تفسير الطبري تفسير الصفحة 77 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 77
078
076
 الآية : 1
{أَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله تعالـى ذكره: {يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}: احذروا أيها الناس ربكم فـي أن تـخالفوه فـيـما أمركم, وفـيـما نهاكم, فـيحلّ بكم من عقوبته ما لا قِبَل لكم به. ثم وصف تعالـى ذكره نفسه بأنه الـمتوحد بخـلق جميع الأنام من شخص واحد, وعرّف عبـاده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة, ومنبههم بذلك علـى أن جميعهم بنو رجل واحد وأمّ واحدة, وأن بعضهم من بعض, وأن حقّ بعضهم علـى بعض واجب وجوب حقّ الأخ علـى أخيه, لاجتـماعهم فـي النسب إلـى أب واحد وأم واحدة. وأن الذي يـلزمهم من رعاية بعضهم حقّ بعض, وإن بعد التلاقـي فـي النسب إلـى الأب الـجامع بـينهم, مثل الذي يـلزمهم من ذلك فـي النسب الأدنى. وعاطفـا بذلك بعضهم علـى بعض, لـيتناصفوا, ولا يتظالـموا, ولـيبذل القويّ من نفسه للضعيف حقه بـالـمعروف, علـى ما ألزمه الله له, فقال: {الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعنـي من آدم. كما:
6818ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أما {خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}: فمن آدم صلى الله عليه وسلم.
6819ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعنـي: آدم صلى الله عليه وسلم.
6820ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: {خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} قال: آدم.
ونظير قوله: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} والـمعنـيّ به رجل, قول الشاعر:
أبوكَ خـلـيفَةٌ وَلَدتْهُ أُخْرَىوأنتَ خـلـيفةٌ ذاكَ الكَمالُ
فقال: «ولدته أخرى», وهو يريد الرجل, فأنث للفظ الـخـلـيفة. وقال تعالـى ذكره: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} لتأنـيث «النفس» والـمعنى. «من رجل واحد» ولو قـيـل: «من نفس واحد», وأخرج اللفظ علـى التذكير للـمعنى كان صوابـا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَخَـلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثّ مِنْهُما رِجالاً كَثِـيرا وَنِساءً}.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {وَخَـلَقَ مِنْها زَوْجَه} وخـلق من النفس الواحدة زوجها¹ يعنـي بـ «الزوج» الثانـي لها وهو فـيـما قال أهل التأويـل: امرأتها, حوّاء. ذكر من قال ذلك:
6821ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَخَـلَقَ مِنْها زَوْجَه} قال: حوّاء من قُصَيْرَى آدم وهو نائم, فـاستـيقظ فقال: «أثا» بـالنبطية امرأة.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
6822ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَخَـلَقَ مِنْها زَوْجَه} يعنـي حوّاء خـلقت من آدم, من ضلع من أضلاعه.
6823ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: أخبرنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أسكن آدم الـجنة, فكان يـمشي فـيها وَحِشا لـيس له زوج يسكن إلـيها¹ فنام نومة, فـاستـيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خـلقها الله من ضلعه, فسألها ما أنتِ؟ قالت امرأة, قال: ولـم خـلقتِ؟ قالت: لتسكن إلـي.
6824ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ألقـي علـى آدم صلى الله عليه وسلم السّنة فـيـما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلـم, عن عبد الله بن العبـاس وغيره, ثم أخذ ضِلعا من أضلاعه من شقه الأيسر, ولأم مكانه, وآدم نائم لـم يهبّ من نومته, حتـى خـلق الله تبـارك وتعالـى من ضلعه تلك زوجته حوّاء, فسوّاها امرأة لـيسكن إلـيها, فلـما كُشفت عنه السّنة وهبّ من نومته رآها إلـى جنبه, فقال فـيـما يزعمون والله أعلـم: لـحمي ودمي وزوجتـي! فسكن إلـيها.
ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدّي: {وَخَـلَقَ مِنْها زَوْجَه} جعل من آدم حوّاء.
وأما قوله: {وَبَثّ مِنْهُما رِجالاً كَثِـيرا وَنِساء} فإنه يعنـي ونشر منهما يعنـي من آدم وحواء {رِجَالاً كَثِـيرا وَنِسَاءً} قد رآهم, كما قال جلّ ثناؤه: {كالفَرَاشِ الـمَبْثُوثِ}. يقال منه: بثّ الله الـخـلق وأبثهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6825ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَبَثّ مِنْهَما رِجالاً كَثِـيرا وَنِساءً} وبثّ: خَـلَق.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحام}.
اختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فقرأه عامة قراء أهل الـمدينة والبصرة: «تَسّاءَلُونَ» بـالتشديد, بـمعنى: تتساءلون, ثم أدغم إحدى التاءين فـي السين, فجعلهما سينا مشددة. وقرأه بعض قراء الكوفة: {تَسَاءَلُونَ} بـالتـخفـيف علـى مثال «تَفَـاعَلُونَ», وهما قراءتان معروفتان, ولغتان فصيحتان, أعنـي التـخفـيف والتشديد فـي قوله: {تَساءَلُونَ بِهِ}, وبأيّ ذلك قرأ القارىء أصاب الصواب فـيه, لأن معنى ذلك بأيّ وجهيه قرىء غير مختلف.
وأما تأويـله: {وَاتّقُوا اللّهَ} أيها الناس, الذي إذا سأل بعضكم بعضا سأل به, فقال السائل للـمسؤول: أسألك بـالله, وأنشدك بـالله, وأعزم علـيك بـالله, وما أشبه ذلك. يقول تعالـى ذكره: فكما تعظّمون أيها الناس ربكم بألسنتكم, حتـى تروا أن من أعطاكم عهده فأخفركموه, فقد أتـى عظيـما, فكذلك فعظموه بطاعتكم إياه فـيـما أمركم, واجتنابكم ما نهاكم عنه, واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فـيـما أمركم به أو نهاكم عنه. كما:
6826ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ} قال: يقول: اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به.
6827ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ} يقول: اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: أخبرنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: {تَساءَلُونَ بِهِ} قال: تعاطفون به.
وأما قوله: {والأرْحامَ} فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: واتقوا الله الذي إذا سألتـم بـينكم, قال السائل للـمسؤول: أسألك به وبـالرحم. ذكر من قال ذلك:
6828ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيـم: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} يقول: اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام. يقول: الرجل يسأل بـالله وبـالرحم.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: هو كقول الرجل: أسألك بـالله, أسألك بـالرحم. يعنـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ}.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ الأرْحامَ} قال: يقول: أسألك بـالله وبـالرحم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم, هو كقول الرجل: أسألك بـالرحم.
6829ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: يقول: أسألك بـالله وبـالرحم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن منصور أو مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامَ} قال: هو قول الرجل: أسألك بـالله والرحم.
ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الـحسن, قال: هو قول الرجل: أنشدك بـالله والرحم.
قال مـحمد: وعلـى هذا التأويـل قول بعض من قرأ قوله: «والأرْحامِ» بـالـخفض عطفـا بـالأرحام علـى الهاء التـي فـي قوله «به», كأنه أراد: واتقوا الله الذي تساءلون به وبـالأرحام, فعطف بظاهر علـى مكنـيّ مخفوض. وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب لأنها لا تنسق بظاهر علـى مكنـي فـي الـخفض إلا فـي ضرورة شعر, وذلك لضيق الشعر¹ وأما الكلام فلا شيء يضطرّ الـمتكلـم إلـى اختـيار الـمكروه من الـمنطق والرديء فـي الإعراب منه. ومـما جاء فـي الشعر من ردّ ظاهر علـى مكنـيّ فـي حال الـخفض قول الشاعر:
نُعَلّقُ فِـي مِثْلِ السّوَارِي سُيُوفَناوَما بـينها وَالكَعْبِ غُوطٌ نَفـانِفُ
فعطف «الكعب» وهو ظاهر علـى الهاء والألف فـي قوله «بـينها» وهي مكنـية.
وقال آخرون: تأويـل ذلك: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ} واتقوا الأرحام أن تقطعوها. ذكر من قال ذلك:
6830ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامَ} يقول: اتقوا الله, واتقوا الأرحام لا تقطعوها.
6831ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قتادة: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنّ اللّهَ كانَ عَلَـيْكُمْ رَقِـيب} ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اتّقُوا اللّهَ وَصِلُوا الأرْحامَ, فإنّهُ أبْقَـى لَكُمْ فِـي الدّنـيْا, وَخَيْرٌ لَكُمْ فِـي الاَخِرَةِ».
6832ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قول الله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به, واتقوا الله فـي الأرحام فصلوها.
6833ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا هشيـم, عن منصور, عن الـحسن فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: اتقوا الله الذي تساءلون به, واتقوه فـي الأرحام.
6834ـ حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن خصيف, عن عكرمة فـي قول الله: {الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
6835ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: هو قول الرجل: أنشدك بـالله والرحم.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتّقُوا اللّهَ وَصِلُوا الأرْحامَ».
6836ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
6837ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: ثنـي أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: يقول: اتقوا الله فـي الأرحام فصِلوها.
6838ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} قال: يقول: واتقوا الله فـي الأرحام فصِلوها.
6839ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, عن عبد الرحمن بن أبـي حماد, وأخبرنا أبو جعفر الـخزاز, عن جويبر, عن الضحاك, أن ابن عبـاس كان يقرأ: {والأرْحامَ} يقول: اتقوا الله لا تقطعوها.
6840ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: اتقوا الأرحام.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} أن تقطعوها.
6841ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ} واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وقرأ: {وَالّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَل}.
قال أبو جعفر: وعلـى هذا التأويـل قرأ ذلك من قرأه نصبـا, بـمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به, واتقوا الأرحام أن تقطعوها, عطفـا بـالأرحام فـي إعرابها بـالنصب علـى اسم الله تعالـى ذكره. قال: والقراءة التـي لا نستـجيز للقارىء أن يقرأ غيرها فـي ذلك النصب: {وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ} بـمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها, لـما قد بـينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء علـى مكنـيّ فـي حال الـخفض, إلا فـي ضرورة شعر, علـى ما قد وصفت قبل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إنّ اللّهَ كانَ عَلَـيْكُمْ رَقِـيب}.
قال أبو جعفر: يعنـي بذلك تعالـى ذكره: إن الله لـم يزل علـيكم رقـيبـا. ويعنـي بقوله: {عَلَـيْكُمْ}: علـى الناس الذين قال لهم جلّ ثناؤه: يا أيها الناس اتقوا ربكم والـمخاطب والغائب إذا اجتـمعا فـي الـخبر, فإن العرب تـخرج الكلام علـى الـخطاب, فتقول إذا خاطبت رجلاً واحدا أو جماعة فعلتْ هي وآخرون غيّب معهم فعلاً: فعلتـم كذا, وصنعتـم. كذا ويعنـي بقوله: {رَقِـيب}: حفـيظا, مـحصيا علـيكم أعمالكم, متفقدا رعايتكم حرمة أرحامكم وصلتكم إياها, وقطعكموها وتضيـيعكم حرمتها. كما:
6842ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {إنّ اللّهَ كانَ عَلَـيْكُمْ رَقِـيب}: حفـيظا.
6843ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد فـي قوله: {إنّ اللّهَ كانَ عَلَـيْكُمْ رَقِـيب} علـى أعمالكم, يعلـمها ويعرفها.
ومنه قول أبـي دؤاد الإيادي:
كمَقاعِدِ الرّقَبـاءِللضّرَبـاءِ أيدِيهِمْ نَوَاهِدْ
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتُواْ الْيَتَامَىَ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىَ أَمْوَالِكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }.
قال أبو جعفر: يعنـي بذلك تعالـى ذكره أوصياء الـيتامى, يقول لهم: وأعطوا يا معشر أوصياء الـيتامى أموالهم, إذا هم بلغوا الـحلـم وأونس منهم الرشد. {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} يقول: ولا تستبدلوا الـحرام علـيكم من أموالهم بأموالكم الـحلال لكم. كما:
6844ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} قال: الـحلال بـالـحرام.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} قال: الـحرام مكان الـحلال.
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة تبديـلهم الـخبـيث بـالطيب الذي نهوا عنه ومعناه, فقال بعضهم: كان أوصياء الـيتامى يأخذون الـجيد من ماله والرفـيع منه, ويجعلون مكانه للـيتـيـم الرديء والـخسيس, فذلك تبديـلهم الذي نهاهم الله تعالـى عنه. ذكر من قال ذلك:
6845ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} قال: لا تعط زيفـا وتأخذ جيدا.
6846ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن السديّ, وعن يحيـى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب ومعمر, عن الزهري, قالوا: يعطي مهزولاً ويأخذ سمينا.
6847ـ وبه عن سفـيان , عن رجل, عن الضحاك, قال: لا تعط فـاسدا وتأخذ جيدا.
6848ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنـم الـيتـيـم, ويجعل مكانها الشاة الـمهزولة, ويقول: شاة بشاة. ويأخذ الدرهم الـجيد, ويطرح مكانه الزيف, ويقول: درهم بدرهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تستعجل الرزق الـحرام فتأكله قبل أن يأتـيك الذي قدّر لك من الـحلال. ذكر من قال ذلك:
6849ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} قال: لا تعجل بـالرزق الـحرام قبل أن يأتـيك الـحلال الذي قدّر لك.
وبه عن سفـيان, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك كالذي:
6850ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} قال: كان أهل الـجاهلـية لا يورّثون النساء, ولا يورّثون الصغار يأخذه الأكبر. وقرأ: {وَتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنّ} قال: إذا لـم يكن لهم شيء, {والـمُسْتَضْعَفِـينَ مِنَ الوِلْدَانِ} لا يورثوهم, قال, فنصيبه من الـميراث طيب, وهذا الذي أخذه خبـيث.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الاَية قول من قال: تأويـل ذلك: ولا تتبدّلوا أموال أيتامكم أيها الأوصياء الـحرام علـيكم الـخبـيث لكم, فتأخذوا رفـائعها وخيارها وجيادها «بـالطيب الـحلال لكم من أموالكم» {وتـجعلو} الرديء الـخسيس بدلاً منه. وذلك أن تَبَدّل الشيء بـالشيء فـي كلام العرب أخذ شيء مكان آخر غيره, يعطيه الـمأخوذ منه, أو يجعله مكان الذي أخذ. فإذا كان ذلك معنى التبديـل والاستبدال, فمعلوم أن الذي قاله ابن زيد من أن معنى ذلك: هو أخذ أكبر ولد الـميت جميع مال ميته ووالده دون صغارهم إلـى ماله, قول لا معنى له, لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم, فلـم يستبدل مـما أخذ شيئا. فما التبدّل الذي قال جلّ ثناؤه: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ} ولـم يبدّل الاَخذ مكان الـمأخوذ بدلاً؟ وأما الذي قاله مـجاهد وأبو صالـح من أن معنى ذلك لا تتعجل الرزق الـحرام قبل مـجيء الـحلال, فإنهما أيضا إن لـم يكونا أرادا بذلك نـحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال: إن الرجل لـيحرم الرزق بـالـمعصية يأتـيها, ففساده نظير فساد قول ابن زيد, لأن من استعجل الـحرام فأكله, ثم آتاه الله رزقه الـحلال فلـم يبدّل شيئا مكان شيء, وإن كانا أرادا بذلك أن الله جلّ ثناؤه نهى عبـاده أن يستعجلوا الـحرام فـيأكلوه قبل مـجيء الـحلال, فـيكون أكلهم ذلك سببـا لـحرمان الطيب منه, فذلك وجه معروف, ومذهب معقول يحتـمله التأويـل, غير أن الأشبه فـي ذلك بتأويـل الاَية ما قلنا, لأن ذلك هو الأظهر من معانـيه, لأن الله جلّ ثناؤه إنـما ذكر ذلك فـي قصة أموال الـيتامى وأحكامها, فلا يكون ذلك من جنس حكم أوّل الاَية, فأخرجها من أن يكون من غير جنسه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالَهُمْ إلـى أمْوَالِكُمْ}.
قال أبو جعفر: يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ولا تـخـلطوا أموالهم ـ يعنـي: أموال الـيتامى بأموالكم ـ فتأكلوها مع أموالكم. كما:
6851ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالهُمْ إلـى أمْوَالِكُمْ} يقول: لا تأكلوا أموالكم وأموالهم, تـخـلطوها فتأكلوها جميعا.
6852ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو زهير, عن مبـارك, عن الـحسن, قال: لـما نزلت هذه الاَية فـي أموال الـيتامى, كرهوا أن يخالطوهم, وجعل ولـيّ الـيتـيـم يعزل مال الـيتـيـم عن ماله, فشكوا ذلك إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الـيَتامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فـاخْوَانُكُمْ} قال: فخالطوهم واتّقوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير}.
قال أبو جعفر: يعنـي تعالـى ذكره (بقوله): {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير} إن أكلكم أموال أيتامكم مع أموالكم حوب كبـير. والهاء فـي قوله «إنّهُ» دالة علـى اسم الفعل, أعنـي الأكل. وأما الـحُوب: فإنه الإثم, يقال منه: حاب الرجل يحوب حَوْبـا وَحُوبـا وحيابة, ويقال منه: قد تـحوّب الرجل من كذا, إذا تأثم منه. ومنه قول أمية بن الأسكر اللـيثـي:
وإنّ مُهاجِرَيْنِ تَكَنّفـاهُغَدَاتَئِذٍ لقَدْ خَطِئا وَحابـا
ومنه قـيـل: نزلنا بَحوْبة من الأرض وبحيبة من الأرض: إذا نزلوا بـموضع سَوء منها. والكبـير: العظيـم, فمعنى ذلك: إن أكلكم أموال الـيتامى مع أموالكم, إثم عند الله عظيـم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6853ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو وعمرو بن علـيّ, قالا: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: {حُوبـا كَبِـير} قال: إثما.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
6854ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير} قال: إثما عظيـما.
6855ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {كانَ حُوب} أما حوبـا: فإثما.
6856ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: {حُوب} قال: إثما.
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير} يقول: ظلـما كبـيرا.
937ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد, يقول فـي قوله: {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير} قال: ذنبـا كبـيرا, وهي لأهل الإسلام.
6857ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا يحيـى بن سعيد, قال: حدثنا قرة بن خالد, قال: سمعت الـحسن يقول: {حُوبـا كَبِـير} قال: إثما والله عظيـما.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىَ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ }.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتـم يا معشر أولـياء الـيتامى ألا تقسطوا فـي صداقهنّ فتعدلوا فـيه, وتبلغوا بصداقهنّ صدقات أمثالهنّ, فلا تنكحوهنّ, ولكن انكحوا غيرهنّ من الغرائب اللواتـي أحلهنّ الله لكم وطيبهنّ من واحدة إلـى أربع. وإن خفتـم أن تـجوروا إذا نكحتـم من الغرائب أكثر من واحدة, فلا تعدلوا, فـانكحوا منهنّ واحدة, أو ما ملكت أيـمانكم. ذكر من قال ذلك: 6858ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} فقالت: يا ابن أختـي, هي الـيتـيـمة تكون فـي حجر ولـيها, فـيرغب فـي مالها وجمالها, ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها, فنهوا أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ فـي إكمال الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما سواهنّ من النساء.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, قال: أخبرنـي عروة بن الزبـير, أنه سأل عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم, عن قول الله تبـارك وتعالـى: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} قالت: يا ابن أختـي هذه الـيتـيـمة تكون فـي حجر ولـيها, تشاركه فـي ماله, فـيعجبه مالها وجمالها, فـيريد ولـيها أن يتزوجها بغير أن يقسط فـي صداقها, فـيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهنّ, ويبلغوا بهنّ أعلـى سنتهنّ فـي الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال يونس بن يزيد: قال ربـيعة فـي قول الله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} قال: يقول: اتركوهنّ فقد أحللت لكم أربعا.
حدثنا الـحسن بن الـجنـيد وأبو سعيد بن مسلـمة, قالا: أنبأنا إسماعيـل بن أمية, عن ابن شهاب, عن عروة, قال: سألت عائشة أمّ الـمؤمنـين, فقلت: يا أمّ الـمؤمنـين أرأيت قول الله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ}؟ قالت: يا ابن أختـي هي الـيتـيـمة تكون فـي حجر ولـيها, فـيرغب فـي جمالها ومالها, ويريد أن يتزوّجها بأدنى من سنة صداق نسائها, فنهوا عن ذلك أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا فـيكملوا لهنّ الصداق, ثم أمروا أن ينكحوا سواهنّ من النساء إن لـم يكملوا لهنّ الصداق.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي يونس, عن ابن شهاب, قال: ثنـي عروة بن الزبـير, أنه سأل عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فذكر مثل حديث يونس, عن ابن وهب.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, مثل حديث ابن حميد, عن ابن الـمبـارك.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن هشام, عن أبـيه, عن عائشة, قالت: نزل, يعنـي قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى}... الاَية, فـي الـيتـيـمة تكون عند الرجل, وهي ذات مال, فلعله ينكحها لـمالها, وهي لا تعجبه, ثم يضرّ بها, ويسيء صحبتها, فوعظ فـي ذلك.
قال أبو جعفر: فعلـى هذا التأويـل جواب قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُو} قوله: {فـانْكِحُو}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: النهي عن نكاح ما فوق الأربع, حذرا علـى أموال الـيتامى أن يتلفها أولـياؤهم, وذلك أن قريشا, كان الرجل منهم يتزوّج العشر من النساء, والأكثر, والأقلّ, فإذا صار معدما, مال علـى مال يتـيـمه الذي فـي حجره, فأنفقه, أو تزوّج به, فنهوا عن ذلك¹ وقـيـل لهم: إن أنتـم خفتـم علـى أموال أيتامكم أن تنفقوها, فلا تعدلوا فـيها من أجل حاجتكم إلـيها, لـما يـلزمكم من مؤن نسائكم, فلا تـجاوزوا فـيـما تنكحون من عدد النساء علـى أربع, وإن خفتـم أيضا من الأربع ألا تعدلوا فـي أموالهم فـاقتصروا علـى الواحدة, أو علـى ما ملكت أيـمانكم. ذكر من قال ذلك:
6859ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سماك, قال: سمعت عكرمة يقول فـي هذه الاَية: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} قال: كان الرجل من قريش يكون عنده النسوة, ويكون عنده الأيتام, فـيذهب ماله, فـيـميـل علـى مال الأيتام. قال: فنزلت هذه الاَية: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ}.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن عكرمة فـي قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعِدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ} قال: كان الرجل يتزوّج الأربع والـخمس والستّ والعشر, فـيقول الرجل: ما يـمنعنـي أن أتزوّج كما تزوّج فلان, فـيأخذ مال يتـيـمه فـيتزوّج به, فنهوا أن يتزوّجوا فوق الأربع.
6860ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـيّ, عن سفـيان, عن حبـيب بن أبـي ثابت, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: قصر الرجال علـى أربع من أجل أموال الـيتامى.
6861ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} فإن الرجل كان يتزوّج بـمال الـيتـيـم ما شاء الله تعالـى, فنهى الله عن ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن القوم كانوا يتـحوّبون فـي أموال الـيتامى ألا يعدلوا فـيها, ولا يتـحوّبون فـي النساء ألا يعدلوا فـيهنّ, فقـيـل لهم: كما خفتـم أن لا تعدلوا فـي الـيتامى, فكذلك فخافوا فـي النساء أن لا تعدلوا فـيهنّ, ولا تنكحوا منهنّ إلا من واحدة إلـى الأربع, ولا تزيدوا علـى ذلك, وأن خفتـم ألا تعدلوا أيضا فـي الزيادة علـى الواحدة, فلا تنكحوا إلا ما لا تـخافون أن تـجوروا فـيهنّ من واحدة أو ما ملكت أيـمانكم. ذكر من قال ذلك:
6862ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير, قال: كان الناس علـى جاهلـيتهم, إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه. قال: فذكروا الـيتامى, فنزلت: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ} قال: فكما خفتـم أن لا تقسطوا فـي الـيتامى, فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا فـي النساء.
6863ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} إلـى: {أيـمَانُكُمْ} كانوا يشدّدون فـي الـيتامى, ولا يشدّدون فـي النساء, ينكح أحدهم النسوة, فلا يعدل بـينهنّ¹ فقال الله تبـارك وتعالـى: كما تـخافون أن لا تعدلوا بـين الـيتامى فخافوا فـي النساء, فـانكحوا واحدة إلـى الأربع, فإن خفتـم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيـمانكم.
6864ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} حتـى بلغ: {أدْنَى ألاّ تَعُولُو} يقول: كما خفتـم الـجور فـي الـيتامى وهمّكم ذلك, فكذلك فخافوا فـي جمع النساء. وكان الرجل فـي الـجاهلـية يتزوّج العشرة فما دون ذلك, فأحلّ الله جلّ ثناؤه أربعا, ثم الذي صيرهنّ إلـى أربع قوله: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} يقول: إن خفت ألا تعدل فـي أربع فثلاث, وإلا فثنتـين, وإلا فواحدة¹ وإن خفت ألا تعدل فـي واحدة, فما ملكت يـمينك.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير, قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} يقول: ما أحل لكم من النساء, {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} فخافوا فـي النساء مثل الذي خفتـم فـي الـيتامى ألا تقسطوا فـيهن.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير, قال جاء الإسلام, والناس علـى جاهلـيتهم, إلا أن يؤمروا بشيء فـيتبعوه أو ينهوا عن شيء فـيجتنبوه, حتـى سألوا عن الـيتامى, فأنزل الله تبـارك وتعالـى: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ}.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير, قال: بعث الله تبـارك وتعالـى مـحمدا صلى الله عليه وسلم, والناس علـى أمر جاهلـيتهم, إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه, وكانوا يسألونه عن الـيتامى, فأنزل الله تبـارك وتعالـى: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} قال: فكما تـخافون ألا تقسطوا فـي الـيتامى فخافوا ألا تقسطوا وتعدلوا فـي النساء.
6865ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} قال: كانوا فـي الـجاهلـية ينكحون عشرا من النساء الأيامى, وكانوا يعظمون شأن الـيتـيـم, فتفقدوا من دينهم شأن الـيتـيـم, وتركوا ما كانوا ينكحون فـي الـجاهلـية, فقال: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} ونهاهم عما كانوا ينكحون فـي الـجاهلـية.
6866ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} كانوا فـي جاهلـيتهم لا يرزءون من مال الـيتـيـم شيئا, وهم ينكحون عشرا من النساء, وينكحون نساء آبـائهم, فتفقدوا من دينهم شأن النساء, فوعظهم الله فـي الـيتامى وفـي النساء, فقال فـي الـيتامى: {وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ}... إلـى: {إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير} ووعظهم فـي شأن النساء, فقال: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ}... الاَية, وقال: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤُكُمْ مِنَ النّساءِ}.
6867ـ حُدثت عن عمار عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى}... إلـى: {ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} يقول: فإن خفتـم الـجور فـي الـيتامى وغمكم ذلك, فكذلك فخافوا فـي جمع النساء. قال: وكان الرجل يتزوّج العشر فـي الـجاهلـية فما دون ذلك, وأحلّ الله أربعا وصيرهم إلـى أربع, يقول: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} وإن خفت ألا تعدل فـي واحدة, فما ملكت يـمينك.
وقال آخرون: معنى ذلك: فكما خفتـم فـي الـيتامى, فكذلك فتـخوفوا فـي النساء أن تزنوا بهنّ, ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء. ذكر من قال ذلك:
6868ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} يقول: إن تـحرّجتـم فـي ولاية الـيتامى وأكل أموالهم إيـمانا وتصديقا, فكذلك فتـحرّجوا من الزنا, وانكحوا النساء نكاحا طيبـا: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإن خفتـم ألا تقسطوا فـي الـيتامى اللاتـي أنتـم ولاتهن, فلا تنكحوهنّ, وانكحوا أنتـم ما أحلّ لكم منهنّ. ذكر من قال ذلك:
6869ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى} قال: نزلت فـي الـيتـيـمة تكون عند الرجل هو ولـيها, لـيس لها ولـيّ غيره, ولـيس أحد ينازعه فـيها, ولا ينكحها لـمالها, فـيضرّ بها, ويسيء صحبتها.
6870ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن فـي هذه الاَية: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ}: أي ما حلّ لكم من يتاماكم من قرابـاتكم {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال التـي ذكرناها فـي ذلك بتأويـل الاَية قول من قال: تأويـلها: وإن خفتـم ألا تقسطوا فـي الـيتامى, فكذلك فخافوا فـي النساء, فلا تنكحوا منهنّ إلا ما لا تـخافون أن تـجوروا فـيه منهنّ من واحدة إلا الأربع, فإن خفتـم الـجور فـي الواحدة أيضا فلا تنكحوها, ولكن علـيكم بـما ملكت أيـمانكم, فإنه أحرى أن لا تـجوروا علـيهنّ.
وإنـما قلنا: إن ذلك أولـى بتأويـل الاَية, لأن الله جلّ ثناؤه افتتـح الاَية التـي قبلها بـالنهي عن أكل أموال الـيتامى بغير حقها, وخـلطها بغيرها من الأموال, فقال تعالـى ذكره: {وآتوا الـيَتامَى أمْوَالَهمْ وَلا تَتَبَدّلُوا الـخَبِـيثَ بـالطّيّبِ وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالَهمْ إلـى أمْوَالِكمْ إنّهُ كانَ حُوبـا كَبِـير}. ثم أعلـمهم أنهم إن اتقوا الله فـي ذلك فتـحرّجوا فـيه, فـالواجب علـيهم من اتقاء الله, والتـحرّج فـي أمر النساء مثل الذي علـيهم ظن التـحرّج فـي أمر الـيتامى, وأعلـمهم كيف التـخـلص لهم من الـجور فـيهنّ, كما عرّفهم الـمخـلص من الـجور فـي أموال الـيتامى, فقال: انكحوا إن أمنتـم الـجور فـي النساء علـى أنفسكم, ما أبحت لكم منهنّ وحللته, مثنى وثلاث وربـاع, فإن خفتـم أيضا الـجور علـى أنفسكم فـي أمر الواحدة بأن تقدروا علـى إنصافها, فلا تنكحوها, ولكن تسرّوا من الـمـمالـيك, فإنكم أحرى أن لا تـجوروا علـيهنّ, لأنهنّ أملاككم وأموالكم, ولا يـلزمكم لهنّ من الـحقوق كالذي يـلزمكم للـحرائر, فـيكون ذلك أقرب لكم إلـى السلامة من الإثم والـجور, ففـي الكلام إذ كان الـمعنى ما قلنا, متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره. وذلك أن معنى الكلام: وإن خفتـم ألا تقسطوا فـي أموال الـيتامى فتعدّلوا فـيها, فكذلك فخافوا ألا تقسطوا فـي حقوق النساء التـي أوجبها الله علـيكم, فلا تتزّوّجوا منهنّ إلا ما أمنتـم معه الـجور, مثنى وثلاث وربـاع, وإن خفتـم أيضا فـي ذلك فواحدة, وإن خفتـم فـي الواحدة فما ملكت أيـمانكم فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا أن تقسطوا فـي حقوق النساء بدلالة ما ظهر من قوله تعالـى: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}.
فإن قال قائل: فأين جواب قوله: {وَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تُقْسِطُوا فـي الـيَتامَى}؟ قـيـل: قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ} غير أن الـمعنى الذي يدلّ علـى أن الـمراد بذلك ما قلنا: قوله: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولو}.
وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن معنى الإقساط فـي كلام العرب: العدل والإنصاف, وأن القسط: الـجور والـحيف, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما الـيتامى, فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم فـي هذا الـموضع. وأما قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} فإنه يعنـي: فـانكحوا ما حلّ لكم منهنّ دون ما حرّم علـيكم منهنّ. كما:
6871ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي مالك, قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ}: ما حلّ لكم.
6872ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} يقول: ما حَلّ لكم.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} ولـم يقل: فـانكحوا من طاب لكم, وإنـما يقال ما فـي غير الناس؟ قـيـل: معنى ذلك علـى غير الوجه الذي ذهبت إلـيه, وإنـما معناه: فـانكحوا نكاحا طيبـا. كما:
6873ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} فـانكحوا النساء نكاحا طيبـا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
فـالـمعنـيّ بقوله: {ما طابَ لَكمْ} الفعل دون أعيان النساء وأشخاصهنّ, فلذلك قـيـل «ما» ولـم يقل «من», كما يقال: خذ من رقـيقـي ما أردت إذا عنـيت, خذ منهم إرادتك, ولو أردت خذ الذي تريد منهم لقلت: خذ من رقـيقـي من أردت منهم. وكذلك قوله: {أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} بـمعنى: أو ملك أيـمانكم. وإنـما معنى قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} فلـينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث وربـاع, كما قـيـل: {وَالّذِينَ يَرْمونَ الـمـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتَوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فـاجْلِدُوهُم ثَمانِـينَ جَلْدَةً}. وأما قوله {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} فإنـما ترك إجراؤهنّ لأنهنّ معدولات عن اثنـين وثلاث وأربع, كما عدل عمر عن عامر وزفر عن زافر فترك إجراؤه, وكذلك أحاد وثناء وموحد ومثنى ومثلث ومربع, لا يجري ذلك كله للعلة التـي ذكرت من العدول عن وجوهه. ومـما يدلّ علـى أن ذلك كذلك, وأن الذكر والأنثى فـيه سواء, ما قـيـل فـي هذه السورة وسورة فـاطر: مثنى وثلاث وربـاع, يراد به الـجناح, والـجناح ذكر, وأنه أيضا لا يضاف إلـى ما يضاف إلـيه الثلاثة والثلاث, وأن الألف واللام لا تدخـله, فكان فـي ذلك دلـيـل علـى أنه اسم للعدد معرفة, ولو كان نكرة لدخـله الألف واللام وأضيف كما يضاف الثلاثة والأربعة, ومـما يبـين فـي ذلك قول تـميـم بن أبـي مقبل:
تَرَى النّعَرَاتِ الزّرْقَ تَـحْتَ لَبـانِهِأُحادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْها صَوَاهِلُهْ
فردّ أحاد ومثنى علـى النعرات وهي معرفة. وقد تـجعلها العرب نكرة فتـجريها, كما قال الشاعر:
قَتَلْنا بِهِ مِنْ بَـيْنِ مَثْنَى وَمَوْحَدٍبأرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وآخَرَ خامِسِ
ومـما يبـين أن ثناء وأحاد غير جارية قول الشاعر:
ولَقَدْ قَتَلْتكمُ ثُناءَ وَمَوْحَداوتركتُ مُرّةَ مِثْلَ أَمْسِ الدّابِرِ
وقول الشاعر:
مَنَتْ لَك أن تلاقِـيَنِـي الـمَنايَاأُحادَ أُحادَ فِـي شَهْرٍ حَلالِ
ولـم يسمع من العرب صرف ما جاوز الربـاع والـمربع عن جهته, لـم يسمع منها خماس ولا الـمخمس, ولا السبـاع ولا الـمسبع وكذلك ما فوق الربـاع, إلا فـي بـيت للكميت, فإنه يروي له فـي العشرة عشار وهو قوله:
فَلَـمْ يَسْتَرِيثوكَ حتـى رَمَيْــتَ فوْقَ الرّجالِ خِصالاً عُشارَا
يريد عشرا عشرا, يقال: إنه لـم يسمع غير ذلك.
وأما قوله: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} فإن نصب واحدة, بـمعنى: فإن خفتـم ألا تعدلوا فـيـما يـلزمكم من العدل ما زاد علـى الواحدة من النساء عندكم بنكاح فـيـما أوجبه الله لهنّ علـيكم, فـانكحوا واحدة منهنّ, ولو كانت القراءة جاءت فـي ذلك بـالرفع كان جائزا بـمعنى: فواحدة كافـية, أو فواحدة مـجزئة, كما قال جلّ ثناؤه: {فإنْ لَـمْ يَكونَا رَجُلَـيْنِ فَرَجلٌ وَامْرأتانِ} وإن قال لنا قائل: قد علـمت أن الـحلال لكم من جميع النساء الـحرائر نكاح أربع, فكيف قـيـل: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثلاثَ وَرُبـاعَ} وذلك فـي العدد تسع؟ قـيـل: إن تأويـل ذلك: فـانكحوا ما طاب لكم من النساء, إما مثنى إن أمنتـم الـجور من أنفسكم فـيـما يجب لهما علـيكم¹ وإما ثلاث إن لـم تـخافوا ذلك¹ وإما أربع إن أمنتـم ذلك فـيهنّ, يدلّ علـى صحة ذلك قوله: {فإنْ خِفْتـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} لأن الـمعنى: فإن خفتـم فـي الثنتـين فـانكحوا واحدة, ثم قال: وإن خفتـم ألا تعدلوا أيضا فـي الواحدة, فما ملكت أيـمانكم.
فإن قال قائل: فإن أمر الله ونهيه علـى الإيجاب والإلزام حتـى تقوم حجة بأن ذلك علـى التأديب والإرشاد والإعلام, وقد قال تعالـى ذكره: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} وذلك أمر, فهل من دلـيـل علـى أنه من الأمر الذي هو علـى غير وجه الإلزام والإيجاب؟ قـيـل: نعم, والدلـيـل علـى ذلك قوله: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} فكان معلوما بذلك أن قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} وإن كان مخرجه مخرج الأمر, فإنه بـمعنى الدلالة علـى النهي عن نكاح ما خاف الناكح الـجور فـيه من عدد النساء, لا بـمعنى الأمر بـالنكاح. فإن الـمعنـيّ به: وإن خفتـم ألا تقسطوا فـي الـيتامى فتـحرّجتـم فـيهنّ, فكذلك فتـحرّجوا فـي النساء, فلا تنكحوا إلا ما أمنتـم الـجور فـيه منهنّ, ما أحللته لكم من الواحدة إلـى الأربع. وقد بـينا فـي غير هذا الـموضع بأن العرب تـخرّج الكلام بلفظ الأمر, ومعناها فـيه النهي أو التهديد والوعيد, كما قال جلّ ثناؤه: {فَمَنْ شاءَ فَلْـيؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفرْ} وكما قال: {لَـيكْفرُوا بِـمَا آتَـيْناهمْ فَتَـمَتّعوا فَسَوْفَ تَعْلَـمونَ} فخرج ذلك مخرج الأمر, والـمقصود به التهديد والوعيد, والزجر والنهي, فكذلك قوله: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} بـمعنى النهي, فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء. وعلـى النـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: {أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6874ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} يقول: فإن خفت ألا تعدل فـي واحدة, فما ملكت يـمينك.
6875ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}: السراري.
6876ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} فإن خفت ألا تعدل فـي واحدة فما ملكت يـمينك.
6877ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا جويبر, عن الضحاك, قوله: {فإنْ خِفْتـمْ ألاّ تَعْدِلُو} قال: فـي الـمـجامعة والـحبّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ أدْنَى أنْ لا تَعولو}.
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: وإن خفتـم ألا تعدلوا فـي مثنى أو ثلاث أو ربـاع فنكحتـم واحدة, أو خفتـم ألا تعدلوا فـي الواحدة فتسرّرتـم ملك أيـمانكم¹ فهو أدنى, يعنـي: أقرب ألا تعولوا, يقول: أن لا تـجوروا ولا تَـميـلوا, يقال منه: عال الرجل فهو يَعُول عَوْلاً وعِيالة, إذا مال وجار, ومنه عَوْل الفرائض, لأن سهامها إذا زادت دخـلها النقص¹ وأما من الـحاجة, فإنـما يقال: عالَ الرجل عَيْـلَةً, وذلك إذا احتاج, كما قال الشاعر:
وَما يَدْرِي الفَقِـيرُ متـى غِناهُوما يَدْرِي الغَنِـيّ متـى يَعِيـلُ
بـمعنى يفتقر. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6878ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن: {ذَلِكَ أدْنَى أنْ لا تَعولو} قال: العول: الـميـل فـي النساء.
6879ـ حدثنا ابن حميد, قال: ثنـي حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة, عن مـجاهد فـي قوله: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعولو} يقول: لا تـميـلوا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعولو}: أن لا تـميـلوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. مثله.
6880ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان مـحمد بن الفضل, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن عكرمة: {ألاّ تَعولو} قال: أن لا تـميـلوا, ثم قال: أما سمعت إلـى قول أبـي طالب:
بِـمِيزَانِ قِسْطٍ وَزْنهُ غَيْرُ عائِلِ
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن الزبـير, عن حريث, عن عكرمة فـي هذه الاَية: {ألاّ تَعولو} قال: أن لا تـميـلوا, قال: وأنشد بـيتا من شعر زعم أن أبـا طالب قاله:
بِـمِيزَانِ قِسْطٍ لا يُخِسّ شَعِيرَةًوَوَازِنِ صِدْقٍ وَزْنهُ غيرُ عائِلِ
قال أبو جعفر: ويروى هذا البـيت علـى غير هذه الرواية:
بِـمِيزَانِ صِدْقٍ لا يُغِلّ شَعِيرَةًلهُ شاهِدٌ مِنْ نفسِهِ غيُر عائِلِ
6881ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: {ألاّ تَعولو} قال: ألا تـميـلوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن مغيرة, عن إبراهيـم, مثله.
6882ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن أبـي إسحاق الكوفـيّ, قال: كتب عثمان بن عفـان رضي الله عنه إلـى أهل الكوفة فـي شيء عاتبوه علـيه فـيه: «إنّـي لست بـميزان لا أعول».
6883ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي مالك فـي قوله: {أدْنَى ألاّ تَعُولُو} قال: لا تـميـلوا.
6884ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو}: أدنى أن لا تـميـلوا.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: {ألاّ تَعولو} قال: تـميـلوا.
6885ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} يقول: ألا تـميـلوا.
6886ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} يقول: تـميـلوا.
6887ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس. قوله: {أدْنَى ألاّ تَعُولُو} يعنـي: ألا تـميـلوا.
حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} يقول: ذلك أدنى ألا تـميـلوا.
6888ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك فـي قوله: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} قال: ألا تـجوروا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون وعارم أبو النعمان, قالا: حدثنا هشيـم, عن حصين, عن أبـي مالك, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن يونس, عن أبـي إسحاق, عن مـجاهد: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} قال: تـميـلوا.
6889ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: {ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُو} ذلك أقلّ لنفقتك الواحدة, أقلّ من ثنتـين وثلاث وأربع, وجاريتك أهون نفقة من حرّة¹ {أنْ لا تَعُولُو}: أهون علـيك فـي العيال.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتُواْ النّسَآءَ صَدُقَاتِهِنّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مّرِيئاً }.
قال أبو جعفر: يعنـي بذلك تعالـى ذكره: وأعطوا النساء مهورهنّ عطية واجبة, وفريضة لازمة¹ يقال منه: نـحل فلان فلانا كذا, فهو يَنْـحَلُه نِـحْلَةً ونُـحْلاً. كما:
6890ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً} يقول: فريضة.
6891ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: أخبرنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً} يعنـي بـالنـحلة: الـمهر.
6892ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً} قال: فريضة مسماة.
6893ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً} قال: النـحلة فـي كلام العرب: الواجب, يقول: لا ينكحها إلا بشيء واجب لها صدقة, يسميها لها واجبة, ولـيس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة بعد النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب, ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبـا بغير حقّ.
وقال آخرون: بل عنى بقوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً} أولـياء النساء, وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن. ذكر من قال ذلك:
6894ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن سيار, عن أبـي صالـح, قال: كان الرجل إذا زوّج أيـمة أخذ صداقها دونها, فنهاهم الله تبـارك وتعالـى عن ذلك, وَنزلت: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِـحْلَةً}.
وقال آخرون: بل كان ذلك من أولـياء النساء, بأن يعطي الرجل أخته الرجل, علـى أن يعطيه الاَخر أخته, علـى أن لا كثـير مهر بـينهما, فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك:
6895ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: زعم حضرميّ أن أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ويأخذ أخت الرجل, ولا يأخذون كثـير مهر, فقال الله تبـارك وتعالـى: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِـحْلَةً}.
قال أبو جعفر: وأولـى التأويلات التـي ذكرناها فـي ذلك التأويـل الذي قلناه, وذلك أن الله تبـارك وتعالـى ابتدأ ذكر هذه الاَية بخطاب الناكحين النساء, ونهاهم عن ظلـمهنّ والـجور علـيهنّ, وعرفهم سبـيـل النـجاة من ظلـمهنّ¹ ولا دلالة فـي الاَية علـى أن الـخطاب قد صرف عنهم إلـى غيرهم. فإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أن الذين قـيـل لهم: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ} هم الذين قـيـل لهم: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ} وأن معناه: وآتوا من نكحتـم من النساء صدقاتهنّ نـحلة, لأنه قال فـي الأوّل: {فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ} ولـم يقل: فـانكحوا, فـيكون قوله: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ} مصروفـا إلـى أنه معنـيّ به أولـياء النساء دون أزواجهنّ, وهذا أمر من الله أزواج النساء الـمدخول بهنّ والـمسمى لهنّ الصداق أن يؤتوهنّ صدقاتهنّ دون الـمطلقات قبل الدخول مـمن لـم يسمّ لها فـي عقد النكاح صداق.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ}.
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: فإن وهب لكم أيها الرجال نساؤكم شيئا من صدقاتهنّ, طيبة بذلك أنفسهنّ, فكلوه هنـيئا مريئا. كما:
6896ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا عمارة, عن عكرمة: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} قال: الـمهر.
6897ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنـي حرمي بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, عن عمارة, عن عكرمة, عن عمارة فـي قول الله تبـارك وتعالـى: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} قال: الصدقات.
6898ـ حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن سالـم, عن سعيد: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} قال: الأزواج.
6899ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبـيدة, قال: قال لـي إبراهيـم: أكلتَ من الهنـيء الـمريء! قلت: ما ذاك؟ قال: امرأتك أعطتك من صداقها.
6900ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: دخـل رجل علـى علقمة وهو يأكل من طعام بـين يديه, من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره, فقال له علقمة: ادْنُ, فكل من الهنـيء الـمريء!
6901ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ} يقول: إذا كان غير إضرار ولا خديعة, فهو هنـيء مريء كما قال الله جلّ ثناؤه.
6902ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} قال: الصداق, {فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ}.
6903ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس}.
6904ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: زعم حضرميّ أن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم فـي شيء مـما ساق إلـى امرأته, فقال الله تبـارك وتعالـى: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ}.
6905ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ} يقول: ما طابت به نفسا فـي غير كره أو هوان, فقد أحلّ الله لك ذلك أن تأكله هنـيئا مريئا.
وقال آخرون: بل عُنـي بهذا القول: أولـياء النساء, فقـيـل لهم: إن طابت أنفس النساء اللواتـي إلـيكم عصمة نكاحهنّ بصدقاتهنّ نفسا, فكلوه هنـيئا مريئا. ذكر من قال ذلك:
6906ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا سيار, عن أبـي صالـح فـي قوله: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} قال: كان الرجل إذا زوّج ابنته عمد إلـى صداقها فأخذه, قال: فنزلت هذه الاَية فـي الأولـياء: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ}.
قال أبو جعفر: وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب, التأويـل الذي قلنا وأن الاَية مخاطب بها الأزواج¹ لأن افتتاح الاَية مبتدأ بذكرهم, وقوله: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} فـي سياقه.
وإن قال قائل: فكيف قـيـل: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا, وقد علـمت أن معنى الكلام: فإن طابت لكم أنفسهن بشيء؟ وكيف وحدت النفس والـمعنى للـجميع, وذلك أنه تعالـى ذكره قال: {وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نـحْلَةً}؟ قـيـل: أما نقل فعل النفوس إلـى أصحاب النفوس, فإن ذلك الـمستفـيض فـي كلام العرب من كلامها الـمعروف: ضِقْتُ بهذا الأمر ذراعا وذرعا, وَقَرِرْت بهذا الأمر عينا, والـمعنى: ضاق به ذرعي, وقرّت به عينـي, كما قال الشاعر:
إذا التّـيازُ ذُو العَضَلاتِ قُلْناإلـيكَ إلـيكَ ضَاقَ بِها ذِرَاعا
فنقل صفة الذراع إلـى ربّ الذراع, ثم أخرج الذراع مفسرة لـموقع الفعل. وكذلك وحد النفس فـي قوله: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس} إذ كانت النفس مفسرة لـموقع الـخبر. وأما توحيد النفس من النفوس, لأنه إنـما أراد الهوى, والهوى يكون جماعة, كما قال الشاعر:
بِها جِيَفُ الـحَسْرَى فَأمّا عِظامُهافبِـيضٌ وأمّا جلدُها فَصَلِـيبُ
وكما قال الاَخر:
(فِـي حَلْقِكمْ عَظْمٌ وقد شجِينَا )
وقال بعض نـحويـي الكوفة: جائز فـي النفس فـي هذا الـموضع الـجمع والتوحيد¹ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا وأنفسا, وضقت به ذراعا وذرعا وأذرعا, لأنه منسوب إلـيك, وإلـى من تـخبر عنه, فـاكتفـى بـالواحد عن الـجمع لذلك, ولـم يذهب الوهم إلـى أنه لـيس بـمعنى جمع لأن قبله جمعا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن النفس وقع موقع الأسماء التـي تأتـي بلفظ الواحد مؤدّية معناه إذا ذكر بلفظ الواحد, وأنه بـمعنى الـجمع عن الـجمع. وأما قوله: {هَنِـيئ} فإنه مأخوذ من هنأت البعير بـالقطران: إذا جرب فعولـج به, كما قال الشاعر:
مُتَـبَذّلاً تَبْدُو مَـحَاسِنُهُيَضَعُ الهِنَاءَ مَوَاضِعَ النّقْبِ
فكان معنى قوله: {فَكُلُوهُ هَنِـيئا مَرِيئ}: فكلوه دواء شافـيا, يقال منه: هنأنـي الطعام ومرأنـي: أي صار لـي دواء وعلاجا شافـيا, وهنئنـي ومرئنـي بـالكسر, وهي قلـيـلة, والذين يقولون هذا القول يقولون يهنأنـي ويـمرأنـي, والذين يقولون هنأنـي, يقولون: يهنئنـي ويـمرئنـي, فإذا أفردوا, قالوا: قد أمرأنـي هذا الطعام إمراء, ويقال: هنأت القوم: إذا عُلتهم, سمع من العرب من يقول: إنـما سميت هانئا لتهنأ, بـمعنى: لتعول وتكفـى.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً }..
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي السفهاء الذين نهى الله جلّ ثناؤه عبـاده أن يؤتوهم أموالهم, فقال بعضهم: هم النساء والصبـيان. ذكر من قال ذلك:
6907ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا إسرائيـل, عن عبد الكريـم, عن سعيد بن جبـير, قال: الـيتامى والنساء.
6908ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن يونس, عن الـحسن فـي قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكمْ} قال: لا تعطوا الصغار والنساء.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن يونس, عن الـحسن, قال: الـمرأة والصبـيّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن شريك, عن أبـي حمزة, عن الـحسن قال: النساء والصغار, والنساء أسفه السفهاء.
6909ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن فـي قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكمْ} قال: السفهاء: ابنك السفـيه وامرأتك السفـيهة, وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «اتّقوا اللّهَ فـي الضّعِيفَـيْنِ: الـيتـيـم, والـمرأة».
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا حميد, عن عبد الرحمن الرؤاسي, عن السديّ ـ قال: يردّه إلـى عبد الله ـ قال: النساء والصبـيان.
6910ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكمْ} أما السفهاء: فـالولد والـمرأة.
6911ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك, قوله: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمَوالَكمْ} يعنـي بذلك: ولد الرجل وامرأته, وهي أسفه السفهاء.
حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك فـي قوله: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكم} قال: السفهاء: الولد والنساء أسفه السفهاء, فـيكونوا علـيكم أربـابـا.
حدثنا أحمد بن حازم الغفـاريّ, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك, قال: أولادكم ونساؤكم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا أبـي, عن سلـمة, عن الضحاك, قال: النساء والصبـيان.
6912ـ حدثنا أحمد بن حازم, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن حميد الأعرج, عن مـجاهد: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} قال: النساء والولدان.
6913ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا ابن أبـي عنبسة, عن الـحكم: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أموالكم} قال: النساء والولدان.
6914ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُم الّتـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام} أمر الله بهذا الـمال أن يخزن فـيحسن خزانته, ولا يـملكه الـمرأة السفـيهة والغلام السفـيه.
6915ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانّـي, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل, عن أبـي مالك, قال: النساء والصبـيان.
6916ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {ولا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} قال: امرأتك وبنـيك, وقال: السفهاء: الولدان والنساء أسفه السفهاء.
وقال آخرون: بل السفهاء: الصبـيان خاصة. ذكر من قال ذلك:
6917ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: {ولاَ تؤْتوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ} قال: هم الـيتامى.
حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد, قال: {السفهاء}: الـيتامى.
6918ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, فـي قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكمْ} يقول: لا تنـحلوا الصغار.
وقال آخرون: بل عنى بذلك السفهاء من ولد الرجل. ذكر من قال ذلك:
6919ـ حدثنا سعيد بن يحيـى الأموي, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي مالك, قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ} قال: لا تعط ولدك السفـيه مالك فـيفسده الذي هو قوامك بعد الله تعالـى.
6920ـ حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} يقول: لا تسلط السفـيه من ولدك. فكان ابن عبـاس يقول: نزل ذلك فـي السفهاء, ولـيسوا الـيتامى من ذلك فـي شيء.
6921ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن فراس, عن الشعبـي, عن أبـي بردة, عن أبـي موسى الأشعري أنه قال: ثلاثة يدعون الله فلا يستـجيب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الـخـلق فلـم يطلقها, ورجل أعطى ماله سفـيها وقد قال الله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ}, ورجل كان له علـى رجل دين, فلـم يُشهد علـيه.
6922ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سمعت ابن زيد: {وَلا تُؤْتوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ}... الاَية, قال: لا تعط السفـيه من ولدك رأسا ولا حائطا ولا شيئا هو لك قـيـما من مالك.
وقال آخرون: بل السفهاء فـي هذا الـموضع: النساء خاصة دون غيرهم. ذكر من قال ذلك:
6923ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: زعم حضرميّ أن رجلاً عمد فدفع ماله إلـى امرأته فوضعته فـي غير الـحقّ, فقال الله تبـارك وتعالـى: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ}.
6924ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن حميد, عن مـجاهد: {وَلا تؤتوا السّفَهاءَ أمْوَالَكمْ} قال: النساء.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا سفـيان, عن الثوري, عن حميد, عن قـيس, عن مـجاهد فـي قوله: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} قال: هنّ النساء.
6925ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله تبـارك وتعالـى: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام} قال: نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم, وهن سفهاء مَنْ كُنّ أزواجا أو أمهات أو بنات.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
6926ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا هشام, عن الـحسن, قال: الـمرأة.
6927ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, قال: النساء من أسفه السفهاء.
6928ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن أبـي عوانة, عن عاصم, عن مورق قال: مرّت امرأة بعبد الله بن عمر لها شارة وهيئة, فقال لها ابن عمر: {وَلا تؤتوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام}.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي تأويـل ذلك عندنا أن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {وَلا تؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ} فلـم يخصص سفـيها دون سفـيه, فغير جائز لأحد أن يؤتـي سفـيها ماله صبـيا صغيرا كان أو رجلاً كبـيرا ذكرا كان أو أنثى, والسفـيه الذي لا يجوز لولـيه أن يؤتـيه ماله, هو الـمستـحقّ الـحجر بتضيـيعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبـيره ذلك.
وإنا قلنا ما قلنا من أن الـمعنـيّ بقوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ} هو من وصفنا دون غيره, لأن الله جلّ ثناؤه قال فـي الاَية التـي تتلوها: {وَابْتَلُوا الـيَتَامى حتـى إذَا بَلَغُوا النّكاحَ فإنْ آنَسْتـمْ مِنْهمْ رُشْدا فـادْفَعوا إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ} فأمر أولـياء الـيتامى بدفع أموالهم إلـيهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد, وقد يدخـل فـي الـيتامى الذكور والإناث, فلـم يخصص بـالأمر يدفع مالهم من الأموال الذكور دون الإناث, ولا الإناث دون الذكور. وإذا كان ذلك كذلك, فمعلوم أن الذين أمر أولـياؤهم بدفعهم أموالهم إلـيهم, وأجيز للـمسلـمين مبـايعتهم, ومعاملتهم غير الذين أمر أولـياؤهم بـمنعهم أموالهم, وحظر علـى الـمسلـمين مداينتهم ومعاملتهم, فإذ كان ذلك كذلك, فبـين أن السفهاء الذين نهى الله الـمؤمنـين أن يؤتوهم أموالهم, هم الـمستـحقون الـحجر, والـمستوجبون أن يولـى علـيهم أموالهم, وهم من وصفنا صفتهم قبل, وأن من عدا ذلك, فغير سفـيه, لأن الـحجر لا يستـحقه من قد بلغ, وأونس رشده. وأما قول من قال: عنى بـالسفهاء النساء خاصة, فإنه جعل اللغة علـى غير وجهها, وذلك أن العرب لا تكاد تـجمع فعيلاً علـى فعلاء, إلا فـي جمع الذكور, أو الذكور والإناث¹ وأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة لا ذكران معهم, جمعوه علـى فعائل وفعيلات, مثل غريبة تـجمع غرائب وغريبـات¹ فأما الغربـاء فجمع غريب.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {أمْوَالَكُمْ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـياما وَارْزُقُوهُم فِـيها وَاكْسُوهُمْ} فقال بعضهم: عنى بذلك: لا تؤتوا السفهاء من النساء والصبـيان علـى ما ذكرنا من اختلاف من حكينا قوله قبل أيها الرشداء أموالكم التـي تـملكونها, فتسلطوهم علـيها فـيفسدوها ويضيعوها, ولكن ارزقوهم أنتـم منها, إن كانوا مـمن تلزمكم نفقته, واكسوهم, وقولوا لهم قولاً معروفـا. وقد ذكرنا الرواية عن جماعة مـمن قال ذلك: منهم أبو موسى الأشعري, وابن عبـاس, والـحسن, ومـجاهد, قتادة, وحضرميّ, وسنذكر قول الاَخرين الذين لـم يذكر قولهم فـيـما مضى قبل.
6929ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـياما وَارْزُقوهُمْ فِـيه} يقول: لا تعط امرأتك وولدك مالك, فـيكونوا هم الذين يقومون علـيك, وأطعمهم من مالك واكسهم.
6930ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـياما وَارْزُقوهُمْ فِـيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوف} يقول: لا تسلط السفـيه من ولدك علـى مالك, وأمره أن يرزقه منه ويكسوه.
6931ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلا تَؤْتُوا السفَهاءَ أمْوَالَكُمُ} قال: لا تعط السفـيه من مالك شيئا هو لك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم¹ ولكنه أضيف إلـى الولاة لأنهم قُوّامها ومدبّروها. ذكر من قال ذلك:
6932ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن شريك, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير فـي قوله: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمُ}.
وقد يدخـل فـي قوله: {وَلا تُؤْتُوا السفَهاءَ أمْوَالَكُمُ} أموال الـمنهيـين عن أن يؤتوهم ذلك, وأموال السفهاء, لأن قوله: {أمْوَالَكمْ} غير مخصوص منها بعض الأموال دون بعض, ولا تـمنع العرب أن تـخاطب قوما خطابـا, فـيخرّج الكلام بعضه خبر عنهم وبعضه عن غيب, وذلك نـحو أن يقولوا: أكلتـم يا فلان أموالكم بـالبـاطل فـيخاطب الواحد خطاب الـجمع بـمعنى: أنك وأصحابك, أو وقومك أكلتـم أموالكم, فكذلك قوله: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ} معناه: لا تؤتوا أيها الناس سفهاءكم أموالكم التـي بعضها لكم وبعضها لهم, فتضيعوها. وإذ كان ذلك كذلك, وكان الله تعالـى ذكره قد عمّ بـالنهي عن إيتاء السفهاء الأموال كلها, ولـم يخصص منها شيئا دون شيء, كان بـينا بذلك أن معنى قوله: {الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكمْ قِـيام} إنـما هو التـي جعل الله لكم ولهم قـياما, ولكن السفهاء دخـل ذكرهم فـي ذكر الـمخاطبـين بقوله: «لكم».
وأما قوله: {الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام} فإن قـياما وقـيـما وقواما فـي معنى واحد, وإنـما القـيام أصله القوام, غير أن القاف التـي قبل الواو لـما كانت مكسورة, جعلت الواو ياء لكسرة ما قبلها, كما يقال: صمت صياما, وحلت حيالاً, ويقال منه: فلان قوّام أهل بـيته, وقـيام أهل بـيته.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأ بعضهم: {الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيَـم} بكسر القاف وفتـح الـياء بغير ألف. وقرأه آخرون: {قِـيام} بألف. قال مـحمد: والقراءة التـي نـختارها: {قِـيام} بـالألف, لأنها القراءة الـمعروفة فـي قراءة أمصار الإسلام, وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فـاسد. وإنـما اخترنا ما اخترنا من ذلك, لأن القراءات إذا اختلفت فـي الألفـاظ واتفقت فـي الـمعانـي, فأعجبها إلـينا ما كان أظهر وأشهر فـي قراءة أمصار الإسلام.
وبنـحو الذي قلناه فـي تأويـل قوله: {قِـيام} قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
6933ـ حدثنا سعيد بن يحيـى الأموي, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي مالك: {أمْوَالَكُمُ الّتِـي جَعَلَ الله لَكُمْ قِـيام}: التـي هي قوامك بعد الله.
6934ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {أمْوَالَكُمُ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكِمْ قِـيام} فإن الـمال هو قـيام الناس قوام معايشهم, يقول: كنت أنت قـيـم أهلك, فلا تعط امرأتك مالك, فـيكونوا هم الذين يقومون علـيك.
6935ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {وَلا تُؤتُوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكمْ قِـيام} يقول الله سبحانه: لا تعمد إلـى مالك وما خوّلك الله وجعله لك معيشة, فتعطيه امرأتك أو بنـيك ثم تنظر إلـى ما فـي أيديهم, ولكن أمسك مالك وأصلـحه, وكن أنت الذي تنفق علـيهم فـي كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم. قال: وقوله: {قِـيام} بـمعنى: قوامكم فـي معايشكم.
6936ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الـحسن قوله: {قِـيام} قال: قـيام عيشك.
6937ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا بكر بن شرود, عن ابن مـجاهد أنه قرأ: {الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام} بـالألف, يقول: قـيام عيشك.
6938ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {أمْوَالَكُمُ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِـيام} قال: لا تعط السفـيه من ولدك شيئا هو لك قـيـم من مالك.
وأما قوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِـيها واكْسُوهُمْ} فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله¹ فأما الذين قالوا: إنـما عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: {وَلا تُؤتوا السّفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} أولـياء السفهاء, لا أموال السفهاء, فإنهم قالوا: معنى ذلك: وارزقوا أيها الناس سفهاءكم من نسائكم وأولادكم من أموالكم طعامهم, وما لا بدّ لهم منه من مؤنهم وكسوتهم. وقد ذكرنا بعض قائلـي ذلك فـيـما مضى, وسنذكر من لـم يذكر من قائلـيه.
6939ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: أمروا أن يرزقوا سفهاءهم من أزواجهم وأمهاتهم وبناتهم من أموالهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
6940ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: {وَارْزُقُوهُمْ} قال: يقول: أنفقوا علـيهم.
6941ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَارْزُقُوهُمْ فِـيها وَاكْسُوهُمْ} يقول: أطعمهم من مالك واكسهم.
وأما الذين قالوا: إنـما عنى بقوله: {وَلا تُؤتُوا السَفهاءَ أمْوالَكُمُ} أموال السفهاء أن لا يؤتـيهموها أولـياؤهم, فإنهم قالوا: معنى قوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِـيها وَاكْسُوهُمْ}: وارزقوا أيها الولاة ولاة أموال سفهاءكم من أموالهم, طعامهم وما لا بدّ لهم من مؤنهم وكسوتهم. وقد مضى ذكر ذلك.
قال أبو جعفر: وأما الذي نراه صوابـا فـي قوله: {وَلا تُؤتُوا السفَهاءَ أمْوَالَكُمْ} من التأويـل, فقد ذكرناه, ودللنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بـما أغنى عن إعادته.
فتأويـل قوله: {وَارْزقُوهُمْ فِـيها وَاكْسُوهُمْ} علـى التأويـل الذي قلنا فـي قوله: {وَلا تؤتُوا السفَهاءَ أمْوَالَكمُ} وألفوا علـى سفهائكم من أولادكم ونسائكم الذين تـجب علـيكم نفقتهم من طعامهم وكسوتهم فـي أموالكم, ولا تسلطوهم علـى أموالكم فـيهلكوها, وعلـى سفهائكم منهم مـمن لا تـجب علـيكم نفقته, ومن غيرهم الذين تلون أنتـم أمورهم من أموالهم فـيـما لا بدّ لهم من مؤنهم فـي طعامهم وشرابهم وكسوتهم, لأن ذلك هو الواجب من الـحكم فـي قول جميع الـحجة, لا خلاف بـينهم فـي ذلك مع دلالة ظاهر التنزيـل علـى ما قلنا فـي ذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُولوا لَهمْ قَوْلاً مَعْرُوف}.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: عِدْهُمْ عِدَةً جميـلة من البر والصلة. ذكر من قال ذلك:
6942ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {وَقولوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوف} قال: أمروا أن يقولوا لهم قولاً معروفـا فـي البرّ والصلة. يعنـي النساء, وهن السفهاء عنده.
6943ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: {وَقولوا لَهمْ قَوْلاً مَعْرُوف} قال: عِدَةً تعدوهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادعوا لهم. ذكر من قال ذلك:
6944ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَقولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوف} إن كان لـيس من ولدك, ولا مـمن يجب علـيك أن تنفق علـيه, فقل لهم قولاً معروفـا, قل لهم: عافـانا الله وإياك, وبـارك الله فـيك.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصحة, ما قاله ابن جريج, وهو أن معنى قوله: {وَقولوا لَهمْ قَوْلاً معْرُوف}: أي قولوا يا معشر ولاة السفهاء قولاً معروفـا للسفهاء, إنْ صلـحتـم ورشدتـم سلـمنا إلـيكم أموالكم وخـلـينا بـينكم وبـينها, فـاتقوا الله فـي أنفسكم وأموالكم. وما أشبه ذلك من القول الذي فـيه حثّ علـى طاعة الله ونهي عن معصيته.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىَ بِاللّهِ حَسِيباً }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {وَابْتَلُوا الـيَتَامى}: واختبروا عقول يتاماكم فـي أفهامهم, وصلاحهم فـي أديانهم, وإصلاحهم أموالهم. كما:
6945ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة والـحسن فـي قوله: {وَابْتَلُوا الـيَتَامى} قالا: يقول: اختبروا الـيتامى.
6946ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أما ابتلوا الـيتامى: فجرّبوا عقولهم.
6947ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَابْتَلُوا الـيَتَامى} قال: عقولهم.
6948ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {وَابْتَلُوا الـيَتَامَى} قال: اختبروهم.
6949ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَابْتَلُوا الـيَتَامَى حتـى إذَا بَلَغُوا النّكاحَ} قال: اختبروه فـي رأيه وفـي عقله كيف هو إذا عرف أنه قد أُنس منه رشد دفع إلـيه ماله. قال: وذلك بعد الاحتلام.
قال أبو جعفر: وقد دللنا فـيـما مضى قبل علـى أن معنى الابتلاء: الاختبـار, بـما فـيه الكفـاية عن إعادته.
وأما قوله: {إذَا بَلَغُوا النّكاحَ} فإنه يعنـي: إذا بلغوا الـحلـم. كما:
6950ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {حتـى إذَا بَلَغُوا النّكاحَ}: حتـى إذا احتلـموا.
6951ـ حدثنـي علـيّ بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـي بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {حتـى إذَا بَلَغُوا النّكاحَ} قال: عند الـحلـم.
6952ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: {حتـى إذَا بَلَغُوا النكاحَ} قال: الـحلـم.
القول فـي تأويـل قوله: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد}.
يعنـي قوله: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد}: فإن وجدتـم منهم وعرفتـم. كما:
6953ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} قال: عرفتـم منهم.
يقال: آنست من فلان خيرا وبِرّا بـمدّ الألف إيناسا, وأنست به آنسُ أُنْسا بقصر ألفها: إذا ألفه. وقد ذكر أنها فـي قراءة عبد الله: «فإنْ أحْسَيْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْدا» بـمعنى: أحسستـم: أي وجدتـم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى الرشد الذي ذكره الله فـي هذه الاَية, فقال بعضهم: معنى الرشد فـي هذا الـموضع: العقل والصلاح فـي الدين. ذكر من قال ذلك:
6954ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} عقولاً وصلاحا.
6955ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} يقول: صلاحا فـي عقله ودينه.
وقال آخرون: معنى ذلك: صلاحا فـي دينهم, وإصلاحا لأموالهم. ذكر من قال ذلك:
6956ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثنـي أبـي, عن مبـارك, عن الـحسن, قال: رشدا فـي الدين وصلاحا وحفظا للـمال.
6957ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} فـي حالهم, والإصلاح فـي أموالهم.
وقال آخرون: بل ذلك العقل خاصة. ذكر من قال ذلك:
6958ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, قال: لا ندفع إلـى الـيتـيـم ماله, وإن أخذ بلـحيته, وإن كان شيخا, حتـى يؤنس منه رشده: العقل.
6959ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيـى, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} قال: العقل.
6960ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو شبرمة, عن الشعبـي, قال: سمعته يقول: إن الرجل لـيأخذ بلـحيته وما بلغ رشده.
وقال آخرون: بل هو الصلاح والعلـم بـما يصلـحه. ذكر من قال ذلك:
6961ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: {فإنْ آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْد} قال: صلاحا وعلـما بـما يصلـحه.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال عندي بـمعنى الرشد فـي هذا الـموضع: العقل وإصلاح الـمال¹ لإجماع الـجميع علـى أنه إذا كان كذلك لـم يكن مـمن يستـحقّ الـحجر علـيه فـي ماله, وحوز ما فـي يده عنه, وإن كان فـاجرا فـي دينه. وإذ كان ذلك إجماعا من الـجميع, فكذلك حكمه إذا بلغ وله مال فـي يدي وصي أبـيه أو فـي يد حاكم قد ولـي ماله لطفولته, واجب علـيه تسلـيـم ماله إلـيه, إذا كان عاقلاً بـالغا, مصلـحا لـماله, غير مفسد¹ لأن الـمعنى الذي به يستـحقّ أن يولـي علـى ماله الذي هو فـي يده, هو الـمعنى الذي به يستـحقّ أن يـمنع يده من ماله الذي هو فـي يد ولـيّ, فإنه لا فرق بـين ذلك. وفـي إجماعهم علـى أنه غير جائز حيازة ما فـي يده فـي حال صحة عقله وإصلاح ما فـي يده, الدلـيـلُ الواضح علـى أنه غير جائز منع يده مـما هو له فـي مثل ذلك الـحال, وإن كان قبل ذلك فـي يد غيره لا فرق بـينهما. ومن فرق بـين ذلك عكس علـيه القول فـي ذلك, وسئل الفرق بـينهما من أصل أو نظير, فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله. فإن كان ما وصفنا من الـجميع إجماعا, فبـين أن الرشد الذي به يستـحقّ الـيتـيـم إذا بلغ فأونس منه دفع ماله إلـيه, ما قلنا من صحة عقله وإصلاح ماله.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فـادْفَعُوا إلَـيْهِمْ أمْوالَهُمْ وَلا تَأكُلُوها إسْرَاف}.
يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ولاة أموال الـيتامى, يقول الله لهم: فإذا بلغ أيتامكم الـحلـم, فآنستـم منهم عقلاً وإصلاحا لأموالهم, فـادفعوا إلـيهم أموالهم, ولا تـحبسوها عنهم.
وأما قوله: {وَلا تأْكُلُوها إسْرَاف} يعنـي: بغير ما أبـاحه الله لكم. كما:
6962ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة والـحسن: {وَلا تأْكُلُوها إسْرَاف} يقول: لا تسرف فـيها.
6963ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَلا تَأْكُلُوها إسْرَاف} قال: يسرف فـي الأكل.
وأصل الإسراف: تـجاوز الـحدّ الـمبـاح إلـى ما لـم يبح, وربـما كان ذلك فـي الإفراط, وربـما كان فـي التقصير, غير أنه إذا كان فـي الإفراط, فـاللغة الـمستعملة فـيه أن يقال: أسرف يُسرف إسرافـا, وإذا كان كذلك فـي التقصير, فـالكلام منه: سَرِفَ يَسْرَفُ سَرَفـا, يقال: مررت بكم فسرفتكم, يراد منه: فسهوت عنكم وأخطأتكم, كما قال الشاعر:
أعْطَوْا هُنَـيْدَةَ يَحْدُوها ثمَانِـيَةٌ
ما فِـي عَطائِهِمْ مَنّ وَلا.سَرَفُ
يعنـي بقوله: ولا سرف: لا خطأ فـيه, يراد به: أنهم يصيبون مواضع العطاء فلا يخطئونها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبِدَارا أنْ يَكْبَرُو}.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {وَبِدار} ومبـادرة¹ وهو مصدر من قول القائل: بـادرت هذا الأمر مبـادرة وبدارا. وإنـما يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولاة أموال الـيتامى, يقول لهم: لا تأكلوا أموالهم إسرافـا, يعنـي: ما أبـاح الله لكم أكله, ولا مبـادرة منكم بلوغهم, وإيناس الرشد منهم حذرا أن يبلغوا فـيـلزمكم تسلـيـمه إلـيهم. كما:
6964ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: {إسْرافـا وَبِدَار} يعنـي: أكل مال الـيتـيـم مبـادرا أن يبلغ فـيحول بـينه وبـين ماله.
6965ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة والـحسن: {وَلا تَأْكُلُوها إسْرَافـا وَبِدَار} يقول: لا تسرف فـيها, ولا تبـادر.
6966ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَبِدَار} تبـادرا أن يكبروا, فـيأخذوا أموالهم.
6967ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال قال ابن زيد فـي قوله: {إسْرَافـا وَبِدَار} قال: هذه لولـيّ الـيتـيـم خاصة, جعل له أن يأكل معه إذا لـم يجد شيئا يضع يده معه, فـيذهب بوجهه, يقول: لا أدفع إلـيه ماله, وجعلتَ تأكله تشتهي أكله, لأنك إن لـم تدفعه إلـيه لك فـيه نصيب, وإذا دفعته إلـيه فلـيس لك فـيه نصيب.
وموضع «أن» فـي قوله: «أن يكبروا» نصبٌ بـالـمبـادرة, لأن معنى الكلام: لا تأكلوها مبـادرة كبرهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ}.
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّ} من ولاة أموال الـيتامى علـى أموالهم, {فَلْـيَسْتَعْفِفْ} بـماله عن أكلها بغير الإسراف والبدار أن يكبروا, بـما أبـاح الله له أكلها به. كما:
6968ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش وابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس فـي قوله: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ} قال: لغناه من ماله, حتـى يستغنـي عن مال الـيتـيـم.
6969ـ وبه قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم فـي قوله: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ} بغناه.
6970ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس فـي قوله: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: من مال نفسه, ومن كان فقـيرا منهم إلـيها مـحتاجا فلـيأكل بـالـمعروف.
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعروف الذي أذن الله جلّ ثناؤه لولاة أموالهم أكلها به إذا كانوا أهل فقر وحاجة إلـيها, فقال بعضهم: ذلك هو القرض يستقرضه من ماله ثم يقضيه. ذكر من قال ذلك:
6971ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان وإسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن حارثة بن مضرّب, قال: قال عمر بن الـخطاب رضي الله عنه: إنـي أنزلت مال الله تعالـى منـي بـمنزلة مال الـيتـيـم, إن استغنـيت استعففت, وإن افتقرت أكلت بـالـمعروف, فإذا أيسرت قضيت.
6972ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, عن زهير, عن العلاء بن الـمسيب, عن حماد, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: هو القرض.
6973ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر, قال: سمعت يونس, عن مـحمد بن سيرين, عن عبـيدة السلـمانـي, أنه قال فـي هذه الاَية: {وَمَنْ كانَ غَنـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: الذي ينفق من مال الـيتـيـم يكون علـيه قرضا.
6974ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا سلـمة بن علقمة, عن مـحمد بن سيرين, قال: سألت عبـيدة عن قوله: {وَمَنْ كانَ غَنـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: إنـما هو قرض, ألا ترى أنه قال: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ فَأشْهِدُوا عَلَـيهمْ}؟قال: فظننت أنه قالها برأيه.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا هشام, عن مـحمد, عن عبـيدة فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} وهو علـيه قرض.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن سلـمة بن علقمة, عن ابن سيرين, عن عبـيدة فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقـيرا فَلْـيَأَكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: الـمعروف: القرض, ألا ترى إلـى قوله: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ فأشْهِدُوا عَلَـيْهِمْ
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أيوب, عن ابن سيرين, عن عبـيدة, مثل حديث هشام.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} يعنـي: القرض.
6975ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: {وَمَنْ كانَ غَنِـيا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمعروف} يقول: إن كان غنـيا فلا يحلّ له من مال الـيتـيـم أن يأكل منه شيئا, وإن كان فقـيرا فلـيستقرض منه, فإذا وجد ميسرة فلـيعطه ما استقرض منه¹ فذلك أكله بـالـمعروف.
6976ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي يذكر عن حماد, عن سعيد بن جبـير, قال: يأكل قرضا بـالـمعروف.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن سعيد بن جبـير, قال: هو القرض ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر, يعنـي قوله: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ}.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام الدسوائي, قال: حدثنا حماد, قال: سألت سعيد بن جبـير, عن هذه الاَية: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: إن أخذ من ماله قدر قوته قرضا, فإن أيسر بعد قضاه, وإن حضره الـموت ولـم يوسر تـحلله من الـيتـيـم, وإن كان صغيرا تـحلله من ولـيه.
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن سعيد بن جبـير: فلـيأكل قرضا.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن حماد, عن سعيد بن جبـير: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَـيْأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: هو القرض.
6977ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن عطاء بن السائب, عن الشعبـي: {وَمنْ كانَ غَنـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: لا يأكله إلا أن يضطرّ إلـيه كما يضطرّ إلـى الـميتة, فإن أكل منه شيئا قضاه.
6978ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: قرضا.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: {فَلْـيأكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: سلفـا من مال يتـيـمه.
6979ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, وعن حماد, عن سعيد بن جبـير: {فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قالا: هو القرض. قال الثوري: وقاله الـحكم أيضا, ألا ترى أنه قال: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ فأشْهِدُوا عَلَـيْهِمْ
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا حجاج, عن مـجاهد, قال: هو القرض ما أصاب منه من شيء قضاه إذا أيسر, يعنـي: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ}.
6980ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: {فَلْـيأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: القرض, ألا ترى إلـى قوله: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ}؟.
6981ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عاصم, عن أبـي وائل, قال: قرضا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الـحكم, عن سعيد بن جبـير, قال: إذا احتاج الولـيّ أو افتقر فلـم يجد شيئا, أكل من مال الـيتـيـم, وكتبه, فإن أيسر قضاه, وإن لـم يوسر حتـى تـحضره الوفـاة دعا الـيتـيـم فـاستـحلّ منه ما أكل.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} من مال الـيتـيـم بغير إسراف ولا قضاء علـيه فـيـما أكل منه.
واختلف قائلو هذا القول فـي معنى أكل ذلك بـالـمعروف, فقال بعضهم: أن يأكل من طعامه بأطراف الأصابع, ولا يـلبس منه. ذكر من قال ذلك:
6982ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, قال: أخبرنـي من سمع ابن عبـاس يقول: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: بأطراف أصابعه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبـيد الله الأشجعي, عن سفـيان, عن السديّ, عمن سمع ابن عبـاس يقول¹ فذكر مثله.
6983ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} يقول: فمن كان غنـيا من ولـي مال الـيتـيـم فلـيستعفف عن ماله, ومن كان فقـيرا من ولـي مال الـيتـيـم فلـيأكل معه بأصابعه, لا يسرف فـي الأكل, ولا يـلبس.
6984ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا حرمي بن عمارة, قال: حدثنا شعبة, عن عمارة, عن عكرمة فـي مال الـيتـيـم: يَدُك مع أيديهم, ولا تتـخذ منه قَلنْسُوَة.
6985ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن عطاء وعكرمة, قالا: تضع يدك مع يده.
وقال آخرون: بل الـمعروف فـي ذلك, أن يأكل ما يسدّ جوعه ويـلبس ما وارى العورة. ذكر من قال ذلك:
6986ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيـم, قال: إن الـمعروف لـيس يـلبس الكتان ولا الـحلل, ولكن ما سدّ الـجوع ووارى العورة.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: كان يقال: لـيس الـمعروف يـلبس الكتان والـحلل, ولكن الـمعروف ما سدّ الـجوع ووارى العورة.
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن مغيرة, عن إبراهيـم نـحوه.
6987ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم, قال: حدثنا أبو معبد, قال: سئل مكحول عن ولـيّ الـيتـيـم, ما أكله بـالـمعروف إذا كان فقـيرا؟ قال: يده مع يده. قـيـل له: فـالكسوة؟ قال: يـلبس من ثـيابه, فأما أن يتـخذ من ماله مالاً لنفسه فلا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفـيان, عن مغيرة, عن إبراهيـم فـي قوله: {فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: ما سدّ الـجوع, ووارى العورة, أما أنه لـيس لبوس الكتان والـحلل.
وقال آخرون: بل ذلك الـمعروف أكل تـمره وشرب رِسْل ماشيته بقـيامه علـى ذلك, فأما الذهب والفضة فلـيس له أخذ شيء منهما إلا علـى وجه القرض. ذكر من قال ذلك:
6988ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن القاسم بن مـحمد, قال: جاء رجل إلـى ابن عبـاس فقال: إن فـي حجري أموال أيتام؟ وهو يستأذنه أن يصيب منها. فقال ابن عبـاس: ألست تبغي ضالتها؟ قال: بلـى. قال: ألست تهنأ جربـاها؟ قال: بلـى. قال: ألست تلـيط حياضها؟ قال: بلـى. قال: ألست تَفْرِطُ علـيها يوم ورودها؟ قال: بلـى. قال: فأصب من رِسْلها, يعنـي: من لبنها.
6989ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن يحيـى بن سعيد, عن القاسم بن مـحمد, قال: جاء أعرابـيّ إلـى ابن عبـاس, فقال: إن فـي حجري أيتاما, وإن لهم إبلاً ولـي إبل, وأنا أمنـح من إبلـي فقراء, فماذا يحلّ لـي من ألبـانها؟ قال: إن كنت تبغي ضالتها, وتهنأ جربـاها, وتلوط حوضها, وتسعى علـيها, فـاشرب غير مضرّ بنسل, ولا ناهك فـي الـحلب.
6990ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا داود, عن أبـي العالـية فـي هذه الاَية: {وَمَنْ كانَ غَنـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: من فضل الرسل والثمرة.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن أبـي العالـية فـي والـي مال الـيتـيـم, قال: يأكل من رسل الـماشية, ومن الثمرة لقـيامه علـيه, ولا يأكل من الـمال, وقال: ألا ترى أنه قال: {فإذَا دَفعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ}؟.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت داود, عن رُفَـيْع أبـي العالـية, قال: رخص لولـيّ الـيتـيـم أن يصيب من الرسل, ويأكل من الثمرة¹ وأما الذهب والفضة فلا بدّ أن تردّ. ثم قرأ: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهمْ أمْوَالهُمْ} ألا ترى أنه قال: لا بدّ من أن يدفع؟.
6991ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عوف, عن الـحسن أنه قال: إنـما كانت أموالهم أدخال النـخـل والـماشية, فرخص لهم إذا كان أحدهم مـحتاجا أن يصيب من الرسل.
6992ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم, عن الشعبـي فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: إذا كان فقـيرا أكل من التـمر, وشرب من اللبن وأصاب من الرسل.
6993ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} ذكر لنا أن عمّ ثابت بن رفـاعة ـ وثابت يومئذٍ يتـيـم فـي حجره ـ من الأنصار, أتـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا نبـيّ الله, إن ابن أخي يتـيـم فـي حجري, فما يحلّ لـي من ماله؟ قال: «أنْ تأْكُلَ بـالـمَعْرُوف مِنْ غَيْرِ أنْ تَقِـيَ مالَكَ بـمالِهِ, وَلا تَتّـخِذَ مِنْ مالِهِ وَفْرا» وكان الـيتـيـم يكون له الـحائط من النـخـل, فـيقوم ولـيه علـى صلاحه وسقـيه, فـيصيب من ثمرته. أو تكون له الـماشية, فـيقوم ولـيه علـى صلاحها, أو يـلـي علاجها ومؤنتها فـيصيب من جُزَازها وعوارضها ورِسْلها, فأما رقاب الـمال وأصول الـمال, فلـيس له أن يستهلكه.
6994ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْروفِ} يعنـي: ركوب الدابة وخدمه الـخادم, فإن أخذ من ماله قرضا فـي غنى, فعلـيه أن يؤدّيه, ولـيس له أن يأكل من ماله شيئا.
وقال آخرون منهم: له أن يأكل من جميع الـمال إذا كان يـلـي ذلك وإن أتـى علـى الـمال ولا قضاء علـيه. ذكر من قال ذلك:
6995ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسماعيـل بن صبـيح, عن أبـي إدريس, عن يحيـى بن سعيد وربـيعة جميعا, عن القاسم بن مـحمد, قال: سئل عمر بن الـخطاب رضي الله عنه عما يصلـح لولـيّ الـيتـيـم؟ قال: إن كان غنـيا فلـيستعفف, وإن كان فقـيرا فلـيأكل بـالـمعروف.
6996ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنا يحيـى بن أيوب, عن مـحمد بن عجلان, عن زيد بن أسلـم, عن أبـيه, أن عمر بن الـخطاب كان يقول: يحلّ لولـيّ الأمر ما يحلّ لولـيّ الـيتـيـم, من كان غنـيا فلـيستعفف, ومن كان فقـيرا فلـيأكل بـالـمعروف.
6997ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الفضل بن عطية, عن عطاء بن أبـي ربـاح فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوف} قال: إذا احتاج فلـيأكل بـالـمعروف, فإن أيسر بعد ذلك فلا قضاء علـيه.
6998ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيـى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحوي, عن عكرمة والـحسن البصري, قالا: ذكر الله تبـارك وتعالـى مال الـيتامى, فقال: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْففْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} ومعروف ذلك: أن يتقـي الله فـي يتـيـمه.
6999ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن إبراهيـم: أنه كان لا يرى قضاء علـى ولـيّ الـيتـيـم إذا أكل وهو مـحتاج.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مغيرة, عن حماد, عن إبراهيـم: {فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} فـي الوصيّ قال: لا قضاء علـيه.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن إبراهيـم أنه قال فـي هذه الاَية: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: إذا عمل فـيه ولـيّ الـيتـيـم أكل بـالـمعروف.
7000ـ حدثنا بشر بن مـحمد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الـحسن يقول: إذا احتاج أكل بـالـمعروف من الـمال, طُعْمَةًمن الله له.
7001ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن الـحسن البصري, قال: قال رجل للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إن فـي حجري يتـيـما أفأضربه؟ قال: «فِـيـما كُنْتَ ضَارِبـا مِنْهُ وَلَدَكَ»؟ قال: أفأصيب من ماله؟ قال: «بـالـمَعْروفِ غيرَ مُتأثّلٍ مالاً, وَلا وَاقٍ مَالكَ بِـمَالِهِ».
حدثنا الـحسن بن يحيـى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن الزبـير بن موسى, عن الـحسن البصري, مثله.
7002ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن عطاء أنه قال: يضع يده مع أيديهم, فـيأكل معهم. كقدر خدمته وقدر عمله.
7003ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن هشام بن عروة, عن أبـيه, عن عائشة, قالت: ولـيّ الـيتـيـم إذا كان مـحتاجا يأكل بـالـمعروف لقـيامه بـماله.
7004ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله تبـارك وتعالـى: {وَمَنْ كانَ غَنـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ ومَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} قال: إن استغنى كفّ, وإن كان فقـيرا أكل بـالـمعروف. قال: أكل بـيده معهم لقـيامه علـى أموالهم وحفظه إياها, يأكل مـما يأكلون منه, وإن استغنى كفّ عنه ولـم يأكل منه شيئا.
قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, قول من قال بـالـمعروف الذي عناه الله تبـارك وتعالـى فـي قوله: {وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ}: أكل مال الـيتـيـم عند الضرورة والـحاجة إلـيه علـى وجه الاستقراض منه, فأما علـى غير ذلك الوجه, فغير جائز له أكله. وذلك أن الـجميع مـجمعون علـى أن والـي الـيتـيـم لا يـملك من مال يتـيـمه إلا القـيام بـمصلـحته. فلـما كان إجماعا منهم أنه غير مالكه, وكان غير جائز لأحد أن يستهلك مال أحد غيره, يتـيـما كان ربّ الـمال أو مدركا رشيدا, وكان علـيه إن تعدّى فـاستهلكه بأكل أو غيره ضمانه لـمن استهلكه علـيه بإجماع من الـجميع, وكان والـي الـيتـيـم سبـيـله سبـيـل غيره فـي أنه لا يـملك مال يتـيـمه, كان كذلك حكمه فـيـما يـلزمه من قضائه إذا أكل منه سبـيـله سبـيـل غيره وإن فـارقه فـي أن له الاستقراض منه عند الـحاجة إلـيه كما له الاستقراض علـيه عند حاجته إلـى ما يستقرض علـيه إذا كان قـيـما بـما فـيه مصلـحته, ولا معنى لقول من قال: إنـما عنى بـالـمعروف فـي هذا الـموضع أكل والـي الـيتـيـم, من مال الـيتـيـم¹ لقـيامه علـى وجه الاعتـياض علـى عمله وسعيه, لأن الوالـي الـيتـيـم أن يؤاجر نفسه منه للقـيام بأموره إذا كان الـيتـيـم مـحتاجا إلـى ذلك بأجرة معلومة, كما يستأجر له غيره من الأجراء, وكما يشتري له من نصيبه غنـيا كان الوالـي أو فقـيرا. وإذا كان ذلك كذلك, وكان الله تعالـى ذكره قد دلّ بقوله: {وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ} علـى أنه أكل مال الـيتـيـم إنـما أذن لـمن أذن له من ولاته فـي حال الفقر والـحاجة, وكانت الـحال التـي للولاة أن يؤجروا أنفسهم من الأيتام مع حاجة الأيتام إلـى الأجراء, غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر, كان معلوما أن الـمعنى الذي أبـيح لهم من أموال أيتامهم فـي كلّ أحوالهم, غير الـمعنى الذي أبـيح لهم ذلك فـيه فـي حال دون حال. ومن أبى ما قلنا مـمن زعم أن لولـيّ الـيتـيـم أكل مال يتـيـمه عند حاجته إلـيه علـى غير وجه القرض استدلالاً بهذه الاَية, قـيـل له: أمـجمع علـى أن الذي قلت تأويـل قوله: {وَمَن كانَ فَقِـيرا فَلْـيَأْكُلْ بـالـمَعْرُوفِ}؟ فإن قال لا, قـيـل له: فما برهانك علـى أن ذلك تأويـله, وقد علـمت أنه غير مالك مال يتـيـمه؟ فإن قال: لأن الله أذن له بأكله, قـيـل له: أذن له بأكله مطلقا, أم بشرط؟ فإن قال بشرط, وهو أن يأكله بـالـمعروف, قـيـل له: وما ذلك الـمعروف وقد علـمت القائلـين من الصحابة والتابـيعن ومن بعدهم من الـخالفـين إن ذلك هو أكله قرضا وسلفـا؟ ويقال لهم أيضا مع ذلك: أرأيت الـمولـى علـيهم فـي أموالهم من الـمـجانـين والـمعاتـيه ألولاة أموالهم أن يأكلوا من أموالهم عند حاجتهم إلـيه علـى غير وجه القرض لا الاعتـياض من قـيامهم بها, كما قلتـم ذلك فـي أموال الـيتامى فأبحتـموها لهم؟ فإن قالوا ذلك لهم, خرجوا من قول جميع الـحجة, وإن قالوا لـيس ذلك لهم, قـيـل لهم: فما الفرق بـين أموالهم وأموال الـيتامى وحكم ولاتهم واحد فـي أنهم ولاة أموال غيرهم؟ فلن يقولوا فـي أحدهما شيئا إلا ألزموا فـي الاَخر مثله. ويسألون كذلك عن الـمـحجور علـيه, هل لـمن يـلـي ماله أن يأكل ماله عند حاجته إلـيه؟ نـحو سؤالناهم عن أموال الـمـجانـين والـمعاتـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ فأشْهِدُوا عَلَـيْهِمْ}.
قال أبو جعفر: يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإذا دفعتـم يا معشر ولاة أموال الـيتامى إلـى الـيتامى أموالهم, فأشهدوا علـيهم, يقول: فأشهدوا علـى الأيتام بـاستـيفـائهم ذلك منكم ودفعكموه إلـيهم. كما:
7005ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: {فإذَا دَفَعْتُـمْ إلَـيْهِمْ أمْوَالَهُمْ فأشْهِدُوا عَلَـيْهِمْ} يقول: إذا دفع إلـى الـيتـيـم ماله, فلـيدفعه إلـيه بـالشهود, كما أمره الله تعالـى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وكَفَـى بـاللّهِ حَسِيب}.
يقول تعالـى ذكره: وكفـى بـالله كافـيا من الشهود الذي يُشهدهم والـي الـيتـيـم علـى دفعه مال يتـيـمه إلـيه. كما:
7006ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: {وكَفَـى بـاللّهِ حَسِيب} يقول: شهيدا.
يقال منه: قد أحسبنـي الذي عندي, يراد به: كفـانـي. وسمع من العرب: لأُحْسِبَنّكم من الأسودين, يعنـي به: من الـماء والتـمر, والـمُـحْسِبُ من الرجال: الـمرتفع الـحسب, والـمُـحْسَبُ: الـمكفـيّ