تفسير الطبري تفسير الصفحة 599 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 599
600
598
 الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِىَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ }.
يقول تعالى ذكره: ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة جَنّاتُ عَدْنٍ: يعني بساتين إقامَة لاظَعْن فيها, تجري من تحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول: ماكثين فيها أبدا, لا يخرجون عنها, ولا يموتون فيها رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ بما أطاعوه في الدنيا, وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك وَرَضُوا عَنْهُ بما أعطاهم من الثواب يومئذٍ, على طاعتهم ربهم في الدنيا, وجزاهم عليها من الكرامة.
وقوله: ذَلكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ يقول تعالى ذكره: هذا الخير الذي وصفته, ووعدته الذين آمنوا وعملوا الصالحات يوم القيامة, لمن خشي ربه يقول: لمن خاف الله في الدنيا في سرّه وعلانيته, فاتقاه بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه, وبالله التوفيق.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة البينة

سورة الزلزلة مدنية
وآياتها ثمان
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ }.
يقول تعالى ذكره: إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ لقيام الساعة زِلْزَالَهَا فرُجّت رجّا والزّلزال: مصدر إذا كسرت الزاي, وإذا فتحت كان اسما وأضيف الزلزال إلى الأرض وهو صفتها, كما يقال: لأكرمنك كرامتك, بمعنى: لأكرمنك كرامة. وحَسُن ذلك في زلزالها, لموافقتها رؤوس الاَيات التي بعدها.
29148ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد, قال: زُلْزِلَتِ الأرْضُ على عهد عبد الله, فقال لها عبدُ الله: مالك؟ أما إنها لو تكلّمت قامت الساعة.
وقوله: وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا يقول: وأخرجت الأرض ما في بطنها من الموتى أحياء, والميت في بطن الأرض ثقل لها, وهو فوق ظهرها حيا ثقل عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29149ـ حدثني محمد بن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقَالَهَا قال: الموَتى.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا قال: يعني الموتى.
29150ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا من في القبور.
وقوله: وَقالَ الإنْسانُ مالَهَا يقول تعالى ذكره: وقال الناس إذا زُلزلت الأرض لقيام الساعة: ما للأرض وما قصتها يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها. كان ابن عباس يقول في ذلك ما:
29151ـ حدثني ابن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس, وَقالَ الإنْسانُ ما لَهَا قال: الكافر.
يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها يقول: يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها. وتحديثها أخبارها, على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود, أن تتكلم فتقول: إن الله أمرني بهذا, وأوحى إليّ به, وأذِن لي فيه.
وأما سعيد بن جُبير, فإنه كان يقول في ذلك ما:
29152ـ حدثنا به أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن إسماعيل بن عبد الملك, قال: سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة: «يَوْمَئِذٍ تُنَبّىءُ أخْبارَها» ومرة: تُحَدّثُ أخْبارَها.
فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد: تُنَبىء, وتنبيئها أخبارَها: إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها. وهذا القول قول عندي صحيح المعنى, وتأويل الكلام على هذا المعنى: يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة, وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها, بوحي الله إليها, وإذنه لها بذلك, وذلك معنى قوله: بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29153ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن. قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا قال: أمرها, فألقَت ما فيها وتخلّت.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا قال: أمرها.
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك: «يَوْمَئِذٍ تُنْبّىءُ أخْبارَها» وقيل: معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي, وما عملوا عليها من خير أو شرّ. ذكر من قال ذلك:
29154ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها قال: ما عمل عليها من خير أو شرّ, بأن ربك أوحى لها, قال: أعلمها ذلك.
29155ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخبْارَها قال: ما كان فيها, وعلى ظهرها من أعمال العباد.
29156ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها قال: تخبر الناس بما عملوا عليها.
وقيل: عُنِي بقوله: أوْحَى لَهَا: أوحى إليها. ذكر من قال ذلك:
29157ـ حدثني ابن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شبيب, عن عكرِمة, عن ابن عباس أوْحَى لَهَا قال: أوحى إليها.
وقوله: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا قيل: إن معنى هذه الكلمة التأخير بعد لِيُرَوْا أعمالَهُمْ قالوا: ووجه الكلام: يومئذٍ تحدّث أخبارها بأن ربك أوحى لها. لِيُرَوا أعمالهم, يومئذٍ يصدر الناس أشتاتا. قالوا: ولكنه اعترض بين ذلك بهذه الكلمة. ومعنى قوله: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا عن موقف الحساب فِرَقا متفرّقين, فآخذ ذات اليمين إلى الجنة, وآخذ ذات الشمال إلى النار.
وقوله: لِيُرَوْا أعمالَهُمْ يقول: يومئذ يصدر الناس أشتاتا متفرّقين, عن اليمين وعن الشمال, لِيُرَوا أعمالهم, فيرى المحسن في الدنيا, المطيع لله عمله وما أعدّ الله له يومئذ من الكرامة, على طاعته إياه كانت في الدنيا, ويرى المسيىء العاصي لله عمله. وجزاء عمله, وما أعدّ الله له من الهوان والخزي في جهنم, على معصيته إياه كانت في الدنيا, وكفره به.
وقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ يقول: فمن عمل في الدنيا وزن ذرّة من خير, يرى ثوابه هنالك وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ يقول: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرّة من شرّ يرى جزاءه هنالك, وقيل: ومَنْ يعمل, والخبر عنها في الاَخرة, لفهم السامع معنى ذلك, لما قد تقدّم من الدليل قبلُ, على أن معناه: فمن عمل ذلك دلالة قوله: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا لِيُرَوْا أعمالَهُمْ على ذلك. ولكن لما كان مفهوما معنى الكلام عند السامعين. وكان في قوله: يَعْمَلْ حثّ لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله, والزجر عن معاصيه, مع الذي ذكرت من دلالة الكلام قبل ذلك, على أن ذلك مراد به الخبر عن ماضي فعله, وما لهم على ذلك, أخرج الخبر على وجه الخبر عن مستقبل الفعل. وبنحو الذي قلنا من أن جميعهم يرون أعمالهم, قال: أهل التأويل ذكر من قال ذلك:
29158ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا بو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ قال: ليس مؤمن ولا كافر عمِل خيرا ولا شرّا في الدنيا, إلا أتاه الله إياه. فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته, فيغفر الله له سيئاته. وأما الكافر فيردّ حسناته, ويعذّبه بسيئاته. وقيل في ذلك غير هذا القول, فقال بعضهم: أما المؤمن, فيعجل له عقوبة سيئاته في الدنيا, ويؤخّر له ثواب حسناته, والكافر يعجّل له ثواب حسناته, ويؤخر له عقوبة سيئاته. ذكر من قال ذلك:
29159ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ, قال: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنيه محمد بن مسلم الطائفيّ, عن عمرو بن قتادة, قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظِيّ, وهو يفسّر هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ قال: من يعمل مثقال ذرّة من خير مِنْ كافر يَرَ ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده, حتى يخرج من الدنيا, وليس له عنده خير وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ مِنْ مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده, حتى يخرج من الدنيا وليس عنده شيء.
حدثني محمود بن خِداش, قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي, قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفيّ, عن عمرو بن دينار, قال: سألت محمد بن كعب القُرَظِيّ, عن هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ قال: من يعمل مثقال ذرّة من خير من كافر, ير ثوابها في نفسه وأهله وماله, حتى يخرج من الدنيا وليس له خير ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مؤمن, ير عقوبتها في نفسه وأهله وماله, حتى يخرج وليس له شرّ.
29160ـ حدثني أبو الخطاب الحَسّاني, قال: حدثنا الهيثم بن الربيع, قال: حدثنا سماك بن عطية, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أنس, قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم, فنزلت هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعمْلْ مثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ فرفع أبو بكر يده من الطعام, وقال: يا رسول الله إني أُجزَى بما عملت من مثقال ذرّة من شرّ؟ فقال: «يا أبا بَكْرٍ, ما رأيْتَ فِي الدنْيا مِمّا تَكْرَهُ فَمَثاقِيلُ ذَرّ الشّرّ, وَيَدّخِرُ لَكَ اللّهُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تَوَفّاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ».
29161ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبوب, قال: وجدنا في كتاب أبي قِلابة, عن أبي إدريس: أن أبا بكر كان يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأنزلت هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ فرفع أبو بكر يده من الطعام, وقال: إني لراءٍ ما عملت, قال: لا أعلمه إلا قال: ما عملت من خير وشرّ, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ ما تَرَى مِمّا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثاقِيلُ ذرّ شَرَ كَيِيرٍ, وَيَدّخِرُ اللّهُ لكَ مَثاقِيلَ ذَرّ الخَيْرِ حتى تُعْطاهُ يَومْ الْقِيامَةِ» وتصديق ذلك في كتاب الله: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا أيوب, قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال: نزلت فَمَنْ يَعْمَل مثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ وأبو بكر يأكل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم, فأمسك وقال: يا رسول الله, إني لراءٍ ما عملتُ من خير وشرّ؟ فقال: «أرأيْتَ ما رأيْتَ مِمّا تَكْرَهُ, فَهُوَ مِنْ مَثاقِيلِ ذَرّ الشّرّ, وَيَدّخِرُ مَثاقِيلَ ذَرّ الخَيْرِ, حتى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» قال أبو إدريس: فأرَى مصداقها في كتاب الله, قال: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
29162ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن داود, عن الشعبيّ, قال: قالت عائشة: يا رسول الله, إن عبد الله بن جُدْعان كان يصل الرحم, ويفعل ويفعل, هل ذاك نافعه؟ قال: «لا, إنه لم يقل يوما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَوْمَ الدّينِ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن داود, عن الشعبيّ, عن مسروق, عن عائشة, قالت: قلت: يا رسول الله, ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم, ويُطعم المسكين, فهل ذاك نافعه؟ قال: «لا يَنْفَعُهُ, إنّهُ لم يَقُلْ يَوْما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عامر الشعبيّ, أن عائشة أمّ المؤمنين قالت: يا رسول الله, إن عبد الله بن جُدْعان, كان يصل الرحم, ويَقْرِي الضيف, ويفُكّ العاني, فهل ذلك نافعه شيئا؟ قال: «لا, إنّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ».
29163ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن عامر, عن علقمة, أن سلمة بن يزيد الجُعفيّ, قال: يا رسول الله, إن أمنّا هلَكت في الجاهلية, كانت تصِل الرحم, وتَقْرِي الضيف, وتفعل وتفعل, فهل ذلك نافعها شيئا؟ قال: «لا».
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن المنهال, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: حدثنا داود, عن الشعبيّ, عن علقمة بن قيس, عن سلمة بن يزيد الجعفي, قال: ذهبت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: يا رسول الله, إن أمنّا كانت في الجاهلية تقري الضيف, وتصل الرحم, هل ينفعها عملها ذلك شيئا؟ قال: «لا».
حدثني محمد بن إبراهيم بن صَدْران وابن عبد الأعلى, قالا: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: حدثنا داود بن أبي هند, عن الشعبيّ, عن علقمة, عن سلمة بن يزيد, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن محمد بن كعب, أنه قال: أما المؤمن فيرى حسناته في الاَخرة, وأما الكافر فيرى حسناته في الدنيا.
29164ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا أبو نعامة, قال: حدثنا عبد العزيز بن بشير الضبي جدّه سلمان بن عامر أن سلمان بن عامر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: إن أبي كان يصل الرحم, ويفي بالذمة, ويُكرم الضيف, قال: «ماتَ قَبْلَ الإسْلامِ»؟ قال: نعم, قال: «لَنْ يَنْفَعَهُ ذَلكَ», فوّلى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَليّ بالشّيْخِ», فجاء, فَقالَ رسُول اللّهَ صلى الله عليه وسلم: «إنّها لَنْ تَنْفَعُهُ, وَلَكِنّها تَكُونُ فِي عَقِبِهِ, فَلنْ تَخْزَوْا أبَدا, وَلَنْ تَذِلّوا أبَدا, وَلَنْ تَفْتَقِرُوا أبَدا».
29165ـ حدثنا ابن المثنى وابن بشار, قالا: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا عمران, عن قتادة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ اللّهَ لا يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثابُ عَلَيْها الرّزْقَ فِي الدّنْيا, ويُجْزَى بِها في الاَخِرَةِ وأمّا الكافِرُ فَيُعْطِيهِ بِها فِي الدّنْيا, فإذَا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ, لَم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ».
29166ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ليث, قال: ثني المعلّي, عن محمد بن كعب القْرَظيّ, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ مُؤْمِنٍ أوْ كافِرٍ إلاّ وَقَعَ ثَوَابُهُ عَلى اللّهِ في عاجِلِ دُنْياهُ, أوْ آجِلِ آخِرَتِهِ».
29167ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يحيى بن عبد الله, عن أبي عبد الرحمن الحُبُليّ, عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أنزلت: إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وأبو بكر الصدّيق قاعد, فبكى حين أُنزلت, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكِيكَ يا أبا بَكْرٍ؟»قال: يُبكيني هذه السورة, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا أنّكُمْ تُخْطِئونَ وَتُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ, لَخَلَقَ اللّهُ أُمةً يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيْغْفِرُ لَهُمْ».
فهذه الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُنبىء عن أن المؤمن إنما يَرَى عقوبة سيّئاته في الدنيا, وثواب حسناته في الاَخرة, وأن الكافر يرى ثواب حسناته في الدنيا, وعقوبة سيئاته في الاَخرة, وأن الكافر لا ينفعه في الاَخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كُفره.
29168ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عليّ, عن الأعمش, عن إبراهيم التيميّ, قال: أدركت سبعين من أصحاب عبد الله, أصغرهم الحارث بن سُوَيد, فسمعته يقرأ: إذَا زُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالَهَا حتى بلغ إلى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَه قال: إن هذا إحصاء شديد.
وقيل: إن الذّرّةَ دُودة حمراء ليس لها وزن. ذكر من قال ذلك:
29169ـ حدثني إسحاق بن وهب العلاف ومحمد بن سنان القزّاز, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا شبيب بن بشر, عن عكرِمة, عن ابن عباس, في قوله: مِثْقالَ ذَرّةٍ قال ابن سنان في حديثه: مثقال ذرّة حمراء. وقال ابن وهب في حديثه: نملة حمراء. قال إسحاق, قال يزيد بن هارون: وزعموا أن هذه الدودة الحمراء ليس لها وزن.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الزلزلة

سورة العاديات مكية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنّ الإِنسَانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنّهُ عَلَىَ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنّهُ لِحُبّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصّلَ مَا فِي الصّدُورِ * إِنّ رَبّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لّخَبِيرٌ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا فقال بعضهم: عُنِي بالعاديات ضَبْحا: الخيل التي تعدوها, وهي تحمحم. ذكر من قال ذلك:
29170ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل, وزعم غير ابن عباس أنها الإبل.
29171ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال ابن عباس: هو في القتال.
29172ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال الخيل.
29173ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا أبو رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: ألم تر إلى الفرس إذا جرى كيف يَضْبَح.
29174ـ حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهريّ, قال: حدثنا سفيان, عن ابن جرَيج, عن عطاء, قال: ليس شيء من الدوابّ يضبح غير الكلب والفرس.
29175ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله الله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل تَضْبَح.
29176ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل, عَدَتْ حَتى ضَبَحَتْ.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل تعدو حتى تَضْبَح.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن سعيد, عن قتادة مثل حديث بشر, عن يزيد.
29177ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, قال: حدثنا سعيد, قال: سمعت سالما يقرأ: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل عدت ضبحا.
29178ـ قال: ثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل.
29179ـ قال: ثنا وكيع, عن سفيان بن عيينة عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: ما ضبحت دابة قطّ إلا كلب أو فرس.
29180ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل.
حدثني سعيد بن الربيع الرازيّ. قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس, قال: هي الخيل.
وقال آخرون: هي الإبل. ذكر من قال ذلك:
29181ـ حدثني أبو السائب. قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الإبل.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.
حدثني عيسى بن عثمان الرمليّ, قال: ثني عمي يحيى بن عيسى الرمليّ, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الإبل إذا ضبحت تنفّست.
29182ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا أبو صخر, عن أبي معاوية البَجَليّ, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, حدثه قال: بينما أنا في الحِجْر جالس, أتاني رجل يسأل عن الْعادِياتِ ضَبْحا فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله, ثم تأوي إلى الليل, فيصنعون طعامهم, ويورون نارهم. فانفتل عني, فذهب إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت سقاية زمزم, فسأله عن الْعادِياتِ ضَبْحا فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم, سألت عنها ابن عباس, فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله, قال: اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال: تُفتي الناس بما لا علم لك به, والله لكانت أوّل غزوة في الإسلام لِبدر, وما كان معنا إلا فرسان: فَرَس للزّبَير, وفرس للمقداد, فكيف تكون العادياتِ ضبحا إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى قال ابن عباس: فنزعت عن قولي, ورجعت إلى الذي قال عليّ رضي الله عنه.
29183ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال: الإبل.
29184ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال: قال ابن مسعود: هو في الحجّ.
29185ـ حدثنا سعيد بن الربيع الرازيّ, قال: حدثنا سفيان, عن عمرو بن دينار, عن عبيد بن عمير, قال: هي الإبل, يعني وَالْعادِياتِ ضَبْحا.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: قال ابن مسعود: هي الإبل.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: عني بالعاديات: الخيل, وذلك أن الإبل لا تضْبَح, وإنما تضبح الخيل, وقد أخبر الله تعالى أنها تعدو ضَبْحا, والضّبْح: هو ما قد ذكرنا قبل. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29186ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ, قال: حدثنا أبو معاوية, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, قال: قال عليّ رضي الله عنه: الضبح من الخيل: الحَمْحَمة, ومن الإبل: النفس.
29187ـ قال: ثنا سفيان, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, قال: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أَحْ أَحْ.
وقوله: فالمُورِيات قَدْحا اختلف أهل التأويل, في ذلك, فقال بعضهم: هي الخيل تُورِي النارَ بحوافرها. ذكر من قال ذلك:
29188ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا أبو رجاء, قال: سُئل عِكرِمة, عن قوله: فالمُورِياتِ قَدْحا قال: أوْرَتْ وقَدَحتْ.
29189ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هي الخيل وقال الكلبيّ: تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار.
29190ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء فالمُورِياتِ قَدْحا قال: أورت النار بحوافرها.
29191ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالمُورِياتِ قَدْحا تُوري الحجارةَ بحوافرها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الخيل هِجْنَ الحرب بين أصحابهنّ ورُكْبانهنّ. ذكر من قال ذلك:
29192ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هِجْنَ الحرب بينهم وبين عدوّهم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هجِن الحرب بينهم وبين عدوّهم.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: الذين يُورون النار بعد انصرافهم من الحرب. ذكر من قال ذلك:
29193ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن أبي معاوية البَجَلِيّ, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: سألني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, عن الْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا فقلت له: الخيل تغير في سبيل الله, ثم تأوِي إلى الليل, فيصنعون طعامهم ويورون نارهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: مكر الرجال. ذكر من قال ذلك:
29194ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فالمُورِياتِ قَدْحا قال: المكر.
29195ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد, في قول الله: فالمُورِياتِ قَدْحا قال: مكر الرجال.
وقال آخرون: هي الألسنة ذكر من قال ذلك:
29196ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا يونس بن محمد, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن سمِاك بن حرب, عن عكرِمة قال: يُقال في هذه الاَية فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هي الألسنة.
وقال آخرون: هي الإبل حين تسير تَنْسِفَ بمناسمها الحصى. ذكر من قال ذلك:
29197ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله: فالمُورِياتِ قَدْحا قال: إذا تَسَفت الحصى بمناسمها, فضربَ الحصَى بعضُه بعضا, فيخرج منه النار.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا فالخيل تُوري بحوافرها, والناس يورونها بالزّند, واللسان مثلاً يوري بالمنطق, والرجال يورون بالمكر مثلاً, وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها: إذا التقت في الحرب ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعضٌ دون بعض فكلّ, ما أوْرت النارَ قدْحا, فداخلة فيما أقسم به, لعموم ذلك بالظاهر.
وقوله: فالمُغِيرَاتِ صُبْحا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: فالمغيرات صبحا على عدوّها علانية. ذكر من قال ذلك:
29198ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن أبي معاوية البَجَليّ, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: سألني رجل عن المغيرات صبحا, فقال: الخيل تغير في سبيل الله.
29199ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: أخبرنا أبو رجاء, قال: سألت عكرِمة, عن قوله فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغارت على العدوّ صبحا.
29200ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فالمُغَيرَاتِ صُبْحا قال: هي الخيل.
29201ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالمُغيرَاتِ صُبْحا قال: هي الخيل.
29202ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغار القومُ بعدما أصبحوا على عدوّهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ثور, عن معمر, عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغارت حين أصبحت.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغار القوم حين أصبحوا.
وقال آخرون: عُنِي بذلك الإبل حين تدفع بركبانها من «جَمْعٍ» يوم النحر إلى «مِنَى». ذكر من قال ذلك:
29203ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله فالمُغِيرَاتِ صُبْحا حين يفيضون من جَمْع.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بالمُغيرات صبحا, ولم يخصصْ من ذلك مغيرة دون مغيرة, فكلّ مغيرة صُبحا, فداخلة فيما أقسم به وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها, ويقول: إنما هو قسم أقسم الله به.
29204ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هذا قسم أقسم الله به. وفي قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: كلّ هذا قسم, قال: ولم يكن أبي ينظر فيه إذا سُئل عنه, ولا يذكره, يريد به القسم.
وقوله: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا يقول تعالى ذكره: فرفعن بالوادي غُبارا والنقْع: الغبار, ويقال: إنه التراب. والهاء قوله «به» كناية اسم الموضع, وكنى عنه, ولم يجر له ذكر, لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع, فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29205ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: الخيل.
29206ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء وابن زيد, قال: النقع: الغبار.
29207ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: هي أثارت الغبار, يعني الخيل.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا أبو رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثارت الترابَ بحوافرها.
29208ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثرن بحوافرها نقعَ التراب.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثرن به غبارا.
29209ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني أبو صخر, عن أبي معاوية البَجَلي, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس قال: قال لي عليّ: إنما العاديات ضَبْحا من عرفةَ إلى المزدلفة, ومن المزدلفة إلى مِنَى فَأَثَرْنَ به نَقْعا: الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها.
29210ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: إذا سِرْن يُثرِن الترابَ.
وقوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا يقول تعالى ذكره: فوسَطْن بركبانهنّ جمع القوم, يقال: وسطت القوم بالتخفيف, ووسّطته بالتشديد, وتوسّطته: بمعنى واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29211ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا أبو رجاء, قال: سُئل عكرِمة, عن قوله: فَوَسْطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع الكفار.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرِمة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال جمع القوم.
29212ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: هو جمع القوم.
29213ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن واصل, عن عطاء فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع العدوّ.
29214ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع هؤلاء وهؤلاء.
29215ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا فوسطن جمع القوم.
29216ـ حدثنا ابن حميد قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا فوسطن بالقوم جمعَ العدوّ.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: وسطن جمع القوم.
29217ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا الجمع: الكتيبة.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك فَوَسَطْنَ بِهِ مزدلفة. ذكر من قال ذلك:
29218ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مُغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا يعني: مزدلفة.
وقوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ يقول: إن الإنسان لكفور لنِعم ربه. والأرض الكنود: التي لا تُنبت شيئا, قال الأعشى:
أحْدِثْ لَهَا تُحْدِثْ لِوَصْلِكَ إنّهاكُنُدٌ لِوَصْلِ الزّائِرِ المُعْتادِ
وقيل: إنما سُمّيت كِندة: لقطعها أباها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29219ـ حدثني عبيد الله بن يوسف الجُبَيْرِيّ, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس, قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لربه لكفور.
29220ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
29221ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن مهديّ بن ميمون, عن شعيب بن الحَبْحاب, عن الحسن البصريّ: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: هو الكفور الذي يَعُدّ المصائب, وينسى نِعَم ربه.
29222ـ حدثنا وكيع, عن أبي جعفر, عن الربيع, قال: الكنود: الكفور.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قال: قال الحسن: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ يقول: لوّام لربه يعدّ المصائب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن لَكَنُودٌ قال: لكفور.
29223ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة, مثله.
29224ـ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي, قال: حدثنا خالد بن الحارث, قال: حدثنا شعبة, عن سماك أنه قال: إنما سُمّيت كِندة: أنها قَطَعت أباها إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.
29225ـ حدثنا أبو كرَيب, قال: حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن جعفر بن الزّبير, عن القاسم, عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: «لَكَفُورٌ, الّذِي يأكُلُ وَحْدَهُ, وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ, ويَمْنَعُ رِفْدَهُ».
29226ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: الكنود: الكفور, وقرأ: إنّ الإنْسانَ لَكَفُورٌ.
حدثنا الحسن بن عليّ بن عياش, قال: حدثنا أبو المُغيرة عبد القدّوس, قال: حدثنا حريز بن عثمان, قال: ثني حمزة بن هانىء, عن أبي أمامة أنه كان يقول: الكَنُود: الذي ينزل وحده, ويضرب عبده, ويمنع رفده.
حدثني محمد بن إسماعيل الصواريّ, قال: حدثنا محمد بن سوّار, قال: أخبرنا أبو اليقظان, عن سفيان عن هشام, عن الحسن, في قوله إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لوّام لربه, يعدّ المصائب, وينسى النّعَم.
وقوله: وَإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ يقول تعالى ذكره: إن الله على كنوده رَبّه لشهيد: يعني لشاهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29227ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن قتادة وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ قال: يقول: إن الله على ذلك لشهيد.
29228ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ في بعض القراءات «إنّ اللّهَ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ».
29229ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ يقول: وإن الله عليه شهيد.
وقوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحبّ المال لشديد.
واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدّة لحبّ المال, فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حبّ الخير لشديد: أي لبخيل قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدّد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طَرَفة بن العبد اليشكري:
أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النّفُوسَ ويَصْطَفِيعَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَدّدِ
وقال آخرون: معناه: وإنه لحبّ الخير لقويّ.
وقال بعض نحوييّ الكوفة: كان موضع لحُبّ أن يكون بعد شديد, وأن يضاف شديد إليه, فيكون الكلام: وإنه لشديد حُبّ الخير فلما تقدّم الحبّ في الكلام, قيل: شديد, وحذف من آخره, لما جرى ذكره في أوّله ولرؤوس الاَيات, قال: ومثله في سورة إبراهيم: كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ والعَصوف لا يكون لليوم, إنما يكون للريح فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره, كأنه قال: في يوم عاصف الريح, والله أعلم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29230ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشدِيدٌ قال: الخير: الدنيا وقرأ: إنْ تَرَك خَيْرا الوَصِيّةُ قال: فقلت له: إن ترك خيرا: المال؟ قال: نعم, وأيّ شيء هو إلا المال؟ قال: وعسى أن يكون حراما, ولكن الناس يعدّونه خيرا, فسماه الله خيرا, لأن الناس يسمونه خيرا في الدنيا, وعسى أن يكون خبيثا, وسُمّي القتال في سبيل الله سُوءا, وقرأ قول الله: فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ قال: لم يمسهم قتال قال: وليس هو عند الله بسوء, ولكن يسمونه سوءا.
وتأويل الكلام: إن الإنسان لربه لكنود, وإنه لحبّ الخير لشديد, وإن الله على ذلك من أمره لشاهد. ولكن قوله: وَإنّهُ عَلى ذِلكَ لَشَهِيدٌ قدّم, ومعناه التأخير, فجعل معترضا بين قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ, وبين قوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29231ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ وإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ قال: هذا في مقاديم الكلام, قال: يقول: إن الله لشهيد أن الإنسان لحبّ الخير لشديد.
وقوله: أفَلا يَعْلَمُ إذَا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ يقول: أفلا يعلم هذا الإنسان الذي هذه صفته, إذا أُثير ما في القبر, وأُخرج ما فيها من الموتى وبُحث.
وذُكر أنها في مصحف عبد الله: «إذا بُحث ما في القبور», وكذلك تأوّل ذلك أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29232ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ بُحث. وللعرب في بُعْثِرَ لغتان: تقول: بُعثر, وبُحثر, ومعناهما واحد.
وقوله: وَحُصّلَ ما فِي الصّدُورِ يقول: ومُيّز وبُيّن, فأبرز ما في صدور الناس من خير وشرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29233ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَحُصّلَ ما في الصّدُورِ يقول: أُبرز.
29234ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وَحُصّلَ ما فِي الصّدُورِ يقول: مُيّز.
وقوله: إنّ رَبّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ يقول: إن ربهم بأعمالهم, وما أسرّوا في صدورهم, وأضمروه فيها, وما أعلنوه بجوارحهم منها, عليم لا يخفى عليه منها شيء, وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذٍ.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة العاديات