تفسير الطبري تفسير الصفحة 603 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 603
604
602
 سورة الكافرون مكية
وآياتها ست
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-6
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وكان المشركون من قومه فيما ذُكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة, على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة, فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة, على أن يعبدوا إلهك سنة يا أيّها الكافِرُونَ بالله لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ من الاَلهة والأوثان الاَن وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ الاَن وَلا أنا عابِدٌ فيما أستقبل ما عَبَدْتُمْ فيما مضى وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ فيما تستقبلون أبدا ما أعْبُدُ أنا الاَن, وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك, لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين, قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا, وسبق لهم ذلك في السابق من علمه, فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه, وحدّثوا به أنفسهم, وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم, في وقت من الأوقات, وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم, ومن أن يفلحوا أبدا, فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا, إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف, وهلك بعض قبل ذلك كافرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وجاءت به الاَثار. ذكر من قال ذلك:
29502ـ حدثني محمد بن موسى الحَرَشِيّ, قال: حدثنا أبو خلف, قال: حدثنا داود, عن عكرِمة, عن ابن عباس: إن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً, فيكون أغنى رجل بمكة, ويزوّجوه ما أراد من النساء, ويَطئوا عَقِبه, فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد, وكُفّ عن شتم آلهتنا, فلا تذكرها بسوء, فإن لم تفعل, فإنا نعرض عليك خَصْلة واحدة, فهي لك ولنا فيها صلاح, قال: «ما هي؟» قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزّي, ونعبد إلهك سنة, قال: «حتى أنظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدَ رَبّي», فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ السورة, وأنزل الله: قُلْ أفَغَيْرَ أللّهِ تَأْمُرونِي أعْبُدُ أيّها الجاهِلُونَ... إلى قوله: فاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ.
29503ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن محمد بن إسحاق, قال: ثني سعيد بن ميناء مولى البَخْتَريّ, قال: لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل, والأسود بن المطلب, وأميّة بن خلف, رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا محمد, هلمّ فلنعبدْ ما تعبد, وتعبدْ ما نعبد, ونُشركَك في أمرنا كله, فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَركناك فيه, وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك, كنت قد شَرِكتنا في أمرنا, وأخذت منه بحظك, فأنزل الله: قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ حتى انقضت السورة.
وقوله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ يقول تعالى ذكره: لكم دينكم فلا تتركونه أبدا, لأنه قد خُتِمَ عليكم, وقُضِي أن لا تنفكوا عنه, وأنكم تموتون عليه, ولي دينِ الذي أنا عليه, لا أتركه أبدا, لأنه قد مَضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره.
29504ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قول الله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ قال: للمشركين قال: واليهود لا يعبدون إلا الله ولا يشركون, إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء, وبما جاءوا به من عند الله, ويكفرون برسول الله, وبما جاء به من عند الله, وقتلوا طوائف الأنبياء ظلما وعُدْوانا, قال: إلا العصابة التي بَقُوا, حتى خرج بختنصر, فقالوا: عُزَيرٌ ابن الله, دعا الله ولم يعبدوه ولم يفعلوا كما فعلت النصارى, قالوا: المسيح ابن الله وعبدوه.
وكان بعض أهل العربية يقول: كرّر قوله: لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وما بعده على وجه التوكيد, كما قال: فإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا, وكقوله: لَتَروُنّ الجَحِيمَ ثُمّ لَترُوَنّها عَينَ الْيَقِينِ.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة الكافرون

سورة النصر مدينة
وآياتها ثلاث
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-3
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابَا }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش, والفتح: فتح مكة ورأَيْتَ النّاسَ من صنوف العرب وقبائلها أهل اليمن منهم, وقبائل نزار يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا يقول: في دين الله الذي ابتعثك به, وطاعتك التي دعاهم إليها أفواجا, يعني: زُمَرا, فوجا فوجا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ما قلنا في قوله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ:
29505ـ حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ: فتح مكة.
29506ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ النصر حين فتح الله عليه ونصره.
29507ـ حدثني إسماعيل بن موسى, قال: أخبرنا الحسين بن عيسى الحنفيّ, عن مَعْمر, عن الزهريّ, عن أبي حازم, عن ابن عباس, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, إذ قال: «اللّهُ أكْبَرُ, اللّهُ أكْبَرُ, جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ, جاءَ أهْلُ اليَمَنِ», قيل: يا رسول الله, وما أهل اليمن؟ قال: «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبِهُمْ, لَيّنَةٌ طِباعُهُم, الإيمَانُ يُمَانٍ, والْفِقْهُ يَمانٍ, والْحكْمَةُ يَمانِيَةٌ».
29508ـ حدثنا ابن المثنى, قال: ثني عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول: سبحان الله وبحمده, وأستغفر الله وأتوب إليه قالت: فقلت: يا رسول الله أراك تُكثر قول: سبحان الله وبحمده, وأستغفر الله وأتوب إليه, فقال: «خَبّرَنِي رَبّي أنّي سأَرَى عَلامَةً فِي أُمّتِي, فإذَا رأيْتُها أكْثرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ, وأسْتَغْفِرُهُ وأتُوبُ إلَيْهِ, فَقَدْ رأيْتُها إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ فتْحُ مَكّة ورأَيْتُ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا داود, عن الشعبيّ, عن مسروق, عن عائشة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن عامر, عن عائشة, قالت: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده ثم ذكر نحوه.
حدثني إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد, عن داود, عن عامر, عن مسروق, عن عائشة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
29509ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عكرِمة قال: لما نزلت: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ, وَجَاءَ أهْلُ اليَمَنِ», قالوا: يا نبيّ الله, وما أهل اليمن؟ قال: «رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ, لَيّنَةٌ طِباعُهُمْ, الإيمَانُ يمانِ, والْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
وأمّا قوله أفْوَاجا فقد تقدّم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل. وقد:
29510ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فِي دِينِ اللّهِ أفْواجا قال: زُمرا زُمرا.
وقوله: فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول: فسبح ربّك وعظمه بحمده وشكره, على ما أنجز لك من وعده. فإنك حينئذٍ لاحق به, وذائق ما ذاق مَنْ قَبْلك من رُسله من الموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29511ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن حبيب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, سألهم عن قول الله تعالى: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قالوا: فتح المدائن والقصور, قال: فأنت يا بن عباس ما تقول: قلت: مَثَلٌ ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نُعِيتْ إليه نفسه.
29512ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُدنيه, فقال له عبد الرحمن: إن لنا أبناءً مثلَه, فقال عمر: إنه من حيث تعلم, قال: فسأله عمر عن قول الله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ السورة, فقال ابن عباس: أجله, أعلمه الله إياه, فقال عمر: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم.
حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس, قال: قال عمر رضي الله عنه: ما هي؟ يعني إذا جاء نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْحُ قال ابن عباس: إذَا جاءَ نَصُرُ اللّهِ حتى بلغ: وَاسْتغْفِرْهُ إنك ميت إنّهُ كانَ تَوّابا فقال عمر: ما نعلم منها إلا ما قلت.
29513ـ قال: ثنا مهران, عن سفيان عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس قال: لما نزلت إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ علم النبيّ أنه نُعِيتْ إليه نفسه, فقيل له: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة.
29514ـ حدثنا أبو كرَيب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن فضيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما نزلت إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُعِيَتْ إليّ نَفْسِي, كأنّي مَقْبُوضٌ فِي تِلكَ السّنَةِ».
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قال: ذاك حين نَعَى له نفسه يقول: إذا رأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا يعني إسلام الناس, يقول: فذاك حين حضر أجلُك فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا.
حدثني أبو السائب وسعيد بن يحيى الأموي, قالا: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول قبل أن يموت: «سبحانك اللهمّ وبحمدك, أستغفرك وأتوب إليك» قالت: فقلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك قد أحدثَتها تقولها؟ قال: «قَدْ جُعِلَتْ لي عَلامَةٌ فِي أُمّتِي إذَا رَأيْتُها قُلْتُها إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ والْفَتْحُ إلى آخر السورة».
29515ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن جدّه, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, قال: قالت عائشة: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أُنزلت عليه هذه السورة إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ لا يقول قبلها: سبحانك ربنا وبحمدك, اللهمّ اغفر لي.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, عن عائشة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, مثله.
29516ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ وبحمدك, اللهمّ اغفر لي», يتأوّل القرآن.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن عُلَية, عن داود, عن الشعبيّ, قال داود: لا أعلمه إلا عن مسروق, وربما قال عن مسروق, عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: «سبحان الله وبحمده, أستغفر الله وأتوب إليه», فقلت: إنك تُكثر من هذا, فقال: «إنّ رَبّي قَدْ أخْبَرنِي أنّي سأَرَى عَلامَةً فِي أُمّتِي, وأمَرَنِي إذَا رأَيْتُ تِلكَ الْعَلامَةَ أنْ أُسَبّحَ بحَمْدِهِ, وأسْتَغْفِرَهُ إنّهُ كانَ تَوّابا, فَقَدْ رأيْتُها إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ».
29517ـ حدثنا أبو السائب, قال: حدثنا حفص, قال: حدثنا عاصم, عن الشعبيّ, عن أمّ سلمة, قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد, ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده», فقلت: يا رسول الله, إنك تُكثر من سبحان الله وبحمده, لا تذهب ولا تجيء, ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده, قال: «إنّي أُمِرْتُ بِها», فقال: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة.
29518ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, قال: ثني ابن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: نزلت سورة إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ كلها بالمدينة بعد فتح مكة, ودخولها الناس في الدين, يَنْعي إليه نفسه.
29519ـ قال: ثنا جرير, عن مُغيرة, عن زياد بن الحصين, عن أبي العالية, قال: لما نزلت: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ونُعَيتْ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسُه, كان لا يقوم من مجلس يجلس فيه حتى يقولَ: «سبحانك اللهمّ وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك».
29520ـ قال: ثنا الحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو, قال: لما نزلت: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول: «سبحانك اللهمّ وبحمدك, ربّ اغفر لي وتب عليّ, إنك أنت التوّاب الرحيم».
29521ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قرأها كلها قال ابن عباس: هذه السورة عَلَم وحَدّ حدّه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم, ونَعَى له نفسَه. أي إنك لن تعيشَ بعدها إلا قليلاً. قال قتادة: والله ما عاش بعد ذلك إلا قليلاً, سنتين, ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
29522ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي معاذ عيسى بن أبي يزيد, عن أبي إسحاق, عن أبي عبيدة, عن ابن مسعود, قال: لما نزلت: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ كان يُكثر أن يقول: «سبحانك اللهمّ وبحمدك, اللهمّ اغفر لي, سبحانك ربنا وبحمدك, اللهمّ اغفر لي, إنك أنت التوّاب الغفور».
29523ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قول الله: إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفْتْحُ: كانت هذه السورة آية لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
29524ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا قال: اعلم أنك ستموت عند ذلك.
وقوله: وَاسْتَغْفِرْهُ يقول: وسَلْه أن يغفر ذنوبَك. إنّهُ كانَ تَوّابا: يقول: إنه كان ذا رجوع لعبده, المطيع إلى ما يحبّ. والهاء من قوله «إنه» من ذكر الله عزّ وجلّ.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة النصر

سورة المسد مكية
وآياتها خمس
بسم الله الرحمَن الرحيم

الآية : 1-5
القول فـي تأويـل قوله تعالى:{تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَآ أَغْنَىَ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىَ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مّسَدٍ }.
يقول تعالى ذكره: خَسِرت يدا أبي لهب, وخَسِر هو. وإنما عُنِي بقوله: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ تبّ عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ: دعاء عليه من الله.
وأما قوله: وَتَبّ فإنه خبر. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ». وفي دخول «قد» فيه دلالة على أنه خبر, ويمثّل ذلك بقول القائل لاَخر: أهلَكك الله, وقد أهلكك, وجعلك صالحا وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29525ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ: أي خسرت وتب.
29526ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبّ قال: التبّ: الخسران, قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: «كمّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ», فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: «وأيّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟» قال: تبا لهذا من دين تبا, أن أكون أنا وهؤلاء سواء, فأنزل الله: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ يقول: بما عملت أيديهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ قال: خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر.
وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب, لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خَصّ بالدعوة عشيرتَه, إذ نزل عليه: وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وجمعهم للدعاء, قال له أبو لهب: تبا لك سائرَ اليوم, ألهذا دعوتنا؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك:
29527ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا, فقال: «يا صَباحاهْ» فاجتمعت إليه قريش, فقالوا: مالك؟ قال: «أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ العَدُوّ مُصَبّحُكُمْ أوْ مُمَسّيكُمْ, أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي؟» قالوا: بلى, قال: «فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ», فقال أبو لهب: تَبّا لك, ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل الله: تَبّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ إلى آخرها.
حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, مثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن نُمير, عن الأعمش, عن عمرو بن مُرّة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس, قال: لما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصّفا ثم نادَى: «يا صَباحاهْ», فاجتمع الناس إليه, فبَيْنَ رجلٌ يجيء, وبين آخر يبعثُ رسولَه, فقال: «يا بَنِي هاشِمٍ, يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ, يا بَنِي فِهْرٍ, يا بَنِي... يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل» يريد تغير عليكم «صَدّقْتُمُونِي؟» قالوا: نعم, قال: «فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ», فقال أبو لهب: تَبّا لك سائر اليوم, ألهذا دعوتنا؟ فنزلت: تَبّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبّ».
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أبو أُسامة, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين, خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى صعد الصفا, فهتف: «يا صَباحاهْ», فقالوا: مَنْ هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد, فاجتمعوا إليه, فقال: «يا بَنِي فُلانٍ, يا بَنِي فُلانٍ, يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ, يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ», فاجتمعوا إليه, فقال: «أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدّقْي؟» قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا, قال: «فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ», فقال أبو لهب: تَبّا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: «تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ» كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة.
29528ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, في قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال: حين أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره, وكان أبو لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم, وكان اسمه عبد العُزّى, فذكرهم, فقال أبو لهب: تَبا لك, في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ.
وقوله: ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ يقول تعالى ذكره: أيّ شيء أغنى عنه ماله, ودفع من سخط الله عليه وَما كَسَبَ وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأوي لذكر من قال ذلك:
29529ـ حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدِر, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن ابن خيثم, عن أبي الطفيل, قال: جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس, فقاموا يختصمون في البيت, فقام ابن عباس, فحجز بينهم, وقد كفّ بصره, فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش, فغضب وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث.
29530ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبي بكر الهُذَليّ, عن محمد بن سفيان, عن رجل من بني مخزوم, عن ابن عباس أنه رأى يوما ولد أبي لهب يقتتلون, فجعل يحجُز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب.
29531ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ قال: ما كسب ولده.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَما كَسَبَ قال: ولده هم من كسبه.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله وَما كَسَبَ قال: ولده.
وقوله: سَيَصْلَى نارا ذَاتَ لَهَبٍ يقول: سيصلى أبو لهب نارا ذات لهب.
وقوله: وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب, نارا ذات لهب.
واختلفت القرّاء في قراءة حَمّالَةَ الْحَطَبِ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: «حَمّالَةُ الْحَطَبِ» بالرفع, غير عبد الله بن أبي إسحاق, فإنه قرأ ذلك نصبا فيما ذُكر لنا عنه.
واختُلف فيه عن عاصم, فحكي عنه الرفع فيها والنصب, وكأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة, وجعل الرفع للمرأة ما تقدّم من الخبر, وهو «سيصلى», وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة, وذلك قوله: فِي جِيدِها وتكون «حَمّالَة» نعتا للمرأة. وأما النصب فيه فعلى الذمّ, وقد يُحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة, لأن المرأة معرفة, وحمالة الحطب نكرة.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع, لأنه أفصح الكلامين فيه, ولإجماع الحجة من القرّاء عليه.
واختلف أهل التأويل, في معنى قوله: حَمّالَةَ الْحَطَبِ فقال بعضهم: كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم, ليدخل في قَدمه إذا خرج إلى الصلاة. ذكر من قال ذلك:
29532ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تحمل الشوك, فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم, ليعقره وأصحابه, ويقال: حَمّالَةَ الْحَطَب: نقالة للحديث.
29533ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن رجل من هَمْدان يقال له يزيد بن زيد, أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم الشّوْك, فنزلت: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَب وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَب.
29534ـ حدثني أبو هريرة الضّبَعي, محمد بن فِراس, قال: حدثنا أبو عامر, عن قُرّة بن خالد, عن عطية الجدليّ. في قوله: حمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تضع العِضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكأنما يطأ به كثيبا.
29535ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ كانت تحمل الشوك, فتلقيه على طريق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليعقِره.
29536ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تأتي بأغصان الشوك, فتطرحُها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: قيل لها ذلك: حمالة الحطب, لأنها كانت تحطب الكلام, وتمشي بالنميمة, وتعيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ذكر من قال ذلك:
29537ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: حَمّالَةَ الْحَطَبِ: كانت تمشي بالنميمة.
29538ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تمشي بالنميمة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعيّ, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: النميمة.
29539ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تحطِب الكلام, وتمشي بالنميمة.
وقال بعضهم: كانت تُعَيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر, وكانت تَحْطِبُ فَعُيّرت بأنها كانت تحطب.
29540ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان وامْرأتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ قال: كانت تمشي بالنميمة.
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي, قول من قال: كانت تحمل الشوك, فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك.
29541ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن عيسى بن يزيد, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن زيد, وكان ألزم شيء لمسروق, قال: لما نزلت: تَبّتْ يَدَا أبَي لَهَبٍ بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يهجوكِ, قالت: علام يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطبا «في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»؟ فمكثت, ثم أتته, فقالت: إن ربك قلاك وودّعك, فأنزل الله: وَالضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى.
وقوله: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ يقول: في عنقها والعرب تسمى العنق جيدا ومنه قول ذي الرّمّة:
فَعَيْناكِ عَيْناها وَلَوْنُكِ لَوْنُهاوَجِيدُكِ إلاّ أنّها غَيرُ عاطِلِ
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
29542ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: فِي جِيدِها حَبْلٌ قال: في رقبتها.
وقوله: حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة. ذكر من قال ذلك:
29543ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: حبل من شجر, وهو الحبل الذي كانت تحتطب به.
29544ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: هي حبال تكون بمكة ويقال: المَسَد: العصا التي تكون في البكرة, ويقال المَسَد: قلادة من وَدَع.
29545ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: في قوله: حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد, وكانت تفتل وقال حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ: حبل من نار في رقبتها.
وقال آخرون: المَسَد: الليف. ذكر من قال ذلك:
29546ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن السديّ, عن يزيد, عن عروة فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: سلسلة من حديد, ذرعها سبعون ذراعا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مِهْران, عن سفيان, عن السديّ, عن رجل يقال له يزيد, عن عروة بن الزّبير فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن يزيد, عن عُرْوة بن الزبير فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا.
29547ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا وكيع, عن أبيه, عن الأعمش, عن مجاهد مِنْ مَسَدٍ قال: من حديد.
29548ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق, طوله سبعون ذراعا.
وقال آخرون: المَسَد: الحديد الذي يكون في البَكْرة. ذكر من قال ذلك:
29549ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: الحديدة تكون في البَكْرة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: عود البكرة من حديد.
حدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: الحديدة للبكرة.
29550ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: حدثنا المعمر بن سليمان, قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرِمة قال: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ إنه الحديدة التي في وسط البكرة.
وقال آخرون: هو قِلادة من وَدَع في عنقها. ذكر من قال ذلك:
29551ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: قلادة من وَدَع.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال: قلادة من وَدَع.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قول من قال: هو حبلٌ جُمع من أنواع مختلفة, ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا, ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز:
وَمَسَدٍ أُمِرّ مِنْ أيانِقَ صُهْبٍ عِتاقٍ ذاتِ مُخَ زَاهِقِ
فجعل إمراره من شتى, وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب, أُمِرّ من أشياء شتى, من ليف وحديد ولحاء, وجعل في عنقها طوقا كالقلادة من ودع ومنه قول الأعشى:
تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِنْ دُونِناغَلْقا صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسادِ
يعني بالأمساد: جمع مَسَد, وهي الجبال.

نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة المسد