موقع الحمد لله القرآن الكريم القرآن mp3 المقالات مواقيت الصلاة
القرآن الكريم

تفسير ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع - الآية 18 من سورة فاطر

سورة فاطر الآية رقم 18 : شرح و تفسير الآية

تفسير و معنى الآية 18 من سورة فاطر عدة تفاسير, سورة فاطر : عدد الآيات 45 - الصفحة 436 - الجزء 22.

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ﴾
[ فاطر: 18]


التفسير الميسر

ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، وإن تَسْأل نفسٌ مثقَلَة بالخطايا مَن يحمل عنها من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئًا، ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ ونحوهما. إنما تحذِّر -أيها الرسول- الذين يخافون عذاب ربهم بالغيب، وأدَّوا الصلاة حق أدائها. ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي فإنما يتطهر لنفسه. وإلى الله سبحانه مآل الخلائق ومصيرهم، فيجازي كلا بما يستحق.

تفسير الجلالين

«ولا تزر» نفس «وازرة» آثمة، أي لا تحمل «وزرَ» نفس «أخرى وإن تدع» نفس «مثقلة» بالوزر «إلى حملها» منه أحدا ليحمل بعضه «لا يُحمل منه شيء ولو كان» المدعو «ذا قربى» قرابة كالأب والابن وعدم الحمل في الشقين حكم من الله «إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب» أي يخافونه وما رأوه لأنهم المنتفعون بالإنذار «وأقاموا الصلاة» أداموها «ومن تزكَّى» تطهر من الشرك وغيره «فإنما يتزكَّى لنفسه» فصلاحه مختص به «وإلى الله المصير» المرجع فيجزي بالعمل في الآخرة.

تفسير السعدي

ويدل على المعنى الأخير، ما ذكره بعده في قوله: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أي: في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله، ولا يحمل أحد ذنب أحد.
وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ أي: نفس مثقلة بالخطايا والذنوب، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى فإنه لا يحمل عن قريب، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا، يساعد الحميم حميمه، والصديق صديقه، بل يوم القيامة، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد، ولو على والديه وأقاربه.
إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ أي: هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها، أهل الخشية للّه بالغيب، أي: الذين يخشونه في حال السر والعلانية، والمشهد والمغيب، وأهل إقامة الصلاة، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها، لأن الخشية للّه تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب، والصلاة تدعو إلى الخير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ أي: ومن زكى نفسه بالتنقِّي من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة، من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق، فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء.
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ فيجازي الخلائق على ما أسلفوه، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

تفسير البغوي

( ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة ) أي : نفس مثقلة بذنوبها غيرها ( إلى حملها ) أي : إلى حمل ما عليه من الذنوب ( لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) أي : ولو كان المدعو ذا قرابة له؛ ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه .
قال ابن عباس : يلقى الأب والأم ابنه فيقول : يا بني احمل عني بعض ذنوبي .
فيقول : لا أستطيع حسبي ما علي .
( إنما تنذر الذين يخشون ) يخافون ( ربهم بالغيب ) ولم يروه .
وقال الأخفش : تأويله أي : إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب ( وأقاموا الصلاة ومن تزكى ) صلح وعمل خيرا ( فإنما يتزكى لنفسه ) لها ثوابه ( وإلى الله المصير )

تفسير الوسيط

ثم بين- سبحانه- أن كل نفس تتحمل نتائج أعمالها وحدها فقال: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
وقوله: تَزِرُ من الوزر بمعنى الحمل.
يقال: فلان وزر هذا الشيء إذا حمله.
وفعله من باب «وعد» ، وأكثر ما يكون استعمالا في حمل الآثام.
وقوله وازِرَةٌ: صفة لموصوف محذوف.
أى: ولا تحمل نفس آثمة، إثم نفس أخرى، وإنما كل نفس مسئولة وحدها عن أفعالها وأقوالها التي باشرتها، أو تسببت فيها.
وقوله: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى مؤكد لمضمون ما قبله، من مسئولية كل نفس عن أفعالها.
وقوله: مُثْقَلَةٌ صفة لموصوف محذوف، والمفعول محذوف- أيضا- للعلم به.
وقوله حِمْلِها أى: ما تحمله من الذنوب والآثام، إذ الحمل- بكسر الحاء- ما يحمله الإنسان من أمتعة على ظهره أو رأسه أو كتفه.
والمعنى: لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، وإن تطلب نفس مثقلة بالذنوب من نفس أخرى، أن تحمل عنها شيئا من ذنوبها التي أثقلتها، لا تجد استجابة منها، ولو كانت تلك النفس الأخرى من أقربائها وذوى رحمها.
قال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً .
.
.
وقال- سبحانه-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.
وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: ولا تزر نفس وزر أخرى؟ قلت: لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى واحدة منهن إلا حاملة وزرها، لا وزر غيرها.
فإن قلت: كيف توفق بين هذا، وبين قوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ؟قلت: تلك الآية في الضالين المضلين، وأنهم يحملون أثقال إضلالهم لغيرهم، مع أثقالهم، وذلك كله أوزارهم، ما فيها شيء من وزر غيرهم.
فإن قلت: فما الفرق بين معنى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وبين معنى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ.
.
؟قلت: الأول في الدلالة على عدل الله- تعالى- في حكمه، وأنه- تعالى- لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها.
والثاني: في أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث.
.
وإن كان المستغاث به بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ .
.
.
فإن قلت: إلام أسند كان في قوله وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى؟ قلت: إلى المدعو المفهوم من قوله: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ.
فإن قلت: فلم ترك ذكر المدعو؟ قلت: «ليعم ويشمل كل مدعو.
.
» .
وقوله- تعالى-: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ.
كلام مستأنف مسوق لبيان من هم أهل للاتعاظ والاستجابة للحق.
أى: أنت- أيها الرسول الكريم- إنما ينفع وعظك وإنذارك.
أولئك العقلاء الذين يخشون ربهم- عز وجل- دون أن يروه، أو يروا عذابه، والذين يؤدون الصلاة في مواقيتها بإخلاص وخشوع واطمئنان.
ثم حض- سبحانه- على تزكية النفوس وتطهيرها فقال: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أى: ومن تطهر من دنس الكفر والفسوق والعصيان.
وحصن نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، والتوبة النصوح، فإن ثمرة تطهره إنما تعود إلى نفسه وحدها، وإليها يرجع الأجر والثواب، والله- تعالى- إليه وحده مصير العباد لا إلى غيره.
فالجملة الكريمة دعوة من الله- تعالى- للناس، إلى تزكية النفوس وتطهيرها من كل سوء، بعد بيان أن كل نفس مسئولة وحدها عن نتائج أفعالها، وأن أحدا لن يلبى طلب غيره في أن يحمل شيئا عنه من أوزاره.

المصدر : تفسير : ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع