موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن - الآية 12 من سورة الحجرات

سورة الحجرات الآية رقم 12 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 12 من سورة الحجرات عدة تفاسير, سورة الحجرات : عدد الآيات 18 - الصفحة 517 - الجزء 26.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ﴾
[ الحجرات: 12]


التفسير الميسر

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين، رحيم بهم.

تفسير الجلالين

«يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم» أي مؤثم وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين، وهم كثير بخلافه بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو يظهر منهم «ولا تجسسوا» حذف منه إحدى التاءين لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها «ولا يغتب بعضكم بعضا» لا يذكره بشيء يكرهه وإن كان فيه «أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» بالتخفيف والتشديد، أي لا يحسن به «فكرهتموه» أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته وقد عرض عليكم الثاني فكرهتموه فاكرهوا الأول «واتقوا الله» أي عقابه في الاغتياب بأن تتوبوا منه «إن الله توَّاب» قابل توبة التائبين «رحيم» بهم.

تفسير السعدي

نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، ف إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه.
وَلَا تَجَسَّسُوا أي: لا تفتشوا عن عورات المسلمين، ولا تتبعوها، واتركوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن أحواله التي إذا فتشت، ظهر منها ما لا ينبغي.
وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس [غاية الكراهة]، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، [فلتكرهوا] غيبته، وأكل لحمه حيًا.
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.

تفسير البغوي

( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ) قيل : نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ، ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب ، فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره ، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام فلم يهيئ لهما شيئا ، فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا ؟ قال : لا ، غلبتني عيناي ، قالا له : انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطلب لنا منه طعاما ، فجاء سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله طعاما ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انطلق إلى أسامة بن زيد ، وقل له : إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك ، وكان أسامة خازن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى رحله ، فأتاه فقال : ما عندي شيء ، فرجع سلمان إليهما وأخبرهما ، فقالا كان عند أسامة طعام ولكن بخل ، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا ، فلما رجع قالا لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثم انطلقا يتجسسان ، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فلما جاءا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهما : " ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما " ، قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما ، قال : بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة ، فأنزل الله - عز وجل - : " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن " ، وأراد : أن يظن بأهل الخير سوءا ( إن بعض الظن إثم ) قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما إثم ، وهو أن تظن وتتكلم به ، والآخر ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم .
( ولا تجسسوا ) التجسس : هو البحث عن عيوب الناس ، نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها .
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا "أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، أخبرنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يحيى بن أكثم ، أخبرنا الفضل بن موسى الشيباني ، عن الحسين بن واقد ، عن أوفى بن دلهم ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - ما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورات المسلمين ، يتتبع الله عورته ، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .
قال : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك .
وقال زيد بن وهب : قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا ، فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، فإن يظهر لنا شيء نأخذه به ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) يقول : لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو الطاهر الحارثي ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا فقالوا : لا يأكل حتى يطعم ، ولا يرحل حتى يرحل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغتبتموه " فقالوا : إنما حدثنا بما فيه ، قال : " حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه " .
قوله - عز وجل - : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) قال مجاهد : لما قيل لهم " أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا " قالوا : لا ، قيل : ( فكرهتموه ) أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا .
قال الزجاج : تأويله : إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحم أخيك ، وهو ميت لا يحس بذلك .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا الفريابي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثني صفوان بن عمرو ، حدثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير ، عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " .
قال ميمون بن سياه : بينا أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول : كل ، قلت : يا عبد الله ولم آكل ؟ قال : بما اغتبت عبد فلان ، فقلت : والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا ، قال : لكنك استمعت ورضيت به ، فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا .
( واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) .

تفسير الوسيط

وقوله- تعالى- اجْتَنِبُوا من الاجتناب يقال: اجتنب فلان فلانا إذا ابتعد عنه، حتى لكأنه في جانب والآخر في جانب مقابل.
والمراد بالظن المنهي عنه هنا: الظن السيئ بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان.
قال بعض العلماء ما ملخصه: والظن أنواع: منه ما هو واجب، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح.
فالمحرم: كسوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، ففي الحديث الشريف:«إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
.
» وفي حديث آخر: «إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء» .
وقلنا: كسوء الظن بالمسلم المستور الحال .
.
.
لأن من يجاهر بارتكاب الخبائث.
.
لا يحرم سوء الظن به، لأن من عرض نفسه للتهم كان أهلا لسوء الظن به.
والظن الواجب يكون فيما تعبدنا الله- تعالى- بعلمه، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة الصحيحة، كقبول شهادة العدل، وتحرى القبلة.
.
والظن المباح مثلوا له بالشك في الصلاة حين استواء الطرفين .
.
.
وحرمة سوء الظن بالناس، إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدى إلى الغير، وأما أن تظن شرا لتتقيه، ولا يتعدى أثر ذلك إلى الغير فذلك محمود غير مذموم، وهو محمل ما ورد من أن «من الحزم سوء الظن.
.
» .
أى: يا من آمنتم بالله- تعالى- إيمانا حقا، ابتعدوا ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين، لأن هذه الظنون السيئة التي لا تستند إلى دليل أو أمارة صحيحة إنما هي مجرد تهم، تؤدى إلى تولد الشكوك والمفاسد.
.
فيما بينكم.
.
وجاء- سبحانه- بلفظ «كثيرا» منكرا لكي يحتاط المسلم في ظنونه، فيبتعد عما هو محرم منها، ولا يقدم إلا على ما هو واجب أو مباح منها- كما سبق أن أشرنا-.
وقوله- سبحانه-: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل للأمر باجتناب الظن.
والإثم:الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه.
يقال: أثم فلان- كعلم- يأثم إثما فهو آثم إذا ارتكب ذنبا.
والمراد بهذا البعض المذموم من الظن ما عبر عنه- سبحانه- قبل ذلك بقوله:اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ.
أى: إن الكثير من الظنون يؤدى بكم إلى الوقوع في الذنوب والآثام فابتعدوا عنه.
قال ابن كثير: ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيرا منه احتياطا.
.
عن حارثة بن النعمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ثلاث لازمات لأمتى:«الطيرة والحسد وسوء الظن» : فقال رجل: ما الذي يذهبن يا رسول الله من هن فيه؟قال: «إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض» .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن المسيب قال: كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه .
.
.
.
وقوله- سبحانه-: وَلا تَجَسَّسُوا أى: خذوا ما ظهر من أحوال الناس ولا تبحثوا عن بواطنهم أو أسرارهم.
أو عوراتهم ومعايبهم، فإن من تتبع عورات الناس فضحه الله- تعالى-.
فالتجسس مأخوذ من الجس، وهو البحث عما خفى من أمور الناس، وقرأ الحس وأبو رجاء: ولا تحسسوا من الحس، وهما بمعنى واحد.
وقيل هما متغايران التجسس- بالجيم- معرفة الظاهر، وأن التحسس- بالحاء- تتبع البواطن وقيل بالعكس.
.
وعلى أية حال فالمراد هنا من التجسس والتحسس: النهى عن تتبع عورات المسلمين، أخرج أبو داود وغيره عن أبى برزة الأسلمى قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه.
لا تتبعوا عورات المسلمين، فإن من تتبع عورات المسلمين، فضحه الله- تعالى- في قعر بيته» .
وعن معاوية بن أبى سفيان قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» .
ثم نهى- سبحانه- بعد ذلك عن الغيبة فقال: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً والغيبة- بكسر الغين- أن تذكر غيرك في غيابه بما يسوءه يقال: اغتاب فلان فلانا، إذا ذكره بسوء في غيبته، سواء أكان هذا الذكر بصريح اللفظ أم بالكناية، أم بالإشارة، أم بغير ذلك.
روى أبو داود وغيره عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: ذكرك أخاك بما يكره.
قيل: أرأيت إن كان في أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه .
ثم ساق- سبحانه- تشبيها ينفر من الغيبة أكمل تنفير فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ.
والاستفهام للتقرير لأنه من الأمور المسلمة أن كل إنسان يكره أكل لحم أخيه حيا، فضلا عن أكله ميتا.
والضمير في قوله: فَكَرِهْتُمُوهُ يعود على الأكل المفهوم من قوله يَأْكُلَ ومَيْتاً حال من اللحم أو من الأخ.
أى: اجتنبوا أن تذكروا غيركم بسوء في غيبته، فإن مثل من يغتاب أخاه المسلم كمثل من يأكل لحمه وهو ميت، ولا شك أن كل عاقل يكره ذلك وينفر منه أشد النفور.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة: قوله- تعالى-: أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ.
.
تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض غيره على أفظع وجه وأفحشه.
وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها: جعل ما هو الغاية في الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها: إسناد الفعل إلى أحدكم، والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها: أنه- سبحانه- لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وإنما جعله أخا، ومنها: أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ وإنما جعله ميتا.
.
وانتصب «ميتا» على الحال من اللحم أو من الأخ .
.
.
وقوله: فَكَرِهْتُمُوهُ فيه معنى الشرط.
أى: إن صح هذا فقد كرهتموه- فلا تفعلوه- وهي الفاء الفصيحة .
والحق أن المتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد نفرت من الغيبة بأبلغ أسلوب وأحكمه، لأنها من الكبائر والقبائح التي تؤدى إلى تمزق شمل المسلمين، وإيقاد نار الكراهية في الصدور.
قال الآلوسى ما ملخصه: وقد أخرج العلماء أشياء لا يكون لها حكم الغيبة، وتنحصر في ستة أسباب:الأول: التظلم، إذ من حق المظلوم أن يشكو ظالمه إلى من تتوسم فيه إزالة هذا الظلم.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته.
الثالث: الاستفتاء، إذ يجوز للمستفتى أن يقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا.
.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كتجريح الشهود والرواة والمتصدين للإفتاء بغير علم.
الخامس: المجاهرون بالمعاصي وبارتكاب المنكرات، فإنه يجوز ذكرهم بما تجاهروا به.
.
السادس: التعريف باللقب الذي لا يقصد به الإساءة كالأعمش والأعرج .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بدعوة المؤمنين إلى التوبة والإنابة فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.
أى: واتقوا الله- أيها المؤمنون- بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما أمركم- سبحانه- باجتنابه، إن الله- تعالى- كثير القبول لتوبة عباده، الذين يتوبون من قريب، ويرجعون إلى طاعته رجوعا مصحوبا بالندم على ما فرط منهم من ذنوب، ومقرونا بالعزم على عدم العودة إلى تلك الذنوب لا في الحال ولا في الاستقبال، ومستوفيا لكل ما تستلزمه التوبة الصادقة من شروط.
وهو- أيضا- واسع الرحمة لعباده المؤمنين، المستقيمين على أمره.
وبذلك نرى هذه الآية الكريمة قد نهت المسلمين عن رذائل، يؤدى تركها إلى سعادتهم ونجاحهم، وفتحت لهم باب التوبة لكي يقلع عنها من وقع فيها.
.
وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين، التي اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية.
.
وجه- سبحانه- نداء إلى الناس جميعا، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده، فقال- سبحانه-:

المصدر : تفسير : ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن