشر موسى التي أتمّها الله له.
28662ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن أبي إسحاق, عن مسروق, قال: ليال العشر, قال: هي أفضل أيام السنة.
28663ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَلَيالٍ عَشْرٍ يعني: عشر الأضحى.
28664ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: أوّل ذي الحجة وقال: هي عشر المحرّم من أوّله.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أنها عشر الأضحى, لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه, وأن عبد الله بن أبي زياد القَطْوانيّ:
28665ـ حدثني قال: ثني زيد بن حباب, قال: أخبرني عياش بن عقبة, قال: ثني جُبير بن نعيم, عن أبي الزبير, عن جابر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ, قال: عَشْرُ الأَضْحَى».
وقوله: وَالشّفْعِ والْوَتْرِ وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من الوتر بقوله: والْوَتْرِ فقال بعضهم: الشفع: يوم النحر, والوتر: يوم عرفة. ذكر من قال ذلك:
28666ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر, عن عوف, عن زُرارة بن أوفى, عن ابن عباس, قال: الوتر: يوم عرفة, والشفع: يوم الذبح.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عوف, قال: حدثنا زرارة بن أوفى, قال: قال ابن عباس: الشفع: يوم النحر, والوَتر: يوم عرفة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عفان بن مسلم, قال: حدثنا همام, عن قتادة, قال: قال عكرِمة, عن ابن عباس: الشفع: يوم النحر, والوَتر: يوم عرفة.
28667ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد الله, عن عكرِمة والشّفْعِ والْوَتْرِ قال: الشفع: يوم النحر, والوتر: يوم عرفة.
28668ـ وحدثنا به مرّة أخرى, فقال: الشفع: أيام النحر, وسائر الحديث مثله.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا عاصم الأحول, عن عكرِمة في قوله: والشّفْعِ قال: يوم النحر والْوَتْرِ قال: يوم عرفة.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبيه, عن عكرِمة, قال: الشفع: يوم النحر, والوتر: يوم عرفة.
28669ـ قال: ثنا مهران, عن أبي سنان, عن الضحاك وَلَيالٍ عَشْرٍ, والشّفْعِ والْوَتْرِ قال: أقسم الله بهنّ لما يعلم من فضلهنّ على سائر الأيام, وخير هذين اليومين لما يُعلَم من فضلهما على سائر هذه الليالي. والشّفْعِ والْوَتْرِ قال: الشفع: يوم النحر, والوَتر: يوم عرفة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان عكرِمة يقول: الشفع: يوم الأضحى, والوتر: يوم عرفة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال عكرِمة: عرفة وَتْر, والنحر شفع, عرفة يوم التاسع, والنحر يوم العاشر.
28670ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والشّفْعِ يوم النحر والْوَتْرِ يوم عرفة.
وقال آخرون: الشفع: اليومان بعد يوم النحر, والوَتر: اليوم الثالث. ذكر من قال ذلك:
28671ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: والشّفْعِ والْوَتْرِ قال: الشفع: يومان بعد يوم النحر, والوتر: يوم النّفْر الاَخِر, يقول الله: فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأَخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ.
وقال آخرون: الشفع: الخلق كله, والوتر: الله. ذكر من قال ذلك:
28672ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: الله وتر وأنتم شفع, ويقال الشفع صلاة الغداة, والوتر صلاة المغرب.
28673ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: كلّ خلق الله شفع, السماء والأرض, والبرّ والبحر, والجنّ والإنس, والشمس والقمر, والله الوَتر وحده.
28674ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا ابن جُريج, قال: قال مجاهد, في قوله: وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَينِ قال: الكفر والإيمان: والسعادة والشقاوة, والهدى والضلالة, والليل والنهار, والسماء والأرض, والجنّ والإنس, والوَتْر: الله قال: وقال في الشفع والوتر مثل ذلك.
28675ـ حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال: حدثنا محمد بن عبيد, قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, في قوله وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: خلق الله من كلّ شيء زوجين, والله وَتْر واحد صَمَد.
حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: الشفع: الزوج, والوتر: الله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن جابر, عن مجاهد وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: الوتر: الله, وما خلق الله من شيء فهو شفع.
وقال آخرون: عُنِي بذلك الخلق, وذلك أن الخلق كله شفع ووتر.
28676ـ قال: ثنا ابن ثور, عن مَعْمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: الخلق كله شفع ووتر, وأقسم بالخلق.
28677ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الحسن في ذلك: الخلق كله شفع والشّفْعِ والْوَتْرِ قال: كان أبي يقول: كلّ شيء خلق الله شفع ووتر, فأقسم بما خلق, وأقسم بما تبصرون وبما لا تبصرون.
وقال آخرون: بل ذلك: الصلاة المكتوبة, منها الشفع كصلاة الفجر والظهر, ومنها الوتر كصلاة المغرب. ذكر من قال ذلك:
28678ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: كان عمران بن حصين يقول: الشّفْعِ وَالْوَتْرِ: الصلاة.
28679ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال عمران: هي الصلاة المكتوبة فيها الشفع والوتر.
28680ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: ذلك صلاة المغرب, الشفع: الركعتان, والوتر: الركعة الثالثة.
وقد رفع حديث عمران بن حُصين بعضهم. ذكر من قال ذلك:
28681ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: ثني أبي, قال: ثني خالد بن قيس, عن قتادة, عن عمران بن عصام, عن عمران بن حصين, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الشفع والوتر, قال: «هيَ الصّلاةُ مِنْها شَفْعٌ, وَمِنْها وَتْرٌ».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عفان بن مسلم, قال: حدثنا همام, عن قتادة, أنه سُئل عن الشفع والوتر, فقال: أخبرني عمران بن عِصام الضّبَعي, عن شيخ من أهل البصرة, عن عمران بن حصين, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «هِيَ الصّلاةُ مِنْها شَفْعٌ, وَمِنْها وَتْرٌ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا همام بن يحيى, عن عمران بن عصام, عن شيخ من أهل البصرة, عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الاَية وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ قال: «هيَ الصّلاةِ مِنْها شَفْعٌ, وَمِنْها وَتْرٌ».
28682ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ إن من الصلاة شفعا, وإن منها وترا.
28683ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عفان بن مسلم, قال: حدثنا همام, عن قتادة, أنه سُئل عن الشفع والوتر, فقال: قال الحسن: هو العدد.
ورُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزّبير. ذكر من قال ذلك:
28684ـ حدثنا عبد الله بن أبي زياد القَطْوَانيّ, قال: حدثنا زيد بن حُباب, قال: أخبرني عَياش بن عقبة, قال: ثني جبير بن نعيم, عن أبي الزبير, عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشّفْعُ: الْيَوْمانِ, والْوَتْرُ: الْيَوْمُ الْوَاحِدُ».
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر, ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل, وكلّ شفع ووتر فهو مما أقسم به, مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا, لعموم قسمه بذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَالْوَتْرِ فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة بكسر الواو.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قَرَأَة الأمصار, ولغتان مشهورتان في العرب, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول: والليل إذا سار فذهب, يقال منه: سرى فلان ليلاً يَسْرِي: إذا سار.
وقال بعضهم: عُنِي بقوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ ليلة جَمْع, وهي ليلة المزدلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28685ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمر بن قيس, عن محمد بن المرتفع, عن عبد الله بن الزبير وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ حتى يُذْهِب بعضه بعضا.
28686ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول: إذا ذهب.
28687ـ حدثني محمد بن عُمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال: إذا سار.
28688ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال: والليل إذا سار.
28689ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول: إذا سار.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال: إذا سار.
28690ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال: الليل إذا يسير.
28691ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن عكرِمة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال: ليلة جمع.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الشام والعراق يَسْرِ بغير ياء. وقرأ ذلك جماعة من القرّاء بإثبات الياء وحذف الياء في ذلك أعجب إلينا, ليوفق بين رؤوس الاَي إذ كانت بالراء. والعرب ربما أسقطت الياء في موضع الرفع مثل هذا, اكتفاء بكسرة ما قبلها منها, من ذلك قول الشاعر:
لَيْسَ تَخْفَى يَسارَتِي قَدْرَ يَوْمٍوَلَقَدْ تُخْفِ شِيمَتِي إعْسارِي
وقوله: هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ يقول تعالى ذكره: هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مَقْنع لذي حِجر. وإنما عُنِي بذلك: إن في هذا القسم مكتفًى لمن عقل عن ربه, مما هو أغلظ منه في الأقسام. فأما معنى قوله: لِذِي حِجْرٍ: فإنه لذي حِجًى وذي عقل يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرا لها ضابطا: إنه لذو حَجَر, ومنه قولهم: حَجَر الحاكم على فلان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28692ـ حدثنا أبو كُريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا قابوس بن أبي ظبيان, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: لِذِي حِجْرٍ قال: لذي النّهَى والعقل.
حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله لِذِي حِجْرٍ قال: لأولي النّهَى.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: ذو الحِجْر والنّهى والعقل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قابوس بن أبي ظبيان, عن أبيه, عن ابن عباس قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي عقل, لذي نُهًى.
قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن الأغرّ المِنقريّ, عن خليفة بن الحصين, عن أبي نصر, عن ابن عباس قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي لُبّ, لذي حِجَى.
28693ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي عقل.
حدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: لذي عقل لذي رأي.
حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد هَلْ فِي ذَلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي لبّ, أو نُهًى.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا خلف بن خليفة, عن هلال بن خَبّاب, عن مجاهد, في قوله قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي عقل.
28694ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن هَلْ فِي ذَلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي حِلْم.
28695ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: لِذِي حِجْرٍ قال: لذي حِجًى وقال الحسن: لذي لُبّ.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ لذي حِجًى, لذي عقل ولُبّ.
28696ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال: لذي عقل, وقرأ: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ولأولي الألباب, وهم الذين عاتبهم الله, وقال: العقل واللّبّ واحد, إلاّ أنه يفترق في كلام العرب.
الآية : 6-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ * وَثَمُودَ الّذِينَ جَابُواْ الصّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوْتَادِ * الّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ }.
وقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك, فترى كيف فعل ربك بعاد؟.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إرَمَ فقال بعضهم: هي اسم بلدة, ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك, فقال بعضهم: عُنيت به الإسكندرية. ذكر من قال ذلك:
28697ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري, عن أبي صخر, عن القُرَظي, أنه سمعه يقول: إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ الإسكندرية.
قال أبو جعفر, وقال آخرون: هي دِمَشق. ذكر من قال ذلك:
28698ـ حدثني محمد بن عبد الله الهلاليّ من أهل البصرة, قال: حدثنا عُبيد الله بن عبد المجيد, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن المُقبري بِعادٍ إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال: دمشق.
وقال آخرون: عُني بقوله: إرَمَ: أمة. ذكر من قال ذلك:
28699ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد قوله: إرَمَ قال: أمة.
وقال آخرون: معنى ذلك: القديمة. ذكر من قال ذلك:
28700ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إرَمَ قال: القديمة.
وقال آخرون: تلك قبيلة من عاد. ذكر من قال ذلك:
28701ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال: كنا نحدّث أن إرم قبيلة من عاد, بيت مملكة عاد.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إرَمَ قال: قبيلة من عاد, كان يقال لهم: إرم, جدّ عاد. ذكر من قال ذلك:
28702ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يقول الله: بعاد إرم, إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.
وقال آخرون إرَمَ: الهالك. ذكر من قال ذلك:
28703ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يعني بالإرم: الهالك ألا ترى أنك تقول: أُرِمَ بنو فلان.
28704ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بِعادٍ إرَمَ الهلاك ألا ترى أنك تقول: أُرِمَ بنو فلان: أي هَلَكُوا.
والصواب من القول في ذلكَ: أن يُقال: إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها, فلذلك ردّت على عاد للإتباع لها, ولم يُجْر من أجل ذلك, وإما اسم قبيلة فلم يُجْر أيضا, كما لا يُجْرى أسماء القبائل, كتميم وبكر, وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة. وأما اسم عاد فلم يجر, إذ كان اسما أعجميا.
فأما ما ذُكر عن مجاهد, أنه قال: عُنِي بذلك القديمة, فقول لا معنى له, لأن ذلك لو كان معناه لكان مخفوضا بالتنوين, وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة.
وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي: أنها اسم قبيلة من عاد, ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها, وترك إجرائها, كما يقال: ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل؟ فيترك إجراء نهشل, وهي قبيلة, فترك إجراؤها لذلك, وهي في موضع خفص بالردّ على تميم, ولو كانت إرم اسم بلدة أو اسم جدّ لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها, كما يقال: هذا عمرُو زبيدٍ وحاتمُ طيء وأعشى هَمْدانَ, ولكنها اسم قبيلة منها, فيما أرى, كما قال قتادة, والله أعلم, فلذلك أجمعت القرّاء فيها على ترك الإضافة, وترك الإجراء.
وقوله: ذاتِ الْعِمادِ اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذَاتِ الْعِمادِ في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناه: ذات الطول, وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل: رجل مُعَمّد, وقالوا: كانوا طوال الأجسام. ذكر من قال ذلك:
28705ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ذاتِ الْعِمادِ يعني: طولهم مثل العماد.
28706ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد قوله: ذَاتِ الْعِمادِ قال: كان لهم جسم في السماء.
وقال بعضهم: بل قيل لهم ذَاتِ الْعِمادِ لأنهم كانوا أهل عَمَد, ينتجِعون الغيوث, وينتقلون إلى الكلإ حيث كان, ثم يرجعون إلى منازلهم. ذكر من قال ذلك:
28707ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: الْعِمادِ قال: أهل عَمود لا يقيمون.
28708ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ذَاتِ الْعِمادِ قال: ذُكر لنا أنهم كانوا أهل عَمود لا يقيمون, سيارة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ذَاتِ الْعِمادِ قال: كانوا أهل عمود.
وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم, فشيّد عَمَده, ورفع بناءه. ذكر من قال ذلك:
28709ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال: عاد قوم هود, بنَوها وعملوها حين كانوا في الأحقاف, قال: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها مثل تلك الأعمال في البلاد. قال: وكذلك في الأحقاف في حضرموت, ثم كانت عاد قال: وثَمّ أحقاف الرمل كما قال الله بالأحقاف من الرمل, رمال أمثال الجبال, تكون مظلة مجوّفة.
وقال آخرون: قيل ذلك لهم لشّة أبدانهم وقواهم. ذكر من قال ذلك:
28710ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: ذَاتِ الْعِمادِ يعني: الشدّة والقوّة.
وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنزيل: قول من قال: عُنِي بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة, لأن المعروف في كلام العرب من العماد, ما عُمد به الخيام من الخشب, والسواري التي يحمل عليها البناء, ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح, بل وجّه أهل التأويل قوله: ذَاتِ الْعِمادِ إلى أنه عُنِي به طول أجسامهم, وبعضهم إلى أنه عُني به عماد خِيامهم, فأما عِماد البنيان, فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه, وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه, ما وُجد إلى ذلك سبيل, دون الأنكر.
وقوله: الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ يقول جلّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك بعاد, إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد, يعني: مثل عاد, والهاء عائدة على عاد. وجائز أن تكون عائدة على إرم, لما قد بيّنا قبلُ أنها قبيلة. وإنما عُنِي بقوله: لم يُخلق مثلها في العِظَمِ والبطش والأَيْد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28711ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ: ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولاً في السماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد, لم يخلق مثل الأعمدة في البلاد, وقالوا: التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد, والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد. ذكر من قال ذلك:
28712ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله, فذكر نحوه.
وهذا قول لا وجه له, لأن العماد واحد مذكر, والتي للأنثى, ولا يوصف المذكر بالتي, ولو كان ذلك من صفة العِماد لقيل: الذي لم يخلق مثله في البلاد, وإن جعلت التي لإرم, وجعلت الهاء عائدة في قوله: مِثْلُها عليها وقيل: هي دِمشق أو إسكندرية, فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال: وَاذْكُرْ أخا عَادٍ إذْ أنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقافِ والأحقاف: هي جمع حِقْف, وهو ما انعطف من الرمل وانحنى, وليست الإسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال, بل ذلك الشّحْر من بلاد حضرموت, وما والاها.
وقوله: وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول: وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه, فاتخذوه بيوتا, كما قال جلّ ثناؤه وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا آمِنِينَ والعرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا: إذا دخلها وقطعها ومنه قول نابغة:
أتاكَ أبُو لَيْلَى يجُوبُ بِهِ الدّجَىدُجَى اللّيلِ جَوّابُ الفَلاةِ عَمِيمُ
يعني بقوله: يجوب: يدخل ويقطع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28713ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول: فخرقوها.
28714ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يعني: ثمود قوم صالح, كانوا ينحِتون من الجبال بيوتا.
28715ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد في قوله: الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ قال: جابوا الجبال, فجعلوها بيوتا.
28716ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوَا الصّخْرَ بالْوَادِ: جابوها ونحتوها بيوتا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: جابُوا الصّخْرَ قال: نَقَبوا الصخر.
28717ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول: قَدّوا الحجارة.
28718ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ: ضربوا البيوت والمساكن في الصخر في الجبال, حتى جعلوا فيها مساكن, جابوا: جوّبوها, تجوّبوا البيوت في الجبال قال قائل:
ألا كُلّ شَيْءٍ ما خَلا اللّهَ بائِدٌكمَا بادَ حَيّ مِنْ شَنِيقٍ وَمارِدِ
هُمُ ضَرَبُوا فِي كُلّ صَلاّءَ صَعْدَةٍبأيْدٍ شِدَادٍ أيّدَاتِ السّوَاعِدِ
وقوله: وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ يقول جلّ ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذِي الأوْتادِ ولم قيل له ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذي يقوّون له أمره, وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع: الجنود. ذكر من قال ذلك:
28719ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَفِرْعُونَ ذِي الأْوتادِ قال: الأوتاد: الجنود الذين يشدّون له أمره, ويقال: كان فرعون يُوتِد في أيديهم وأرجلهم أوتادا من حديد, يعلقهم بها.
وقال آخرون: بل قيل له ذلك لأنه كان يُوتِد الناس بالأوتاد. ذكر من قال ذلك:
28720ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ذِي الأوْتادِ قال: كان يوتد الناس بالأوتاد.
وقال آخرون: كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها. ذكر من قال ذلك:
28721ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ ذُكر لنا أنها كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها, من أوتاد وحبال.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ذِي الأوْتادِ قال: ذي البناء كانت مظال يلعب له تحتها, وأوتادا تضرب له.
28722ـ قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ثابت البُنَاني, عن أبي رافع, قال: أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد, ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت.
وقال آخرون: بل ذلك لأنه كان يعذّب الناس بالأوتاد. ذكر من قال ذلك:
28723ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن محمود, عن سعيد بن جُبير وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ قال: كان يجعل رجلاً ها هنا, ورجلاً ها هنا, ويدا ها هنا, ويدا ها هنا بالأوتاد.
28724ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ذِي الأوْتادِ قال: كان يُوتد الناس بالأوتاد.
وقال آخرون: إنما قيل ذلك لأنه كان له بنيان يعذّب الناس عليه. ذكر من قال ذلك:
28725ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن إسماعيل, عن رجل, عن سعيد بن جُبَير وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ قال: كان له مَنارات يعذّبهم عليها.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب, قول من قال: عُنِي بذلك: الأوتاد التي تُوتَد, من خشب كانت أو حديد, لأن ذلك هو المعروف من معاني الأوتاد, ووصف بذلك, لأنه إما أن يكون كان يعذّب الناس بها, كما قال أبو رافع وسعيد بن جُبير, وإما أن يكون كان يُلْعب له بها.
وقوله: الّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ يعني بقوله جلّ ثناؤه الذين عادا وثمود وفرعون وجنده. ويعني بقوله: طَغَوْا: تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم, وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به وقوله فِي الْبِلادِ: التي كانوا فيها.
الآية : 12-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ * فَأَمّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعّمَهُ فَيَقُولُ رَبّيَ أَكْرَمَنِ }.
يقول تعالى ذكره: فأكثروا في البلاد المعاصي, وركوب ما حرّم الله عليهم فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ يقول تعالى ذكره: فأنزل بهم يا محمد ربك عذابَه, وأحلّ بهم نقمتَه, بما أفسدوا في البلاد, وطغَوْا على الله فيها. وقيل: فصَبّ عليهم ربهم سَوط عذاب. وإنما كانت نِقَما تنزل بهم, إما ريحا تُدَمرهم, وإما رَجفا يُدَمدم عليهم, وإما غَرَقا يُهلكهم, من غير ضرب بسوط ولا عصا, لأنه كان من أليم عذاب القوم الذين خوطبوا بهذا القرآن, الجلد بالسياط, فكثر استعمال القوم الخبر عن شدّة العذاب الذي يعذّب به الرجل منهم, أن يقولوا: ضُرب فلان حتى بالسّياط, إلى أن صار ذلك مثلاً, فاستعملوه في كلّ معذّب بنوع من العذاب شديد, وقالوا: صَبّ عليه سَوط عذاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28726ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: سَوْطَ عَذَابٍ قال: ما عذّبوا به.
28727ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ قال: العذاب الذي عذّبَهم به سماه: سوط عذاب.
وقوله: إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قَصَصَهم, ولضُرَبائهم من أهل الكفر به, لبالمِرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الاَخرة, على قناطر جَهَنم, ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة.
واختلف أهل التأويل في تأويله, فقال بعضهم: معنى قوله: لَبِالمِرْصَادِ بحيث يرى ويسمع. ذكر من قال ذلك:
28728ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يقول: يَرى ويسمع.
وقال آخرون: يعني بذلك أنه بمَرصد لأهل الظلم. ذكر من قال ذلك:
28729ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن المبارك بن مجاهد, عن جُويبر, عن الضحاك في هذه الاَية, قال: إذا كان يوم القيامة, يأمر الربّ بكرسيه, فيوضع على النار, فيستوي عليه, ثم يقول: وعزّتي وجلالي, لا يتجاوزني اليوم ذو مَظلِمة, فذلك قوله: لَبِالمِرْصَادِ.
28730ـ قال: ثنا الحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قيس, قال: بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر: قنطرة عليها الأمانة, إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا أمين, يا ربّ هذا خائن وقنطرة عليها الرحِم, إذا مرّوا بها تقول: يا ربّ هذا واصل, يا ربّ هذا قاطع وقنطرة عليها الربّ إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصادِ.
28731ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ يعني: جهنم عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرحمة, وقنطرة فيها الأمانة, وقنطرة فيها الربّ تبارك وتعالى.
28732ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن إنّ رَبّكَ لَبِالمِرْصَادِ قال: مِرْصاد عمل بني آدم.
وقوله: فَأمّا الإنْسانُ إذَا ما ابْتَلاهُ رَبّهُ يقول تعالى ذكره: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى فَأكْرَمَهُ بالمال, وأفضل عليه, وَنَعّمَهُ بما أوسع عليه من فضله فَيَقُولُ رَبّي أكْرَمَنِ فيفرح بذلك, ويسرّ به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة, كما:
28733ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله فَأمّا الإنْسانُ إذَا ما ابْتَلاهُ رَبّهُ فَأكْرَمَهُ وَنَعّمَهُ فَيَقُولُ رَبّي أكْرَمَنِ وحقّ له.
الآية : 16-19
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَأَمّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّيَ أَهَانَنِ * كَلاّ بَل لاّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضّونَ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَكْلاً لّمّاً }.
وقوله: وَأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يقول: وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يقول: فضيّق عليه رزقه وقَتّره, فلم يكثر ماله, ولم يوسع عليه فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ يقول: فيقول ذلك الإنسان: ربي أهانني, يقول: أذلني بالفقر, ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه, ورزقه من العافية في جسمه.
28734ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَأمّا إذَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِي ما أسرع كفرَ ابن آدم.
28735ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قوله: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ قال: ضَيّقه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فقرأت عامة قرّاء الأمصار ذلك بالتخفيف, فقَدَر: بمعنى فقتر, خلا أبي جعفر القارىء, فإنه قرأ ذلك بالتشديد: «فَقَدّر». وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: قدّر, بمعنى يعطيه ما يكفيه, ويقول: لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني.
والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف, لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله: كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: كَلاّ في هذا الموضع, وما الذي أنكر بذلك, فقال بعضهم: أنكر جلّ ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله, وسبب إهانته من أهان قلة ماله. ذكر من قال ذلك:
28736ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيقُولُ رَبّي أهانني ما أسرع ما كفر ابن آدم يقول الله جلّ ثناؤه: كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا, ولا أهين من أهنت بقلتها, ولكن إنما أُكرم من أكرمت بطاعتي, وأُهين من أهنت بمعصيتي.
وقال آخرون: بل أنكر جلّ ثناؤه حمد الإنسان ربه على نِعمه دون فقره, وشكواه الفاقة. وقالوا: معنى الكلام: كلاّ, أي لم يكن ينبغي أن يكون هكذا, ولكن كان ينبغي أن يحمده على الأمرين جميعا, على الغنى والفقر.
وأولى القولين في ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه عن قتادة, لدلالة قوله بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ والاَيات التي بعدها, على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم, ولا يَحُضّ على طعام المسكين, وسائر المعاني التي عدّد, وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان, الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم, وفي تبيينه ذلك عَقيب قوله: فَأمّا الإنْسانُ إذَا ما ابْتَلاهُ رَبّهُ فَأكْرَمَهُ وَنَعّمَهُ فَيَقُولُ رَبّي أكْرَمَنِ وَأمّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا.
وقوله: بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ يقول تعالى ذكره: بل إنما أهنت من أَهَنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم, فأخرج الكلام على الخطاب, فقال: بل لستم تكرمون اليتيم, فلذلك أهنتكم وَلا تَحَاضّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قرّاء الكوفة بَلْ لا تُكْرِمونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضّونَ بالتاء أيضا وفتحها, وإثبات الألف فيها, بمعنى: ولا يحضّ بعضكم بعضا على طعام المسكين. وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء المدينة, بالتاء وفتحها وحذف الألف: «وَلا تَحُضّونَ» بمعنى: ولا تأمرون بإطعام المسكين. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة: «يَحُضّونَ» بالياء وحذف الألف, بمعنى: ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني, وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني اليتيم, «وَلا يَحُضّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ» وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة «يُكْرِمُونَ» وسائر الحروف معها بالياء, على وجه الخبر عن الذين ذكرت. وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ: «تُحاضّونَ» بالتاء وضمها وإثبات الألف, بمعنى: ولا تحافظون.
والصواب من القول في ذلك عندي: أن هذه قراءات معروفات في قراءة الأمصار, أعني القراءات الثلاث صحيحات المعاني, فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وتَأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلاً لمّا, يعني: أكلاً شديدا, لا تتركون منه شيئا, وهو من قولهم: لممت ما على الخِوان أجمع, فأنا ألمه لمّا: إذا أكلت ما عليه, فأتيت على جميعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28737ـ حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشيّ, قال: حدثنا الأنصاريّ, عن أشعث, عن الحسن وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا قال: الميراث.
28738ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أي الميراث.
وكذلك في قوله: أكْلاً لَمّا. ذكر من قال ذلك:
28739ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا يقول: تأكلون أكلاً شديدا.
28740ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن يونس, عن الحسن, في قوله: وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا قال: نصيبه ونصيب صاحبه.
28741ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: أكْلاً لَمّا قال: اللمّ: السفّ, لفّ كل شيء.
28742ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أكْلاً لَمّا: أي شديدا.
28743ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أكْلاً لَمّا يقول: أكلاً شديدا.
28744ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: وتَأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا قال: الأكل اللمّ: الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل, فأكل الذي له, والذي لصاحبه. كانوا لا يُوَرّثون النساء, ولا يورّثون الصغار, وقرأ: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ وَما يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ في يَتامَى النّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنّ ما كُتِبَ لَهُنّ وتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنّ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ: أي لا تورّثونهنّ أيضا أكْلاً لَمّا يأكل ميراثه, وكلّ شيء لا يسأل عنه, ولا يدري أحلال أو حرام.
28745ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس تَأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا. يقول: سَفّا.
28746ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة البستيّ, عن زُهير, عن سالم, قال: قد سمعت بكر بن عبد الله يقول في هذه الاَية: وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا قال: اللمّ: الاعتداء في المِيراث, يأكل ميراثه وميراث غيره.
الآية : 20-23
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَتُحِبّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً * كَلاّ إِذَا دُكّتِ الأرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإِنسَانُ وَأَنّىَ لَهُ الذّكْرَىَ }.
يعني تعالى ذكره بقوله: وَتُحِبّونَ المَالَ حُبّا جَمّا وتحبون جمع المال أيها الناس واقتناءه حبا كثيرا شديدا من قولهم: قد جمّ الماء في الحوض: إذا اجتمع, ومنه قول زُهير بن أبي سلمى:
فَلَمّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقا جِمامُهُوَضَعْنَ عِصِيّ الْحاضِرِ المُتَخَيّمِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28747ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وتُحِبّونَ المَالَ حُبّا جَمّا يقول: شديدا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وتُحِبّونَ المَالَ حُبّا جَمّا فيحبون كثرة المال.
28748ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: حُبّا جَمّا قال: الجمّ: الكثير.
28749ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وتُحِبّونَ المَالَ حُبا جَمّا: أي حبا شديدا.
28750ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حُبّا جَمّا: يحبون كثرة المال.
28751ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وتُحِبّونَ المَالَ حُبّا جَمّا قال: الجمّ: الشديد.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: كَلاّ: ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. ثم أخبر جلّ ثناؤه عن ندمهم على أفعالهم السيّئة في الدنيا, وتلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم الندم, فقال جلّ ثناؤه: إذَا دُكّت الأرْضُ دَكّا دكّا يعني: إذا رجت وزُلزلت زلزلة, وحرّكت تحريكا بعد تحريك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28752ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله إذَا دُكّتِ الأرْضُ دَكّا دَكّا يقول: تحريكها.
28753ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني حرملة بن عمران, أنه سمع عمر مولى غُفْرة يقول: إذا سمعت الله يقول كلا, فإنما يقول: كذبت.
وقوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صفّ, كما:
28754ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر وعبد الوهاب, قالا: حدثنا عوف, عن أبي المِنهال, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا كان يوم القيامة مدّت الأرض مدّ الأديم, وزيد في سعتها كذا وكذا, وجمع الخلائق بصعيد واحد, جنهم وإنسهم. فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض, ولأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف, فإذا نثروا على وجه الأرض فزِعوا منهم, فيقولون: أفيكم ربنا: فيفزعون من قولهم, ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا, وهو آت ثم تقاض السماء الثانية, ولأَهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بضعف جنهم وإنسهم, فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض, فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا, وهو آت ثم تقاضُ السموات سماء سماء, كلما قيضت سماء عن أهلها كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها, ومن جميع أهل الأرض بضعف, فإذا نثروا على وجه الأرض, فزِع إليهم أهل الأرض, فيقولون لهم مثل ذلك, ويرجعون إليهم مثل ذلك, حتى تُقاض السماء السابعة, فلأَهل السماء السابعة أكثر من أهل ستّ سموات, ومن جميع أهل الأرض بضعف, فيجيء الله فيهم والأمم جِثِيّ صفوف, وينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم, ليقم الحمادون لله على كل حال قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم, أين الذين كانت تتجافَى جنوبُهم عن المضاجع, يدعون ربهم خوفا وطمعا, ومما رزقناهم ينفقون؟ فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي الثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم: أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله, وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار, فيقومون فيسرحون إلى الجنة فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة خرج عُنُق من النار, فأشرف على الخلائق, له عينان تبصران, ولسان فصيح, فيقول: إني وُكّلت منكم بثلاثة: بكلّ جبار عنيد, فيلقُطُهم من الصفوف لقط الطير حبّ السمسم, فيحبس بهم في جهنم, ثم يخرج ثانية فيقول: إني وكلت منكم بمن آذى الله ورسوله فيلقطهم لقط الطير حبّ السمسم, فيحبس بهم في جهنم, ثم يخرج ثالثة, قال عوف, قال أبو المنهال: حسبت أنه يقول: وكلت بأصحاب التصاوير, فيلتقطهم من الصفوف لقطَ الطير حبّ السمسم, فيحبس بهم في جهنم, فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة, ومن هؤلاء ثلاثة, نُشرت الصحف, ووُضعت الموازين, ودُعي الخلائق للحساب.
28755ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو أُسامة, عن الأجلح, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: إذا كان يوم القيامة, أمر الله السماء الدنيا بأهلها, ونزل من فيها من الملائكة, وأحاطوا بالأرض ومن عليها, ثم الثانية, ثم الثالثة, ثم الرابعة, ثم الخامسة, ثم السادسة, ثم السابعة, فصفوا صفا دون صفّ, ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم, فإذا رآها أهل الأرض ندّوا, فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلاّ وجدوا سبعة صفوف من الملائكة, فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه, فذلك قول الله: إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ مالَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ, وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ وقوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ وَالإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ, وذلك قول الله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَكُ على أرْجائِها.
28756ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, عن إسماعيل بن رافع المدني, عن يزيد بن أبي زياد, عن محمد بن كعب القُرَظي, عن رجل من الأنصار, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُوْقَفُونَ مَوْقِفا وَاحِدا يَوْمَ الْقِيامَةِ مِقْدَارَ سَبْعِينَ عاما لا يُنْظُرُ إلَيْكمْ وَلا يُقْضَى بَيْنَكمْ. قَدْ حُصِرَ عَلَيْكمْ, فَتَبْكُونَ حتى يَنْقَطِعَ الدّمْعُ, ثُمّ تَدْمَعُونَ دَما, وَتَبْكُونَ حتى يَبْلُغَ ذلكَ مِنْكمْ الأذْقانَ, أوْ يُلْجِمَكُمْ فَتَضُجّونَ, ثُمّ تَقُولُونَ مَنْ يَشْفَعْ لَنا إلى رَبّنا, فَيَقْضِيَ بَيْنَنا, فَيَقُولُونَ مَنْ أحَقّ بِذلكَ مِنْ أبِيكُمْ؟ جَعَلَ اللّهُ تُرْبَتَهُ, وَخَلْقَهُ بِيَدِهِ, وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ, وكَلّمَهُ قَبْلاً, فَيُؤْتَى آدَمُ صَلى اللّهُ عليهِ وسلّمَ فَيُطْلَبُ ذلكَ إلَيْهِ, فَيأْبَى, ثُمّ يَسْتَقْرُونَ الأنْبِياءَ نَبِيّا نَبِيّا, كُلّما جاءُوا نَبِيّا أَبى» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حتى يأْتُونِي, فإذَا جاءُونِي خَرَجْتُ حتى آتِي الفَحْصَ». قال أبو هريرة: يا رسول الله, ما الفحص؟ قال: «قُدّامَ العَرْشِ, فأخِرّ ساجِدا, فَلا أزَالُ ساجِدا حتى يَبْعَثَ اللّهُ إليّ مَلَكا, فَيأخُذَ بعَضُدِي, فَيرْفَعَنِي ثُمّ يَقُولُ اللّهُ لي: مُحَمدُ, وَهُوَ أعْلَمُ, فأقُولُ: نَعَمْ, فَيَقُولُ: ما شأنُكَ؟ فأقول: يا رَبّ وَعَدْتَنِي الشّفاعَةَ, شَفّعْنِي فِي خَلْقِكَ فاقْضِ بَيْنَهُمْ, فَيَقُولُ: قَدْ شَفّعْتُكَ, أنا آتِيكُمْ فأقَضِي بَيْنَكمْ». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنْصَرِفُ حتى أقِفَ مَعَ النّاسِ, فَبَيْنا نَحْنُ وُقُوفٌ, سَمِعْنا حِسّا مِنَ السّماءِ شَدِيدا, فَهالَنا, فَنزَلَ أهْلُ السّماءُ الدّنْيا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الأرْضِ مِنَ الجِنّ والإنْسِ, حتى إذَا دَنَوْا مِنَ الأرْضِ, أشْرَقَتِ الأرْضُ بِنَورِهِمْ, وأخَذُوا مَصَافّهُمْ, وَقُلْنا لَهُمْ: أفِيكُمْ رَبّنا؟ قالُوا: لا, وَهُوَ آتٍ. ثُمّ يَنْزِلُ أهْلُ السّماءِ الثّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ المَلائِكَةِ, وَبِمِثْليْ مَنْ فِيها مِنَ الجِنّ وَالإنْسِ, حتى إذَا دَنَوْا مِنَ الأرْضِ, أشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِهِمْ, وأخَذُوا مَصَافّهُمْ, وَقُلْنا لَهُمْ: أفِيكُمْ رَبّنا: قالُوا: لا, وَهُوَ آتٍ. ثُمّ نَزَلَ أهْلُ السّمَوَاتِ عَلى قَدْرِ ذلكَ مِنَ الضّعْفِ, حتى نَزَلَ الجَبّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةِ, ولَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ, يَقُولُونُ: سُبْحانَ ذي المُلْك وَالمَلَكُوتِ سُبْحانَ رَبّ العَرْشِ ذِي الجَبرُوتِ سُبْحانَ الْحَيّ الّذِي لا يَمُوتُ سُبْحانَ الّذي يُمِيتُ الخَلائِقُ وَلا يَمُوتُ سُبّوحٌ قُدّوسٌ رَبّ المَلائِكَةِ وَالرّوحِ قُدّوسٌ قُدُوسٌ, سُبْحانَ رَبّنا الأعْلَى سُبْحانَ ذِي الجَبرُوتِ وَالمَلَكُوتِ والْكِبْرِياءِ والسّلْطانِ والعَظَمَةِ سُبْحانَهُ أبَدا أبَدا يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ, وَهُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ, أقْدامُهُمْ على تُخُومِ الأرْضِ السّفْلَى والسّمَوَاتِ إلى حُجَزِهِمْ, وَالعَرْشُ عَلى مَناكِبهِمْ, فَوَضَعَ اللّهُ عَرْشَهُ حَيْثُ شاء مِنَ الأرْضِ, ثُمّ يُنادِي بِنِدَاء يُسْمِعُ الخَلائِقَ, فَيَقُولُ: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ, إنّي قَدْ أنْصَتّ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إلى يَوْمِكُمْ هَذَا, أسْمَعُ كَلامَكُمْ, وأُبْصِرُ أعمالَكمْ, فأنْصِتُوا إليّ, فإنّمَا هِيَ صُحُفُكُمْ وأعمالُكمْ تُقْرأُ علَيْكمْ, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرا فَلْيَحْمَدِ اللّهِ, وَمَنْ وَجَد غيرَ ذلكَ فَلا يَلُومَنّ إلاّ نَفْسَهُ. ثُمّ يأْمُرُ اللّهُ جَهَنّمَ فَتُخْرِجُ مِنْها عُنُقا ساطِعا مُظْلِما, ثُمّ يَقُولُ اللّهُ: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشّيْطانَ..., إنّه لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ إلى قوله: هَذِهِ جَهَنّمُ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أيّها المُجْرِمُونَ فيتميز الناس ويَجْثُونَ, وَهيَ التي يَقُولُ اللّهُ: وَتَرَى كُلّ أُمّةٍ جاثِيَةٍ كُلّ أُمّةٍ تُدْعَى إلى كِتابِها, الْيَوْمَ... الاَية, فَيَقْضِي اللّهُ بَينَ خَلْقِهِ, الجِنّ والإنْسَ وَالْبَهائمَ, فإنّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ للجَمّاءِ مِنْ ذَاتِ القُرُونِ, حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى, قال اللّهُ: كُونُوا تُرَابا, فَعنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا, ثُمّ يَقْضِي اللّهُ سُبْحانَهُ بَينَ الجِنْ والإنْس».
28757ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا: صفوف الملائكة.
وقوله: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ يقول تعالى ذكره: وجاء الله يومئذٍ بجهنم, كما:
28758ـ حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا مروان الفزاريّ, عن العلاء بن خالد الأسديّ, عن شقيق بن سلمة, قال: قال عبد الله بن مسعود, في قوله: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ قال: جيء بها تُقاد بسبعين ألف زمام, مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يقودونها.
28759ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الحسين, عن عاصم قال: بَهدلة, عن أبي وائل: وَجِيءَ يَوْمَئذٍ بِجَهَنّمَ قال: يُجاء بها يوم القيامة تُقاد بسبعين ألف زمام, مع كلّ زمام سبعون ألف ملك.
28760ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قيس, عن قتادة, قال: جنَبتيه: الجنة والنار قال: هذا حين ينزل من عرشه إلى كرسيه, لحساب خلقه, وقرأ: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ.
28761ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهنّمَ قال: جيء بها مزمومة.
وقوله: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ يقول تعالى ذكره: يومئذٍ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله, وفيما يقرّب إليه من صالح الأعمال وَأنّى لَهُ الذّكْرَى يقول: من أيّ وجه له التذكير. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28762ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَأنّى لَهُ الذّكْرَى؟ يقول: وكيف له؟