موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل - الآية 13 من سورة سبأ

سورة سبأ الآية رقم 13 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 13 من سورة سبأ عدة تفاسير, سورة سبأ : عدد الآيات 54 - الصفحة 429 - الجزء 22.

﴿ يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ﴾
[ سبأ: 13]


التفسير الميسر

يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة، وصور من نحاس وزجاج، وقِصَاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء، وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن، وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره، وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرًا، وكان داود وآله من القليل.

تفسير الجلالين

«يعملون له ما يشاء من محاريب» أبنية مرتفعة يصعد اليها بدرج «وتماثيل» جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء، أي صور من نحاس وزجاج ورخام، ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته «وجفان» جمع جفنه «كالجوابـ» ـي جمع جابية وهو حوض كبير، يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها «وقدور راسيات» ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا «اعملوا» يا «آل داود» بطاعة الله «شكرا» له على ما أتاكم «وقليل من عبادي الشكور» العامل بطاعتي شكرا لنعمتي.

تفسير السعدي

مِنْ مَحَارِيبَ وهو كل بناء يعقد, وتحكم به الأبنية, فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة، وَتَمَاثِيلَ أي: صور الحيوانات والجمادات, من إتقان صنعتهم, وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ أي: كالبرك الكبار, يعملونها لسليمان للطعام, لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها, من عظمها.
فلما ذكر منته عليهم, أمرهم بشكرها فقال: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ وهم داود, وأولاده, وأهله, لأن المنة على الجميع, وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم.
شُكْرًا للّه على ما أعطاهم, ومقابلة لما أولاهم.
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ فأكثرهم, لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه, ودفع عنهم من النقم.
والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية.

تفسير البغوي

( يعملون له ما يشاء من محاريب ) أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصها له ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله - عز وجل - ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلىء ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروز فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله - عز وجل - ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا .
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون .
قد أعطاه ذلك " .
.
قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة [ عجيبة ] من الصخر .
قوله - عز وجل - : ) ( وتماثيل ) أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام .
وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور .
وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا [ بإذن الله .
) ( وجفان ) أي : قصاع واحدتها جفنة ) ( كالجواب ) كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها ( وقدور راسيات ) ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يعطلن ، وكان يصعد عليها بالسلالم ، وكانت باليمن .
( اعملوا آل داود شكرا ) أي : وقلنا اعملوا آل داود شكرا ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه .
( وقليل من عبادي الشكور ) أي : العامل بطاعتي شكرا لنعمتي .
قيل : المراد من " آل داود " هو داود نفسه .
وقيل : داود وسليمان وأهل بيته .
وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .

تفسير الوسيط

ثم بين- سبحانه- بعض الأشياء التي كان الجن يعملونها لسليمان- عليه السلام- فقال: يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ، وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ، وَقُدُورٍ راسِياتٍ.
والمحاريب: جمع محراب.
وهو كل مكان مرتفع، ويطلق على المكان الذي يقف فيه الإمام في المسجد، كما يطلق على الغرفة التي يصعد إليها، وعلى أشرف أماكن البيوت.
قالوا والمراد بها: أماكن العبادة، والقصور المرتفعة.
والتماثيل: جمع تمثال وقد يكون من حجر أو خشب أو نحاس أو غير ذلك.
قال القرطبي ما ملخصه: والتماثيل جمع تمثال.
وهو كل ما صور على مثل صورة حيوان أو غير حيوان.
وقيل: كانت من زجاج ونحاس ورخام، تماثيل أشياء ليست بحيوان.
وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس.
فيزدادوا عبادة واجتهادا.
وهذا يدل على أن ذلك كان مباحا في زمانهم، ونسخ ذلك بشرع محمد صلّى الله عليه وسلم .
والجفان: جمع جفنة.
وهي الآنية الكبيرة.
والجواب: جمع جابية، وهي الحوض الكبير الذي يجبى فيه الماء ويجمع لتشرب منه الدواب.
والقدور: جمع قدر.
وهو الآنية التي يطبخ فيها الطعام من نحاس أو فخار أو غيرهما.
وراسيات: جمع راسية بمعنى ثابتة لا تتحرك.
أى: أن الجن يعملون لسليمان- عليه السلام- ما يشاء من مساجد وقصور، ومن صور متنوعة، ومن قصاع كبار تشبه الأحواض الضخمة، ومن قدور ثابتات على قواعدها، بحيث لا تحرك لضخامتها وعظمها.
وقوله- سبحانه-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ مقول لقول محذوف.
أى: أعطينا سليمان كل هذه النعم، وقلنا له ولأهله: اعملوا يا آل داود عملا صالحا، شكرا لله- تعالى- على فضله وعطائه، وقليل من عبادي هو الذي يشكرني شكرا خالصا على نعمى وفضلي وإحسانى.
وقوله شُكْراً يجوز أن يكون مفعولا لأجله.
أى: اعملوا من أجل الشكر، أو مصدرا واقعا موقع الحال.
أى: اعملوا شاكرين.
وقَلِيلٌ خبر مقدم.
ومِنْ عِبادِيَ صفة له.
و، الشَّكُورُ مبتدأ مؤخر.
وهكذا يختم القرآن هذه النعم بهذا التعقيب الذي يكشف عن طبيعة الناس في كل زمان ومكان، حتى يحملهم على أن يخالفوا أهواءهم ونفوسهم، ويكثروا من ذكر الله- تعالى- وشكره.
وحقيقة الشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم، والثناء عليه لإنعامه، واستعمال نعمه- سبحانه- فيما خلقت له.
والإنسان الشكور: هو المتوفر على أداء الشكر، الباذل قصارى جهده في ذلك، عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه.

المصدر : تفسير : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل