تفسير الطبري تفسير الصفحة 595 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 595
596
594
 سورة الشمس مكية
وآياتها خمس عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنّهَارِ إِذَا جَلاّهَا * وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }.
قوله: والشّمْسِ وَضُحاها قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ومعنى الكلام: أقسم بالشمس, وبضحى الشمس.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: وَضُحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والشمس والنهار, وكان يقول: الضحى: هو النهار كله. ذكر من قال ذلك:
28878ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة والشّمْسِ وَضُحاها قال: هذا النهار.
وقال آخرون: معنى ذلك: وضوئها. ذكر من قال ذلك:
28879ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَالشّمْسِ وَضُحاها قال: ضوئها.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها, لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار.
وقوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يقول تعالى ذكره: والقمر إذا تَبِع الشمس, وذلك في النصف الأوّل من الشهر, إذا غُرِبت الشمسَ, تلاها القمر طالعا. ذكر من قال ذلك:
28880ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَالقَمَرِ إذَا تَلاها قال: يتلو النهار.
28881ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا عبد الملك, عن قيس بن سعد, عن مجاهد, قوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يعني: الشمس إذا تبعها القمر.
28882ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: تبعها.
28883ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: إذا تلاها ليلة الهلال.
28884ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: والشّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: هذا قسم, والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل, وتتلوه النصف الاَخر, فأما النصف الأوّل فهو يتلوها, وتكون أمامه وهو وراءها, فإذا كان النصف الاَخر كان هو أمامها يقدمها, وتليه هي.
وقوله: وَالنّهارِ إذَا جَلاّها يقول: والنهار إذا جَلاّها, قال: إذا أضاء.
28885ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالنّهارِ إذَا جَلاّها قال: إذا غشيها النهار.
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: والنهار إذا جَلاّ الظلمة, ويجعل الهاء والألف من جلاّها كناية عن الظلمة, ويقول: إنما جاز الكناية عنها, ولم يجر لها ذكر قبل, لأن معناها معروف, كما يعرف معنى قول القائل: أصبحت باردة, وأمست باردة, وهبّت شمالاً, فكنى عن مؤنثات لم يجر لها ذكر, إذ كان معروفا معناهن.
والصواب عندنا في ذلك: ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم, لأنهم أعلم بذلك, وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه.
وقوله: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشاها يقول تعالى ذكره: والليل إذا يغشى الشمس, حتى تغيب فتظلمَ الاَفاقُ. وكانت قتادة يقول في ذلك ما:
28886ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَاللّيْل إذَا يَغْشاها: إذا غَشّاها الليل.
وقوله: وَالسّماءِ وَما بَناها يقول جلّ ثناؤه: والسماء ومَنْ بناها, يعني: ومَنْ خلَقها, وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28887ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالسّماءِ وَما بَناها وبناؤها: خَلْقُها.
28888ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَالسّماءِ وَما بَناها قال: الله بنى السماءَ.
وقيل: وَما بَناها وهو جلّ ثناؤه بانيها, فوضع «ما» موضع «مَنْ», كما قال وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ, فوضع «ما» في موضع «مَنْ», ومعناه, ومَن ولد, لأنه قَسَمٌ أقسم بآدم وولده, وكذلك: وَلا تَنْكِحوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ, وقوله: فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ وإنما هو: فانكحوا مَنْ طاب لكم. وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر, كأنه قال: والسماء وبنائها, ووالد وولادتِه.
وقوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها وهذه أيضا نظير التي قبلها, ومعنى الكلام: والأرض ومَنْ طحاها. ومعنى قوله: طَحاها: بسطها يمينا وشمالاً, ومن كلّ جانب.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: طَحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والأرض وما خلق فيها. ذكر من قال ذلك:
28889ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَالأَرْضِ وَما طَحاها يقول: ما خلق فيها.
وقال آخرون: يعني بذلك: وما بسطها. ذكر من قال ذلك:
28890ـ حدثني محمد بن عُمارة, قال: حدثنا عُبيد الله بن موسى, قال: حدثنا عيسى وحَدّثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها قال: دحاها.
28891ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَما طَحاها قال: بَسَطَها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما قسمها. ذكر من قال ذلك:
28892ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها يقول: قسمها.
وقوله: وَنَفْسٍ وَما سَوّاها يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَما سَوّاها نفسه, لأنه هو الذي سوّى النفسَ وخلقها, فعدّل خلقها, فوضع «ما» موضع «مَنْ», وقد يُحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر, فيكون تأويله: ونفس وتسويَتها, فيكون القسم بالنفس وبتسويتها.
وقوله: فألهَمها فُجُورَها وتَقْوَاها يقول تعالى ذكره: فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير, أو شرّ أو طاعة, أو معصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28893ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها يقول: بَيّنَ الخيرَ والشرّ.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فأَلهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها يقول: بيّن الخيرَ والشرّ.
28894ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: علّمها الطاعة والمعصية.
28895ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: عَرّفها.
28896ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها: فبَيّن لها فجورها وتقواها.
28897ـ وحُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها, بيّن لها الطاعةَ والمعصيةَ.
28898ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: أعلمها المعصيةَ والطاعةَ.
28899ـ قال: ثنا مِهْران, عن سفيان, عن الضحاك بن مزاحم فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: الطاعةَ والمعصيةَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن الله جعل فيها ذلك. ذكر من قال ذلك:
28900ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: جعل فيها فجورَها وتقواها.
28901ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل, قالا: حدثنا عزرة بن ثابت, قال: ثني يحيى بن عقيل, عن يحيى بن يَعْمَر, عن أبي الأسود الدّيليّ, قال: قال لي عمران بن حُصين: أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه, أشيء قُضِيَ عليهم, ومضى عليهم من قَدَرٍ قد سبق, أو فيما يستقبلون, مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام, وأكدت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قُضِيَ عليهم, قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت منه فزعا شديدا, قال: قلت له: ليس شيء إلا وهو خَلْقُه, ومِلْكُ يده, لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. قال: سدّدك الله, إنما سألتك «أظنه أنا» لأخْبُرَ عقلك. إن رجلاً من مُزَينة أو جهينة, أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, أرأيتَ ما يعملُ الناس فيه ويتكادحون: أشيء قضي عليهم, ومضى عليهم من قَدَرٍ سبق, أو فيما يستقبلون, مما أتاهم به نبيهم عليه السلام, وأكّدت به عليهم الحجة؟ قال: «فِي شَيْءٍ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ» قال: ففيم نعملُ؟ قال: «مَنْ كانَ اللّهُ خَلَقَهُ لإِحْدَى المَنْزِلَتَينِ يُهَيّئُهُ لَهَا, وَتَصْدِيقُ ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ: وَنَفْسٍ وَما سَوّاها فأَلَهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها».
الآية : 9-15
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا * كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ نَاقَةَ اللّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }.
قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكّى اللّهُ نفسه, فكّثر تطهيرها من الكفر والمعاصي, وأصلحها بالصالحات من الأعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28902ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكّى اللّهُ نفسَه.
28903ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مَهْران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قالوا: من أصلحها.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن خصيف, عن مجاهد وسعيد بن جُبير, ولم يذكر عكرِمة.
28904ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها من عمل خيرا زكّاها بطاعة الله.
28905ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قال: قد أفلح من زكّى نفسَه بعمل صالح.
28906ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكى اللّهُ نفسَه. وهذا هو موضع القسم, كما:
28907ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قد وقع القسم ها هنا قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها.
وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبلُ.
وقوله: وَقَدْ خاب مَنْ دَسّاها يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طِلبته, فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح مَنْ دسّاهَا يعني: من دَسّس الله نفسه فأحْملها, ووضع منها, بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ, وترك طاعة الله. وقيل: دسّاها وهي دَسّسها, فقُلبت إحدى سيناتها ياء, كما قال العجّاج:
تَقَضّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ
يريد: تَقَضّض. وتظنّيت هذا الأمر, بمعنى: تظننت, والعرب تفعل ذلك كثيرا, فتبدل في الحرف المشدّد بعضَ حروفه, ياء أحيانا, وواوا أحيانا ومنه قول الاَخر:
يَذْهَبُ بِي فِي الشّعْرِ كُلّ فَنّحتى يَرُدّ عَنّي التَظَنّي
يريد: التظنن: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28908ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يقول: وقد خاب من دَسّى الله نُفسَه فأضلّه.
28909ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يعني: تكذيبها.
28910ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن خَصِيف, عن مجاهد وسعيد بن جُبير وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال أحدهما: أغواها, وقال الاَخر: أضلّها.
28911ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن خَصِيف, عن مجاهد وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال: أضلها, وقال سعيد: من أغواها.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: مَنْ دَسّاها قال: أغواها.
28912ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال: أثّمها وأفجرها.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
28913ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَقَدْ خابَ يقول: وقد خاب من دَسّى اللّهُ نَفسَه.
وقوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها يقول: كذّبت ثمود بطغيانها, يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام, فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم, كما قال جلّ ثناؤه: فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل. ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك:
28914ـ حدثني سعيد بن عمرو السّكونيّ, قال: حدثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ, قال: ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ, عن ابن عباس, في قول الله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها قال: اسم العذاب الذي جاءها, الطّغْوَى, فقال: كذّبت ثمود بعذابها.
28915ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها: أي بالطغيان.
وقال آخرون: كذّبت ثمود بمعصيتهم الله. ذكر من قال ذلك:
28916ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: معصيتها.
28917ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بطغيانهم وبمعصيتهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها. ذكر من قال ذلك:
28979حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة, عن عُمارة بن غزية, عن محمدبن رفاعة القُرَظِيّ, عن محمد بن كعب, أنه قال: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بأجمعها.
حدثني ابن عبد الرحيم الَبْرِقيّ, قال: حدثنا ابن أبي مَرْيم, قال: أخبرني يحيى بن أيوب, قال: ثني عُمارة بن غزية, عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ, عن محمد بن كعب, مثله.
وقيل طَغْوَاها بمعنى: طغيانهم, وهما مصدران, للتوفيق بين رؤوس الاَي, إذ كانت الّطْغَوى أشبه بسائر رؤوس الاَيات في هذه السورة, وذلك نظير قوله: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى: وآخر دعائهم.
وقوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يقول: إذ ثار أشقى ثمود, وهو قُدَار بن سالف, كما:
28918ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا الطّفاويّ, عن هشام, عن أبيه, عن عبد الله بن زَمَعة, قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر في خطبته الناقة, والذي عَقَرها, فقال: «إذِ انْبَعَثَ أشْقاها: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عارِمٌ, مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ, مِثْلُ أبي زَمَعَة».
28919ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يعني أُحَيْمِرَ ثَمود.
وقوله: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ يعني بذلك جَلّ ثناؤه: صالحا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لثمود صَالحٌ: ناقَةَ اللّهِ وَسُقْياها احذَروا ناقة الله وسُقياها, وإنما حذّرهم سُقيَا الناقة, لأنه كان تقدّم إليهم عن أمر الله, أن للناقة شِرَب يوم, ولهم شِرْب يومٍ آخر, غير يوم الناقة, على ما قد بيّنت فيما مضى قبل, وكما:
28920ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ناقَةَ اللّهِ وسُقْياها قَسْم الله الذي قسم لها من هذا الماء.
وقوله: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها يقول: فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به, من أن الله الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما, ولهم شربُ يوم معلوم, وأن اللّهُ يحِلّ بهم نقمته, إن هم عقروها, كما وصفهم جلّ ثناؤه فقال: كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ, وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر. وإذا كان ذلك كذلك, جاز تقديم التكذيب قبل العقر, والعقر قبل التكذيب, وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده, كقول القائل: أعطيت فأحسنت, وأحسنت فأعطيت, لأن الإعطاء: هو الإحسان, ومن الإحسان الإعطاء, وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب, جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم. وقد زعم بعضهم أن قوله: فَكَذّبُوهُ كلمة مكتفية بنفسها, وأن قوله: فَعَقَرُوها جواب لقوله: إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه قيل: إذ انبعث أشقاها فعقرها, فقال: وكيف؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين, لها شرب يوم, ولهم شرب يوم آخر. قيل: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك, أجمعوا على منعها الشربَ, ورضُوا بقتلها, وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها, وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم, فقال جلّ ثناؤه: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها.
وقوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها يقول تعالى ذكره: فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك, وكفّرهم به, وتكذيبهم رسوله صالحا, وعَقْرهم ناقته فَسَوّاها يقول: فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم, فلم يُفْلِت منهم أحد, كما:
28921ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها ذُكر لنا أن أحيمرَ ثمود أبى أن يعقِرَها, حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم, وذَكَرُهم وأنثاهم, فلما اشترك القومُ في عَقْرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسوّاها.
28922ـ حدثني بشر بن آدم, قال: حدثنا قُتيبة, قال: حدثنا أبو هلال, قال: سمعت الحسن يقول: لما عقروا الناقةَ طلبوا فَصِيلَها, فصار في قارة الجبل, فقطع اللّهُ قلوبَهم.
وقوله: وَلا يَخافُ عقْباها اختلف أهل التأويل في معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دَمْدمته عليهم. ذكر من قال ذلك:
28923ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف اللّهُ من أحد تَبِعَةً.
28924ـ حدثني إبراهيم بن المستمرّ, قال: حدثنا عثمان بن عمرو, قال: حدثنا عمر بن مرثد, عن الحسن, في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: ذاك ربنا تبارك وتعالى, لا يخاف تبعةً مما صنع بهم.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن عمرو بن منبه, هكذا هو في كتابي, سمعت الحسن قرأ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: ذلك الربّ صنع ذلك بهم, ولم يخف تبعةً.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: لا يخاف تبعتهم.
28925ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا يَخافُ عُقْباها يقول: لا يخاف أن يُتْبَعَ بشيء مما صَنعَ بهم.
28926ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال محمد بن عمرو في حديثه, قال: الله لا يَخافُ عُقْباها. وقال الحرث في حديثه: الله لا يخاف عقباها.
28927ـ حدثني محمد بن سنان, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا رزين بن إبراهيم, عن أبي سليمان, قال: سمعت بكر بن عبد الله المُزَنيّ يقول في قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف الله التبعةَ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخف الذي عقرها عقباها: أي عُقبى فَعْلَتِهِ التي فعل. ذكر من قال ذلك:
28928ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا أبو رَوْق, قال: حدثنا الضحاك وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يَخَفِ الذي عقرها عقباها.
28929ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن السّدّيّ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يخف الذي عقرها عقباها.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن السديّ وَلا يَخافُ عُقْباها قال: الذي لا يخاف الذي صنع, عُقْبَى ما صنع.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الحجاز والشام: «فَلا يَخافُ عُقْباها» بالفاء, وكذلك ذلك في مصاحفهم, وقرأته عامة قرّاء العراق في المِصْرين بالواو وَلا يَخاف عُقْباها وكذلك هو في مصاحفهم.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان, غير مختلفي المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
واختلفت القرّاء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها, كقوله: وَالقَمَرِ إذَا تَلاها وَما طَحاها ونحو ذلك, فكان يفتح ذلك كلّه عامةُ قرّاء الكوفة, ويُميلون ما كان من ذوات الياء, غير عاصم والكسائي, فإن عاصما كان يفتح جميعَ ذلك, ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء, لا يُضْجِعُ منه شيئا. وكان الكسائي يكسر ذلك كلّه. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رؤوس الاَي, فإن كانت متسقة على شيء واحد, أمال جميعَها. وأما عامة قرّاء المدينة, فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الإمالة الشديدة, ولا يفتحونه الفتحَ الشديد, ولكن بين ذلك وأفصح ذلك وأحسنه: أن ينظر إلى ابتداء السورة, فإن كانت رؤوسها بالياء, أُجْريَ جميعُها بالإمالة غير الفاحشة, وإن كانت رؤوسها بالواو, فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش, وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع, أميل ذوات الياء الإمالة المعتدلة, وفتح ذوات الواو الفتح المتوسّط, وإن أُميلت هذه, وفُتحت هذه لم يكن لحنا, غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الشمس

سورة الليل مكيّة
وآياتها إحدى وعشرون
بسم الله الرحمَن الرحيم
الآية : 1-10
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ * وَالنّهَارِ إِذَا تَجَلّىَ * وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ * إِنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّىَ * فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ }.
يقول تعالى ذكره مُقسِما بالليل إذا غَشّى النهار بظلمته, فأذهب ضوءه, وجاءت ظُلمته: واللّيْلِ إذَا يَغْشَى النهار والنّهارِ إذا تَجَلّى وهذا أيضا قسم, أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار, وظهر للأبصار, ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا. وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده, كما:
28930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال: آيتان عظيمتان يكوّرهما الله على الخلائق.
وقوله: وَما خَلَقَ الذّكَرَ والأُنْثَى يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله: وَالسّماءِ وَما بَناها والأرْضِ وَما طَحاها وهو أن يجعل «ما» بمعنى «مَنْ», فيكون ذلك قسما من الله جلّ ثناؤه بخالق الذّكر والأنثى, وهو ذلك الخلق, وأن تجعل «ما» مع ما بعدها بمعنى المصدر, ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى.
وقد ذُكر عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: أنهما كانا يقرآن ذلك «وَالذّكَرِ وَالأُنْثَىَ» ويأثُرُه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الخبر بذلك:
28931ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله: «وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ والأُنْثَى».
28932ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا هشام بن عبد الملك, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرني المُغيرة, قال: سمعت إبراهيم يقول: أتى علقمة الشأم, فقعد إلى أبي الدرداء, فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة, فقال: كيف كان عبد الله يقرأ هذه الاَية وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى فقلت: «وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى» قال: فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلّونني وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا حاتم بن وَرْدان, قال: حدثنا أبو حمزة, عن إبراهيم, عن علقمة قال: أتينا الشأم, فدخلت على أبي الدرداء, فسألني فقال: كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الاَية: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال: قلت: «وَالذّكَرِ والأنْثَى» قال: كفاك, سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُليَة وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطيّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن داود, عن عامر, عن علقمة, قال: قَدِمت الشأم, فلقيت أبا الدرداء, فقال: من أين أنت؟ فقلت من أهل العراق؟ قال: من أيها؟ قلت: من أهل الكوفة, قال: هل تقرؤه قراءة ابن أمّ عبد؟ قلت: نعم, قال: اقرأ وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى قال: فقرأت: «وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ والأُنْثَى» قال: فضحك, ثم قال: هكذا سمعت مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: ثني داود, عن عامر, عن علقمة, عن أبي الدّرداء, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, قال: قدمت الشأم, فأتى أبو الدرداء, فقال: فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: فأشاروا إليّ, قال: قلت أنا, قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الاَية: «وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى» قال: وأنا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وَما خَلَقَ الذّكَرِ والأُنْثَى فلا أنا أتابعهم.
28933ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَما خَلَقَ الذّكَرَ وَالأُنْثَى قال: في بعض الحروف: «وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى».
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.
28934ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, عن إسماعيل, عن الحسن أنه كان يقرؤها وَما خَلَقَ الذّكَرَ والأُنْثَى يقول: والذي خلق الذكر والأنثى قال هارون قال أبو عمرو: وأهل مكة يقولون للرعد: سبحانَ ما سبّحْتَ له.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن مِقْسمَ الضّبيّ, عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران, عن علقمة بن قيس أبي شبل: أنه أتى الشام, فدخل المسجد فصلّى فيه, ثم قام إلى حَلْقة فجلس فيها قال: فجاء رجل إليّ, فعرفت فيه تحوّش القول وهيبتهم له, فجلس إلى جنبي, فقلت: الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي, فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء, قال: وما ذاك؟ فقال علقمة: دعوت الله أن يرزقني جليسا صالحا, فأرجو أن يكون أنت, قال: مِنْ أين أنت؟ قلت: من الكوفة, أو من أهل العراق من الكوفة. قال أبو الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمِطْهَرة, يعني ابن مسعود, أو لم يكن فيكم من أجير على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم من الشيطان الرجيم, يعني عَمّار بن ياسر, أو لم يكن فيكم صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره, أو أحد غيره, يعني حُذَيفة بن اليمان, ثم قال: أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ؟ قال: فقلت: أنا, قال: اقرأ: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارَ إذَا تَجَلّى قال علقمة: فقرأت: الذكرِ والأنثى, فقال أبو الدرداء: والذي لا إله إلاّ هو, كذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوه إلى فيّ, فما زال هؤلاء حتى كادوا يردّونني عنها.
وقوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول: إن عملكم لمختلف أيها الناس, لأن منكم الكافر بربه, والعاصي له في أمره ونهيه, والمؤمن به, والمطيع له في أمره ونهيه, كما:
28935ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول: لمختلف.
وقوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى جواب القسم, والكلام: والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى, وكذا قال أهل العلم. ذكر من قال ذلك:
28936ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: وقع القسم هاهنا إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى.
وقوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله, ومن أمَرهُ الله بإعطائه من ماله, وما وهب له من فضله, واتقى الله واجتنب محارمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28937ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى قال: أعطى ما عنده واتقى, قال: اتقى ربه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس فأمّا مَنْ أعْطَى من الفضل واتّقَى: اتقى ربه.
28938ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فأمّا مَنْ أعْطَى حقّ الله وَاتّقَى محارم الله التي نهى عنها.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول: من ذكر الله, واتقى الله.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلف من الله, على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه. ذكر من قال ذلك:
28939ـ حدثني حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا دواد, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: وصدّق بالخَلَف من الله.
حدثني محمد بن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى يقول: وصدّق بالخلَف من الله.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى بالخلَف.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ, قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحْمَسيّ, عن سعيد بن الصلت, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: أيقن بالخلف.
28940ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن عكرِمة فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالخلف.
28941ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قيس بن مسلم, عن عكرِمة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بأن الله سيخلف له.
28942ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبي هاشم المكيّ, عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال بالخلف.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي بكر الهُذليّ, عن شَهْر بن حَوْشَب, عن ابن عباس: وصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالخَلَف.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن نَضْر بن عربيّ, عن عكرِمة, قال: بالخَلَف.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بأن الله واحد لا شريك له. ذكر من قال ذلك:
28943ـ حدثني محمد بن عمر بن عليّ المُقَدّميّ, قال: حدثنا أشعث السجستانيّ, قال: حدثنا مِسْعَر وحدثنا أبو كُرَيب قال: حدثنا وكيع, عن مِسْعر عن أبي حصين, عن أبي عبد الرحمن وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بلا إله إلاّ الله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي حصين, عن أبي عبد الرحمن مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي حصين, عن أبي عبد الرحمن, مثله.
28944ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عُبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى: بلا إله إلاّ الله.
28945ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى: يقول: صدّق بلا إله إلاّ الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بالجنة. ذكر من قال ذلك:
28946ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالجنة.
حدثنا ابن بشار, قال: ثني محمد بن محبب, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وقال آخرون: بل معناه: وصدق بموعود الله. ذكر من قال ذلك:
28947ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بموعود الله على نفسه, فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: صدّق المؤمن بموعود الله الحسن.
وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل, وأولاها بالصواب عندي: قول من قال: عُنِي به التصديق بالخَلَف من الله على نفقته.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك, لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخَلَف منها, فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخَلَف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه, مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد. ذكر الخبر الوارد بذلك:
28948ـ حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة, قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو, قال: حدثنا عَبّاد بن راشد, عن قتادة قال: ثني خُلَيد العَصْرِيّ, عن أبي الدرداء, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ, إلاّ وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ, يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّهِ كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَينِ: اللّهُمّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا, وأعْطِ مُمْسِكا تَلَفا» فأنْزَلَ اللّهُ فِي ذلك القرآن فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى... إلى قوله لِلْعُسرَى.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه. ذكر الخبر بذلك:
28949ـ حدثني هارون بن إدريس الأصمّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, عن محمد بن عُبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق, عن عامر بن عبد الله بن الزّبير, قال: كان أبو بكر الصدّيق يُعْتِق على الإسلام بمكة, فكان يُعْتِق عجائز ونساء إذا أسلمن, فقال له أبوه: أَيْ بُنَيّ, أراك تُعْتِق أناسا ضعفاء, فلو أنك أعتقت رجالاً جُلدا يقومون معك, ويمنعونك, ويدفعون عنك, فقال: أي أبت, إنما أريد «أظنه قال»: ما عند الله, قال: فحدثني بعض أهل بيتي, أن هذه الاَية أنزلت فيه: فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى.
وقوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى يقول: فسنهيئه للخَلّة اليُسْرَى, وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا, ليوجب له به في الاَخرة الجنة.
وقوله: وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله, ومنع ما وهب الله له من فضله, من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها, واستغنى عن ربه, فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته, بالزيادة فيما خوّله من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
28950ـ حدثنا حميد بن مَسْعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى قال: بخل بما عنده, واستغنى في نفسه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة عن ابن عباس وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وأما من بخل بالفضل, واستغنى عن ربه.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَأمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى يقول: من أغناه الله, فبخل بالزكاة.
28951ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى: وأما من بخل بحقّ الله عليه, واستغنى في نفسه عن ربه.
وأما قوله: وَكَذّبَ بالْحُسْنَى فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى وأما نحن فنقول: معناه: وكذّب بالخَلَف, كما:
28952ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن المفضل, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس: وكَذّبَ بالْحُسْنَى: وكذّب بالخَلَف.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس وَكَذّبَ بالْحُسْنَى بالخَلَف من الله.
28953ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكَذّبَ بالْحُسْنَى وكذّب بموعود الله الذي وعد, قال الله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَكَذّبَ بالْحُسْنَى وكذّب الكافر بموعود الله الحسن.
وقال آخرون: معناه: وكذّب بتوحيد الله. ذكر من قال ذلك:
28954ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَكَذّبَ بالْحُسْنَى: وكذّب بلا إله إلاّ الله.
28955ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَكَذّبَ بالْحُسْنَى بلا إله إلاّ الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وكذّب بالجنة. ذكر من قال ذلك:
28956ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَكَذّبَ بالْحُسْنَى قال: بالجنة.
وقوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخَلّة العُسرى, وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة, وكما قال الشاعر:
هُمَا سَيّدَانا يَزْعُمانِ وإنّمَايَسُودَانِنا أنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا
وقيل: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى ولا تيسر في العُسرى للذي تقدّم في أوّل الكلام من قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وإذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والاَخر ذكر الشرّ, جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا والعُسرى التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الخبر بذلك:
28957ـ حدثني واصل بن عبد الأعلى وأبو كُرَيب, قالا: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن سعد بن عُبيدة, عن أبي عبد الرحمن السّلميّ, عن عليّ, قال: كُنّا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم, فنكَتَ الأرض, ثم رفع رأسه فقال: «ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ». قلنا: يا رسول الله أفلا نتّكل؟ قال: «لا, اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ», ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا زائدة بن قُدامة, عن منصور, عن سعد بن عُبيدة عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ, عن عليّ, قال: كنا في جنازة في البقيع, فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه, ومعه عود يَنْكُت في الأرض, فرفع رأسه إلى السماء فقال: «ما مِنْكمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُها», فقال القول: يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا, فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة, ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء, فقال: «بَلِ اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السّعادَةِ فإنّهُ يُيَسّرُ لِعَمَلِ السّعادَةِ وأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الشّقاء فإنّهُ يُيَسّرُ للشّقاءِ», ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى».
حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السلميّ, عن عليّ, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور والأعمش: أنهما سمعا سعد بن عُبيدة, عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ, عن عليّ, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة, فأخذ عودا فجعل ينكُت في الأرض, فقال: «ما مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ أوْ مِنَ الجَنّةِ», فقالوا: يا رسول الله أفلا نتّكل؟ قال: «اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ للْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى».
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور والأعمش, عن سعد بن عُبيدة, عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ, عن عليّ رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم, فتناول شيئا من الأرض بيده, فقال: «ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ والنّارِ» قالوا: يا نبيّ الله, أفلا نتكل؟ قال: «لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ», ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى... الاَيتين.
28958ـ قال: ثنا مهران, عن أبي سنان, عن عبد الملك بن سَمُرة بن أبي زائدة, عن النّزّال بن سَبْرَةَ, قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْها ما هِيَ لاقِيَتُهُ» وأعرابي عند النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرتاد, فقال الأعرابيّ: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا, إن كان قد فُرِغ من الأمر؟ فنكت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأرض, حتى ظنّ القوم أنه ودّ أنه لم يكن تكلم بشيء منه, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ, فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ بِهِ خَيرا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الخَيرِ, وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرّا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الشّرّ», فلقيت عمرو بن مُرّة, فعرضت عليه هذا الحديث, فقال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم, وزاد فيه: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى.
28959ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: حدثنا حصين, عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السّلَمي, قال: لما نزلت هذه الاَية: إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال رجل: يا رسول الله, ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه, أو في شيء قد فُرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ: سَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى, وَسُنَيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى».
حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي, قال: حدثنا محمد بن عبيدة, قال: حدثنا الجراح, عن إبراهيم بن عبد الحميد, عن الحجاج بن أرطأة, عن أبي إسحاق الهمداني, عن سليمان الأعمش, رفع الحديث إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وبيده عود ينكُت به في الأرض, فرفع رأسه فقال: «ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ وَلا مِنَ النّاس, إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ أوِ النّارِ», قلنا: يا رسول الله أفلا نتوكل؟ قال لهم: «اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ», ثم قال: «أما سَمِعْتُمُ اللّهَ فِي كِتابِهِ يَقُولُ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُه لِلْعُسْرَى».
28960ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود بن أبي هند, عن عكرِمة, عن ابن عباس فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى: للشرّ من الله.
28961ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحرث, عن أبي الزّبير, عن جابر بن عبد الله أنه قال: يا رسول الله, أنعمل لأمر قد فُرغ منه, أو لأمر نأتنفه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «كُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لِعَمَلِهِ».
28962ـ حدثني يونس, قال: حدثنا سفيان, عن عمرو بن دينار, عن طلق بن حبيب, عن بشير بن كعب, قال: سأل غلامان شابان النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقالا: يا رسول الله, أنعمل فيما جفّت به الأقلام, وجرَت به المقادير, أو في شيء يستأنف؟ فقال: «بَلْ فِيما جَفّتْ به الأقْلامُ, وَجَرَتْ بهِ المَقادِيرُ» قالا: ففيم العمل إذن؟ قال: «اعْمَلُوا, فَكُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لعَمَلِهِ الّذِي خُلِقَ لَهُ», قالا: فالاَن نجدّ ونعمل