موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا - الآية 156 من سورة آل عمران

سورة آل عمران الآية رقم 156 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 156 من سورة آل عمران عدة تفاسير, سورة آل عمران : عدد الآيات 200 - الصفحة 70 - الجزء 4.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾
[ آل عمران: 156]


التفسير الميسر

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تُشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم، فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم، أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله فيهدي الله قلوبهم، ويخفف عنهم المصيبة، والله يحيي مَن قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا- ويميت مَنِ انتهى أجله -وإن كان مقيمًا- والله بكل ما تعملونه بصير، فيجازيكم به.

تفسير الجلالين

«يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا» أي المنافقين «وقالوا لإخوانهم» أي في شأنهم «إذا ضربوا» سافروا «في الأرض» فماتوا «أو كانوا غُزٌى» جمع غاز فقتلوا «لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا» أي لا تقولوا كقولهم «ليجعل الله ذلك» القول في عاقبة أمرهم «حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت» فلا يمنع عن الموت قعود «والله بما تعملون» بالتاء والياء «بصير» فيجازيكم به.

تفسير السعدي

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يشابهوا الكافرين، الذين لا يؤمنون بربهم، ولا بقضائه وقدره، من المنافقين وغيرهم.
ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء، وفي هذا الأمر الخاص وهو أنهم يقولون لإخوانهم في الدين أو في النسب: إذا ضربوا في الأرض أي: سافروا للتجارة أو كانوا غزى أي: غزاة، ثم جرى عليهم قتل أو موت، يعارضون القدر ويقولون: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا وهذا كذب منهم، فقد قال تعالى: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ولكن هذا التكذيب لم يفدهم، إلا أن الله يجعل هذا القول، وهذه العقيدة حسرة في قلوبهم، فتزداد مصيبتهم، وأما المؤمنون بالله فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله، فيؤمنون ويسلمون، فيهدي الله قلوبهم ويثبتها، ويخفف بذلك عنهم المصيبة.
قال الله ردا عليهم: والله يحيي ويميت أي: هو المنفرد بذلك، فلا يغني حذر عن قدر.
والله بما تعملون بصير فيجازيكم بأعمالكم وتكذيبكم.

تفسير البغوي

( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ) يعني : المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه ، ( وقالوا لإخوانهم ) في النفاق والكفر وقيل : في النسب ، ( إذا ضربوا في الأرض ) أي : سافروا فيها لتجارة أو غيرها ، ( أو كانوا غزى ) أي : غزاة جمع غاز فقتلوا ، ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك ) يعني : قولهم وظنهم ، ( حسرة ) غما ( في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " يعملون " بالياء وقرأ الآخرون بالتاء .

تفسير الوسيط

فقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إلخ كلام مستأنف قصد به تحذير المؤمنين من التشبه بالكافرين ومن الاستماع إلى أقوالهم الذميمة.
والمراد بالذين كفروا المنافقون كعبد الله بن أبى بن سلول وأشباهه من المنافقين الذين سبق للقرآن أن حكى عنهم أنهم قالوا: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا.
وإنما ذكرهم بصفة الكفر للتصريح بمباينة حالهم لحال المؤمنين وللتنفير عن مماثلتهم ومسايرتهم.
وقيل المراد بهم جميع الكفار.
والمراد بإخوانهم: إخوانهم في الكفر والنفاق والمذهب أو في النسب وقوله إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أى سافروا فيها للتجارة أو غيرها فماتوا.
وأصل الضرب: إيقاع شيء على شيء ثم استعمل في السير، لما فيه من ضرب الأرض بالأرجل، ثم صار حقيقة فيه.
وقوله: غُزًّى جمع غاز كراكع وركع، وصائم وصوم، ونائم ونوم.
والمعنى: يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا بفزع وجزع من أجل إخوانهم الذين فقدوهم بسبب سفرهم للتجارة أو بسبب غزوهم في سبيل الله.
قالوا على سبيل التفجع: لو كان هؤلاء الذين ماتوا في السفر أو الغزو مقيمين معنا، أو ملازمين بيوتهم، ولم يضربوا في الأرض ولم يغزوا فيها لبقوا أحياء ولما ماتوا أو قتلوا.
وقولهم هذا يدل على جبنهم وعجزهم، كما يدل على ضعف عقولهم وعدم إيمانهم بقضاء الله وقدره، إذ لو كانوا مؤمنين بقضاء الله وقدره لعلموا أن كل شيء عنده بمقدار، وأن العاقل هو الذي يعمل ما يجب عليه بجد وإخلاص ثم يترك بعد ذلك النتائج الله يسيرها كيف يشاء.
وقولهم هذا بجانب ذلك يدل على سوء نيتهم، وخبث طويتهم، لأنهم قصدوا به تثبيط عزائم المجاهدين عن الجهاد، وعن السعى في الأرض من أجل طلب الرزق الذي أحله الله.
والنهى في قوله- تعالى- لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يشعر بالتفاوت الشديد بين المقامين:مقام الإيمان ومقام الكفران، وأنه لا يليق بالمؤمن أن ينحدر إلى المنحدر الدون وهو التشبه بالكافرين، بعد أن رفعه الله بالإيمان إلى أعلى عليين، وفي هذا تقبيح للمنهى عنه بأبلغ وجه وبأدق تصوير.
واللام في قوله لِإِخْوانِهِمْ يرى صاحب الكشاف أنها للتعليل فقد قال: قوله: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ أى لأجل إخوانهم، كقوله- تعالى- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ .
ويجوز أن تكون اللام للدلالة على موضع الخطاب، ويكون المعنى: لا تكونوا أيها المؤمنون كهؤلاء الذين كفروا وقالوا لإخوانهم الأحياء: لو كان أولئك الذين فقدناهم ملازمين لبيوتهم ولم يضربوا في الأرض ولم يغزوا لما أصابهم ما أصابهم من الموت أو القتل.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: فإن قيل إن قوله قالُوا لِإِخْوانِهِمْ يدل على الماضي، وقوله إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ يدل على المستقبل فكيف الجمع بينهما؟فالجواب من وجوه:أولها: أن قوله قالُوا تقديره: يقولون، فكأنه قيل: لا تكونوا كالذين كفروا ويقولون لإخوانهم كذا وكذا.
.
وإنما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي للتأكيد وللإشعار بأن جدهم في تقرير الشبهة قد بلغ الغاية، وصار بسبب ذلك الجد ينظر إلى هذا المستقبل كالكائن الواقع.
وثانيها: أن الكلام خرج على سبيل حكاية الحال الماضية.
والمعنى أن إخوانهم إذا ضربوا في الأرض، فالكافرون يقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فمن أخبر عنهم بعد ذلك فلا بد أن يقول: قالوا.
وثالثها: قال «قطرب» كلمة «إذ» و «وإذا يجوز إقامة كل واحدة منهما مقام الأخرى وهو حسن لأنا إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فلأن يجوز إثباتها بالقرآن العظيم أولى»وقوله أَوْ كانُوا غُزًّى معطوف على ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ من عطف الخاص بعد العام، اعتناء به لأن الغزو هو المقصود في هذا المقام وما قبله توطئة له.
قالوا: على أنه قد يوجد الغزو بدون الضرب في الأرض بناء على أن المراد بالضرب في الأرض السفر البعيد، فيكون على هذا بين الضرب في الأرض وبين الغزو خصوص وعموم من وجه.
وإنما لم يقل أو غزوا: للإيذان باستمرار اتصافهم بعنوان كونهم غزاة، أو لانقضاء ذلك، أى كانوا غزاة فيما مضى.
وقوله لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا في محل نصب مقول القول.
ثم بين- سبحانه- ما ترتب على أقوالهم من عواقب سيئة فقال: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ.
والحسرة- كما يقول الراغب- هي غم الإنسان على ما فاته، والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، أو انحسرت قواه- أى انسلخت- من فرط الغم، وأدركه إعياء عن تدارك ما فرط» .
فالحسرة هي الهم المضنى الذي يلقى على النفس الحزن المستمر والألم الشديد، واللام في قوله لِيَجْعَلَ هي التي تسمى بلام العاقبة، وهي متعلقة بقالوا أى قالوا ما قالوه لغرض من أغراضهم التي يتوهمون من ورائها منفعتهم ومضرة المؤمنين فكان عاقبة قولهم ومصيره إلى الحسرة والندامة لأن المؤمنين الصادقين لن يلتفتوا إلى هذا القول.
بل سيمضون في طريق الجهاد الذي كتبه الله عليهم وسيكون النصر الذي وعدهم الله إياه حليفهم وبذلك يزداد الكافرون المنافقون حسرة على حسرتهم.
ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويكون المعنى: ان الله- تعالى- طبع الكفار على هذه الأخلاق السيئة بسبب كفرهم وضلالهم لأجل أن يجعل الحسرة في قلوبهم والغم في نفوسهم والضلال بهذه الأقوال والأفعال في عقولهم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما متعلق ليجعل؟ قلت: قالوا.
أى قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم على أن اللام مثلها في لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً أو لا تكونوا بمعنى:لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم.
فإن قلت: ما معنى إسناد الفعل إلى الله؟ قلت: معناه أن الله- تعالى- عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم ويضيق صدورهم عقوبة لهم.
.
كما قال- تعالى- وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ.
ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دل عليه النهى، أى لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادتهم مما يغمهم ويغيظهم» .
والجعل هنا بمعنى التصيير، وقوله حَسْرَةً مفعول ثان له، وقوله، فِي قُلُوبِهِمْ متعلق بيجعل.
وذكر القلوب مع أن الحسرة لا تكون إلا فيها، لإرادة التمكن، والإيذان بعدم الزوال.
وقوله وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ رد على قولهم الباطل أثر بيان سوء عاقبته وحض للمؤمنين على الجهاد في سبيل الله وترغيب لهم في العمل الصالح، أى أن الأرواح كلها بيد الله يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء فالقعود في البيوت لا يطيل الآجال كما أن الخروج للجهاد في سبيل الله أو للسعي في طلب الرزق لا ينقصها ومادام الأمر كذلك فعلى العاقل أن يسارع إلى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، وأن يسعى في الأرض ذات الطول والعرض ليأكل من رزق الله وأن يباشر الأسباب التي شرعها الله بدون عجز أو كسل وليعلم أن الله مطلع على أعمال الناس وأقوالهم وسيجازيهم عليها يوم القيامة بما يستحقون من خير أو شر.

المصدر : تفسير : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا