موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال - الآية 124 من سورة البقرة

سورة البقرة الآية رقم 124 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 124 من سورة البقرة عدة تفاسير, سورة البقرة : عدد الآيات 286 - الصفحة 19 - الجزء 1.

﴿ ۞ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾
[ البقرة: 124]


التفسير الميسر

واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف، فأدَّاها وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين.

تفسير الجلالين

«و» اذكر «إذا ابتلى» اختبر «إبراهيم» وفي قراءة إبراهام. «ربُّه بكلمات» بأوامر ونواه كلَّفه بها، قيل هي مناسك الحج، وقيل المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الرأس وقلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء «فأتمهن» أداهن تامات «قال» تعالى له «إني جاعلك للناس إماما» قدوة في الدين «قال ومن ذرِّيتي» أولادي اجعل أئمة «قال لا ينال عهدي» بالإمامة «الظالمين» الكافرين منهم دل على أنه ينال غير الظالم.

تفسير السعدي

يخبر تعالى, عن عبده وخليله, إبراهيم عليه السلام, المتفق على إمامته وجلالته, الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه, بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات, أي: بأوامر ونواهي, كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده, ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء, والامتحان من الصادق, الذي ترتفع درجته, ويزيد قدره, ويزكو عمله, ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام, الخليل عليه السلام.
فأتم ما ابتلاه الله به, وأكمله ووفاه, فشكر الله له ذلك, ولم يزل الله شكورا فقال: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا أي: يقتدون بك في الهدى, ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية, ويحصل لك الثناء الدائم, والأجر الجزيل, والتعظيم من كل أحد.
وهذه - لعمر الله - أفضل درجة, تنافس فيها المتنافسون, وأعلى مقام, شمر إليه العاملون, وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم, من كل صديق متبع لهم, داع إلى الله وإلى سبيله.
فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام, وأدرك هذا, طلب ذلك لذريته, لتعلو درجته ودرجة ذريته، وهذا أيضا من إمامته, ونصحه لعباد الله, ومحبته أن يكثر فيهم المرشدون، فلله عظمة هذه الهمم العالية, والمقامات السامية.
فأجابه الرحيم اللطيف, وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي: لا ينال الإمامة في الدين, من ظلم نفسه وضرها, وحط قدرها, لمنافاة الظلم لهذا المقام, فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة, والأخلاق الجميلة, والشمائل السديدة, والمحبة التامة, والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الآية, أن غير الظالم, سينال الإمامة, ولكن مع إتيانه بأسبابها.

تفسير البغوي

قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قرأ ابن عامر (إبراهام) بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل: كوفي، وقيل:لشكر، وقيل حران، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود بن كنعان.
ومعنى الابتلاء: الاختبار والامتحان والأمر، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء، لأنه عالم بهم، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضاً.
واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام؛ فقال عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما: "هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة، فقال تعال: وإبراهيم الذي وفى [37-النجم]، عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخرها، وعشر في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات، وعشر في سورة المؤمنين في قوله: قد أفلح المؤمنو" الآيات، وقوله إلا المصلين في سأل سائل".
وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي: الفطرة خمس في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء".
وفي الخبر: ((أن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب، وأول من اختتن، وأول من قلم الأظافر، وأول من رأى الشيب فلما رآه قال: يا رب ما هذا؟ قال [سمة]: الوقار، قال: يارب زدني وقاراً)).
قال مجاهد: "هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل إني جاعلك للناس إماماً [124-البقرة] إلى آخر القصة.
وقال الربيع وقتادة: "مناسك الحج"، وقال الحسن: "ابتلاه الله بسبعة أشياء: بالكواكب والقمر والشمس، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول، وبالنار فصبر عليها، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها".
قال سعيد بن جبير: "هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت ربنا تقبل منا[(127-البقرة] الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، قال يمان بن رباب: "هن محاجة قومه قال الله تعالى: وحاجه قومه إلى قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم [83-الأنعام].
وقيل هي قوله: الذي خلقني فهو يهدين [78-الشعراء] إلى آخر الآيات.
فأتمهن قال قتادة : "أداهن"، قال الضحاك: "قام بهن"، وقال نعمان: "عمل بهن".
قال الله تعالى: قال إني جاعلك للناس إماماً يقتدى بك في الخير.
قال إبراهيم.
ومن ذريتي أي ومن أولادي أيضاً فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير.
قال الله تعالى.
لا ينال لا يصيب.
عهدي الظالمين قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالماً لا يصيبه.
قال عطاء بن أبي رباح: "عهدي رحمتي"، وقال السدي : "نبوتي"، وقيل: الإمامة، قال مجاهد: "ليس لظالم أن يطاع في ظلمه".
ومعنى الآية: لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالماً من ولدك، وقيل: أراد بالعهد الأمان من النار، وبالظالم المشرك كقوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن [82-الأنعام].

تفسير الوسيط

والابتلاء: الاختبار.
أى.
اختبره ربه- تعالى- بما كلفه به من الأوامر والنواهي، ومعنى اختبار الله- تعالى- لعبده، أن يعامله معاملة المختبر مجازا، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه- تعالى- لعلمه المحيط بالأشياء والله- تعالى- تارة يختبر عباده بالضراء ليصبروا.
وتارة بالسراء ليشكروا وفي كلتا الحالتين تبدو النفس البشرية على حقيقتها.
وفي إسناد الابتلاء إلى الرب إشعار للتالي أو للسامع بأنه ابتلاه بما ابتلاه به تربية له، وتقوية لعزمه، حتى يستطيع النهوض بعظائم الأمور.
وقد اختلف المفسرون في تعيين المراد بالكلمات التي اختبر الله بها نبيه إبراهيم- عليه السلام- على أقوال كثيرة.
قال ابن جرير: «ولا يجوز الجزم بشيء مما ذكروه منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع.
قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له، ولعل أرجح الآراء في المراد بهذه الكلمات، أنها الأوامر التي كلفه الله بها، فأتى بها على أتم وجه» .
وقوله: فَأَتَمَّهُنَّ أى أتى بهن على الوجه الأكمل، وأداهن أداء تاما يليق- به- عليه السلام- ولذا مدحه الله بقوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى.
وجيء بالفاء في فَأَتَمَّهُنَّ للدلالة على الفور والامتثال.
وذلك من شدة العزم، وقوة اليقين.
وفي إجمال القرآن لتلك الكلمات التي امتحن الله بها إبراهيم، وفي وصفه له بأنه أتمهن، إشعار بأنها من الأعمال التي لا ينهض بها الا ذو عزم قوى يتلقى أوامر ربه بحسن الطاعة وسرعة الامتثال.
وقدم المفعول وهو لفظ إبراهيم لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم الرب إلى اسمه مع مراعاة الإيجاز، فلذلك لم يقل وإذ ابتلى الله ابراهيم.
وجملة قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً مستأنفة لبيان ما من الله به على إبراهيم من الكرامة ورفعة المقام، بعد أن ذكر- سبحانه- أنه عامله معاملة المختبر له، إذ كلفه بأمور شاقة فأحسن القيام بها.
جاعلك: من جعل بمعنى صير.
والإمام: القدوة الذي يؤتم به في أقواله وأفعاله.
والمراد بالإمامة هنا: الرسالة والنبوة، فإنهما أكمل أنواع الإمامة، والرسول أكمل أفراد هذا النوع، وقد كان إبراهيم- عليه السلام- رسولا يقتدى به الناس في أصول الدين ومكارم الأخلاق.
وقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ولم يقل: «إنى جاعلك للناس رسولا، ليكون ذلك دالا على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء، فان إبراهيم- عليه السلام- قد رحل إلى آفاق كثيرة، فانتقل من بلاد الكلدان إلى العراق، وإلى الشام، وإلى الحجاز، وإلى مصر وكان في جميع منازله أسوة حسنة لغيره.
وقد مدح القرآن إبراهيم في كثير من آياته، ومن ذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وجملة قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي واقعة موقع الجواب عما من شأنه أن يخطر في نفس السامع، فكأنه قال: وماذا كان من إبراهيم عند ما تلقى من ربه تلك البشارة العظمى؟ فكان الجواب أن إبراهيم قد التمس الإمامة لبعض ذريته أيضا.
أى: قال إبراهيم: واجعل يا رب من ذريتي أئمة يقتدى بهم.
وقد رد الله- تعالى- على قول إبراهيم بقوله: قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.
وإنما قال إبراهيم ومن ذريتي ولم يقل وذريتي، لأنه يعلم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء.
أى: قال الله لإبراهيم: قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا يصيب عهدي الذي عهدته إليك بالإمامة الذين ظلموا منهم، فالعهد هنا بمعنى الإمامة المشار إليها في قوله:جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً.
وفي هذه الجملة الكريمة إيجاز بديع، إذ المراد منها إجابة طلب إبراهيم من الإنعام على بعض ذريته بالإمامة كما قال- تعالى-:وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ولكنها تدل صراحة على أن الظالمين من ذريته ليسوا أهلا لأن يكونوا أئمة يقتدى بهم، وتشير إلى أن غير الظالمين منهم قد تنالهم النبوة، وقد نالت من ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء.
قال- تعالى-: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ.
ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن مكانة البيت الحرام، وعن قصة بنائه، وعن الدعوات الخاشعات التي كان إبراهيم يتضرع بها إلى الله عند رفعه البيت فقال:

المصدر : تفسير : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال