تفسير الطبري تفسير الصفحة 600 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 600
601
599
 سورة القارعة مكية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-11
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * وَأَمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ }.
يقول تعالى ذكره: الْقارِعَةُ: الساعة التي يقرع قلوبَ الناس هو لُها, وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها, وذلك صبيحة لا ليل بعدها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29235ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: الْقارِعَةُ من أسماء يوم القيامة, عظّمه الله وحذّره عباده.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله الْقارِعَةُ ما الْقارِعَةُ قال: هي الساعة.
29236ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: الْقارِعَةُ ما الْقارِعَةُ قال: هي الساعة.
29237ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, قال: سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة: القيامة.
وقوله: ما الْقارِعَةُ يقول تعالى ذكره معظّما شأن القيامة والساعة التي يقرع العبادَ هولُها: أيّ شيء القارعة؟ يعني بذلك: أيّ شيء الساعة التي يقرع الخلقَ هولُها: أي ما أعظمها وأفظعها وأهولها.
وقوله: وَما أدْرَاكَ ما الْقارِعَةُ؟ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة.
وقوله: يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالْفَرَاشِ المَبْثُوثِ يقول تعالى ذكره: القارعة يوم يكون الناس كالفَراش, وهو الذي يتساقط في النار والسراج, ليس ببعوض ولا ذباب, ويعني بالمبثوث: المفرّق. وكالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29238ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالفَرَاشِ المَبْثُوثِ هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار.
29239ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كالْفَرَاشِ المَبْثُوثِ قال: هذا شَبَه شبهه الله.
وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: كغوغاء الجراد, يركب بعضه بعضا, كذلك الناس يومئذ, يجول بعضهم في بعض.
وقوله: وَتَكُونُ الجِبالُ كالْعِهْنِ المَنْفُوشِ يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش والعِهْن: هو الألوان من الصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29240ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: وَتَكُونُ الجِبالُ كالْعِهْنِ المَنْفُوشِ قال: الصوف المنفوش.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: هو الصوف.
وذُكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء.
وقوله: فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يقول: فأما من ثقُلَت موازين حسناته, يعني بالموازين: الوزن, والعرب تقول: لك عندي درهم بميزان درهمك, ووزن درهمك, ويقولون: داري بميزان دارك ووزن دارك, يراد: حذاء دارك. قال الشاعر:
قدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقائكُمْ ذَا مِرّةٍعِنْدِي لِكُلَ مخاصِمٍ مِيزَانُه
يعني بقوله: «لكلّ مخاصم ميزانه»: كلامه, وما ينقض عليه حجته. وكان مجاهد يقول: ليس ميزان, إنما هو مثل ضرب.
29241ـ حدثنا بذلك أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد.
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ يقول: في عيشة قد رضيها في الجنة, كما:
29242ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ يعني: في الجنة.
وقوله: وَأمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُمّهُ هاوِيَةٌ يقول: وأما من خفّ وزن حسناته, فمأواه ومسكنه الهاوية, التي يهوي فيها على رأسه في جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29243ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَأمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُمّهُ هاويَةٌ وهي النار, هي مأواهم.
29244ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَأُمّهُ هاوِيَةٌ قال: مصيره إلى النار, هي الهاوية. قال قتادة: هي كلمة عربية, كان الرجل إذا وقع في أمر شديد, قال: هوت أمه.
29245ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله الأعمى, قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين, فيقولون: رَوّحوا أخاكم, فإنه كان في غمّ الدنيا قال: ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول: مات, أَو مَا جاءكم؟ فيقولون: ذهبوا به إلى أمّه الهاوية.
29246ـ حدثني إسماعيل بن سيف العجليّ, قال: حدثنا عليّ بن مُسْهِر, قال: حدثنا إسماعيل, عن أبي صالح, في قوله فَأُمّهُ هاوِيَةٌ قال: يهوُون في النار على رؤوسهم.
29247ـ حدثنا ابن سيف, قال: حدثنا محمد بن سَوّار, عن سعيد, عن قتادة فَأُمّهُ هاوِيَةٌ قال: يهوى في النار على رأسه.
29248ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَأُمّهُ هاوِيَةٌ قال: الهاوية: النار هي أمّه ومأواه التي يرجع إليها, ويأوي إليها, وقرأ: وَمأوَاهُمُ النّارُ.
29249ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس فَأُمّهُ هاوِيَةٌ وهو مثلها, وإنما جعل النار أمّه, لأنها صارت مأواه, كما تؤوي المرأة ابنها, فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها, بمنزلة أمّ له.
قوله: وَما أدْرَاكَ ماهِيَهْ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الهاوية, ثم بَيّن ما هي, فقال: هَيَ نَارٌ حَامِيَةٌ, يعني بالحامية: التي قد حميت من الوقود عليها.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة القارعة

سورة التكاثر مكية
وآياتها ثمان
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-8
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ * حَتّىَ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ * ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم, وعما ينجيكم من سخطه عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29250ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان, ونحن أعدّ من بني فلان, وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم, والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ألهَاكُمُ التّكاثُرُ قالوا: نحن أكثر من بني فلان, وبنو فلان أكثر من بني فلان, ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً.
وروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال. ذكر الخبر بذلك:
29251ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن هشام الدّستَوائيّ, عن قتادة, عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير, عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, وهو يقرأ: ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ قال: «ابنَ آدم, ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت, أو لبِست فأبليت, أو تصدّقت فأمضيت».
29252ـ حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البُنَاني, عن أنس بن مالك, عن أُبيّ بن كعب, قال: كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن: «لو أن لابن آدم واديين من مالٍ, لتمنى واديا ثالثا, ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التّراب, ثم يتوب الله على من تاب» حتى نزلت هذه السورة: ألهَاكُمُ التّكاثُرُ إلى آخرها.
وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته: «ألهاكُمُ»: ليس لك من مالك إلا كذا وكذا, ينبىء أن معنى ذلك عنده: ألهاكم التكاثر: المال.
وقوله: حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر, لأن الله تعالى ذكره, أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر, أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهدّدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29253ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن قيس, عن حجاج, عن المنهال, عن زِرّ, عن عليّ, قال: كنا نشكّ في عذاب القبر, حتى نزلت هذه الاَية: ألهَاكَمُ التّكاثُرُ... إلى: كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ في عذاب القبر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلم, عن عنبسة, عن ابن أبي ليلىَ, عن المنهال, عن زِرّ, عن عليّ, قال: نزلت ألهَاكُمُ التّكاثُرُ في عذاب القبر.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حَكّام, عن عمرو, عن الحجاج, عن المنهال بن عمرو, عن زِرّ, عن عليّ, قال: ما زلنا نشكّ في عذاب القبر, حتى نزلت: ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ.
وقوله: كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ يعني تعالى ذكره بقوله: كلا: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا, أن يُلْهِيكم التكاثر.
وقوله: سَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول جلّ ثناؤه: سوف تعلمون إذا زرتم المقابر, أيها الذين ألهاهم التكاثر, غِبّ فعلكم, واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم.
وقوله: ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول: ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال, وكثرة العدد, سوف تعلمون إذا زرتم المقابر, ما تلقَوْن إذا أنتم زرتموها, من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر. وكرّر قوله: كَلاّ سوْفَ تَعْلَمُونَ مرّتين, لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد, كرّروا الكلمة مرّتين. وروي عن الضحّاك في ذلك ما:
29254ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان, عن ثابت, عن الضحاك كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ قال: الكفار ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ قال: المؤمنون. وكذلك كان يقرؤها.
وقوله: كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا, أن يلهيكم التكاثر أيها الناس, لو تعلمون أيها الناس علما يقينا, أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم, من قبوركم, ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم, ولسارعتم إلى عبادته, والانتهاء إلى أمره ونهيه, ورفض الدنيا إشفاقا على أنفسكم من عقوبته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29255ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ كنا نحدّث أن علم اليقين, أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت.
وقوله: لَتَرُونّ الجَحِيمَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته قرّاء الأمصار: لَتَرَوُنّ الجَحيمَ بفتح التاء من لَتَرَوُنّ في الحرفين كليهما, وقرأ ذلك الكسائي بضم التاء من الأولىَ, وفتحها من الثانية.
والصواب عندنا في ذلك الفتح فيهما كليهما, لإجماع الحجة عليه. وإذا كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام: لترونّ أيها المشركون جهنم يوم القيامة, ثم لترونها عيانا لا تغيبون عنها.
29256ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ثُمّ لَتَرَوُنّها عَيْنَ الْيَقِينِ يعني: أهل الشرك.
وقوله: ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ يقول: ثم ليسألنكم الله عزّ وجلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه, من أين وصلتم إليه, وفيم أصبتموه, وماذا عملتم به؟.
واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو؟ فقال بعضهم: هو الأمن والصحة. ذكر من قال ذلك:
29257ـ حدثني عباد بن يعقوب, قال: حدثنا محمد بن سليمان, عن ابن أبي ليلى, عن الشعبيّ, عن ابن مسعود, في قوله: ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: الأمن والصحة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا حفص, عن ابن أبي ليلى, عن الشعبيّ, عن عبد الله, مثله.
29258ـ حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ, قال: حدثنا محمد بن مروان, عن ليث, عن مجاهد ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: الأمن والصحة.
29259ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفيان, قال: بلغني في قوله: لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: الأمن والصحة.
29260ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن إسماعيل بن عياش, عن عبد العزيز بن عبد الله, قال: سمعت الشعبيّ يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: الأمن والصحة.
قال: ثنا مهران, عن خالد الزيات, عن ابن أبي ليلى, عن عامر الشعبيّ, عن ابن مسعود, مثله.
قال: ثنا مهران, عن سفيان ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: الأمن والصحة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم لَيُسْئَلُنّ يومئذٍ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن. ذكر من قال ذلك:
29261ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار, قال: يسأل الله العباد فيم استعملوها, وهو أعلم بذلك منهم, وهو قوله: إنّ السّمْعَ والْبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً.
29262ـ حدثني إسماعيل بن موسى الفَزاريّ, قال: أخبرنا عمر بن شاكر, عن الحسن قال: كان يقول في قوله: ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: السمع والبصر, وصحة البدن.
وقال آخرون: هو العافية. ذكر من قال ذلك:
29263ـ حدثني عباد بن يعقوب, قال: حدثنا نوح بن درّاج, عن سعد بن طريف, عن أبي جعفر ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: العافية.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: بعض ما يطعمه الإنسان, أو يشربه. ذكر من قال ذلك:
29264ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن بكير بن عتيق, قال: رأيت سعيد بن جُبَير أُتِيَ بشربة عسل, فشربها, وقال: هذا النعيم الذي تُسئلون عنه.
29265ـ حدثني عليّ بن سهل الرمليّ, قال: حدثنا الحسن بن بلال, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن عَمّار بن أبي عمار, قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما, فأطعمناهم رُطَبا, وسقيناهم ماء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا مِنَ النّعِيمِ الّذِي تُسْئَلُونَ عَنْهُ».
حدثنا جابر بن الكرديّ, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن عمار بن أبي عمار, قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه.
29266ـ حدثني الحسن بن عليّ الصّدائي, قال: حدثنا الوليد بن القاسم, عن يزيد بن كيسان, عن أبي حازم, عن أبي هريرة, قال: بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان, إذ جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: «ما أجْلَسَكُما ها هُنا؟» قالا: الجوع, قال: «وَالّذِي بَعَثَنِي بالْحَقّ ما أخْرَجَنِي غَيرُهُ», فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار, فاستقبلتهم المرأة, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أيْنَ فُلانُ؟» فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء, فجاء صاحبهم يحمل قربته, فقال: مَرْحَبا, ما زار العِبادَ شَيءٌ أفضلَ من شيء زارني اليوم, فعلّق قربته بكَرَب نخلة, وانطلق فجاءهم بعِذْق, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا كُنْتَ اجْتَنَيْتَ؟» فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم, ثم أخذ الشّفرة, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إيّاكَ والْحَلُوبَ», فذبح لهم يومئذٍ, فأكلوا, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لَتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ, أخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ, فَلَمْ تَرْجِعُوا حتّى أصَبْتُمْ هَذَا, فَهَذَا مِنَ النّعِيمِ».
29267ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير, قال: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن, عن عبد الملك بن عُمَير, عن أبي سَلَمة, عن أبي هريرة, قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «انْطَلِقُوا بِنا إلى أبي الهَيْثَمِ بن التّيّهانِ الأنْصَارِيّ,» فَأتَوهُ, فانطلق بهم إلى ظلّ حديقته, فبسط لهم بساطا, ثم انطلق إلى نخلة, فجاء بِقِنْوٍ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَهَلا تَنَقّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟» فقال: أردت أن تَخَيّروا من رطبه وبُسره, فأكلوا وشربوا من الماء فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «هَذَا وَالّذِي نَفْسِي بِيدِهِ مِنَ النّعِيمِ, الّذِي أنْتُمْ فِيهِ مَسْئُولُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ, هَذَا الظّلّ البارِدُ, والرّطَبُ البارِدُ, عَلَيْهِ الماءُ البارِدُ».
حدثني صالح بن مسمار المروزي, قال: حدثنا آدم بن أبي إياس, قال: حدثنا شيبان, قال: حدثنا عبد الملك بن عمير, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه, إلا أنه قال في حديثه: «ظِلّ بارِدٌ, وَرُطَبٌ بارِدٌ, وَماءٌ بارِدٌ».
29268ـ حدثنا عليّ بن عيسى البزاز, قال: حدثنا سعيد بن سليمان, عن حشرج بن نباتة, قال: حدثنا أبو بصيرة عن أبي عسيب, مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار, فقال لصاحب الحائط: «أطْعِمْنا بُسْرا», فجاءه بِعْذِقٍ فَوَضَعهُ فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ثم دعا بماء بارد فشرب, فقال: «لتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ», فأخذ عُمَر العِذْق, فضرب به الأرض, حتى تناثر البسر, ثم قال: يا رسول الله, إنا لمسؤولون عن هذا؟ قال: «نَعَمْ, إلاّ مِنْ كِسْرَةٍ يَسَدّ بِها جَوْعَةً, أوْ جُحْرٍ يُدْخَلُ فِيهِ مِنَ الحَرّ والقَرّ».
حدثني سعيد بن عمرو السكونيّ, قال: حدثنا بقية, عن حشرج بن نباتة, قال: حدثني أبو بصيرة, عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: مرّ بي النبيّ صلى الله عليه وسلم, فدعاني وخرجت ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, فدخل حائطا لبعض الأنصار, فأُتِيَ بِبُسْرِ عِذْق منه, فوضع بين يديه, فأكل هو وأصحابه, ثم دعا بما بارد, فشرب, ثم قال: «لَتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ», فقال عمر: عن هذا يوم القيامة؟ فقال: «نَعَمْ, إلاّ مِنْ ثَلاثَةٍ: خِرْقَةٍ كَفّ بِها عَوْرَتَهُ, أو كِسْرَةٍ سَدّ بِها جَوْعَتَهُ, أوْ جُحْرِ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الحَرّ والقَرّ».
29269ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلّية, عن الجريريّ, عن أبي بصيرة, قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وناس من أصحابه أكلة من خبز شعير لم يُنْخَل, بلحم سمين, ثم شربوا من جدول, فقال: «هذا كله من النعيم الذي تُسئلون عنه يوم القيامة».
29270ـ حدثنا مجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا محمد بن عمرو, عن صفوان بن سليم, عن محمد بن محمود بن لبيد, قال: «لما نزلت ألهَاكُمُ التّكاثُرُ فقرأها حتى بلغ: لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عنِ النّعِيمِ قالوا: يا رسول الله عن أيّ النعيم نُسْأل وإنما هو الأسودان: الماء, والتمر, وسيوفنا على عواتقنا, والعدوّ حاضر, قال: «إنّ ذلكَ سَيَكُونُ».
29271ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن عليّ الصّدَائي, قالا: حدثنا شَبَابة بن سوّار, قال: ثني عبد الله بن العلاء أبو رَزِين الشامي, قال: حدثنا الضحاك بن عَرْزَم, قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أوّلَ ما يُسْئَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ النّعِيمِ أنْ يُقالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَكَ, وَتُرْوَ مِنَ الماءِ البارِدِ»؟.
29272ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, قال: حدثنا ليث, عن مجاهد, قال: قال أبو معمر: عبد الله بن سخبرة: ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعما وإن أهونهم عيشا الذي يأكل خبز البرّ, ويشرب ماء الفُرات, ويستظلّ من الظلّ, وذلك من النعيم.
29273ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن إسماعيل بن عياش, عن عبد الرحمن بن الحرث التميميّ, عن ثابت البُنَاني, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «النّعِيم: المَسْئُولُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ: كِسْرَةٌ تُقَوّيهِ, وَماءٌ يُرْوِيهِ, وَثَوْبّ يُوَارِيهِ».
29274ـ قال: ثنا مهران, عن إسماعيل بن عياش, عن بشر بن عبد الله بن بشار, قال: سمعت بعض أهل اليمن يقول: سمعت أبا أُمامة يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: خبز البُرّ, والماء العذب.
29275ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن بكير بن عتيق العامريّ, قال: أُتِيَ سعيد بن جُبير بشربة عسل, فقال: أما إن هذا النعيم الذي نُسْأل عنه يوم القيامة ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ.
29276ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن بكير بن عتيق, عن سعيد بن جُبير, أنه أُتِيَ بشربة عسل, فقال: هذا من النعيم الذي تُسألون عنه.
وقال آخرون: ذلك كلّ ما التذّه الإنسان في الدنيا من شيء. ذكر من قال ذلك:
29277ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ثُمّ لَتُسْئَلَنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: عن كلّ شيء من لذّة الدنيا.
29278ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ: إن الله عزّ وجلّ سائل كلّ عبد عما استودعه من نِعَمه وحقه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن مَعْمر, عن قتادة لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ قال: إن الله تعالى ذكره سائل كلّ ذي نعمة فيما أنعم عليه.
وكان الحسن وقتادة يقولان: ثلاث لا يُسئل عنهنّ ابن آدم, وما خَلاهنّ فيه المسألة والحساب, إلا ما شاء الله: كُسوة يواري بها سَوْءَته, وكسرة يشدّ بها صُلْبه, وبيت يظلّه.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم, ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع, بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع, فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم, لا عن بعض دون بعض.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة التكاثر